التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح
للحافظ العراقي
11 بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم أعن ويسر
صلى الله عليه وسلم
والحمد لله الذى ألهم لإيضاح ما أبهم وأفهم إلى الاصطلاح ولو شاء لم نفهم وأشهد أن لا إله إلا الله الكاشف لما ينوب من الخطوب ويدهم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من أنجد وأتهم وأعدل من أنقذ وأسهم و صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
فإن أحسن ما صنف أهل الحديث فى معرفة الاصطلاح كتاب علوم الحديث لابن الصلاح جمع فيه غرر الفوائد فأوعى ودعى له زمر الشوارد فأجابت طوعا إلا أن فيه غير موضع قد خولف فيه وأماكن أحز تحتاج إلى تقييد وتنبيه فأردت أن أجمع عليه نكتا تقيد مطلقه وتفتح مغلقه وقد أورد عليه غير واحد من المتأخرين إيرادات
12 ليست بصحيحة فرأيت أن أذكرها وأبين تصويب كلام الشيخ وترجيحه لئلا يتعلق بها من لا يعرف مصطلحات القوم ويتفق من مزجى البضاعات ما لا يصلح للسوم وقد كان الشيخ الامام العلامة علاء الدين مغلطاى أوقفنى على شئ جمعه عليه سماه إصلاح ابن الصلاح وقرأ من لفظه موضعا منه ولم أر كتابه المذكور بعد ذلك وأيضا قد اختصره جماعة وتعقبوه فى مواضع منه فحيث كان الاعتراض عليه غير صحيح ولا مقبول ذكرته بصيغة اعترض عليه على البناء للمفعول وقد أخبرنى بكتاب ابن الصلاح المذكور الشيخان الإمامان الحافظان البارعان صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدى العلائى وبهائى الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن خليل الأموى بقراءتى على الثانى لجميع الكتاب وسماعا على الأول لبعض الكتاب وإجازة باقيه قالا أنا بجميعه محمد بن يوسف بن المهتار الدمشقى قال أخبرنا بمؤلفه الشيخ الامام تقى الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الشهرزورى رحمه الله قراءة عليه فى الخامسة من عمرى وسميته التقييد والايضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح والله أسأل وأستعين أن يوفق لإكماله ويعين وأن لا يجعل ما علمنا من العلم علينا وبالا ويجعله خالصا لوجهه تبارك وتعالى إنه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير قوله ويعنى به محققو العلماء وكملتهم هو بضم الياء وفتح النون على البناء للمفعول وعليه اقتصر صاحبا الصحاح والمحكم وحكى الهروى فى الغبريين أنه استعمل على البناء للفاعل أيضا فيقال عنى بكذا يعنى به وحكاه المطرزى أيضا وأنشد عليه عان بأخراها طويل الشغل قال والمبنى للمفعول أفصح
13 قوله جعله الله مليا بذلك وأملى وفيا بكل ذلك وأوفى استعمل المصنف هنا مليا وأملى بغير همز على التخفيف وكتبه بالياء المناسبة قوله وفيا وأوفى وإلا فالأول مهموز من قولهم ملوء الرجل بضم اللام وبالهمز أى صار مليئا أى ثقه وهو ملئ بين الملاء والملاءة ممدودان قاله الجوهرى
18 النوع الأول معرفة الصحيح
قوله اعلم علمك الله وإياى أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف انتهى وقد اعترض عليه بأمرين أحدهما أن فى الترمذى مرفوعا إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه الأولى أن يقول علمنا الله وإياك انتهى ما اعترض به هذا المعترض والحديث الذى ذكره من عند الترمذى ليس هكذا وهو حديث أبى بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه ثم قال هذا حديث حسن غريب صحيح ورواه أبو داود أيضا ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه وقال رحمة الله علينا وعلى موسى الحديث ورواه النسائى أيضا فى سننه الكبرى وهو عند مسلم أيضا كما سيأتى فليس فيه ما ذكره من أن كل داع يبدأ بنفسه وإنما هو من فعله صلى الله عليه وسلم لا من قوله وإذا كان كذلك فهو مقيد بذكره صلى الله عليه وسلم نبيا من الأنبياء كما ثبت فى صحيح مسلم فى حديث أبى الطويل فى قصة موسى مع الخضر وفيه قال وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخى وكذا رحمة الله علينا الحديث فأما دعاؤه لغير الأنبياء فلم ينقل أنه كان يبدأ بنفسه كقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى فى قصة زمزم قال ابن عباس قال النبى صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا
19 وفى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ فى سورة بالليل فقال يرحمه الله الحديث وفى رواية للبخارى إن الرجل هو عباد بن بشر وللبخارى من حديث سلمة ابن الأكوع من السائق قالوا عامر قال يرحمة الله الحديث فظهر بذلك أن بدأه بنفسه في الدعاء وكان فيما إذا ذكر نبيا من الأنبياء كما تقدم على أنه قد دعا لبعض الأنبياء ولم يذكر نفسه معه وذلك فى الحديث المتفق على صحته من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد الحديث وفى الصحيحين أيضا من حديث ابن مسعود رضى الله عنه مرفوعا يرحم الله موسى لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر الأمر الثانى أن ما نقله عن أهل الحديث من كون الحديث ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة ليس بجيد فإن بعضهم يقسمه إلى قسمين فقط صحيح وضعيف وقد ذكر المصنف هذا الخلاف فى النوع الثانى فى التاسع من التفريعات المذكورة فيه فقال من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا فى أنواع الصحيح لاندراجه فى أنواع ما يحتج به قال وهو الظاهر من كلام أبى عبد الله الحاكم فى تصرفاته إلى آخر كلامه فكان ينبغى الاحتراز عن هذا الخلاف هنا والجواب أن ما نقله المصنف عن أهله الحديث قد نقله عنهم الخطابى فى خطبة معالم السنن فقال اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام حديث صحيح وحديث حسن وحديث سقيم ولم أر من سبق الخطابى إلى تقسيمه ذلك وإن كان فى كلام المتقدمين ذكر الحسن وهو موجود فى كلام الشافعى رضى الله عنه والبخارى وجماعة ولكن الخطابى نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة فتبعه المصنف على ذلك هنا ثم حكى الخلاف فى الموضع الذى ذكره فلم يهمل حكاية الخلاف والله أعلم
20 قوله أما الحديث الصحيح فهو المسند الذى يتصل إسناده إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن من يقبل المرسل لا يشترط أن يكون مسندا وأيضا اشتراط سلامته من الشذوذ والعلة إنما زادها أهل الحديث كما قاله ابن دقيق العيد فى الاقتراح قال وفى هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من العلل التى يعلل بها المحدثون لا تجرى على أصول الفقهاء قال ومن شرط الحد أن يكون جامعا مانعا والجواب أن من يصنف فى علم الحديث إنما يذكر الحد عند أهله لا من عند غيرهم من أهل علم آخر وفى مقدمة مسلم أن المرسل فى أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار وليس بحجة وكون الفقهاء والأصوليين لا يشترطون فى الصحيح هذين الشرطين لا يفسد الحد عند من يشترطهما على أن المصنف قد احترز عن خلافهم وقال بعد أن فرغ من الحد وما يحترز به عنه فهذا هو الحديث الذى يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث وقد يختلفون فى صحة بعض الأحاديث لاختلافهم فى وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم فى اشتراط بعض هذه الأوصاف كما فى المرسل انتهى كلامه فقد احترز المصنف عما اعترض به عليه فلم يبق للاعتراض وجه والله اعلم وقوله بلا خلاف بين أهل الحديث إنما قد نفى الخلاف بأهل الحديث لأن غير أهل الحديث قد يشترطون فى الصحيح شروطا زائدة على هذه كاشتراط العدد فى الرواية كما فى الشهادة فقد حكاه الحازمى فى شروط الأئمة عن بعض متأخرى
21 المعتزلة على أنه قد حكى أيضا عن بعض أصحاب الحديث قال البيهقى فى رسالته إلى أبى محمد الجوينى رحمهما الله رأيت فى الفصول التى أملاها الشيخ خرسه الله تعالى حكاية عن بعض أصحاب الحديث أنه يشترط فى قبول الأخبار أن يروى عدلان عن عدلين حتى يتصل مثنى مثنى برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكره قائله إلى آخر كلامه وكأن البيهقى رآه فى كلام أبى محمد الجوينى فنبهه على أنه لا يعرف عن أهل الحديث والله أعلم وقوله وقد يختلفون فى صحة بعض الأحاديث لاختلافهم فى وجود هذه الأوصاف فيه انتهى يريد بقوله هذه الأوصاف أى أوصاف القبول التى ذكرها فى حد الصحيح وإنما نبهت على ذلك وإن كان واضحا لأنى رأيت بعضهم قد اعترض عليه فقال إنه يعنى الأوصاف المتقدمة من إرسال وانقطاع وعضل وشذوذ وشبهها قال وفيه نظر من حيث إن أحدا لم يذكر أن المعضل والشاذ والمنقطع صحيح وهذا الاعتراض ليس بصحيح فإنه إنما أراد أوصاف القبول كما قدمته وعلى تقدير أن يكون أراد ما زعم فمن يحتج بالمرسل لا يتقيد بكونه أرسله التابعى بل لو أرسله أتباع التابعين احتج به وهو عنده صحيح وإن كان معضلا وكذلك من يحتج بالمرسل يحتج بالمنقطع بل المنقطع والمرسل عند المتقدمين واحد وقال أبو يعلى الخليلى فى الإرشاد إن الشاذ ينقسم إلى صحيح ومردود فقول هذا المعترض إن أحدا لا يقول فى الشاذ إنه صحيح مردود بقول الخليلى المذكور والله أعلم
22 قوله على أن جماعة من أهل الحديث خاضوا غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم فذكر الخلاف فى أصح الأسانيد إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن الحاكم وغيره ذكروا أن هذا بالنسبة إلى الأمصار أو إلى الأشخاص وإذا كان كذلك فلا يبقى خلاف بين هذه الأقوال انتهى كلام المعترض وليس بجيد لأن الحاكم لم يقل إن الخلاف مقيد بذلك بل قال لا ينبغى أن يطلق ذلك وينبغى أن يقيد بذلك فهذا لا ينفى الخلاف المتقدم وأيضا ولو قيدناه بالأشخاص فالخلاف موجود فيقال أصح أسانيد على كذا وقيل كذا وقيل كذا وأصح أسانيد ابن عمر كذا وقيل كذا فالخلاف موجود والله أعلم
23 قوله إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرهما حديثا صحيح الإسناد ولم نجده فى أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته فى شئ من مصنفات أهل الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا نتجاسر على حزم الحكم بصحته فقد تعذر فى هذه الأعصار الاستقلال بادراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد إلى آخر كلامه وقد خالفه فى ذلك الشيخ محيى الدين النووى فقال والأظهر عندى جوازه لمن تمكن وقويت معرفته انتهى كلامه وما رجحه النووى هو الذى عليه عمل أهل الحديث فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن نقدمهم فيها تصحيحا فمن المعاصرين لابن الصلاح أبو الحسن على بن محمد بن عبد الملك بن القطان صاحب كتاب بيان الوهم والإيهام وقد صحح فى كتابه المذكور عدة أحاديث منها حديث ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه
24 فى رجليه ويمسح عليهما ويقول كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل أخرجه أبو بكر البزار فى مسنده وقال ابن القطان إنه حديث صحيح ومنها حديث أنس بن مالك رضى الله عنه كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة رواه هكذا قاسم بن أصبغ وصححه ابن القطان فقال وهو كما ترى صحح وتوفى ابن القطان هذا هو على قضاء سجلماسة من المغرب سنة ثمان وعشرين وستمائة ذكره ابن الأبار فى التكملة وممن صحح أيضا من المعاصرين له الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسى جمع كتابا سماه المختارة التزم فيه الصحة وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها فيما أعلم وتوفى الضياء المقدسى فى السنة التى مات فيها ابن الصلاح سنة ثلاث وأربعين وستمائة وصحح الحافظ زكى الدين عبد العظيم بن عبد القوى المنذرى حديثا فى جزء له جمع فيه ما ورد فيه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وتوفى الزكى عبد العظيم سنة ست وخمسين وستمائة ثم صحح الطبقة التى تلى هذه أيضا فصحح الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطى حديث جابر مرفوعا ماء زمزم لما شرب له فى جزء جمعه فى ذلك أورده من رواية عبد الرحمن بن أبى الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر ومن هذه الطريق رواه البيهقى وفي شعب الأيمان وإنما المعروف رواية عبد الله بن المؤمل عن ابن المنكدر كما رواه ابن ماجه وضعفه النووى وغيره من هذا الوجه وطريق ابن عباس أصح من طريق جابر ثم صححت الطبقة التى تلى هذه وهم شيوخا فصحح الشيخ تقى الدين السبكى حديث ابن عمر فى الزيارة فى تصنيفه المشهور كما أخبرنى به ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذاك منهم إلا أن منهم من لا يقبل ذاك منهم وكذا كان المتقدمون وبما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه والله أعلم
25 قوله أول من صنف الصحيح البخارى انتهى اعترض عليه بأن مالكا صنف الصحيح قبله والجواب أن مالكا رحمه الله لم يفرد الصحيح بل أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف كما ذكره ابن عبد البر فلم يفرد الصحيح إذا والله أعلم قوله وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج انتهى كلامه اعترض عليه بقول أبى الفضل أحمد بن سلمة كنت مع مسلم بن الحجاج فى تأليف هذا الكتاب سنة خمس ومائتين هكذا رأيته بخط الذى اعترض على ابن الصلاح سنة خمس ومائتين فقط وأراد بذلك أن تصنيف مسلم لكتابه قديم فلا يكون تاليا لكتاب البخارى وقد تصحف التاريخ عليه وإنما هو سنة خمسين ومائتين بزيادة الياء والنون وذلك باطل قطعا لأن مولد مسلم رحمه الله سنة أربع ومائتين بل البخارى لم يكن فى التاريخ المذكور وصنف فضلا عن مسلم فإن بينهما فى العمر عشر سنين ولد البخارى سنة أربع وتسعين ومائة
26 قوله فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخارى إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسدودا غير ممزوج بمثل ما فى كتاب البخارى فى تراجم أبوابه من الأشياء التى لم يسندها على الوصف المشروط فى الصحيح انتهى قلت قد روى مسلم بعد الخطبة فى كتاب الصلاة بإسناده الى يحيى بن أبى كثير أنه قال لا يستطاع العلم براحة الجسم فقد مزجه بغير الأحاديث ولكنه نادر جدا بخلاف البخارى والله اعلم
27 قوله وجملة ما فى كتابه الصحيح يعنى البخارى سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المكررة انتهى هكذا أطلق ابن الصلاح عدة أحاديثه والمراد بهذا العدد الرواية المشهورة وهى رواية محمد بن يوسف الفربرى فأما رواية حماد بن شاكر فهى دونها بمائتى حديث وأنقص الروايات رواية إبراهيم بن معقل فإنها تنقص عن رواية الفربرى ثلاثمائة حديث ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث مسلم وقد ذكرها النووى من زياداته فى التقريب والتيسير فقال إن عدة أحاديثه نحو أربعة آلاف بإسقاط المكرر انتهى ولم يذكر عدته بالمكرر وهو يزيد على عدة كتاب البخارى لكثرة طرقه وقد رأيت عن أبى الفضل أحمد بن سلمة أنه اثنا عشر ألف حديث قوله ثم ان الزيادة فى الصحيح على ما فى الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشتهرة لأئمة الحديث كأبى داود الترمذى والنسائى وابن خزيمة والدارقطنى وغيرهم منصوصا على صحته فيها انتهى كلامه ولا يشترط فى معرفة الصحيح الزائد على ما فى الصحيحين أن ينص الأئمة المذكورون
28 وغيرهم على صحتها فى كتبهم المعتمدة المشتهرة كما قيده المصنف بل لو نص أحد منهم على صحته بالإسناد الصحيح كما فى سؤالات يحيى بن معين وسؤالات الإمام أحمد وغيرهما كفى ذلك فى صحته وهذا واضح وإنما قيده المصنف بتنصيصهم على صحته فى كتبهم المشتهرة بناء على اختياره المتقدم أنه ليس لأحد أن يصح فى هذه الأعصار فلا يكفى على هذا وجود التصحيح بلإسناد صحيح كما لا يكفى فى التصحيح بوجود أصل الحديث بإسناد صحيح ولكن قد تقدم أن اختياره هذا خالفه فيه النووى وغيره من أهل الحديث فإن العمل على خلافه كما تقدم والله أعلم وقوله ويكفى مجرد كونه موجودا فى كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب ابن خزيمة وكذلك ما يوجد فى الكتب المخرجة على كتاب البخارى وكتاب مسلم ككتاب أبى عوانة الاسفراينى وكتاب أبى بكر الاسماعيلى وكتاب أبى بكر البرقانى وغيرها من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح فى كثير من أحاديث الصحيحين وكثير من هذا موجود فى الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدى انتهى كلامه وهو يقتضى أن ما وجد من الزيادات على الصحيحين فى كتاب الحميدى يحكم بصحته وليس كذلك لأن المستخرجات المذكورة قد رووها بأسانيدهم الصحيحة فكانت الزيادات التى تقع فيها صحيحة لوجودها بإسناد صحيح فى كتاب مشهور على رأي
29 المصنف وأما الذى زاده الحميدى فى الجمع بين الصحيحين فإنه لم يروه بإسناده حتى ينظر فيه ولا أظهر لنا اصطلاحا أنه يزيد فيه زوايد التزم فيها الصحة فيقلد فيها وإنما جمع بين كتابين وليست تلك الزيادات فى واحد من الكتابين فهى غير مقبولة حتى توجد فى غيره بإسناد صحيح والله أعلم وقد نص المصنف بعد هذا فى الفائدة الخامسة التى تلى هذه أن من نقل شيئا من زيادات الحميدى عن الصحيحين أو أحدهما فهو مخطئ وهو كما ذكر فمن أنزله أن تلك الزيادات محكوم بصحتها بلا مستند فالصواب ما ذكرناه والله أعلم قوله واعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة فى عدد الحديث الصحيح على ما فى الصحيحين وجمع ذلك فى كتاب سماه المستدرك أودعه ما ليس فى واحد من الصحيحين مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته فى كتابيهما الى آخر كلامه فيه أمران أحدهما أن قوله أودعه ما ليس فى واحد من الصحيحين لبس كذلك فقد أودعه أحاديث مخرجه فى الصحيح وهما منه فى ذلك وهى أحاديث كثيرة منها حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعا لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن الحديث رواه الحاكم فى مناقب أبى سعيد الخدرى وقد أخرجه مسلم فى صحيحه وقد بين الحافظ أبو عبد الله الذهبى فى مختصر المستدرك كثيرا من الأحاديث
30 التى أخرجها فى المستدرك وهى فى الصحيح الأمر الثانى أن قوله مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته فى كتابيهما فيه بيان أن ما هو على شرطهما هو مما أخرجا عن رواته فى كتابيهما ولم يرد الحاكم ذلك فقد قال فى خطبة كتابه المستدرك وأنا أستعين الله تعالى على اخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج مثلها الشيخان أو أحدهما فقول الحاكم بمثلهما أى بمثل رواتها لابهم أنفسهم ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث وفيه نظر ولكن الذى ذكره المصنف هو الذى فهمه ابن دقيق العيد من عمل الحاكم فإنه ينقل تصحيح الحاكم لحديث وأنه على شرط البخارى مثلا ثم يعترض عليه بأن فيه فلانا ولم يخرج له البخارى وهكذا فعل الذهبى فى مختصر المستدرك ولكن ظاهر كلام الحاكم المذكور مخالف لما فهموه عنه والله أعلم قوله عند ذكر تساهل الحاكم فالأولى أن تتوسط فى أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة ان لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه انتهى كلامه وقد تعقبه بعض من اختصر كلامه وهو مولانا قاضى القضاه بدر الدين بن جماعة فقال إنه يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الحسن أو الصحة أو الضعف وهذا هو الصواب إلا أن الشيخ أبا عمرو رحمه الله رأيه أنه قد انقطع التصحيح فى هذه الأعصار فليس لأحد أن يصحح فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه والله أعلم قوله ويقاربه فى حكمه صحيح أبى حاتم بن حبان البستى انتهى وقد فهم بعض المتأخرين من كلامه ترجيح كتاب الحاكم على كتاب ابن حبان فاعترض على كلامه هذا بأن قال أما صحيح ابن حبان فمن عرف شرطه واعتبر كلامه
31 عرف سموه على كتاب الحاكم وما فهمه هذا المعترض من كلام المصنف ليس بصحيح وإنما أراد أنه يقاربه فى التساهل فالحاكم أشد تساهلا منه وهو كذلك قال الحازمى ابن حبان أمكن فى الحديث من الحاكم قوله ثم ان التخاريج المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان فذكرهما
32 ولو قال أن هاتين الفائدتين من فائدة المستخرجات كان أحسن فإن فيها غير هاتين الفائدتين فمن ذلك تكثير طرق الحديث ليرجح بها عند التعارض قوله وأما الذى حذف من مبتدإ إسناده واحد أو أكثر وأغلب ما وقع ذلك فى البخارى وهو فى كتاب مسلم قليل جدا ففى بعضه نظر وينبغى أن يقول ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من علقه عنه فقد حكم بصحته عنه مثاله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال ابن عباس كذا قال مجاهد كذا قال عفان كذا قال القعنبى كذا روى أبو هريرة كذا وما أشبه ذلك من العبارات فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا اذا صح عنده ذلك عنه ثم اذا كان الذى علق الحديث عنه دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابى وأما ما لم يكن فى لفظه جزم وحكم مثل روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وروى عن فلان كذا وفى الباب عن النبى صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وما أشبهه من الألفاظ ليس منه حكم منه بصحة ذلك من ذكره عنه لأن مثل هذه العبارات تستعمل فى الحديث الضعيف أيضا ومع ذلك فإيراده له فى أثناء الصحيح مستعد بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه والله أعلم انتهى كلامه وفيه أمور أحدها أن قوله وهو فى مسلم قليل جدا هو ما ذكر ولكنى رأيت أن أبين موضع ذلك القليل ليضبط فمن ذلك قول مسلم فى التيمم وروى الليث ابن سعد حدثنى جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن عمير مولى بن عباس أنه سمعه يقول أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبى الجهيم بن الحارث بن العمة الأنصارى فقال أبو الجهيم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بير جمل الحديث
33 وقال مسلم فى البيوع وروى الليث بن سعد حدثنى جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن ابن هرمز عن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك أنه كان له مال على عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى الحديث وقال مسلم فى الحدود وروى الليث أيضا عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله وهذان الحديثان الأخيران قد رواهما مسلم قبل هذين الطريقين متصلا ثم عقبهما بهذين الإسنادين المعلقين فعلى هذا ليس فى كتاب مسلم بعد المقدمة حديث معلق لم يوصله إلا حديث أبى الجهم المذكور وفيه بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا ثم عقبه بقول ورواه فلان وقد جمعها الرشيد العطار فى الغرر والمجموعة وقد تبينت ذلك كله فى كتاب جمعته فيما تكلم فيه من أحاديث الصحيحين بضعف أو انقطاع والله أعلم الأمر الثانى أن قوله فى أمثلة ما حذف من مبتدإ إسناده واحد أو أكثر قال عفان كذا قال القعنبى كذا ليس بصحيح ولم يسقط من هذا الإسناد شئ فإن عفان والعقنبى كلاهما من شيوخ البخارى الذين سمع منهم فما روى عنهما ولو بصيغة لا نقتضى التصريح بالسماع فهو محمول على الاتصال وقد ذكره ابن الصلاح كذلك على الصواب فى النوع الحادى عشر من كتابه فى الرابع من التفريعات التى ذكرها فيه فأنكر على ابن حزم حكمه بالانقطاع على حديث أبى مالك الأشعرى أو أبى عامر فى تحريم المعازف لأن البخارى أورده قائلا فيه قال هشام بن عمار وهشام بن عمار أحد شيوخ البخارى وذكر المصنف هنا من أمثلة التعليق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال ابن عباس كذا وكذا روى أبو هريرة كذا وكذا قال الزهرى عن أبى سلمة
34 عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وهكذا إلى شيوخ شيوخه قال وأما ما أورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا فى الثالث من هذه التفريعات انتهى كلامه وسيأتى هناك ذكر ما يعكر على كلامه فراجعه والذى ذكره فى ثالث التفريعات أن من روى عمن لقيه بأى لفظ كان فإن حكمه الاتصال بشرط السلامة من التدليس هذا حاصل ما ذكره وهو الصواب وليس البخارى مدلسا ولم يذكره أحد بالتدليس فيما رأيت إلا أبا عبد الله بن منده فإنه قال فى جزء له فى اختلاف الأئمة فى القراءة والسماع والمناولة والإجازة أخرج البخارى فى كتبه الصحيحة وغيرها قال لنا فلان وهى إجازة وقال فلان وهو تدليس قال وكذلك مسلم أخرجه على هذا انتهى كلام ابن منده وهو مردود عليه ولم يوافقه عليه أحد علمته والدليل على بطلان كلامه أنه ضم مع البخارى مسلما فى ذلك ولم يقل مسلم فى صحيحه بعد المقدمة عن أحد من شيوخه قال فلان وإنما روى عنهم بالتصريح فهذا يدلك على توهين كلام ابن منده لكن سيأتى فى النوع الحادى عشر ما يدلك على أن البخارى قد يذكر الشئ عن بعض شيوخه ويكون بينهما واسطة وهذا هو التدليس فالله أعلم الأمر الثالث أن قوله ثم إذا كان الذى علق عنه الحديث دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابى فيه نقص لابد منه وهو
35 أنه يشترط مع اتصاله ثقة من أبرزه من رجاله ويحترز بذلك عن مثل قول البخارى وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحى منه وقد ذكر المصنف بعد هذا أن هذا ليس من شرط البخارى قطعا قال ولذلك لم يورده الحميدى فى جمعه بين الصحيحين الأمر الرابع أنه اعترض على المصنف فيما قاله من ان ما كان مجزوما به فقد حكم بصحته عمن علقه عنه وما لم يكن مجزوما به فليس فيه حكم بصحته وذلك لأن البخارى يورد بصيغة الشئ التمريض ثم يخرجه فى صحيحه مسندا ويجزم بالشئ وقد يكون لا يصح ثم استدل المعترض بذلك بأن البخارى قال فى كتاب الصلاة ويذكر عن أبى موسى كنا نتناوب النبى صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء ثم أسنده فى باب فضل العشاء وقال فى كتاب الطب ويذكر عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم فى الرقى بفاتحة الكتاب وهو مذكور عنده هكذا قال حدثنا سيدان بن مضارب حدثني أبو معشر البراء حدثنا عبد الله بن الأخنس عن ابن أبى مليكة عن ابن عباس به وقال فى كتاب الأشخاص ويذكر عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم رد على المتصدق صدقته قال وهو حديث صحيح عنده دبر رجل عبدا ليس له مال غيره فباعه النبى صلى الله عليه وسلم من نعيم بن النحام وقال فى كتاب الطلاق ويذكر عن على بن أبى طالب وبن المسيب وذكر نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيا كذا قال وفيها ما هو صحيح عنده وفيها ما هو ضعيف أيضا ثم استدل على الثانى بأن البخارى قال فى كتاب التوحيد فى باب وكان عرشه على الماء إثر حديث أبى سعيد الناس يصعقون يوم القيامة فإذا أنا بموسى قال وقال الماجشون وعن عبد الله بن الفضل عن أبى سلمة عن أبى هريرة فأكون أول من بعث فذكر فى أحاديث الأنبياء حديث الماجشون هذا عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبى هريرة وكذا رواه مسلم والنسائى ثم قال قال أبو مسعود إنما يعرف عن الماجشون عن ابن الفضل عن الأعرج انتهى ما اعترض به عليه والجواب أن ابن الصلاح لم يقل إن صيغة التمريض لا تستعمل إلا فى الضعيف بل فى كلامه أنها تستعمل فى الصحيح أيضا ألا ترى قوله لأن مثل هذه العبارات
36 تستعمل فى الحديث الضعيف أيضا فقوله أيضا دال على أنها تستعمل فى الصحيح أيضا فاستعمال البخارى لها فى موضع الصحيح ليس مخالفا لكلام ابن الصلاح وإنما ذكر المصنف أنا إذا وجدنا عنده حديثا مذكورا بصيغة التمريض ولم يذكره فى موضع آخر من كتابه مسندا أو تعليقا مجزوما به لم يحكم عليه بالصحة وهو كلام صحيح ونحن لم نحكم على الأمثلة التى اعترض بها المعترض إلا بوجودها فى كتابه مسنده فلو لم نجدها فى كتابه إلا فى مواضع التمريض لم نحكم بصحتها على أن هذه الأمثلة الثلاثة التى اعترض بها يمكن الجواب عنها بما ستراه والبخارى رحمه الله حيث علق ما هو صحيح إنما يأتى به بصيغة الجزم وقد يأتى به بغير صيغة الجزم لغرض آخر غير الضعف وهو إذا اختصر الحديث وآتى به بالمعنى عبر بصيغة التمريض لوجود الخلاف المشهور فى جواز الرواية بالمعنى والخلاف أيضا فى جواز اختصار الحديث وإن رأيت أن يتضح لك ذلك فقابل بين موضع التعليق وبين موضع الإسناد تجد ذلك واضحا فأما المثال الأول فقال البخارى فى باب ذكر العشاء والعتمة ويذكر عن أبى موسى كنا نتناوب النبى صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء فأعتم بها ثم قال فى باب فضل العشاء حدثنا محمد بن العلا حدثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبى بردة عن أبى موسى قال كنت أنا وأصحابى الذين قدموا معى فى السفينة نزولا فى بقيع بطحان والنبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكان يتناوب النبى صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم فواقفنا النبى صلى الله عليه وسلم وله بعض الشغل فى بعض أمره فأعتم بالصلاة حتى أبهار الليل الحديث فانظر كيف اختصره هناك وذكره بالمعنى فلهذا عدل عن الجزم لوجود الخلاف فى حواز ذلك والله أعلم وأما المثال الثانى فقال البخارى فى الطب باب الرقا بفاتحة الكتاب ويذكر عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال بعده باب الشروط فى الرقية بقطيع من الغنم سيدان بن مضارب أبو محمد الباهلى قال حدثنا أبو معشر يوسف بن يزيد البراء
37 قال حدثنى عبد الله بن الأخنس أبو مالك عن ابن أبى مليكه عن ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال هل فيكم من راق فإن فى الماء رجلا لديفا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك فقالوا أخذت على كتاب الله أجرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله انتهى وإنما لم يأت به البخارى فى الموضع الأول مجزوما به لقوله فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم والرقية بفاتحة الكتاب ليست فى الحديث المتصل من قول النبى صلى الله عليه وسلم ولا من فعله وإنما ذلك من تقديره على الرقية بها وتقريره أحد وجوه السنن ولكن عزوه إلى النبى صلى الله عليه وسلم من باب الرواية بالمعنى والذى يدلك على أن البخارى إنما لم يجزم به لما ذكرناه أنه علقه فى موضع آخر بلفظه فجزم به فقال فى كتاب الإجازة باب ما يعطى فى الرقية بفاتحة الكتاب وقال ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله على أنه يجوز أن يكون الموضع الذى ذكره البخارى بغير إسناد عن ابن عباس مرفوعا حديثا آخر فى الرقية بفاتحة الكتاب غير الحديث الذى رواه كنحو ما وقع فى حديث جابر المذكور بعده وأما المثال الثالث فقوله رد على المتصدق صدقته هو بغيرلفظ بيع العبد المدبر بل أزيد على هذا وأقول الظاهر أن البخارى لم يرد الصدقة حديث جابر المذكور فى بيع المدبر وإنما أراد والله أعلم حديث جابر فى الرجل الذى دخل والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه فجاء فى الجمعة الثانية فأمر النبى صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقام ذلك المتصدق عليه فتصدق بأحد ثوبيه فردة عليه النبى صلى الله عليه وسلم
38 وهو حديث ضعيف رواه الدارقطنى وهو الذى تأول به الحنفية قصة سليك الغطفانى فى أمره بتحية المسجد حين دخل فى حال الخطبة والله أعلم وأما المثال الرابع وهو قوله ويذكر عن على بن أبى طالب إلى آخره فليس فيه عليه اعتراض لأنه إذا جمع بين ما صح وبين ما لم يصح أتى بصيغة التمريض لأن صيغة التمريض تستعمل فى الصحيح ولا تستعمل ولا تستعمل صيغة الجزم فى الضعيف وأما عكس هذا وهو الإتيان بصيغة الجزم فيما ليس بصحيح فهذا لا يجوز ولا يظن بالبخارى رحمه الله ذلك ولا يمكن أن يجزم بشئ إلا وهو صحيح عنده وقول البخارى فى التوحيد وقال الماجشون إلى آخره هو صحيح عند البخارى بهذا السند وكونه رواه فى أحاديث الأنبياء متصلا فجعل مكان أبى سلمة الأعرج فهذا لا يدل على ضعف الطريق التى فيها أبو سلمة ولا مانع من أن يكون عند الماجشون فى هذا الحديث إسنادان وأن شيخه عبد الله بن الفضل سمعت من شيخين من الأعرج ومن أبى سلمة فرواه مرة عن هذا ومرة عن هذا ويكون الإسناد الذى وصله به البخارى أصح من الإسناد الذى علقه به ولا يحكم على البخارى بالوهم والغلط بقول أبى مسعود الدمشقى بقوله إنه إنما يعرف عن الأعرج فقد عرفه البخارى عنهما ووصله مرة عن هذا أو علقه مرة عن هذا الأمر اقتضى ذلك فما وصل إسناده صحيح وما علقه وجزم به يحكم عليه أيضا بالصحة والله أعلم قوله وكذلك مطلق قول الحافظ أبى نصر الوائلى السجزى أجمع أهل العلم
39 الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما فى كتاب البخارى مما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم قد صح عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها فى حبالته انتهى وما ذكره الوايلى لا يقتضى أنه لا يشك فى صحته ولا أنه مقطوع به لأن الطلاق لا يقع بالشك وقد ذكر المصنف هذا فى شرح مسلم له فإنه حكى فيه عن إمام الحرمين أنه لو حلف إنسان بطلاق امرأته أنما فى كتاب البخارى ومسلم مما حكما بصحته من قول النبى صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق ولا خثته لإجماع علماء المسلمين على صحتهما ثم قال الشيخ أبو عمرو ولقائل أن يقول إنه لا يحنث ولو لم يجمع المسلمون على صحتهما للشك فى الحنث فإنه لو حلف بذلك فى حديث ليس هذه صفته لو يحنث وإن كان راويه فاسقا فعدم الحنث حاصل قبل الإجماع فلا يضاف إلى الإجماع ثم قال الشيخ أبو عمرو والجواب أن المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا وأما عند الشك فمحكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا فعلى هذا يحمل كلام أمام الحرمين فهو الأليق بتحقيقه وقال النووى فى شرح مسلم إن ما قاله الشيخ فى تأويل كلام إمام الحرمين فى عدم الحنث فهو بناء على ما اختاره الشيخ وأما على مذهب الأكثرين فيحتمل أنه أراد أنه لا يحنث ظاهرا ولا يستحب له التزام الحنث حتى يستحب له الرجعة كما إذا حلف بمثل ذلك فى غير الصحيحين فإنا لا نحنثه لكن تحب له الرجعة احتياطا لاحتمال الحنث وهو احتمال ظاهر قال وأما الصحيحان فاحتمال الحنث فيهما فى غاية من الضعف فلا يحب له الرجعة لضعف احتمال موجبها
40 قوله مثل قول البخارى باب ما يذكر فى الفخد ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبى صلى الله عليه وسلم الفخد عورة انتهى اعترض عليه بأن حديث جرهد صحيح وعلى تقدير صحة حديث جرهد ليس على المصنف رد لأنه لم ينف صحته مطلقا لكن نفى كونه من شرط البخارى فإنه لما مثل به وبحديث بهز بن حكيم قال فهذا قطعا ليس من شرطه على أنا لا نسلم أيضا صحته لما فيه من الاضطراب فى إسناده فقيل عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه عن جده وقيل عن زرعة عن جده ولم يذكر أباه وقيل عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم لم يذكر جده وقيل عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن أبيه عن جده وقيل عن زرعة بن مسلم عن جده ولم يذكر أباه وقيل عن ابن جرهد عن أبيه ولم يتم وقيل عن عبد الله بن جرهد عن أبيه وقد أخرجه أبو داود وسكت عليه والترمذى من طرق وحسنه وقال فى بعض طرقه وما أرى إسناده بمتصل
41 وقال البخارى فى صحيحه حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط قوله عند ذكر أقسام الصحيح فأولها صحيح أخرجه البخارى ومسلم جميعا انتهى اعترض عليه بأن الأولى أن نقول صحيح على شرط الستة وقيل فى الاعتراض عليه أيضا الصواب أن يقول أصحها ما رواه الكتب الستة والجواب أن من لم يشترط فى كتابه الصحيح لا يزيد تخريجه للحديث قوة نعم ما اتفق الستة على توثيق رواته أولى بالصحة مما اختلفوا فيه وإن اتفق عليه الشيخان قوله فى الحديث المتفق عليه وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقينى النظرى واقع به إلى آخر كلامه وقال فى آخره سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطنى وغيره وهى معروفة عند أهل هذا الشأن انتهى كلامه وفيه أمران أحدهما أن ما ادعاه من أن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته قد سبقه إليه الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسى وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف فقالا إنه مقطوع به وقد عاب الشيخ عز الدين بن عبد السلام على ابن الصلاح هذا وذكر أن بعض المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث
42 اقتضى ذلك القطع بصحته قال وهو مذهب ردئ وقال الشيخ محيى الدين النووى فى التقريب والتيسير خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر وقال فى شرح مسلم نحو ذلك بزيادة قال ولا يلزم من اجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه كلام النبى صلى الله عليه وسلم قال وقد اشتد إنكار ابن برهان الإمام على من قال بما قاله الشيخ وبالغ فى تغليظه الأمر الثانى إن ما استثناه من المواضع اليسيرة قد أجاب العلماء عنها بأجوبة ومع ذلك فليست بيسيرة بل هى مواضع كثيرة وقد جمعتها فى تصنيف مع الجواب عنها وقد ادعى ابن حزم فى أحاديث من الصحيحين أنها موضوعة ورد عليه ذلك كما بينته فى التصنيف المذكور والله أعلم قوله إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن فى مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد العلم أو الاحتجاج بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو الاحتجاج به لذى مذهب أن يرجع
43 إلى أصل قد قابله هو أو ثقه غير بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة إلى آخر كلامه ما اشترطه المصنف من المقابلة بأصول متعددة قد خالفه فيه الشيخ محيى الدين النووى فقال وإن قابلها بأصل معتمد محقق أجزأه قلت وفى كلام ابن الصلاح فى موضع آخر ما يدل على عدم اشتراط تعدد الأصول فإنه حين تكلم فى نوع الحسن أن نسخ الترمذى تختلف فى قوله حسن أو حسن صحيح ونحو ذلك قال فينبغى أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما أتفقت عليه فقوله هنا ينبغى يعطى عدم اشتراط والله أعلم
النوع الثانى معرفه الحسن
قوله روينا عن أبى سليمان الخطابى رحمه الله تعالى أنه قال الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله انتهى ثم ذكر الشيخ بعد ذلك أنه ليس فى كلام الترمذى والخطابى ما يفضل الحسن من الصحيح انتهى وفيه أمران أحدهما أن ما حكاه من صيغة كلام الخطابى قد اعترض عليه فيه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد فيما حكاه الحافظ أبو الفتح اليعمرى فى شرح الترمذى فقال إنه رآه بخط الحافظ أبى على الجيانى أنه ما عرف مخرجه واستقر حاله أى بالسين المهملة وبالقاف وبالحاء المهملة دون راء فى أوله قال ابن رشيد وأنا بحظ الجيانى عارف انتهى
44 وما اعترض به ابن رشيد مردود فإن الخطابى قد قال ذلك فى خطبة كتابه معالم السنن وهو فى النسخ الصحيحة المعتمدة المسموعة كما ذكره المصنف واشتهر رجاله وليس لقوله واستقر حاله كبير معنى والله أعلم الأمر الثانى أن ما ذكره من أنه ليس فى كلام الخطابى ما يفصل الحسن من الصحيح ذكره ابن دقيق العيد أيضا فى الاقتراح وزاده وضوحا فقال ليس فى عبارة الخطابى كبير تلخيص وأيضا فالصحيح قد عرف مخرجه واشتهر رجاله فيدخل الصحيح فى الحسن واعترض الشيخ تاج الدين التبريزى على كلام الشيخ تقى الدين بقوله فيه نظر لأنه ذكر من بعد أن الصحيح أخص من الحسن قال ودخول الخاص فى حد العام ضرورى والتقييد بما يخرجه للحد وهو اعتراض متجه وقد أجاب بعض المتأخرين عن استشكال حدى الترمذى والخطابى بأن قول الخطابى ما عرف مخرجه هو كقول الترمذى ويروى نحوه من غير وجه وقول الخطابى اشتهر رجاله يعنى بالسلامة من وصمة الكذب هو كقول الترمذى ولا يكون فى إسناده من يتهم بالكذب وزاد الترمذى ولا يكون شاذا ولا حاجة إلى ذكره لأن الشاذ ينافى عرفان المخرج فكأنه كرره بلفظ متباين فلا إشكال فيما قالاه انتهى وما فسر به قول الخطابى ما عرف مخرجه بأن يروى من غير وجه لا يدل عليه كلام الخطابى أصلا بل الذى رأيته فى كلام بعض الفضلاء أن فى قوله ما عرف مخرجه إحترازا عن المرسل وعن خبر المدلس قبل أن يبين تدليسه وهذا أحسن فى تفسير كلام الخطابى لأن المرسل الذى سقط بعض إسناده وكذلك المدلس الذى سقط منه بعضه لا يعرف فيهما مخرج الحديث لأنه لا يدرى من سقط من إسناده بخلاف من أبرز جميع رجاله فقد عرف مخرج الحديث من أين والله أعلم قوله وروينا عن أبى عيسى الترمذى رحمه الله أنه يريد بالحسن أن لا يكون فى إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون شاذا أو يروى من غير وجه نحو ذلك إنتهى
45 اعترض بعض من اختصر كلام ابن الصلاح عليه فى حكاية هذا عن الترمذى وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال وهذا إن كان قد روى عن الترمذى أنه قاله ففى أى كتاب له قاله وأين إسناده عنه وإن كان فهم من اصطلاحه فى كتابه الجامع فليس ذلك بصحيح فإنه يقول فى كثير من الأحاديث هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى وهذا الإنكار عجيب فإنه فى آخر العلل التى فى آخر الجامع وهى داخلة فى سماعنا وسماع المنكر لذلك وسماع الناس نعم ليست فى رواية كثير من المغاربة فإنه وقعت لهم رواية المبارك ابن عبد الجبار الصيرفى وليست فى روايته عن أبى يعلى أحمد ابن عبد الواحد وليست فى رواية أبى يعلى عن أبى على السنجى وليست فى رواية أبى على السنجى عن أبى العباس المحبوبى صاحب الترمذى ولكنها فى رواية عبد الجبار ابن محمد الجراحى عن المحبوبى ثم اتصلت عنه بالسماع إلى زماننا بمصر والشام وغيرهما من البلاد الاسلامية ولكن استشكل أبو الفتح اليعمرى كون هذا الحد الذى ذكره الترمذى اصطلاحا عاما لأهل الحديث فنورد لفظ الترمذى أولا قال أبو عيسى وما ذكرنا فى هذا الكتاب حديث حسن إنما أردنا به حسن إسناده عندنا كل حديث يروى لا يكون فى إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن انتهى كلامه فقيد الترمذى تفسير الحسن بما ذكره فى كتابه الجامع فلذلك قال أبو الفتح اليعمرى فى شرح الترمذى إنه لو قال قائل إن هذا إنما اصطلح عليه الترمذى فى كتابه هذا ولم ينقله اصطلاحا عاما كان له ذلك فعلى هذا لا ينقل عن الترمذى حد الحديث الحسن بذلك مطلقا فى الاصطلاح العام والله أعلم قوله وقال بعض المتأخرين الحديث الذى فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن انتهى وأراد المصنف ببعض المتأخرين هنا أبا الفرج ابن الجوزى فإنه قال هكذا فى كتابيه الموضوعات والعلل المتناهية
46 قال الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد فى الاقتراح إن هذا ليس مضبوطا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره قال وإذا اضطرب هذا الوصف لم يحصل التعريف المميز للحقيقة قوله وقد أمعنت النظر فى ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لى واتضح أن الحديث الحسن قسمان إلى آخر كلامه وقد أنكر بعض العلماء المتأخرين لفظ إلا معان وقال إنه ليس عربيا وكذلك قول الفقهاء فى التنعم أمعن فى الطلب ونحو ذلك وقد نظرت فى ذلك فوجدته مأخوذا من أمعن الفرس فى عدوه أو من أمعن الماء إذا استنبطه وأخرجه وقد حكى الأزهرى فى تهذيب اللغة عن الليث بن المظفر أمعن الفرس وغيره إذا تباعد فى عدوه وكذا قال الجوهرى فى الصحاح وحكاه الأزهرى أيضا أمعن الماء إذا أحراه ويحتمل أنه من أمعن إذا أكثر وهو من الامداد قال أبو عمر والمعن القليل والمعن الكثير والمعن الطويل والمعن القصير والمعن الإقرار بالحق والمعن الجحود والكفر للنعم والمعن الماء الطاهر وما ذكره المصنف من كون الحديث الحسن على قسمين إلى آخر كلامه قد أخذ
47 عليه فيه الشيخ تقى الدين فى الاقتراح إجمالا فقال بعد أن حكى كلامه وعليه فيه مؤاحذات ومناقشات وقال بعض المتأخرين يرد على القسم الأول المنقطع والمرسل الذى فى رجاله مستور وروى مثله أو نحوه من وجه آخر ويرد على الثانى المرسل الذى اشتهر رواته بما ذكر قال فالأحسن أن يقال الحسن ما فى إسناده المتصل مستور له به شاهد أو مشهود قاصر عن درجة الإتقان وخلا من العلة والشذوذ والله أعلم قوله الحسن يتقاصر عن الصحيح فى أن الصحيح من شرطه أن يكون جميع رواته قد تبينت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم إما بالنقل الصريح أو بالاستفاضة على ما سيبينه إن شاء الله تعالى وذلك غير مشترط فى الحسن فإنه يكتفى فيه بما سبق ذكره من مجئ الحديث من وجوه وغير ذلك مما تقدم شرحه انتهى كلامه وفيه أمران أحدهما أنه قد اعترض عليه بأن جميع رواة الصحيح لا يوجد فيهم هذه الشروط إلا فى النذر اليسير إنتهى
48 والجواب أن العدالة تثبت إما بالتنصيص عليها كالمصرح بتوثيقهم وهم كثير أو بتخريج من التزم الصحة فى كتابه له فالعدالة أيضا تثبت بذلك وكذلك الضبط والإتقان درجاته متفاوتة فلا يشترط أعلا وجوه الضبط كمالك وشعبة بل المراد بالضبط أن لا يكون مغفلا كثير الغلط وذلك بأن يعتبر حديثه بحديث أهل الضبط والإتقان فان وافقهم غالبا فهو ضابط كما ذكره المصنف فى المسألة الثانية من النوع الثالث والعشرين وإذا كان كذلك فلا مانع من وجود هذه الصفات فى رواة صحيح الأحاديث والله أعلم الأمر الثانى أن قوله فى الحسن إنه يكتفى فيه بما سبق ذكره من مجى الحديث من وجوه فيه نظر إذ لم يسبق اشتراط مجيئه من وجوه بل من غير وجه كما سبق ذلك فى كلام الترمذى وعلى هذا فمجيئه من وجهين كاف فى حد الحديث الحسن والله أعلم قول حكاية عن نص الشافعى رضى الله عنه فى مراسل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذى جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه مرسل آخر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعى الأول فى كلام له ذكر فيه وجوها من الاستدلال على صحة مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر انتهى كلامه وفيه نظر من حيث أن الشافعى رضى الله عنه إنما يقبل من المراسيل التى اعتضدت بما ذكر مراسيل كبار التابعين بشروط أخرى فى من أرسل كما نص عليه فى الرسالة فقال والمنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبى صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور منها أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه
49 وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم من غير رجاله الذين قبل عنهم فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوى له مرسلة وهى أضعف من الأولى فإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قولا له فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فى هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله وكذلك إن وجد عوام من أهل للعلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه الأصل لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ فى حديثه لم يخالفه فان وجد حديثه أنقص كانت فى هذه دلائل على صحة مخرج حديثه ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا قبول مرسله قال وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله ثم قال فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم واحدا يقبل مرسله لأمور أحدها أنهم أشد تجوزا فيمن يروون عنه والآخر أنه وجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا لضعف مخرجه والآخر كثر الإحالة فى الأخبار وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه هذه عبارة الشافعى رحمه الله فى الرسالة ورواها عنه بالإسناد الصحيح
50 البيهقى فى المدخل والخطيب فى الكفاية وعلى هذا فاطلاق الشيخ النقل عن الشافعى ليس بجيد وقد تبعه على ذلك الشيخ محيى الدين فى عامة كتبه ثم تنبه لذلك فى شرح الوسيط المسمى بالتنقيح وهو من أواخر تصانيفه فقال فيه وأما الحديث المرسل فليس بحجة عندنا إلا أن الشافعى قال يجوز الاحتجاج بمرسل الكبار من التابعين بشرط أن يعتضد بأحد أمور أربعة فذكرها وقول النووى هنا يجوز الاحتجاج أخذه من عبارة الشافعى فى قوله أحببنا أن نقبل مرسله وقد قال البيهقى فى المدخل إن قول الشافعى أحببنا أراد به اخترنا انتهى وعلى هذا فلا يلزم أن يكون الاحتجاج به جائزا فقط بل يقال اختار الشافعى الاحتجاج بالمرسل الموصوف بما ذكر أما كونه على سبيل الجواز أو الوجوب فلا يدل عليه كلامه والله اعلم قوله الثانى لعل الباحث الفهم يقول إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها
51 قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث الأذنان من الرأس ونحوة إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن هذا الحديث رواه ابن حبان فى صحيحه والجواب أن ابن حبان أخرجه من رواية شهر بن حوشب عن أبى أمامة وشهر ضعفه الجمهور ومع هذا فهو من قول أبى أمامة موقوفا عليه وقد بينه أبو داود فى سننه عقب تخريجه له فذكر عن سليمان بن حرب قال يقولها أبو أمامة وقال حماد بن زيد فلا أدرى أهو من قول النبى صلى الله عليه وسلم أو أبى أمامة وكذا ذكر الترمذى قول حماد بن زيد ثم قال الترمذى هذا حديث ليس اسناده بذاك القائم انتهى وقد روى حديث جماعة من الصحابة جمعهم ابن الجوزى فى العلل المتناهية وضعفها كلها والله أعلم قوله الرابع كتاب أبى عيسى الترمذى رحمه الله أصل فى معرفة الحديث الحسن وهو الذى نوه باسمه وأكثر من ذكره فى جامعه ويوجد فى متفرقات من كلام بعض
52 مشايخه والطبقة التى قبله كأحمد بن حنبل والبخارى وغيرهما انتهى وقد وجد التعبير به فى شيوخ الطبقة التى قبله أيضا كالشافعى رحمه الله تعالى فقال فى كتاب اختلاف الحديث عند ذكر حديث ابن عمر لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا الحديث حديث ابن عمر مسند حسن الإسناد وقال فيه أيضا وسمعت من يروى بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم أنه ركع دون الصف الحديث وقد اعترض أيضا على المصنف فى قوله أن الترمذى أكثر من ذكره فى جامعه بأن يعقوب بن شيبة فى مسنده وأبا على الطوسى شيخ أبى حاتم أكثرا من قولهما حسن صحيح انتهى وهذا الاعتراض ليس بجيد لأن الترمذى أول من أكثر من ذلك ويعقوب وأبو على إنما صنفا كتابيهما بعد الترمذى وكأن كتاب أبى على الطوسى مخرج على كتاب الترمذى لكنه شاركه فى كثير من شيوخه والله أعلم قوله ومن مظانه أى الحسن سنن أبى داود روينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه ثم قال قال وما كان فى كتابى من حديث فيه وهن شديد فقد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض قال ابن الصلاح فعلى
53 هذا ما وجدناه فى كتابه مذكورا مطلقا وليس فى واحد من الصحيحين ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفاه بأنه من الحسن عند أبى داود وقد يكون فى ذلك ما ليس بحسن عند غيره ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به إلى آخر كلامه وفيه أمور أحدها قد اعترض الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد على المصنف فى هذا فقال ليس يلزم أن يستفاد من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف ولا نص عليه غيره بصحة أن الحديث عند أبى داود حسن إذ قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن عند غيره كذلك حكاه الحافظ أبو الفتح اليعمرى فى شرح الترمذى عن ابن رشيد ثم قال وهذا تعقب حسن انتهى والجواب عن اعتراض ابن رشيد أن المصنف إنما ذكر مالنا أن نعرف الحديث به عند أبى داود والاحتياط أن لا يرتفع به إلى درجة الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبى داود لأن عبارة أبى داود فهو صالح إلى الاحتجاج به فان كان أبو داود يرى الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف فالاحتياط بل الصواب ما قاله ابن الصلاح وإن كان رأيه كالمتقدمين أن الحديث ينقسم إلى صحيح وضعيف فما سكت عنه فهو صحيح والاحتياط أن يقال فهو صالح كما عبر أبو داود به والله أعلم وهكذا رأيت الحافظ أبا عبد الله بن المواق يفعل فى كتابه بغية النقاد يقول فى الحديث الذى سكت عليه أبو داود هذا حديث صالح الأمر الثانى أن الحافظ أبا الفتح اليعمرى تعقب ابن الصلاح هنا بأمر آخر فقال فى شرح الترمذى لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعمله بذلك شبيه بعمل مسلم الذى
54 لا ينبغى أن يحمل كلامه على غيره أنه اجتنب الضعيف الواهى وأتى بالقسمين الأول والثانى وحديث من مثل به من الرواة من القسمين الأول والثانى موجود فى كتابه دون القسم الثالث قال فهلا ألزم الشيخ أبو عمرو مسلما من ذلك ما ألزم به أبا داود فمعنى كلامهما واحد قال وقول أبى داود وما يشبهه يعنى فى الصحة وما يقاربه يعنى فيها أيضا قال وهو نحو قول مسلم إنه ليس كل الصحيح نجده عند مالك وشعبة وسفيان فاحتاج أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبى سليم وعطاء بن السايب وزيد بن أبى زياد لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وأن تفاوتوا فى الحفظ والإتقان ولا فرق بين الطريقين غير أن مسلما شرط الصحيح فتخرج من حديث الطبقة الثالثة وأبا داود لم يشرط فذكر ما يشتد وهنه عنده والتزم البيان عنه قال وفى قول أبى داود أن بعضها أصح من بعض ما يشير إلى القدر المشترك بينهما من الصحة وأن تفاوتت فيه لما يقتضيه صيغة أفعل فى الأكثر انتهى كلام أبى الفتح والجواب عنه أن مسلما شرط الصحيح بل الصحيح المجمع عليه فى كتابه فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه بأنه حسن عنده لما عرف من قصور الحسن عن الصحيح وأبو داود قال إنما سكت عنه فهو صالح والصالح يجوز أن يكون صحيحا ويجوز أن يكون حسنا عند من يرى الحسن رتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف ولم ينقل لنا عن أبى داود هل يقول بذلك أو يرى ما ليس بضعيف صحيحا فكان الأولى بل الصواب أن لا يرتفع بما سكت عنه إلى الصحة حتى يعلم أن رأيه هو الثانى ويحتاج الى نقل الأمر الثالث أن بعض من اختصر كتاب ابن الصلاح يعقبه بتعقب آخر وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال إن الروايات لسنن أبى داود كثيرة ويوجد فى بعضها ما ليس فى الأخرى ولأبى عبيد الآجرى عنه اسئله فى الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل كتاب مفيد ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها فى سننه فقول ابن
55 الصلاح ما سكت عنه فهو حسن ما سكت عليه فى سننه فقط أو مطلقا هذا مما ينبغى التنبيه عليه والتيقظ له أنتهى كلامه وهو كلام عجيب وكيف يحسن هذا الاستفسار بعد قول ابن الصلاح إن من مظان الحسن سنن أبى داود فكيف يحتمل حمل كلامه على الإطلاق فى السنن وغيرها وكذلك لفظ أبى داود صريح فيه كأنه قال فى رسالته ذكرت فى كتابى هذا الصحيح إلى آخر كلامه وأما قول ابن كثير من ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها فى سننه إن أراد به أنه ضعف أحاديث ورجالا فى سؤالات للآجرى وسكت عليها فى السنن فلا يلزم من ذكره لها فى السؤالات بضعف أن يكون الضعف شديدا فانه يسكت فى سننه على الضعف الذى ليس بشديد كما ذكره هو نعم إن ذكر فى السؤالات أحاديث أو رجالا بضعف شديد وسكت عليها فى السنن فهو وارد عليه ويحتاج حينئذ إلى الجواب والله أعلم قوله الخامس ما صار اليه صاحب المصابيح من تقسيم أحاديثه إلى نوعين الصحاح والحسان مريدا بالصحاح ما ورد فى أحد الصحيحين أو فيهما وبالحسان ما أورده أبو داود والترمذى وأشباههما فى تصانيفهم فهذا اصطلاح لا يعرف إلى آخر كلامه وأجاب بعضهم عن هذا الايراد على البغوى بأن البغوى بين فى كتابه المصابيح عقب كل حديث كونه صحيحا أو حسنا أو غريبا ولا يرد عليه ذلك قلت وما ذكره هذا المجيب عن البغوى من أنه يذكر عقب كل حديث كونه صحيحا أو حسنا أو غريبا ليس كذلك فانه لا يبين الصحيح من الحسن فيما أورده من السنن وإنما يسكت عليها وإنما يبين الغريب غالبا وقد يبين الضعيف ولذلك قال فى خطبة كتابه وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه أنهى
56 فالإيرادات باق فى مزجه صحيح ما فى السنن بما فيها من الحسن وكأنه سكت عن بيان ذلك لاشتراكهما فى الاحتجاج به والله أعلم قوله السادس كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التى هى الصحيحان وسنن أبى داود وسنن النسائى وجامع الترمذى وما جرى مجرها فى الاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا كمسند أبى داود الطيالسى ومسند عبيد الله ابن موسى ومسند أحمد بن حنبل ومسند إسحق بن راهويه ومسند عبد بن حميد ومسند الدارمى ومسند ابى يعلى ومسند الحسن بن سفيان ومسند البزار أبى بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها أن يخرجوا فى مسند كل صحابى ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به فلذلك تأخرت مرتبها إلى آخر كلامه وفيه أمران أحدهما أن عدة مسند الدارمى فى جملة هذه المسانيد مما أفرد فيه حديث كل صحابى وحده وهم منه فانه مرتب الأبواب كالكتب الخمسة واشتهر تسميته بالمسند كما سمى البخارى المسند الجامع الصحيح وان كان مرتبا على الأبواب لكون أحاديثه مسنده إلا أن مسند الدارمى كثير الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة والمقطوعة والله أعلم الأمر الثانى أنه اعترض على المصنف بالنسبة إلى صحة بعض هذه المسانيد بأن أحمد بن حنبل شرط فى مسنده أن لا يخرج إلا حديثا صحيحا عنده قاله
57 أبو موسى المدينى وبأن إسحق بن راهويه يخرج مثل ما ورد عن ذلك الصحابى ذكره عنه أبو زرعة الرازى وبأن مسند الدارمى أطلق عليه اسم الصحيح غير واحد من الحفاظ وبأن مسند البزار بين فيه الصحيح وغيره انتهى ما اعترض به عليه والجواب أنا لا نسلم أن أحمد اشترط الصحة فى كتابه والذى رواه أبو موسى المدينى بسنده إليه أنه سئل عن حديث فقال انظروه فإن كان فى المسند وإلا فليس بحجة وهذا ليس صريحا فى أن جميع ما فيه حجة بل فيه أن ما ليس فى كتابة ليس بحجة على أن ثم أحاديث صحيحة مخرجة فى الصحيح وليست فى مسند أحمد منها حديث عائشة فى قصة أم زرع وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة وقد جمعتها فى جزء وقد ضعف الإمام احمد نفسه أحاديث فيه فمن ذلك حديث عائشة مرفوعا رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا وفى إسناده عمارة وهو ابن زاذان قال الإمام أحمد هذا الحديث كذب منكر قال وعمارة يروى أحاديث مناكير وقد أورد ابن الجوزى هذا الحديث فى الموضوعات وحكى كلام الإمام أحمد المذكور وذكر ابن الجوزى أيضا فى الموضوعات مما فى المسند حديث عمر ليكونن فى هذه الأمة رجل يقال له الوليد وحديث أنس ما من معمر يعمر فى الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء والجنون والجذام والبرص وحديث أنس عسقلان أحد العروسين بيعت منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم وحديث ابن عمر من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برأ من الله الحديث وفى الحكم بوضعه نظر وقد صححه الحاكم ومما فيه أيضا من المناكير حديث بريدة كونوا فى بعث خراسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ولعبد الله بن أحمد فى المسند أيضا زيادات فيها الضعيف والموضوع فمن الموضوع
58 حديث سعد بن مالك وحديث ابن عمر أيضا فى سد الأبواب إلا باب على ذكرهما ابن الجوزى فى الموضوعات أيضا وقال إنهما من وضع الرافضة وأما مسند إسحق بن راهويه ففيه الضعيف ولا يلزم من كونه يخرج أمثل ما يجد الصحابى أن يكون جميع ما خرجه صحيحا بل هو أمثل بالنسبة لما تركه ومما فيه من الضعيف حديث سليمان بن نافع العبدى عن أبيه قال وفد المنذر بن ساوى من البحرين حتى أتى مدينة النبى صلى الله عليه وسلم ومعه أناس وأنا غليم أمسك جمالهم فسلموا على النبى صلى الله عليه وسلم ووضع المنذر سلاحه ولبس ثيابا ومسح لحيته بدهن وأنا مع الجمال أنظر إلى نبى الله صلى الله عليه وسلم فكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما أنظر إليك قال ومات أبى وهو ابن عشرين ومائة قال صاحب الميزان سليمان غير معروف وهو يقتضى أن نافعا عاش إلى دولة هشام انتهى والمعروف أن آخر الصحابة موتا أبو الطفيل كما قاله مسلم وغيره والله أعلم وأما مسند الدارمى فلا يخفى ما فيه من الضعيف لحال رواته أو لإرساله وذلك كثير فيه كما تقدم وأما مسند البزار فإنه مجملا يبين الصحيح من الضعيف إلا قليلا إلا أنه يتكلم فى تفرد بعض رواة الحديث به ومتابعة غيره عليه والله أعلم قوله الثامن فى قول الترمذى وغيره هذا حديث حسن صحيح إشكال لأن الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق إيضاحه ففى الجمع بينهما فى ذلك حديث واحد جمع
59 بين نفى ذلك القصور وإثباته قال وجوابه أن ذلك راجع إلى الإسناد فاذا روى الحديث الواحد باسنادين أحدهما إسناد حسن والآخر باسناد صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح أى أنه حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوى وهو ما تميل اليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحى الذى نحن بصدده فاعلم ذلك انتهى كلامه وقد تعقبه الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد فى الاقتراح بأن الجواب الأول ترد عليه الأحاديث التى قيل فيها حسن صحيح مع أنه ليس له إلا مخرج واحد قال وفى كلام الترمذى فى مواضع يقول هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى وقد أجاب بعض المتأخرين عن ابن الصلاح بأن الترمذى حيث قال هذا يريد به تفرد أحد الرواة به عن الآخر لا التفرد المطلق قال ويوضح ذلك ما ذكره فى الفتن من حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبى هريرة يرفعه من أشار إلى أخيه بحديدة الحديث قال فيه هكذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه فاستغربه من حديث خالد لا مطلقا أنتهى وهذا الجواب لا يمشى فى المواضع التى يقول فيها لا نعرفه إلا من هذا الوجه كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقى نصف من شعبان فلا يصوموا
60 قال أبو عيسى حديث أبى هريرة حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ورد ابن دقيق العيد الجواب الثانى بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا أجروا على اصطلاحهم انتهى قلت قد أطلقوا على الحديث الضعيف بأنه حسن وأرادوا حسن اللفظ لا المعنى الاصطلاحى فروى ابن عبد البر فى كتاب بيان آداب العلم حديث معاذ بن جبل مرفوعا تعلموا العلم فإن تعلمه ذلك لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل أهل الجنة وهو الأنس فى الوحشة والصاحب فى الغربة والمحدث فى الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء يرفع الله تعالى به أقواما فيجعلهم فى الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم ويقتدى بفعالهم وينتهى إلى رأيهم ترغب الملائكة فى خلتهم وبأجنحتها تمسحهم يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى فى الدنيا والآخرة التفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام به توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام هو إمام العمل والعمل تابعه يلهمه السعداء أو يحرمه الأشقياء قال ابن عبد البر وهو حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوى انتهى كلامه فأراد بالحسن حسن اللفظ قطعا فانه من رواية موسى بن محمد البلقاوى عن عبد الرحيم ابن زيد العمى والبلقاوى هذا كذاب كذبه أبو زرعة وأبو حاتم ونسبه ابن حبان والعقيلى إلى وضع الحديث والظاهر أن هذا الحديث مما صنعت يداه وعبد الرحيم بن زيد العمى متروك الحديث أيضا
61 روينا عن أمية بن خالد قال قالت لشعبة تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمى وتدع عبد الملك بن أبى سليمان وقد كان حسن الحديث قال من حسنها فررت ولما ضعف ابن دقيق العيد ما أجاب به ابن الصلاح عن الاستشكال المذكور أجاب عنه بما حاصله أن الحسن لا يشترط فيه قيد القصور عن الصحيح وإنما يجيئه القصور حيث أنفرد الحسن وأما إذا ارتفع إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة لأن وجود الدرجة العليا وهى الحفظ والإتقان لا ينافى وجود الدنيا كالصدق فيصح أن يقال حسن باعتبار الصفة الدنيا صحيح باعتبار الصفة العليا قال ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنا ويؤيده قولهم حسن فى الأحاديث الصحيحة وهذا موجود فى كلام المتقدمين أنتهى وقد سبقه إلى نحو ذلك الحافظ أبو عبد الله المواق فقال فى كتابه بغية النقاد لم يخص الترمذى الحسن بصفة تميزه عن الصحيح فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ ولا يكون صحيحا حتى تكون رواته غير متهمين بل ثقات قال فظهر من هذا أن الحسن عند أبى عيسى صفة لا تخص هذا القسم بل قد يشركه فيها الصحيح قال كل صحيح عنده حسن وليس كل حسن صحيحا انتهى كلامه وقد اعترض على ابن المواق فى هذا الحافظ أبو الفتح اليعمرى فقال فى شرح الترمذى بقى عليه أنه اشترط فى الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك فى الصحيح انتهى هكذا اعترض أبو الفتح على ابن المواق بهذا فى مقدمة شرح الترمذى ثم إنه خالف ذلك فى أثناء الشرح عند حديث عائشة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك فان الترمذى قال عقبه هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبى بردة ولا نعرف فى هذا الباب إلا حديث عائشة فأجاب أبو الفتح عن هذا الحديث بأن الذى يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان راويه فى درجة المستور ومن لم تثبت عدالته قال وأكثر ما فى الباب أن الترمذى عرف بنوع منه لا بكل أنواعه وأجاب بعض المتأخرين وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فى مختصره لعلوم الحديث عن أصل الاستشكال بما حاصله أن الجمع فى حديث واحد بين الصحة والحسن درجة
62 متوسطة بين الصحيح والحسن فقال والذى يظهر أنه يشرب الحكم بالصحة على الحديث بالحسن كما يشرب الحسن بالصحة قال فعلى هذا يكون ما يقول فيه حسن صحيح أعلا رتبة عنده من الحسن ودون الصحيح ويكون حكمه على الحديث بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحسن انتهى وهذا الذى ظهر له تحكم لا دليل عليه وهو بعيد من فهم معنى كلام الترمذى والله أعلم قوله وذكر الحافظ أبو طاهر السلفى الكتب الخمسة وقال اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب وهذا تساهل إلى آخر كلامه وإنما قال السلفى بصحة أصولها كذا ذكره فى مقدمة الخطابى فقال وكتاب أبى داود فهو أحد الكتب الخمسة التى اتفق أهل الحل والعقد من الفقهاء وحفاظ الحديث الاعلام النبهاء على قبولها والحكم بصحة أصولها انتهى ولا يلزم من كون الشئ له أصل صحيح أن يكون هو صحيحا فقد ذكر ابن الصلاح عند ذكر التعليق أن ما لم يكن فى لفظه جزم مثل روى فليس فى شئ منه حكم منه بصحة ذلك من ذكره عنه قال ومع ذلك فإيراده له فى أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله انتهى فلم يحكم فى هذا بصحة مع كونه له أصل صحيح والله أعلم
63 النوع الثالث معرفة الضعيف
قوله كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن فهو حديث ضعيف ثم قال وسبيل من أراد البسط أن يعمد إلى صفة معينة منها فيجعل ما عدمت فيه من غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر فى نوع الحسن قسما واحدا ثم قال ثم ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم الآخر الأرذل انتهى كلامه فقوله ثم ما عدم فيه جميع الصفات أى صفات ما يحتج به وهو الصحيح والحسن وهى ستة اتصال السند أو جبر المرسل بما يؤكده وعدالة الرجال والسلامة من كثرة الخطأ والغفلة ومجئ الحديث من وجه آخر حيث كان فى الإسناد مستور ليس منهما كثير الغلط والسلامة من الشذوذ والسلامة من العلة فجعل المصنف ما عدم فيه هذه الصفات هو القسم الأرذل وخالف ذلك فى النوع الحادى والعشرين فقال اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة وما ذكره هناك هو الصواب أن شر أقسام الضعيف الموضوع لأنه كذب بخلاف ما عدم فيه الصفات المذكورة فإنه لا يلزم من فقدها كونه كذبا والله أعلم والآخر فى كلام المصنف بقصر الهمز على وزن الفخذ وهو بمعنى الأرذل
64 النوع الرابع معرفة المسند
قوله ذكر أبو بكر الخطيب رحمه الله أن المسند عند أهل الحديث هو الذى اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم انتهى وقد اعترض عليه بأنه ليس فى كلام الخطيب دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم لا فى الكفاية ولا فى الجامع والجواب أنه ليس فى كلام ابن الصلاح التصريح بنقله عنه وإنما حكى كلام الخطيب ثم قال وأكثر ما يستعمل ذلك إلى آخر كلامه والله أعلم
66 النوع الثامن
قوله قول الصحابى كنا نفعل كذا أو نقول كذا إن لم يضفه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف انتهى هكذا جزم به المصنف أنه إن لم يضفه إلى زمنه يكون موقوفا وتبع المصنف فى ذلك الخطيب فإنه كذلك جزم به فى الكفاية
67 والخلاف فى المسألة مشهور واختلف كلام الأئمة أيضا فى الصحيح وقد حكى النووى الخلاف فى مقدمة شرح مسلم وحكى ما جزم به المصنف عن الجمهور من المحدثين وأصحاب الفقه والأصول وقد أطلق الحاكم فى علوم الحديث الحكم برفعه ولم يقيده بإضافته إلى زمنه وكذا أطلق الإمام فخر الدين الرازى فى المحصول والسيف الآمدى فى الأحكام وقال أبو نصر الصباغ فى كتاب العدة إنه الظاهر ومثله بقول عائشة رضى الله عنها كانت اليد لا تقطع فى الشئ التافه وحكاه النووى فى شرح المهذب عن كثير من الفقهاء قال وهو قوى من حيث المعنى قوله وإذا قال الراوى عن التابعى رفع الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل انتهى ذكر الشيخ فيما يتعلق بالصحابى أربع مسائل الأولى كنا نفعل كذا أو كانوا يفعلون كذا ونحوهما والثانية أمرنا بكذا ونحوه والثالثة من السنة كذا والرابعة برفعه ويبلغ به ونحوهما ثم ذكر فيما يتعلق بالتابعى المسألة الرابعة فقط وسكت عن الحكم فى الثلث الأول إذا قالها التابعى فأحببت ذكر الحكم فيها فأما المسألة الأولى فإذا قال التابعى كنا نفعل فليس بمرفوع قطعا وهل هو موقوف لا يخلو إما أن يضيفه إلى زمن الصحابة أم لا فيحتمل فإن لم يضفه إلى زمنهم فليس بموقوف أيضا بل هو مقطوع وإن أضافه إلى زمنهم فيحتمل أن يقال إنه موقوف لأن الظاهر اطلاعهم على ذلك وتقريرهم ويحتمل أن يقال ليس بموقوف أيضا لأن تقرير الصحابى قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير النبى صلى الله عليه وسلم فإنه أحد وجوه السنن وأما اذا قال التابعى كانوا يفعلون كذا فقال النووى فى شرح مسلم إنه لا يدل على فعل جميع الأمة بل على البعض فلا حجة فيه إلا أن يصرح بنقله عن أهل الإجماع فيكون نقلا للاجماع وفى ثبوته بخبر الواحد خلاف وأما المسألة الثانية فإذا قال التابعى أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا فجزم أبو نصر
68 ابن الصباغ فى كتاب العدة فى أصول الفقه أنه مرسل وذكر الغزالى فى المستصفى فيه احتمالين من غير ترجيح هل يكون موقوفا أو مرفوعا مرسلا وحكى ابن الصباغ فى العدة وجهين فيما إذا قال ذلك سعيد بن المسيب هل يكون حجة أم لا وأما المسألة الثالثة فإذا قال التابعى من السنة كذا كقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات رواه البيهقى فى سننه فهل هو مرسل مرفوع أو موقوف متصل فيه وجهان لأصحاب الشافعى حكاهما النووى فى شرح مسلم وشرح المهذب وشرح الوسيط قال والصحيح أنه موقوف انتهى وحكى الداودى فى شرح مختصر المزنى أن الشافعى رضى الله عنه كان يرى فى القديم أن ذلك مرفوع اذا صدر من الصحابى أو التابعى ثم رجع عنه لأنهم قد يطلقونه ويريدون سنة البلد انتهى وما حكاه الداودى من رجوع الشافعى عن ذلك فيما إذا قاله الصحابى لم يوافق عليه فقد احتج به فى مواضع من الجديد فيمكن أن يحمل قوله ثم رجع عنه أى عما إذا قاله التابعى والله أعلم
70 النوع التاسع المرسل
قوله وصورته التى لا خلاف فيها حديث التابعى الكبير الذى لقى جماعة من
71 الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدى بن الخيار إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن عبيد الله ابن عدى ذكر فى جملة الصحابة وهذا الاعتراض ليس بصحيح لأنهم إنما ذكروه جريا على قاعدتهم فى ذكر من عاصره لأن عبيد الله ولد فى حياته صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم كما ذكروا قيس بن أبى حازم وأمثاله ممن لم ير النبى صلى الله عليه وسلم لكونهم عاصروه على القول الضعيف فى حد الصحابى وإنما روى عبيد الله بن عدى عن الصحابة عمر وعثمان وعلى فى آخرين ولم يسمع من أبى بكر فضلا عن النبى صلى الله عليه وسلم قوله إذا انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعى فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور فوقه فالذى قطع به الحاكم الحافظ أبو عبد الله وغيره من أهل الحديث أن ذلك لا يسمى مرسلا إلى آخر كلامه فقوله قبل الوصول إلى التابعى ليس بجيد بل الصواب قبل الوصول إلى الصحابى فانه لو سقط التابعى أيضا كان منقطعا لا مرسلا عند هؤلاء ولكن هكذا وقع فى عبارة الحاكم فتبعه المصنف والله أعلم
72 قوله الثانية قول الزهرى وأبى حازم ويحيى بن سعيد الأنصارى وأشباههم من أصاغر التابعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى ابن عبد البر أن قوما لا يسمونه مرسلا بل منقطعا لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين انتهى وما ذكر فى حق من سمى من صغار التابعين أنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين ليس بصحيح بالنسبة إلى الزهرى فقد لقى من الصحابة ثلاثة عشر فأكثر وهم عبد الله بن عمر وسهل بن سعد وأنس بن مالك وعبد الله بن جعفر وربيعة ابن عباد بكسر العين وتخفيف الموحدة وسنين أبو جميلة والسايب بن يزيد وأبو الطفيل عامر بن وائلة والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر وعبد الله ابن عامر بن ربيعة ومحمود بن الربيع وسمع منهم كلهم إلا عبد الله بن جعفر فرآه رؤية وإلا عبد الله بن عمر فقد قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إنه لم يسمع منه وقال على ابن المدينى إنه سمع منه وقال ابن حزم إنه لم يسمع أيضا من عبد الرحمن بان أزهر ثم حكى عن أحمد بن صالح المصرى أنه قال لم يسمع منه فيما أرى ولم يدركه قلت وكذا قال أحمد بن حنبل ما أراه سمع منه قال ومعمر وأسامة يقولان عنه أنه سمع منه ولم يصنعا عندى شيئا وقيل إنه سمع أيضا من جابر بن عبد الله وسمع من جماعة آخرين مختلف فى صحبتهم منهم محمود بن لبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل وثعلبة بن أبى مالك القرظى وأبو أمامة بن سهل بن حنيف فهؤلاء سبعة عشر ما بين صحابى ومختلف فى صحبته وقد تنبه المصنف لهذا الاعتراض فأملى حاشية على هذا المكان من كتابه فقال قوله الواحد والاثنين كالمثال وإلا فالزهرى قد قيل إنه رأى عشرة من الصحابة وسمع منهم أنا وسهل بن سعد والسايب بن يزيد ومحمود بن الربيع وسنينا أبا جميلة وغيرهم وهو مع ذلك أكثر روايته عن التابعين والله أعلم
73 قوله الثالثة إذا قيل فى الاسناد فلان عن رجل أو عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك فالذى ذكره الحاكم فى معرفة علوم الحديث أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا وهو فى بعض المصنفات المعتبرة فى أصول الفقه معدود فى أنواع المرسل انتهى اقتصر المصنف من الخلاف على هذين القولين وكل من القولين خلاف ما عليه الأكثرون فإن الأكثرين ذهبوا إلى أن هذا متصل فى إسناده مجهول وقد حكاه عن
74 الأكثرين الحافظ رشيد الدين العطار فى الغرر المجموعة واختاره شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائى فى كتاب جامع التحصيل وما ذكره المصنف عن بعض المصنفات المعتبرة ولم يسمعه فالظاهر أنه أراد به البرهان لإمام الحرمين فإنه قال فيه وقول الراوى اخبرنى رجل أو عدل موثوق به من المرسل أيضا وزاد الإمام فخر الدين فى المحصول على هذا فقال إن الراوى إذا سمى الأصل باسم لا يعرف به فهو كالمرسل وما ذكره المصنف عن بعض كتب الأصول قد فعله أبو داود فى كتاب المراسيل فيروى فى بعضها ما أبهم فيه الرجل ويجعله مرسلا بل زاد البيهقى على هذا فى سننه فجعل ما رواه التابعى عن رجل من الصحابة لم يسم مرسلا وهذا ليس منه بجيد اللهم إلا إن كان يسميه مرسلا ويجعله حجة كمراسيل الصحابة فهو قريب وقد روى البخارى عن الحميدى قال إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فهو حجة وإن لم يسم ذلك الرجل وقال الأثرم قلت لأبى عبد الله يعنى أحمد بن حنبل إذا قال رجل من التابعين حدثنى رجل من اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ولم يسمه فالحديث صحيح قال نعم وقد ذكر المصنف فى آخر هذا النوع التاسع أن الجهالة بالصحابى غير قادحة لأنهم كلهم عدول وحكاه الحافظ أبو محمد عبد الكريم الحلبى فى كتاب القدح المعلى عن اكثر العلماء نعم فرق أبو بكر الصيرفى من الشافعية فى كتاب الدلائل بين أن يرويه التابعى عن الصحابى معنعنا أو مع التصريح بالسماع فقال وإذا قال فى الحديث بعض التابعين عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم لا يقبل لأنى لا أعلم سمع التابعى من ذلك الرجل إذ قد يحدث التابعى عن رجل وعن رجلين عن الصحابى ولا أدرى هل أمكن لقاء ذلك الرجل أم لا فلو علمت إمكانه منه لجعلته كمدرك العصر قال وإذا قال سمعت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل لأن الكل عدول انتهى كلام الصيرفى وهو حسن متجه وكلام من أطلق قبوله محمول على هذا التفصيل والله أعلم
75 قوله وفى صدر صحيح مسلم المرسل فى أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة انتهى ومسلم رحمه الله إنما قال ذلك حاكيا على لسان خصمه الذى نازعه فى اشتراط اللقى فى الإسناد المعنعن فقال فان قال قلته لأنى وجدت رواة الأخبار قديما وحديثا يروى أحدهم عن الآخر الحديث ولما يعاينه ولا سمع منه شيئا قط فلما رأيتهم استجادوا رواية الحديث بينهم هكذا على الإرسال من غير سماع والمرسل من الروايات فى أصل قولنا وقول اهل العلم بالأخبار ليس بحجة احتجت لما وصفت من العلة إلى البحث عن سماع راوى كل خبر عن راويه إلى آخر كلامه فهذا كما تراه حكاه على لسان خصمه ولكنه لما لم يرد هذا القدر منه حين رد كلامه كان كأنه قائل به فلهذا عزاه المصنف إلى كتاب مسلم والله أعلم قوله ثم إنا لم نعد فى أنواع المرسل ونحوه ما يسمى فى أصول الفقه مرسل الصحابى مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من احداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك فى حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابى غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول انتهى وفيه أمران أحدهما أن قوله لأن روايتهم عن الصحابة ليس بجيد بل الصواب أن يقال لأن اكثر رواياتهم عن الصحابة إذ قد سمع جماعة من الصحابة من بعض التابعين وسيأتى
76 فى كلام المصنف فى النوع الحادى والأربعين أن ابن عباس وبقية العبادلة رووا عن كعب الأحبار وهو من التابعين وروى كعب أيضا عن التابعين وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره فى رواية الصحابة عن التابعين فبلغوا جمعا كثيرا إلا أن الجواب عن ذلك أن رواية الصحابة عن التابعين غالبها ليست أحاديث مرفوعة وإنما هى من الإسرائيليات أو حكايات أو موقوفات وبلغنى أن بعض أهل العلم أنكر أن يكون قد وجد شي من رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة عن النبى صلى الله عليه وسلم فرأيت أن أذكر هنا ما وقع لى من ذلك للفائدة فمن ذلك حديث سهل بن سعد عن مروان ابن الحكم عن زيد بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم أملى عليه لا يستوى القاعدون من المؤمنين فجاء ابن أم مكتوم الحديث رواه البخارى والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح وحديث السائب بن يزيد عن عبد الرحمن بن عبد القارى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال من نام عن حزبه أو عن شي منه فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة وحديث جابر بن عبد الله عن أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق عن عائشة رضى الله عنهم أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع ثم يكسل هل عليهما من غسل وعائشة جالسة فقال إنى لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل أخرجه مسلم وحديث عمرو بن الحرث المصطلقى عن ابن أخى زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
77 يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإنكن أكثر أهل جهنم يوم القيامة رواه الترمذى والنسائى والحديث متفق عليه من غير ذكر ابن أخى زينب جعلاه من رواية عمر بن الحارث عن زينب نفسها والله أعلم وحديث يعلى بن أمية عن عبسة بن إبى سفيان عن أخته أم حبيبة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال من صلى ثنتى عشرة ركعة بالنهار أو بالليل بنى له بيت فى الجنة رواه النسائى وحديث عبد الله بن عمر عن عبد الله بن محمد بن أبى بكر الصديق عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تر أن قومك حين بنوا الكعبة قصروا عن قواعد إبراهيم الحديث رواه الخطيب فى كتاب رواية الصحابة عن التابعين بإسناد صحيح والحديث متفق عليه من طريق مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبى بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة بذلك فجعله من رواية سالم عن عبد الله بن محمد وهذا يشهد لصحة طريق الخطيب أن ابن عمر سمعه من عبد الله ابن محمد عن عائشة والله أعلم وحديث ابن عمر عن صفية بنت أبى عبيد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء فى الخفين عند الإحرام رواه الخطيب فى الكتاب المذكور والحديث عند أبى داود من طريق ابن إسحق قال ذكرت لابن شهاب فقال حدثنى سالم أن عبد الله كان يصنع ذلك يعنى قطع الخفين للمرأة المحرمه ثم حدثته صفية بنت أبى عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء فى الخفين فترك ذلك وحديث جابر بن عبد الله عن أبى عمرو مولى عائشة واسمه ذكوان عن عائشة ان أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يكون جنبا فيريد الرقاد فيتوضأ وضوءه للصلاة ثم يرقد رواه أحمد فى مسنده وفى إسناده ابن لهيعة وحديث ابن عباس قال أتى على زمان وانا اقول أولاد المسلمين مع المسلمين وأولاد المشركين مع المشركين حتى حدثنى فلان عن فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم
78 فقال الله أعلم بما كانوا عاملين قال فلقيت الرجل فأخبرنى فأمسكت عن قولى رواه أحمد فى مسنده وأبو داود الطيالسى أيضا فى مسنده وإسناده صحيح وبين روايه عن الطيالسى وهو يونس بن حبيب أن الصحابى المذكور فى هذا الحديث هو أبى بن كعب وكذا قال الخطيب وترجم له فى رواية الصحابة عن التابعين عبد الله بن عباس عن صاحب لأبى بن كعب وحديث ابن عمر عن أسماء بنت زيد بن الخطاب عن عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر فلما شق ذلك عليهم أمر بالسواك لكل صلاة رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال قلت أرايت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر عم ذاك فقال حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر حدثها فذكره وفى رواية علقها أبو داود وأسندها الخطيب إلى عبيد الله بن عبد الله بن عمر كذا أورده الخطيب فى رواية عبد الله بن عمر عن أسماء والظاهر أنه من رواية ابنه عبيد الله بن عبيد الله بن عمر عن أسماء وإن كانت حدثت أبن عمر نفسه وكذا جعل المزنى فى تهذيب الكمال الراوى عنها عبد الله بن عبد الله بن عمر وحديث عمر عن أسماء بنت زيد بن الخطاب عن عبد الله بن حنظلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتى لأمرنهم بالسواك عند كل صلاة رواة الخطيب فيه
79 وحديث سليمان بن صرد عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال تذاكروا غسل الجنابة عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال أما أنا فأفيض على رأسى ثلاثا الحديث رواه الخطيب وهو متفق عليه من رواية سليمان عن جبير ليس فيه نافع وحديث أبى الطفيل عن بكر بن قرواش عن سعد بن أبى وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيطان الردهة يحذره رحل من بجيلة الحديث رواه أبو يعلى الموصلى فى مسنده قال صاحب الميزان بكر بن قرواش لا يعرف والحديث منكر وحديث أبى هريرة عن أم عبد الله أبى أبى ذئاب عن أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء له كفارة رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب المرض والكفارات ومن طريقه الخطيب وحديث ابن عمر عن صفية بنت أبى عبيد عن حفصة عن النبى صلى الله عليه وسلم من لم يجمع الصوم قبل الصبح فلا صوم له وحديث ابن عمر عن صفية عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحرم من الرضاع إلا عشر رضعات فصاعدا رواهما الخطيب وفى إسنادهما محمد بن عمر الواقدى وحديث أنس عن وقاص بن ربيعة عن أبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل ابن آدم إنك إن دنوت منى شبرا دنوت منك ذراعا الحديث وحديث أبى الطفيل عن عبد الملك بن أخى أبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنى أنهم لن تسلطوا على قتلى ولن يفتنونى عن دينى الحديث وحديث أبى أمامة عن عبسة بن أبى سفيان عن أم حبيبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من رجل مسلم يحافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعد الظهر فتمسه النار وحديث أبى الطفيل عن حلام بن جزل عن أبى ذر مرفوعا الناس ثلاث طبقات الحديث روى هذه الأحاديث أيضا الخطيب بأسانيد ضعيفة فهذه عشرون حديثا من رواية الصحابة مرفوعة عن التابعين عن الصحابة مرفوعة ذكرتها للفائدة والله أعلم الأمر الثانى أنه اعترض على المصنف فى قوله ما يسمى فى أصول الفقه بأن المحدثين أيضا يذكرون مراسيل الصحابة فما وجه تخصيصه بأصول الفقه والجواب أن
80 المحدثين وإن ذكروا مراسيل الصحابة فإنهم لم يختلفوا فى الاحتجاج بها وأما الأصوليون فقد اختلفوا فيها فذهب الأستاذ أبو إسحق الاسفراينى إلى أنه لا يحتج بها وخالفه عامة أهل الأصول فجزموا بالاحتجاج بها وفى بعض شروح المنار فى الأصول الحنفية دعوى الاتفاق على الاحتجاج بها ونقل الاتفاق مردود بقول الأستاذ أبى اسحق والله أعلم
81 النوع الحادى عشر معرفة المعضل
وقوله وهو عبارة عن ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا انتهى
أطلق المصنف اسم المعضل على ما سقط منه اثنان فصاعدا ولم يفرق بين أن يسقط ذلك من موضع واحد أو من موضعين وليس المراد بذلك إلا سقوطهما من موضع واحد فأما اذا سقط راو من مكان ثم راو من موضع آخر فهو منقطع فى موضعين وليس معضلا فى الاصطلاح وهذا مراد المصنف ويوضح مراده المثال الذى مثل به بعد وهو قوله ومثاله ما يرويه تابع التابعى قائلا فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخر كلامه قوله وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أى مستغلق شديد ولا التفات فى ذلك الى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل فى المثنى انتهى
82 وأراد المصنف بذلك تخريج قول أهل الحديث معضل بفتح الضاد على مقتضى اللثة فقال إنه وجد له قولهم أمر عضيل ثم زاده المصنف إيضاحا فيما أملاه حين قراءة الكتاب عليه فقال إن فعيل يدل على الثلاثى قال فعلى هذا يكون لنا عضل قاصرا واعضل متعديا وقاصرا كما قالوا ظلم الليل وأظلم الليل وأظلم الليل انتهى وقد اعترض عليه بأن فعيلا لا يكون من الثلاثى القاصر والجواب أنه إنما يكون من الثلاثى القاصر إذا كان فعيل بمعنى مفعول فأما اذا كان بمعنى فاعل فيجئ من الثلاثى القاصر كقولك حريص من حرص وإنما أراد المصنف بقولهم عضيل أنه بمعنى فاعل من عضل الأمر عاضل وعضيل والله أعلم وقرأت بخط الحافظ شرف الدين الحسن بن على بن الصيرفى على نسخة من كتاب ابن الصلاح فى هذا الموضع دلنا قولهم عضيل على أن ماضيه عضل فيكون أعضله منه لا من أعضل هو وقد جاء ظلم الليل وأظلم وأظلمه الله وغطش وأغطش وأغطشه الله تعالى والله أعلم قوله وذكر أبو نصر السجزى الحافظ قول الراوى بلغنى نحو قول مالك بلغنى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمملوك طعامه وكسوته الحديث وقال أصحاب الحديث يسمونه المعضل أنتهى وقد استشكل كون هذا الحديث معضلا الجواز أن يكون الساقط بين مالك وبين أبى هريرة واحدا فقد سمع مالك من جماعة من أصحاب أبى هريرة كسعيد المقبرى ونعيم المجمر ومحمد بن المنكدر فلم جعله معضلا والجواب أن مالكا قد وصل هذا الحديث خارج الموطأ فرواه عن محمد
83 ابن عجلان عن أبيه عن أبى هريرة فقد عرفنا سقوط اثنين منه فلذلك سموه معضلا والله أعلم قوله عند ذكر الاسناد المعنعن والصحيح الذى عليه العمل أنه من قبيل الاسناد المتصل ثم قال وكاد أبو عمر بن عبد البر الحافظ يدعى إجماع أئمه الحديث على ذلك إلى آخر كلامه ولا حاجة إلى قوله كاد فقد ادعاه فقال فى مقدمة التمهيد إعلم وفقك الله أنى تأملت أقاويل أئمة الحديث ونظرت فى كتب من اشترط الصحيح فى النقل منهم
84 ومن لم يشترطه فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم فى ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة وهى عدالة المحدثين ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة وأن يكونوا برآء من التدليس ثم قال وهو قول مالك وعامة أهل العلم قوله اختلفوا فى قول الراوى أن فلانا قال كذا وكذا هل هو بمنزلة عن فى الحمل على الاتصال إذا ثبت التلاقى بينهما حتى يتبين فيه الانقطاع مثاله مالك عن الزهرى أن سعيد بن المسيب قال كذا فروينا عن مالك رضى الله عنه أنه كان يروى عن فلان وأن فلانا سواء
85 وعن أحمد بن حنبل رضى الله عنه أنهما ليسا سواء وحكى ابن عبد البر عن جمهور أهل العلم أن عن وأن سواء ثم قال وحكى بن عبد البر عن أبى بكر البرديجى أن حرف أن محمول على الانقطاع حتى يتبين السماع فى ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى ثم قال ابن الصلاح ووجدت مثل ما حكاه عن البرديجى أبى بكر الحافظ للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة فى مسنده الفحل فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية عن عمار للحافظ قال أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلمت عليه فرد على السلام وجعله مسندا موصولا وذكر رواية قيس بن سعد كذلك عن عطاء ابن أبى رباح عن ابن الحنفية أن عمارا مر بالنبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فجعله مرسلا من حيث كونه قال إن عمارا فعل ولم يقل عن عمار والله أعلم انتهى وما حكاه المصنف عن أحمد بن حنبل وعن يعقوب بن شيبة من تفرقتهما بين عن وأن ليس الأمر فيه على ما فهمه من كلامهما ولم يفرق أحمد ويعقوب بين عن وأن لصيغة أن ولكن لمعنى آخر أذكره وهو أن يعقوب إنما جعله مرسلا من حيث أن ابن الحنفية لم يسند حكاية القصة إلى عمار وإلا فلو قال ابن الحنفية إن عمارا قال مررت بالنبى صلى الله عليه وسلم لما جعله يعقوب ابن شيبة مرسلا فلما أتى به بلفظ أن عمارا مر كان محمد بن الحنفية هو الحاكى لقصة لم يدركها لأنه لم يدرك مرور عمار بالنبى صلى الله عليه وسلم فكان نقله لذلك مرسلا وهذا أمر واضح ولا فرق بين أن يقول ابن الحنفية إن عمارا مر بالنبى صلى الله عليه وسلم أو أن النبى صلى الله عليه وسلم مر به عمار فكلاهما مرسل بالاتفاق بخلاف ما إذا قال عن عمار قال مررت أو ان عمارا قال مررت فإن هاتين العبارتين متصلتان لكونهما أسندتا إلى عمار وكذلك ما حكاه المصنف عن أحمد ابن حنبل من تفرقته بين عن وأن فهو على هذا النحو ويوضح لك ذلك حكاية كلام أحمد وقد رواه الخطيب وفى الكفاية بإسناده إلى أبى داود قال سمعت أحمد قيل له أن رجلا قال عروة أن عائشة قالت يا رسول الله وعن عروة عن عائشة سواء قال كيف هذا سواء ليس هذا سواء انتهى كلام أحمد
86 وانما فرق بين اللفظين لأن عروة فى اللفظ الأول لم يسند ذلك إلى عائشة ولا ادرك القصة وإلا فلو قال عروة إن عائشة قالت قلت يا رسول الله لكان ذلك متصلا لأنه أسند ذلك إليها وأما اللفظ الثانى فأسنده عروة إليها بالعنعنة فكان ذلك متصلا فما فعله أحمد ويعقوب بن شيبة صواب سواء ليس مخالفا لقول مالك ولا لقول غيره وليس فى ذلك خلاف بين أهل النقل وجملة القول فيه أن الراوى إذا روى قصة أو واقعة فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم وبين بعض أصحابه والراوى لذلك صحابى قد أدرك تلك الواقعة حكمنا لها بالاتصال وان لم نعلم أن الصحابى شهد تلك القصة وإن علمنا أنه لم يدرك الواقعة فهو مرسل صحابى وإن كان الراوى كذلك تابعيا كمحمد بن الحنفية مثلا فهى منقطعة وإن روى التابعى عن الصحابى قصة أدرك وقوعها كان متصلا ولو لم يصرح بما يقتضى الاتصال وأسندها إلى الصحابى بلفظ أن فلانا قال أو بلفظ قال قال فلان فهى متصلة أيضا كرواية ابن الحنفية الأولى عن عمار بشرط سلامة التابعى من التدليس كما تقدم وإن لم يدركها ولا أسند حكايتها إلى الصحابى فهى منقطعة كرواية ابن الحنفية الثانية فهذا الحقيق القول فيه وممن حكى اتفاق أهل النقل على ذلك الحافظ أبو عبد الله بن المواق فى كتاب بغية النقاد فذكر من عند أبى داود حديث عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة قطع أنفه يوم الكلاب الحديث وقال إنه عند أبى داود هكذا مرسل قال وقد نبه ابن السكن على إرساله فقال فذكر الحديث مرسلا قال ابن المواق وهو أمر بين لا خلاف بين أهل التمييز من أهل هذا الشأن فى انقطاع ما يروى كذلك إذا علم أن الراوى لم يدرك زمان القصة كما فى هذا الحديث وذكر نحو ذلك أيضا فى حديث أبى قيس أن عمرو بن العاص كان على سرية الحديث فى التيمم من عند أبى داود أيضا وكذلك فعل ذلك غيره وهو أمر واضح بين والله اعلم وقد ذكر المصنف بعد ما حكاه عن مسند يعقوب بن شيبة أن الخطيب مثل هذه المسألة بحديث نافع عن ابن عمر عن عمر أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب الحديث وفى رواية أخرى عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال يا رسول الله الحديث ثم قال أى الخطيب ظاهر الرواية الأولى يوجب أن يكون من مسند
89 عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم والثانية ظاهرها يوجب أن يكون من مسند ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم انتهى وهذا يشهد لما ذكرناه الا أن المصنف اعترض على الخطيب بقوله ليس هذا المثال مماثلا لما نحن بصدده الى آخر كلامه إلا أن كون الرواية الثانية تدل على أنه من مسند ابن عمر لا يخالف فيه ابن الصلاح وهو موافق لما ذكرناه وهو المقصود من الاستشهاد به والله أعلم و صلى الله عليه وسلم على محمد وآله قوله الرابع التعليق الذى يذكره أبو عبد الله الحميدى فى أحاديث من صحيح البخارى قطع إسنادها صورته صورة الانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد
90 ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف لما علم من شرطه اعترض عليه بأن شرط البخارى إن سمى كتابه المسند الصحيح والصحيح هو ما فيه من المسند دون ما لم يسنده وهذا الاعتراض يؤيده قول ابن القطان فى بيان الوهم والإيهام أن البخاى فيما يعلق من الأحاديث فى الأبواب غير مبال بضعف رواتها فإنها غير معدودة فيما انتخب وإنما يعد من ذلك ما وصل الأسانيد به فاعلم ذلك انتهى كلام ابن القطان والجواب أن المصنف إنما يحكم بصحتها إلى من علقها عنه إذا ذكره بصيغة الجزم كما تقدم ولا يظن بالبخارى أن يجزم القول فيما ليس بصحيح عمن جزم به عنه فأما إذا ذكر فيما أبرز من السند ضعيفا فإنه ليس صحيحا عند البخارى كما تقدم والله أعلم قوله فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام انتهى وإنما قال ابن حزم فى المحلى هذا حديث منقطع لم يتصل ما بين البخارى وصدقة بن خالد انتهى وصدقة بن خالد هو شيخ هشام بن عمار فى هذا الحديث وهذا قريب الا أن المصنف لا يجوز تغيير الألفاظ فى التصانيف وان اتفق المعنى
91 قوله وأما ما أورده أى البخارى كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا فى الثالث من هذا التفريعات انتهى يريد أن ما قال فيه البخارى وقال فلان وسمى بعض شيوخه أنه محكوم فيه بالاتصال كالإسناد المعنعن ويشكل على ما ذكره المصنف هنا أن البخارى قال فى صحيحه فى كتاب الجنائز فى باب ما جاء فى قاتل النفس وقال حجاج بن منهال حدثنا جرير بن حازم عن الحسن قال حدثنا جندب فى هذا المسجد فما نسيناه وما نخاف أن يكذب جندب على النبى صلى الله عليه وسلم قال كان برجل خراج فقتل نفسه الحديث فحجاج بن منهال أحد شيوخ البخارى قد سمع منه أحاديث وقد علق عنه هذا الحديث ولم يسمعه منه وبينه وبينه واسطة بدليل أنه أورده فى باب ما ذكره عن بني إسرائيل فقال حدثنا محمد حدثنا حجاج حدثنا جرير عن الحسن قال حدثنا جندب فذكر الحديث فهذا يدل على أنه لم يسمعه من حجاج وهذا تدليس فلا ينبغى أن يحمل ما علقه عن شيوخه على السماع منهم ويجوز أن يقال إن البخارى أخذه عن حجاج بن منهال بالمناولة أو فى حالة المذاكرة على الخلاف الذى ذكره ابن الصلاح وسمعه ممن سمعه منه فلم يستحسن التصريح باتصاله بينه وبين حجاج لما وقع من تحمله وهو قد صح عنده بواسطة الذى حدثه به عنه فأتى به فى موضع بصيغة التعليق وفى موضع آخر بزيادة الواسطة وعلى هذا فلا يسمى ما وقع من البخارى على هذا التقدير تدليسا وعلى كل حال فهو محكوم بصحته لكونه أتى به بصيغة الجزم كما تقدم فما قاله ابن حزم فى حديث البخارى عن هشام بن عمار بحديث المعارف من أنه ليس متصلا عند البخارى يمكن أن يكون البخارى أخذه عن هشام مناولة أو فى المذاكرة فلم يصرح فيه بالسماع
92 وقوله إنه لا يصح وإنه موضع مردود عليه فقد وصله غير البخارى من طريق هشام بن عمار ومن طريق غيره فقال الاسماعيلى فى صحيحه حدثنا الحسن وهو ابن سفيان الإمام حدثنا هشام بن عمار وقال الطبرانى فى مسند الشاميين حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد وقال أبو داود فى سننه حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر كلاهما عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر بإسناده وقد ذكر المصنف فيما تقدم فى النوع الأول فى أمثلة تعليق البخارى قال القعنبى والقضبى من شيوخ البخارى فجعله هناك من باب التعليق وخالف ذلك هنا وقد يجاب عن المصنف بما ذكره هنا عقب الإنكار عن ابن حزم وهو قوله والبخارى رحمه الله قد يفعل مثل ذلك لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذى علق عنه وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث فى موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك بغير ذلك فى الاسباب التى لا يصحبها خلل الانقطاع انتهى فحديث النهى عن المعازف من باب ما هو معروف من جهة الثقات عن هشام كما تقدم وحديث جندب من باب ما ذكره فى موضع آخر من كتابه مسند وقد اعترض على المصنف فى قوله وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التى لا يصحبها خلل الانقطاع بأن حديث جندب الذى ذكر فى الجنائز صحبة خلل للأنقطاع لأنه لم يأخذه عن حجاج بن منهال والجواب عن المصنف أنه لم يرد بقوله لا يصحبها خلل للانقطاع أى فى غير الموضع الذى علقه فيه فان التعليق منقطع قطعا وانما أراد أنه لا يصحبها خلل الانقطاع فى الواقع بأن يكون الحديث معروف الاتصال أما فى كتابه فى موضع آخر كحديث جندب أو فى غير كتابه كحديث أبى مالك الأشعرى فإنه إنما جزم به حيث علم اتصاله وصحته فى نفس الأمر كما تقدم والله تعالى أعلم وأختلف فى محمد شيخ البخارى فى حديث جندب فقيل هو محمد بن يحيى الدهلى
93 وهو الظاهر فإنه روى عن حجاج بن منهال والبخارى عادته لا ينسبه إذا روى عنه إما لكونه من أقرانه أو لما جرى بينهما وقيل هو محمد بن جعفر السمنانى قوله ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره ولا فى مثل قوله يروى على فلان ويذكر عن فلان وما أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر ذلك عنه بأنه قاله وذكره انتهى وقد سمى غير واحد من المتأخرين ما ليس بمجزوم تعليقا منهم الحافظ أبو الحجاج المزى كقول البخارى فى باب مس الحرير من غير لبس ويروى فيه عن الزبيدى عن
94 الزهرى عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم فذكره المزى فى الأطراف وعلم عليه علامة التعليق للبخارى وكذا فعل غير واحد من الحفاظ يقولون ذكره البخارى تعليقا مجزوما أو تعليقا غير مجزوم به إلا أنه يجوز أن هذا الاصطلاح متجدد فلا لوم على المصنف فى قوله إنه لم يجده قوله أما إذا كان الذى وصله هو الذى أرسله وصله فى وقت وأرسله فى وقت
95 ثم قال أو رفعه واحد فى وقت ووقفه هو أيضا فى وقت آخر فالحكم على الأصح فى كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع إلى آخر كلامه وما صححه المصنف هو الذى رجحه أهل الحديث وصحح الأصوليون خلافه وهو أن الاعتبار بما وقع منه أكثر فإن وقع وصله أو رفعه أكثر من إرساله أو وقفه فالحكم للوصل والرفع وإن كان الإرسال أو الوقف فأكثر فالحكم له والله أعلم
النوع الثانى عشر معرفة التدليس
قوله التدليس قسمان إلى آخر كلامه
ترك المصنف رحمه الله قسما ثالثا من أنواع التدليس وهو شر الأقسام وهو الذى يسمونه تدليس التسوية وقد سماه بذلك أبو الحسن بن القطان وغيره من أهل هذا الشأن وصورة هذا القسم من التدليس
96 أن يجئ المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ثقة فيعمل المدلس الذى سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط منه شيخ شيخه الضعيف ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثانى بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها فيصير الإسناد كله ثقات ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ فى الإسناد ما يقتضى عدم قوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل ومثال ذلك ما ذكره أبو محمد بن أبى حاتم فى كتاب العلل قال سمعت أبى وذكر الحديث الذى رواه إسحق بن راهويه عن بقية قال حدثنى أبو وهب الأسدى عن نافع عن ابن عمر مرفوعا لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه فقال أبى إن هذا الحديث له أمر قل من يفهمه روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن إسحق بن أبى فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدى فكناه بقية ونسبه إلى بنى أسد لكيلا يفطن له حتى اذا ترك إسحق ابن أبى فروة من الوسط لا يهتدى له قال وكان بقية من أفعل الناس لهذا انتهى وممن كان يصنع هذا النوع من التدليس الوليد بن مسلم وحكى أيضا عن
97 الأعمش وسفيان الثورى فأما الوليد بن مسلم فحكى الدارقطنى عنه أنه كان يفعله وروينا عن أبى مسهر قال كان الوليد ابن مسلم يحدث بأحاديث الأوزاعى عن الكذابين ثم يدلسها عنهم وروينا عن صالح جزرة قال سمعت الهيثم بن خارجة يقول قلت للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعى قال كيف قلت تروى عن الأوزاعى عن نافع وعن الأوزاعى عن الزهرى وعن الأوزاعى عن يحيى بن سعيد وغيرك يدخل بين الأوزاعى وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمى وبينه وبين الزهرى إبراهيم ابن مرة وقرة قال أنبل الأوزاعى أن يروى عن مثل هؤلاء قلت فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء احاديث مناكير فاسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعى عن الثقات ضعف الأوزاعى فلم يلتفت الى قولى وأما الأعمش والثورى فقال الخطيب فى الكفاية كان الأعمش والثورى وبقية يفعلون مثل هذا والله أعلم قال شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائى فى كتاب جامع التحصيل وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرها أنتهى قلت ومما يلزم منه من الغرور الشديد أن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويكون المدلس قد صرح بسماعه من هذا الشيخ الثقة وهو كذلك فتزول تهمة تدليسه فيقف الواقف على هذا السند فلا يرى فيه موضع علة لأن المدلس صرح باتصاله والثقة الأول ليس مدلسا وقد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة وفيه ما فيه من الآفة التى ذكرناها وهذا قادح فيمن تعمد فعله والله أعلم قوله وهو أن يروى عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه إلى آخر كلامه هكذا حد المصنف القسم الأول من قسمى التدليس اللذين ذكرهما وقد حده غير واحد من الحفاظ بما هو أخص من هذا وهو أن يروى عمن قد سمع منه ما لم يسمعه منه غير أن يذكر أنه سمعه منه هكذا حده الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار فى جزء له فى معرفة من يترك حديثه أو يقبل وكذا حده الحافظ أبو الحسن بن محمد بن عبد الملك بن القطان فى معرفة كتاب بيان الوهم
98 والايهام قال ابن القطان والفرق بينه وبين الإرسال هو أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه انتهى ويقابل هذا القول فى تضييق حد التدليس القول الآخر الذى حكاه ابن عبد البر فى التمهيد أن التدليس أن يحدث الرجل بما لم يسمعه قال ابن عبد البر وعلى هذا فما سلم من التدليس أحد لا مالك ولا غيره وما ذكره المصنف فى حد التدليس هو المشهور بين أهل الحديث وإنما ذكرت قول البزار وابن القطان كيلا يغتر بهما من وقف عليهما فيظن موافقة أهل هذا الشان لذلك والله أعلم قوله أما القسم الأول فمكروه جدا ثم قال ثم اختلفوا فى قبول رواية من عرف بهذا التدليس فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك وقالوا لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم يبين والصحيح التفصيل وان ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه ثم قال وأما القسم الثانى فأمره أخف انتهى كلامه وفيه أمور أحدها أن المصنف أجرى الخلاف فى الثقة المدلس وان صرح بالسماع وقد ادعى أبو الحسن بن القطان نفى الخلاف فيه فذكر فى كتابه بيان الوهم والإيهام أن يحيى ابن أبى كثير كان يدلس وأنه ينبغى أن يجرى فى معنعنه الخلاف ثم قال أما إذا صرح بالسماع فلا كلام فيه فإنه ثقة حافظ صدوق فتقبل منه ذلك بلا خلاف انتهى كلامه والمشهور ما ذكره المصنف من إثبات الخلاف فقد حكاه الخطيب فى الكفاية عن
99 فريق من الفقهاء وأصحاب الحديث وهكذا حكاه غيره والمثبت للخلاف مقدم على النافى له والله أعلم الأمر الثانى أن المصنف ذكر أن ما لم يبين فيه المدلس الاتصال حكمه حكم المرسل فاقتضى كلامه أن من يقبل المرسل يقبل معنعن المدلس وليس ذلك قول جميع من يحتج بالمرسل بل بعض من يحتج بالمرسل يرد معنعن المدلس لما فيه من التهمة كما حكاه الخطيب فى الكفاية فقال إن جمهور من يحتج بالمرسل يقبل خبر المدلس بل زاد النووى على هذا فحكى فى شرح المهذب الاتفاق على أن المدلس لا يحتج بخبره إذا عنعن وهذا منه إفراط وكان الذى أوقع النووى فى ذلك ما ذكره البيهقى فى المدخل وابن عبد البر فى التمهيد مما يدل على ذلك أما البيهقى فإنه حكى عن الشافعى وسائر أهل العلم أنهم لا يقبلون عنعنة المدلس وأما ابن عبد البر فإنه لما ذكر فى مقدمة التمهيد الحديث المعنعن وأنه يقبل بشروط ثلاثة قال إلا أن يكون الرجل معروفا بالتدليس فلا يقبل حديثه حتى يقول حدثنا أو سمعت قال فهذا ما لا أعلم فيه أيضا خلافا انتهى كلامه وما ذكر من الاتفاق لعله محمول على اتفاق من لا يحتج بالمرسل خصوصا عبارة البيهقى فإن لفظ سائر قد تطلق ويراد به الباقى لا الجميع والخلاف فى كلام غيرهما وممن حكاه الحاكم فى كتاب المدخل فإنه قسم الصحيح إلى عشر أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها فذكر من الخمسة المختلف فيها المراسيل وأحاديث المدلسين إذا لم يذكروا سماعاتهم إلى آخر كلامه وحكى الخلاف أيضا الحافظ أبو بكر الخطيب فى
100 كتاب الكفاية فحكى عن خلق كثير من أهل العلم أن خبر المدلس مقبول قال وزعموا أن نهاية أمره أن يكون مرسلا والله أعلم الأمر الثالث أن المصنف بين الحكم فيمن عرف بالقسم الأول من التدليس ولم يبين الحكم فى القسم الثانى وإنما قال إن أمره أخف فأردت بيان الحكم فيه للفائدة وقد جزم أبو نصر بن الصباغ فى كتاب العدة أن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب ألا يقبل خبره وإن كان هو يعتقد فيه الثقة فقد غلط فى ذلك لجواز أن يعرف غيره من جرحه مالا يعرفه هو وان كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف من روى عنه والله أعلم النوع الثالث عشر معرفة الشاذ
قوله أما ما حكم الشافعى عليه بالشذوذ فلا اشكال فى أنه غير شاذ مقبول وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث إنما الأعمال بالنيات فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به عمر عن علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن ابراهيم ثم عنه يحيى
101 ابن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث انتهى
وقد اعترض عليه بأمرين أحدهما أن الخليلى والحاكم إنما ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ لما بينهما من الفرقان والأمر الثانى أن حديث النية لم ينفرد عمر به بل رواه أبو سعيد الخدرى وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما ذكره الدارقطنى وغيره انتهى ما اعترض به عليه والجواب عن الأول أن الحاكم ذكر تفرد مطلق الثقة والخليلى إنما ذكر مطلق الراوى فيرد على إطلاقهما تفرد العدل الحافظ ولكن الخليلى يجعل تفرد الراوى الثقة شاذا صحيحا وتفرد الراوى غير الثقة شاذا ضعيفا والحاكم ذكر تفرد مطلق الثقة فيدخل فيه تفرد الثقة الحافظ فلذلك استشكله المصنف وعن الثانى أنه لم يصح من حديث أبى سعيد ولا غيره سوى عمر وقد أشار المصنف إلى أنه قد قيل ان له غير طريق عمر بقوله على ما هو الصحيح عند أهل الحديث فلم يبق للاعتراض عليه وجه ثم ان حديث أبى سعيد الذى ذكره هذا المعترض صرحوا بتغليط ابن أبى داود الذى رواه عن مالك وممن وهمه فى ذلك الدارقطنى وغيره وإذ قد اعترض عليه فى حديث عمر هذا فهلا اعترض عليه فى الحديث الذى بعده فقد ذكر المصنف أنه أوضح فى التفرد من حديث عمر وهو حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر فى النهى عن بيع الولاء وعن هبته كما سيأتى ومما يستغرب حكايته فى حديث عمر أنى رأيت فى المستخرج من أحاديث الناس لعبد الرحمن بن منده أن حديث الأعمال بالنيات رواه سبعة عشر من الصحابة وأنه رواه عن عمر غير علقمة وعن علقمة غير محمد بن إبراهيم وعن محمد بن إبراهيم غير يحيى
102 ابن سعيد وقد بلغنى أن الحافظ أبا الحجاج المزى سئل عن كلام ابن منده هذا فأنكره واستبعده وقد تتبعت كلام ابن مندة المذكور فوجدت أكثر الصحابة الذين ذكر حديثهم فى الباب انما لهم أحاديث أخرى فى مطلق النية لحديث يبعثون على نياتهم ولحديث لبس له من غزاته الا ما نوى ونحو ذلك وهكذا يفعل الترمذى فى الجامع حيث يقول وفى الباب عن فلان وفلان فانه لا يريد ذلك الحديث المعين وانما يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب فى ذلك الباب وان كان حديثا آخر غير الذى يرويه فى أول الباب وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن من سمى من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه الذى رواه فى أول الباب بعينه وليس الأمر على ما فهموه بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده فى ذلك الباب ثم إنى تتبعت الأحاديث التى ذكرها ابن منده فلم أجد منها بلفظ حديث ابن عمر أو قريبا من لفظه بمعناه الا
103 حديثا لأبى سعيد الخدرى وحديثا لأبى هريرة وحديثا لأنس بن مالك وحديثا لعلى بن أبى طالب وكلها ضعيفة ولذلك قال الحافظ أبو بكر البزار فى مسنده بعد تخريجه لا يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم الا من حديث عمر ولا عن عمر الا من حديث علقمة ولا عن علقمة إلا من حديث محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من حديث يحيى بن سعيد والله أعلم وذكره المصنف بعد هذا فى النوع الحادى والثلاثين ونبسط الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى قوله وأوضح من ذلك فى ذلك حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته تفرد به عبد الله بن دينار وحديث مالك عن الزهرى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر تفرد به مالك عن الزهرى فكل هذه مخرجة فى الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد انتهى وفيه أمران أحدهما أن الحديث الأول وهو حديث النهى عن بيع الولاء وهبته قد روى من حديث عبد الله بن دينار رواه الترمذى فى كتاب العلل المفرد قال حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب حدثنا يحيى بن سليم عن
104 عبيد الله بن عمر عن نافع عن عمر فذكره ثم قال والصحيح عن عبد الله بن دينار وعبد الله بن دينار قد تفرد بهذا الحديث عن ابن عمر ويحيى بن سليم أخطأ فى حديثه وقال الترمذى أيضا فى الجامع أن يحيى بن سليم وهم فى هذا الحديث قلت وقد ورد من غير رواية يحيى بن سليم عن نافع رواه ابن عدي فى الكامل فقال حدثنا عصمة ابن بجماك البخارى حدثنا إبراهيم بن فهد حدثنا مسلم عن محمد بن دينار عن يونس
105 يعنى ابن عبيد عن نافع عن ابن عمر فذكره أورده فى ترجمه إبراهيم بن فهد ابن حكيم وقال لم أسمعه إلا من عصمة عنه ثم قال وسائر أحاديث إبراهيم بن فهد مناكير وهو مظلم الأمر وحكى أيضا أن ابن صاعد كان إذا حدثنا عنه يقول حدثنا إبراهيم بن حليم ينسبه إلى جده لضعفه انتهى والجواب عن المصنف أنه لا يصح أيضا إلا من رواية عبد الله بن دينار كما تقدم فى حديث الأعمال بالنيات والله أعلم والأمر الثانى أن حديث المغفر قد ورد من عدة طرق غير طريق مالك من رواية ابن أخى الزهرى وأبى أويس عبد الله بن عبد الله بن أبى عامر ومعمر والأوزاعى كلهم عن الزهرى فأما رواية أخى الزهرى عنه فرواها أبو بكر البزار فى مسنده وأما رواية أبى أويس فرواها ابن سعد فى الطبقات وابن عدى فى الكامل فى ترجمة أبى أويس وأما رواية معمر فذكرها ابن عدى فى الكامل وأما رواية الأوزاعى فذكرها المزى فى الأطراف وقد بينت ذلك فى شرح الترمذى وروى ابن مسدى فى معجم شيوخه أن أبا بكر بن العربى قال لأبى جعفر بن المرخى حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهرى قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج لهم شيئا ثم تعقب ابن مسدى هذه الحكاية بأن شيخه فيها وهو أبو العباس العشاب كان متعصبا على ابن العربى لكونه كان متعصبا على ابن حزم فالله أعلم
النوع الرابع عشر معرفة المنكر
قوله المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فانه بمعناه منال الأول وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات رواية مالك عن الزهرى عن على بن حسين عن عمر
106 ابن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فخالف مالك غيره من الثقات فى قوله عمر بن عثمان بضم العين وذكر مسلم فى كتاب التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهرى قال فيه عمرو ابن عثمان يعنى بفتح العين إلى آخر كلامه حكم المصنف على حديث مالك هذا بأنه منكر ولم أجد من أطلق عليه اسم النكارة ولا يلزم من تفرد مالك بقوله فى الإسناد عمر أن يكون المتن منكرا فالمتن على كل حال صحيح لأن عمر وعمرا كلاهما ثقة وقد ذكر المصنف مثل ما أشرت إليه فى النوع الثامن عشر أن من أمثلة ما وقفت العلة فى إسناده
107 من غير قدح فى المتن ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثورى عن عمرو بن دينار عن أبى عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار الحديث قال فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح قال والمتن على كل حال صحيح والعلة فى قوله عن عمرو بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى ابن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة انتهى كلامه فجعل الوهم فى الإسناد بذكر ثقة آخر لا يخرج ذلك المتن عن صحيحا فهكذا يجب أن يكون الحكم هنا على أنه قد اختلف على مالك رحمه الله فى قوله وعمر وعمرو فرواه النسائى فى سننه من رواية عبد الله بن المبارك وزيد بن الحباب ومعاوية بن هشام ثلاثتهم عن مالك فقالوا فى روايتهم عمرو بن عثمان كروايه بقية أصحاب الزهرى لكن قال النسائى بعده والصواب من حديث مالك عن عمر بن عثمان قال ولا نعلم أحدا تابع مالكا على قوله عمر بن عثمان انتهى وقال ابن عبد البر فى التمهيد أن يحيى بن بكير رواه عن مالك على الشك فقال فيه عن عمرو بن عثمان أو عمر بن عثمان قال والثابت عن مالك عمر بن عثمان كما روى يحيى وتابعه القعنبى وأكثر الرواة انتهى
108 وقد خالف مالكا فى ذلك ابن جريج وسفيان بن عيينة وهشيم بن كثير ويونس ابن يزيد ومعمر بن راشد وابن الهاد ومحمد بن أبى حفصة وغيرهم فقالوا عمرو وهو الصواب والله أعلم وقد رواه سفيان الثورى وشعبة عن عبد الله بن عيسى عن الزهرى فخالفا فيه الفريقين معا فأسقطا منه ذكر عمرو بن عثمان وجعلاه من رواية على بن حسين عن أسامة والصواب رواية الجمهور والله أعلم وإذا كان هذا الحديث لا يصلح مثالا للمنكر فلنذكر مثالا يصلح لذلك وهو ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يحيى عن ابن جريج عن الزهرى عن أنس قال كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه قال أبو داود بعد تخريجه هذا حديث منكر قال وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهرى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ خاتما من ورق ثم ألقاه وقال والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام وقال النسائى أيضا بعد تخريجه هذا حديث غير محفوظ وأما قول الترمذى بعد تخريجه له هذا حديث حسن صحيح غريب فإنه أحرى حكمه على ظاهر الإسناد وقول أبى داود والنسائى أولى بالصواب إلا أنه قد ورد من غير رواية همام رواه الحاكم فى المستدرك والبيهقى فى سننه من رواية يحيى بن المتوكل عن ابن جريج وصححه الحاكم على شرط الشيخين وضعفه البيهقى فقال هذا شاهد ضعيف وكان البيهقى ظن أن يحيى بن المتوكل هو أبو عقيل صاحب بهية وهو ضعيف عندهم وليس هو به وإنما هو باهلى يكنى أبا بكر ذكره ابن حيان فى الثقات ولا يقدح فيه قول ابن معين لا أعرفه فقد عرفه غيره وروى عنه نحو من عشرين نفسا إلا انه اشتهر تفرد همام به عن ابن جريج والله أعلم قوله عقد ذكر أبى زكير يحيى بن محمد بن قيس وهو شيخ صالح أخرج عنه مسلم فى كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده انتهى
109 ولم يخرج له مسلم احتجاجا وإنما أخرج له فى المتابعات وقد أطلق الأئمة عليه القول بالضعيف فقال يحيى بن معين فيما روى عنه إسحق الكوسج ضعيف وقال أبو حاتم بن حبان لا يحتج به وقال العقيلى لا يتابع على حديثه وأورد له ابن عدى أربعة أحاديث مناكير وأما قول المصنف إنه شيخ صالح فأخذه من كلام أبى يعلى الخليلى فانه كذلك فى كتاب الإرشاد والله أعلم
النوع الخامس عشر معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
قوله مثال المتابع والشاهد روينا من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن ديناد عن عطاء ابن أبى رباح عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لو أخذوا فدبغوه فانتفعوا به ورواه ابن جريج عن عمر وعن عطاء ولم يذكر فيه الدباغ انتهى ورواية ابن جريج ليست كرواية ابن عيينة فإن ابن جريج جعله من مسند ميمونة من رواية ابن عباس عنها لا من مسند ابن عباس وقد رواه مسلم على الوجهين معا من طريق ابن عيينة فجعله من مسند ابن عباس ومن طريق ابن جريج فجعله من مسند ميمونة وكلام المصنف يوهم اتفاقهما فى السند وأن الاختلاف الذى
110 بينهما فى ذكر الدباغ وإذ لم يتفق ابن عيينة وابن جريج فى الإسناد فلنذكر مثالا اتفق الراويان له على إسناده وأختلفا فى ذكر الدباغ وهو ما رواه البيهقى من رواية ابراهيم بن نافع الصايغ عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس ولم يذكر الدباغ والله أعلم
111 النوع السادس عشر معرفة زيادات الثقات
قوله مثاله ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين فذكر أبو عيسى الترمذى أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله من المسلمين وروى عبيد الله ابن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة انتهى
وكلام الترمذى هذا ذكره فى العلل التى فى آخر الجامع ولم يصرح بتفرد مالك بها مطلقا فقال ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون فى الحديث وإنما يصح إذا كانت
112 الزيادة ممن يعتمد على حفظه مثل ما روى مالك بن أنس فذكر الحديث ثم قال وزاد مالك فى هذا الحديث من المسلمين وروى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر ولم يذكروا فيه من المسلمين وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه انتهى كلام الترمذى فلم يذكر التفرد مطلقا عن مالك وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك ثم صرح بأنه رواه غيره عن نافع ممن لم يعتمد على حفظه فأسقط المصنف آخر كلامه وعلى كل تقدير فلم ينفرد مالك بهذه الزيادة بل تابعه عليها جماعة من الثقات ابنه عمر بن نافع والضحاك ابن عثمان وكثير بن فرقد ويونس بن يزيد والمعلى بن إسمعيل وعبد الله بن عمر العمرى واختلف فى زيادتها على أخيه عبيد الله بن عمر العمرى وعلى أيوب أيضا فأما رواية ابنه عمر بن نافع فأخرجها البخارى فى صحيحه من رواية إسمعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن ابيه فقال فيه من المسلمين وأما رواية الضحاك بن عثمان
113 فأخرجها مسلم فى صحيحه من رواية ابن أبى فديك أخبرنا الضحاك بن عثمان عن نافع فقال فيه أيضا من المسلمين وأما رواية كثير بن فرقد فأخرجها الدارقطنى فى سننه والحاكم فى المستدرك من رواية الليث بن سعد عن كثير بن فرقد عن نافع فقال فيها أيضا من المسلمين وقال الحاكم بعد تخريجه هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه انتهى وكثير بن فرقد احتج به البخارى ووثقه ابن معين وأبو حاتم أما رواية يونس بن يزيد فأخرجها أبو جعفر الطحاوى فى بيان المشكل من رواية يحيى بن أيوب عن يونس بن يزيد أن نافعا أخبره فذكر فيه أيضا من المسلمين وأما رواية المعلى بن إسمعيل فأخرجها ابن حبان فى صحيحه والدارقطنى فى سننه من رواية أرطاة بن المنذر عن المعلى بن إسمعيل عن نافع فقال فيه عن كل مسلم وأرطاة وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما والمعلى بن إسمعيل قال فيه أبو حاتم الرازى ليس بحديثه بأس صالح الحديث لم يرو عنه غير أرطاة وذكره ابن حبان فى الثقات وأما رواية عبد الله بن عمر فأخرجها الدارقطنى فى سننه من رواية روح وعبد الوهاب فرقهما كلاهما عن عبد الله بن عمر عن نافع فقال فيه على كل مسلم وقد رواه أبو محمد بن الجارود فى المنتقى فقرن بينه وبين مالك فرواه من طريق ابن وهب قال حدثنى عبد الله بن عمر ومالك وقال فيه من المسلمين وأما الاختلاف فى زيادتها على عبيد الله بن عمر وأيوب فقد ذكرته فى شرح الترمذى والله أعلم
114 قوله ومن أمثلة ذلك حديث جعلت لنا الأرض مسجدا وجعل تربتها لنا طهورا فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك سعد بن طارق الأشجعى وساير الروايات لفظها وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا انتهى وإنما تفرد أبو مالك الأشجعى بذكر تربة الأرض فى حديث حذيفة كما رواه مسلم فى صحيحه من روايه أبى مالك الأشجعى عن ربعى عن حذيفة وقد اعترض على المصنف بأنه يحتمل أن يريد بالتربة الأرض من حيث هى أرض لا التراب فلا يبقى فيه زيادة ولا مخالفة لمن أطلق فى سائر الروايات والجواب أن فى بعض طرقه التصريح بالتراب كما فى رواية البيهقى وجعل ترابها لنا طهورا ولم يتقدم من المصنف ذكر لحديث حذيفة وإنما أطلق كون هذه اللفظة تفرد بها أبو مالك فلذلك أحببت أن أذكر أنها وردت من رواية غيره من حديث على وذلك فيما رواه أحمد فى مسنده من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن على الأكبر أنه سمع على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أعطيت ما لم يعطه أحد من الأنبياء فذكر الحديث وفيه وجعل التراب لى طهورا وهذا إسناد حسن وقد رواه البيهقى أيضا فى سننه من هذا الوجه
115 النوع الثامن عشر معرفة الحديث المعلل
قوله ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك منهم ومن الفقهاء فى قولهم فى باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة انتهى
116 وقد تبعه عليه الشيخ محيى الدين النووى فقال فى مختصره إنه لحن واعترض عليه بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة منهم قطرب فيما حكاه اللبلى والجوهرى فى الصحاح والمطرزى فى المغرب انتهى والجواب عن المصنف أنه لا شك فى أنه ضعيف وان حكاه بعض من صنف فى الأفعال كابن القوطية وقد أنكره غير واحد من أهل اللغة كابن سيدة والحريرى وغيرهما فقال صاحب المحكم واستعمل أبو إسحق لفظه المعلول فى المتقارب من العروض ثم قال والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول فى مثل هذا كثيرا قال وبالجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج لأن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب سيبويه من قولهم مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته وسللته وإن لم يستعملا فى الكلام استغنى عنهما بأفعلت قالوا وإذ قالوا جن وسل فإنما يقولون جعل فيه الجنون والسل كما قالوا وفسل انتهى كلامه وأنكره أيضا الحريرى فى درة الغواص
117 قلت والأحسن أن يقال فيه معل بلام واحدة لا معلل فإن الذى بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه بالشئ وشغله به من تعليل الصبى بالطعام وأما بلام واحدة فهو الاكثر فى كلام أهل اللغة وفى عبارة أهل الحديث أيضا لأن أكثر عبارات أهل الحديث فى الفعل أن يقولوا أعله فلان بكذا وقياسه معل وتقدم قول صاحب المحكم أن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل وقال الجوهرى لا أعلك الله أى لا أصابك بعلة انتهى والتعبير بالمعلول موجود فى كلام كثير من أهل الحديث فى كلام الترمذى فى
118 جامعه وفى كلام الدارقطنى وأبى أحمد بن عدى وأبى عبد الله الحاكم وأبى يعلى الخليلى ورواه الحاكم فى التاريخ وفى علوم الحديث أيضا عن البخارى فى قصة مسلم مع البخارى وسؤاله عن حديث ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة مرفوعا من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه الحديث فقال البخارى هذا حديث مليح ولا أعلم فى الدنيا فى هذا الباب غير هذا الحديث الواحد إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسمعيل حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله قال البخارى هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماعا من سهيل فقام إليه مسلم وقبيل يده قلت هكذا أعل الحاكم فى علومه هذا الحديث بهذه الحكاية والغالب على الظن عدم صحتها وأنا أتهم بها أحمد بن حمدون القصار راويها عن مسلم فقد تكلم فيه وهذا الحديث قد صححه الترمذى وابن حبان والحاكم ويبعد أن البخارى يقول إنه لا يعلم فى الدنيا فى هذا الباب غير هذا الحديث مع أنه قد ورد من حديث جماعة من الصحابة غير أبى هريرة وهم أبو برزة الأسلمى ورافع بن خديج وجبير بن مطعم والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك والسائب بن يزيد وعائشة وقد بينت هذه الطرق كلها فى تخريج أحاديث الإحياء للغزالى والله أعلم قوله ومثال العلة فى المتن ما انفرد مسلم بإخراجه من حديث أنس من اللفظ
119 المصرح بنفى قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر البسملة إلى آخر كلامه وربما يعترض معترض على المصنف بأنك قدمت أن ما أخرجه أحد الشيخين البخارى أو مسلم مقطوع بصحته فكيف يضعف هذا وهو فيما أودعه مسلم كتابه وأيضا فلم تعين من أعله حتى ينظر محله من العلم وما حكيته عن قوم لم تسمهم أنهم أعلوه معارض بقول أبى الفرج بن الجوزى فى التحقيق عقب حديث أنس هذا أن الأيمة أتفقوا على صحته والجواب عن ذلك أن المصنف لما قدم إنما أخرجه أحد الشيخين مقطوع بصحته قال سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطنى وغيره انتهى كلام المصنف فقد استثنى أحرفا يسيرة وهذا منها وقد اعله جماعة من الحفاظ الشافعى والدارقطنى وابن عبد البر رحمهم الله ولنذكر كلامهم فى ذلك ليتضح ما أعلوه به فأما كلام الشافعى رحمه الله فقد ذكره عنه البيهقى فى كتاب معرفة السنن والآثار وأنه قاله فى سنن حرملة جوابا لسؤال أورده وصورة السؤال فإن قال قائل قد روى مالك عن حميد عن أنس قال صليت وراء أبى بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قال قال الشافعى قل له خالفه سفيان بن عيينة والقفزارى والثقفى وعدد لقيتهم سبعة أو ثمانية مؤمنين مخالفين له قال والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد ثم رجح روايتهم بما رواه عن سفيان عن أيوب عن قتادة عن أنس قال كان النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين قال الشافعى يعنى يبدأون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها ولا يعنى أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم وحكى الترمذى فى جامعه عن الشافعى قال إنما معنى هذا الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين معناه أنهم كانوا يبتدئون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة وليس معناه أنهم كانوا لا يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم انتهى وما أوله به الشافعى مصرح به فى رواية الدارقطنى فكانوا يستفتحون بأم القرآن
120 فيما يجهر به قال الدارقطنى هذا صحيح وقال الدارقطنى أيضا إن المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس أنهم كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ليس فيه تعرض لنفى البسملة وكذا قال البيهقى إن أكثر أصحاب قتادة رووه عن قتادة كذلك قال وهكذا رواه اسحق بن عبد الله بن أبى طلحة وثابت البنانى عن أنس انتهى وأما تضعيف ابن عبد البر له بالاضطراب فإنه قال فى كتاب الاستذكار اختلف عليهم فى لفظه اختلافا كثيرا مضطربا متدافعا منهم من يقول صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر ومنهم من يذكر عثمان ومن لا يذكر فكانوا لا يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم ومنهم من قال فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم وقال كثير منهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين وقال بعضهم فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم وقال بعضهم كانوا يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم قال وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة لأحد من الفقهاء الذين يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم والذين لا يقرأونها وقال ابن عبد البر أيضا فى كتاب الإنصاف فى البسملة بعد أن رواه من رواية أيوب وشعبة وهشام الدستوائى وشيبان بن عبد الرحمن وسعيد بن أبى عروبة وأبى عوانة فهؤلاء حفاظ أصحاب قتادة ليس فى روايتهم لهذا الحديث ما يوجب سقوط بسم الله الرحمن الرحيم من أول فاتحة الكتاب أنتهى فهذا كلام أئمة الحديث فى تعليل هذا الحديث فكيف يقول ابن الجوزى إن الأئمة اتفقوا على صحته أفلا يقدح كلام هؤلاء فى الاتفاق الذى نقله وقد رأيت أن أبين علل الرواية التى فيها نفى البسملة من حيث صيغة الإسناد فأقول قد ذكر ترك البسملة فى حديث أنس من ثلاثة طرق وهى رواية حميد عن أنس ورواية قتادة عن أنس ورواية اسحق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس فأما رواية حميد فقد تقدم أن مالكا رواها فى الموطأ عنه وأن الشافعى رضى الله عنه تكلم فيها لمخالفة سبعة أو ثمانية من شيوخه فى ذلك وأيضا فقد ذكر ابن عبد البر فى كتاب الإنصاف ما يقتضى انقطاعه بين حميد وأنس فقال ويقولون إن أكثر رواية حميد عن أنس أنه سمعها من قتادة عن أنس
121 وقد ورد التصريح بذكر قتادة بينهما فيما رواه ابن أبى عدى عن حميد عن قتادة عن أنس فآلت رواية حميد إلى رواية قتادة وأما رواية مسلم فى صحيحه من رواية الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعى عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فى أول قراءة ولا فى آخرها فقد بين الأوزاعى فى روايته أنه لم يسمعه من قتادة وإنما كتب إليه به والخلاف فى صحة الرواية بالكتابة معروف وعلى تقدير صحتها فأصحاب قتادة الذين سمعوه منهم أيوب وأبو عوانة وغيرهما لم يتعرضوا لنفى البسملة كما تقدم وأيضا ففى طريق مسلم الوليد ابن مسلم وهو مدلس وإن كان قد صرح بسماعه من الأوزاعى فإنه يدلس تدليس التسوية أى يسقط شيخ شيخه الضعيف كما تقدم نقله عنه نعم لمسلم من رواية شعبة عن قتادة عن أنس فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا يلزم من نفى السماع عدم الوقوع بخلاف الرواية المتقدمة وأما رواية إسحق بن عبد الله بن أبى طلحة فهى عند مسلم أيضا ولم يسبق لفظها وإنما ذكرها بعد رواية الأوزاعى عن قتادة عن انس فقال حدثنا محمد بن مهران حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعى أخبرنى إسحق بن عبد الله بن أبى طلحة أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك فاقتضى أيراد مسلم لهذه الرواية أن لفظها مثل الرواية التى قبلها وليس كذلك فقد رواها ابن عبد البر فى كتاب الانصاف من رواية محمد بن كثير قال حدثنا الأوزاعى فذكرها بلفظ كانوا يفتتحون القراءة بالحمد رب العالمين ليس فيها تعرض لنفى البسملة موافقا لرواية الأكثرين وهذا موافق لما قدمنا نقله عن البيهقى من أن رواية إسحق بن عبد الله عن أنس لهذا الحديث كرواية أكثر أصحاب قتادة أنه ليس فيها تعرض لنفى البسملة فقد اتفق ابن عبد البر والبيهقى على مخالفة رواية اسحق للرواية التى فيها نفي البسملة وعلى هذا فما فعله مسلم رحمه الله هنا ليس بجيد لأنه أحال بحديث على آخر وهو مخالف له بلفظ فذكر ذلك لم يقل نحو ذلك ولا غيره فإن كانت الرواية التى وقعت لمسلم لفظها كالتى قبلها التى احال عليها فترجح رواية بن عبد البر عليها لأن رواية مسلم من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعى معنعنا ورواية
122 ابن عبد البر من طريق محمد بن كثير حدثنا الأوزاعى وصرح بلفظ الرواية فهى أولى بالصحة ممن اتهم اللفظ وفى طريقه مدلس عنعنه والله أعلم قوله وأنضم إلى ذلك أمور منها أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وقد اعترض ابن عبد البر فى الإنصاف على هذا الحديث بأن قال من حفظه عنه حجة على من سأله فى حال نسيانه واعترض ابن الجوزى فى التحقيق على هذا الحديث بأنه ليس فى الصحاح فلا يعارض ما فى الصحاح انتهى والجواب عن الأول ما أجاب به أبو شامة فى تصنيفه فى البسملة بأنهما مسألتان فسؤال قتادة عن الاستفتاح بأى سورة وفى صحيح مسلم أن قتادة قال نحن سألناه عنه قال أبو شامة وسؤال أبى مسلمة لأنس وهو هذا السؤال الأخير عن البسملة وتركها انتهى ولو تمسكنا بما اعترض به ابن عبد البر من أن من حفظه عنه حجة على من سأله فى حالة نسيانه لقلنا قد حفظ عنه قتادة وصفه لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم البسملة كما رواه البخارى فى صحيحه من طريقين عن قتادة عن أنس قال سئل أنس
123 ابن مالك كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن يمد الرحيم وهذا إسناد لا شك فى صحته وقال الدارقطنى بعد تخريجه هذا حديث صحيح وكلهم ثقات وقال الحازمى هذا حديث صحيح لا يعرف له علة وفيه دلالة على الجهر مطلقا وإن لم يقيد بحالة الصلاة فيتناول الصلاة وغير الصلاة قال أبو شامة وتقرير هذا أن يقال لو كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف فى الصلاة وخارج الصلاة لقال أنس لمن سأله عن أى قراءتيه لسأل عن التى فى الصلاة أم التى خارج الصلاة فلما أجاب مطلقا علم أن الحال لم يختلف فى ذلك وحيث أجاب بالبسملة دون غيرها من آيات القرآن دل على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة فى قراءته ولولا ذلك كان أنس أجاب الحمد لله رب العالمين أو غيرها من الآيات قال وهذا واضح قال ولنا أن نقول الظاهر أن السؤال لم يكن إلا عن قراءته فى الصلاة فإن الراوى قتادة وهو راوى حديث أنس ذاك وقال فيه نحن سألناه عنه انتهى ولم تختلف على قتادة فى حديث البخارى هذا بخلاف حديث مسلم فاختلف فيه عليه كما بيناه وما لم يختلف فيه أولى عند الترجيح بحصول الضبط فيه والله أعلم والجواب عن الثانى وهو قول ابن الجوزى ليس فى الصحاح أنه إن كان المراد أنه ليس فى واحد من الصحيحين فهو كما ذكر ليس فى واحد منهما ولكن لا يلزم من كونه ليس فى واحد من الصحيحين أن لا يكون صحيحا لأنهما لم يستوعبا إخراج الصحيح فى كتابيهما وإن أراد ليس فى كتاب التزم مخرجه الصحة فليس بجيد فقد أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه من رواية أبى مسلمة سعيد بن يزيد قال سألت أنس بن مالك أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو بسم الله الرحمن الرحيم فقال إنك لتسألنى عن شيء ما أحفظه وما سألنى عنه أحد قبلك وقال الدارقطنى بعد تخريجه هذا إسناد صحيح قال البيهقى فى المعرفة فى هذا دلالة على أن مقصود أنس ما ذكره الشافعى انتهى وإن أراد ابن الجوزى بقوله إنه ليس فى الصحاح أى ليس فى أحد الصحيحين
124 فلا يكون فيه قوة المعارضة لما فى أحد الصحيحين وإن كان أيضا صحيحا فى نفسه لأنه يرجح عند التعارض بالأصح منهما فيقدم ما فى الصحيحين والجواب عن هذا إن كان اراده من وجهين أحدهما أن هذا إذا اتضحت المعارضة ولم يمكن الجمع فاما مع إمكان الجمع فلا يهمل واحد من الحديثين الصحيحين وقد تقدم حمل من حمله من الحفاظ على أن المراد بحديث الصحيحين الابتداء بالفاتحة لا نفى البسملة وبه يصح الجمع والوجه الثانى إنه إنما يرجح بما فى أحد الصحيحين على ما فى غيرهما من الصحيح حيث كان ذلك الصحيح مما لم يضعفه الأئمة فأما ما ضعفوه كهذا الحديث فلا يقدم على غيره لخطإ وقع من بعض والله أعلم قوله حكاية عن بعضهم ومن أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول انتهى أبهم المصنف قائل ذلك وهو الحافظ أبو يعلى الخليلى فقال فى كتاب الإرشاد إن الاحاديث على أقسام كثيرة صحيح متفق عليه وصحيح معلول وصحيح مختلف فيه إلى آخر كلامه
النوع التاسع عشر معرفة المضطرب
قوله ومن أمثلته ما رويناه عن إسمعيل بن أمية عن أبى عمر بن محمد بن حريث
125 عن جده حريث عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المصلى إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا فرواه بشر بن المفضل وروح بن القاسم بن إسمعيل هكذا ورواه سفيان الثورى عنه عن أبى عمرو بن حريث من أبيه عن أبى هريرة ورواه حميد بن الأسود عن إسمعيل عن أبى عمرو بن محمد بن حريث بن سليم عن أبيه عن أبى هريرة ورواه وهيب وعبد الوارث عن إسمعيل عن أبى عمرو بن حريث عن جده حريث وقال عبد الرزاق عن ابن جريج سمع إسمعيل عن حريث بن عمار عن أبى هريرة وفيه من الاضطراب أكثر مما ذكرناه انتهى وفيه أمور أحدها أنه قد اعترض عليه بأنه ذكر أولا أنه إنما يسمى مضطربا إذا تساوت الروايتان فأما إذا ترجحت إحداهما فلا يسمى مضطربا وهذا قد رواه الثورى وهو أحفظ من ذكرهم فينبغى أن ترجح روايته على غيرها ولا تسميه مضطربا وأيضا فإن الحاكم وغيره صحح الحديث المذكور والجواب أن الوجوه التى يرجح بها متعارضة فى هذا الحديث فسفيان الثورى وان كان أحفظ من سماه المصنف فإنه انفرد بقوله أبى عمرو بن حريث عن أبيه وأكثر الرواة يقولون عن جده وهم بشر بن المفضل وروح بن القاسم ووهيب بن خالد وعبد الوارث
126 ابن سعيد وهؤلاء من ثقات البصريين وأثبتهم ووافقهم على ذلك من حفاظ الكوفيين سفيان بن عيينة وقولهم أرجح لوجهين أحدهما الكثرة والثانى أن إسمعيل بن أمية مكى وابن عيينة كان مقيما بمكة ومما يرجح به كون الراوى عنه من أهل بلده وبكثرة الرواة أيضا وخالف الكل ابن جريج وهو مكى أيضا ومولى آل خالد بن سعيد الأموى وإسمعيل بن أمية هو ابن عمرو بن سعيد الأموى المذكور فيقتضى ذلك ترجيح روايته فتعارضت حينئذ الوجوه المقتضية للترجيح وانضم إلى ذلك جهالة راوى الحديث وهو شيخ إسمعيل بن أمية فإنه لم يرو عنه فيما علمت غير إسمعيل بن أمية مع هذا الاختلاف فى اسمه واسم أبيه وهل يرويه عن أبيه أو عن جده أو هو نفسه عن أبى هريرة وقد حكى أبو داود فى سننه تضعيفه عن ابن عيينة فقال قال سفيان لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ولم يجئ إلا من هذا الوجه وقد ضعفه أيضا الشافعى والبيهقى وقول من ضعفه أولى بالحق من تصحيح الحاكم له مع هذا الاضطراب والجهالة براويه والله أعلم وقد ذكره النووى فى الخلاصة فى فصل الضعيف وقال قال الحفاظ هو ضعيف لاضطرابه الأمر الثانى أن قول المصنف فى رواية حميد بن الأسود عن أبيه فيه نظر والذى قاله حميد عن جده كما رواه ابن ماجه فى سننه قال حدثنا بكر بن خلف أبو بشر قال حدثنا حميد بن الأسود وحدثنا عمار بن خالد حدثنا سفيان بن عيينة عن إسمعيل بن أمية عن أبى عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث بن سليم عن أبى هريرة فذكره ولكن المصنف اعتمد على رواية البيهقى فإنه فيها من رواية حميد عن إسمعيل عن أبى عمرو بن محمد بن حريث عن أبيه عن أبى هريرة فأما أن يكون قد اختلف فيه على حميد بن الأسود فى قوله عن أبيه أو عن جده أو يكون ابن ماجه قد حمل رواية حميد ابن الأسود على رواية سفيان بن عيينة ولم يبين الاختلاف الذى بينهما كما يقع فى الأسانيد علي أنه قد اختلف فيه أيضا على ابن عيينة كما سيأتى فى الأمر الذى يليه
127 الأمر الثالث المصنف أشار إلى غير ذلك من الاضطراب فرأيت أن اذكر ما رأيت فيه من الاختلاف مما لم يذكره المصنف وقد رواه أيضا عن إسمعيل بن أمية سفيان بن عيينة وذواد بن علبة فأما سفيان بن عيينة فاختلف عليه فيه فرواه محمد بن سلام البيكى عن سفيان بن عيينة كرواية بشر وروح المتقدمة وهكذا رواه على بن المدينى عنه فيما رواه البخارى فى غير الصحيح عن ابن المدينى واختلف فيه على بن المدينى كما سيأتى ورواه مسدد عن سفيان كرواية سفيان الثورى المتقدمة ورواه الشافعى والحميدى عن ابن عيينة عن إسمعيل عن أبى محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث العذرى ورواه عمار بن خالد عن ابن عيينة فقال عن أبى عمرو محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث بن سليم رواه ابن ماجه عن عمارة وقد نقدم وأما الاختلاف على ابن المدينى فيه فرواه البخارى فى غير الصحيح عنه عن ابن عيينة كما تقدم ورواه أبو داود فى سننه عن محمد بن يحيى بن فارس عن ابن المدينى عن ابن عيينة عن اسمعيل عن أبى محمد ابن عمرو بن حريث عن جده حريث رجل من بنى عذرة وأما ذواد بن علبة فقال عن إسمعيل بن أمية عن أبى عمرو بن محمد عن جده حريث بن سليمان وقال أبو زرعة الدمشقى لا نعلم أحدا بينه ونسبه غير ذواد بن علبة انتهى قلت وقد نسبه ابن عيينة أيضا فى رواية ابن ماجه إلا أنه قال ابن سليم كما تقدم والله أعلم
النوع العشرون معرفة المدرج
قوله وهو أقسام منها ما ادرج فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام بعض رواته بأن يذكر الصحابى أو من بعده عقيب ما يرويه من الحديث كلاما من عند
128 نفسه إلى آخر كلامه
هكذا اقتصر المصنف فى هذا فى هذا القسم من المدرج على كونه عقب الحديث وقد ذكر الخطيب فى بعض المدرجات ما ذكر فى أول الحديث أو فى وسطه فمثال المدرج فى أوله ما رواه الخطيب باسناده من رواية أبى قطن وشبابه فرقهما عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسبغوا الوضوء ويل للاعقاب من النار قال الخطيب وهم أبو قطن عمرو بن هيثم وشبابة بن سوار فى روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه وذلك أن قوله اسبغوا الوضوء كلام أبى هريرة وقوله ويل للاعقاب من النار من كلام النبى صلى الله عليه وسلم قال وقد رواه أبو داود الطيالسى وذهب ابن جرير وآدم بن أبى إياس وعاصم بن على وعلى بن الجعد وغندر وهشيم ويزيد بن زريع والنضر بن شميل ووكيع وعيسى بن يونس ومعاذ بن معاذ كلهم عن شعبة وجعلوا الكلام الأول من قول أبى هريرة والكلام الثانى مرفوعا قلت وهكذا رواه البخارى فى صحيحه عن آدم بن أبى أياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبى هريرة قال اسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم
130 قال ويل للاعقاب من النار ومثال المدرج فى وسطه ما رواه الدارقطنى فى سننه من رواية عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بنت صفوان قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مس ذكره أو انثييه أو رفعه فليتوضأ قال الدارقطنى كذا رواه عبد الحميد عن هشام ووهما فى ذكر الأنثيين والرفع وإدراجه ذلك فى حديث بسرة قال والمحفوظ أن ذلك من قول عروة غير مرفوع قال وكذلك رواه الثقات عن هشام منهم أيوب السخستيانى وحماد بن زيد وغيرهما ثم رواه من رواية أيوب ففصل قول عروة من المرفوع وقال الخطيب فى كتابه المذكور تفرد عبد الحميد بذكر الانثيين والرفعين وليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول أبى عروة فأدرجه الراوى فى متن الحديث وقد بين ذلك حماد وأيوب قلت ولم ينفرد به عبد الحميد كما قال الخطيب فقد رواه الطبرانى فى المعجم الكبير من رواية يزيد بن زريع عن أيوب عن هشام بلفظ إذا أمس أحدكم ذكره أو انثييه أو رفعه فيتوضأ وزاد الدارقطنى فيه أيضا ذكر الأنثيين من رواية ابن جريج عن هشام عن أبيه عن مروان بن الحكم عن بسرة وقد ضعف بن دقيق العيد فى الاقتراح الحكم بالادراج على ما وقع فى أثناء لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم معطوفا بواو العطف والله أعلم
النوع الحادى والعشرون معرفة الموضوع
قوله اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة انتهى
131 وقد تقدم قول المصنف إن ما عدمت فيه صفات القبول فهو أرذل الأقسام والصواب ما ذكره هنا أن الموضوع شرها وتقدم التنبيه على ذلك قوله وإنما يعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة اقراره انتهى وقد استشكل الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد الحكم على الحديث بالوضع بإقرار من ادعى أنه وضعه لأن فيه عملا فقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع فقال فى الاقتراح هذا كاف فى رده لكن ليس بقاطع فى كونه موضوعا لجواز أن يكذب فى هذا الاقرار بعينه انتهى
132 وقول الشيخ أو ما يتنزل منزله إقراره هو كان يحدث بحديث عن شيخ ثم يسأل عن مولده فيذكر تاريخا يعلم وفاة ذلك الشيخ قبله ولا يوجد ذلك الحديث الا عنده فهذا لم يعترف بوضعه ولكن اعترافه بوقت مولده يتنزل منزلة إقراره بالوضع لأن ذلك الحديث لا يعرف إلا عند ذلك الشيخ ولا يعرف إلا برواية هذا الذى حدث به والله أعلم قوله وربما غلط غالط فوقع فى شبه الوضع كما وقع لثابت بن موسى الزاهد فى حديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار انتهى هذا الحديث أخرجه ابن ماجه فى سننه عن إسمعيل بن محمد الطلحى عن ثابت ابن موسى الزاهد عن شريك عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر مرفوعا من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار والغلط الذى أشار المصنف هو ما ذكره الحاكم قال دخل ثابت بن موسى على شريك بن عبد الله القاضى والمستملى بين يديه وشريك يقول حدثنا الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر المتن فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وإنما اراد ثابتا لزهده وورعه فظن ثابت أنه روى هذا الحديث مرفوعا بهذا الإسناد فكان ثابت يتحدث به عن شريك وقال أبو حاتم بن حبان فى تاريخ الضعفاء هذا قول شريك قاله عقيب حديث الأعمش عن أبى سفيان عن جابر يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم
133 فأدرجه ثابت فى الخبر وسرقه منه جماعة ضعفاء وحدثوا به عن شريك فجعله ابن حبان من نوع المدرج وقد اعترض بعض المتأخرين على المصنف بأنه وجد الحديث من غير رواية ثابت ابن موسى فذكر من معجم ابن جميع قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الرقي حدثنا أبو الحسن محمد بن هشام بن الوليد حدثنا جبارة بن المغلس عن كثير بن سليم عن أنس بالحديث مرفوعا انتهى وهذا الاعتراض عجيب فإن المصنف لم يقل إنه لم يرو إلا من طريق ثابت ومع ذلك فهذا الطريق التى اعترض بها هذا المعترض أضعف من طريق ثابت بن موسى لضعف كل من كثير بن سليم وجبارة بن المغلس وبدء أمر هذا الحديث قصة ثابت مع شريك وقد سرقه جماعة من الضعفاء فحدث به بعضهم عن شريط وبعضهم جعل له إسنادا آخر كذا الحديث قال العقيلى فى الضعفاء فى ترجمة ثابت بن موسى حديث باطل لا أصل له ولا يتابعه عليه ثقة وقال ابن عدى فى الكامل حديث منكر لا يعرف إلا بثابت وسرقه منه من الضعفاء عبد الحميد بن بحير وعبد الله بن شبرمه الشريكى وإسحق ابن بسر الكاهلى وموسى بن محمد أبو الطاهر المقدسى قال وحدثنا بعض الضعفاء عن رحمويه وكذب فإن رحمويه ثقة انتهى ولو اعترض هذا المعترض بواحد من هؤلاء الذين تابعوا ثابت بن موسى عليه كان أقل خطأ من اعتراضه بطريق جبارة والحديث له طرق كثير جمعها أبو الفرج بن الجوزى فى كتاب العلل المتناهية وبين ضعفها والله أعلم وقول المصنف فى هذا الحديث أنه شبه الوضع حسن إذ لم يضعه ثابت بن موسى وإن كان ابن معين قد قال فيه أنه كذاب نعم بقية الطريق التى سرقها من سرقها موضوعة ولذلك جزم أبو حاتم الرازى بأنه موضوع فيما حكاه ابنه أبو محمد فى العلل والله أعلم
134 قوله وهكذا حال الحديث الطويل الذى يروى عن أبى بن كعب عن النبى صلى الله عليه وسلم فى فضل القرآن سورة سورة بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه انتهى ابهم المصنف ذكر هذا الباحث الذى بحث عن هذا الحديث وهو مؤمل بن إسمعيل فروينا عن مؤمل أنه قال حدثنى شيخ بهذا الحديث فقلت للشيخ من حدثك فقال حدثنى رجل بالمداين وهو حى فسرت إليه فقلت من حدثك فقال حدثنى شيخ بواسط وهو حى فصرت إليه فقال حدثنى شيخ بالبصرة فصرت إليه فقال حدثنى شيخ بعبادان فصرت إليه فأخذ بيدى فأدخلنى بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ فقال هذا الشيخ حدثنى فقلت يا شيخ من حدثك فقال لم يحدثنى أحد ولكننا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن
136 النوع الثالث والعشرون فى معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته
قوله أجمع جماهير ائمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه وتفصيله أن يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة إلى آخر كلامه وقد اعترض عليه بأن المروءة لم يشترطها إلا الشافعى وأصحابه وليس على ما ذ كره المعترض بل الذين لم يشترطوا على الإسلام مزيدا لم يشترطوا ثبوت العدالة ظاهرا بل اكتفوا بعدم ثبوت ما ينافى العدالة فمن ظهر منه ما ينافى العدالة
137 لم يقبلوا شهادته ولا روايته وأما من اشترط العدالة وهم أكثر العلماء فاشترطوا فى العدالة المروءة ولم يختلف قول مالك وأصحابه فى اشتراط المروءة فى العدالة مطلقا وإنما تفترق العدالة فى الشهادة والعدالة فى الرواية فى اشتراط الحرية فإنها ليست شرطا فى عدالة الرواية بلا خلاف بين أهل العلم كما حكاه الخطيب فى الكفاية وهى شرط فى عدالة الشهادة عند أكثر أهل العلم وقد ذكر القاضى أبو بكر الباقلانى أن هذا مما تفترق فيه الشهادة والرواية وتفترقان أيضا على قول فى البلوغ فإن شهادة الصبى المميز غير مقبولة عند أصحاب الشافعى والجمهور وأما خبره فاختلف تصحيح المتأخرين فى مواضع فحكى النووى فى شرح المهذب عن الجمهور قبول أخبار الصبى المميز فيما طريقة المشاهدة بخلاف ما طريقه النقل كالافتاء ورواية الأخبار ونحوه وقد سبقه إلى ذلك المتولى فتبعه عليه وحكى الرافعى فى استقبال القبلة عن الأكثرين عدم القبول وجعل الخلاف أيضا فى المميز ولكنه قيد الخلاف فى التيمم بالمراهق وصحح أيضا عدم القبول وتبعه عليه النووى والله تعالى أعلم
138 قوله وتوسع ابن عبد البر الحافظ فى هذا فقال كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول فى أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه لقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله وفيما قاله اتساع غير مرض انتهى فقوله يحمل حكى فيه الرافع على الخبر والجزم على إرادة لام الأمر وعلى تقدير كونه مرفوعا فهو خبر أريد به الأمر بدليل ما رواه أبو محمد بن أبى حاتم فى مقدمة كتاب الجرح والتعديل فى بعض طرق هذا الحديث ليحمل هذا العلم بلام الأمر على أنه ولو لم يرد ما يخلصه للأمر لما جاز حمله على الخبر لوجود جماعة من أهل العلم غير ثقات ولا يجوز الحلف فى خبر الصادق فيعين حمله على الأمر على تقدير صحه وهذا مما يوهن استدلال ابن عبد البر به لأنه إذا كان الأمر فلا حجة فيه ومع هذا فالحديث أيضا غير صحيح لأن أشهر طرق الحديث رواية معان بن رفاعة السلامى عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن النبى صلى الله عليه وسلم هكذا رواه بن أبى حاتم فى مقدمة الجرح والتعديل وابن عدى فى مقدمة الكامل والعقيلى فى تاريخ الضعفاء فى ترجمه معان بن رفاعة وقال إنه لا يعرف إلا به انتهى
139 وهذا اما مرسل أو معضل وإبراهيم هذا الذى أرسله لا يعرف شئ من العلم غير هذا قاله أبو الحسن فى ابن القطان فى بيان الوهم والايهام قال ابن عدى ورواه الثقات عن الوليد بن مسلم عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذرى قال حدثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك انتهى ومعان أيضا ضعفه ابن معين وأبو حاتم الرازى والجوزجانى وابن حبان وابن عدى نعم وثقه على بن المدينى وكذلك حكى عن أحمد توثيقه والحكم بصحة الحديث فيما ذكره الخلال فى العلل أن أحمد سئل عن هذا الحديث فقيل له كأنه كلام موضوع فقال لا هو صحيح فقيل له ممن سمعته قال من غير واحد قيل له من هم قال حدثنى به مسكين إلا أنه يقول عن معان عن القاسم بن عبد الرحمن قال أحمد ومعان لا بأس به قال ابن القطان وخفى على أحمد من امره ما علمه غيره ثم ذكر أقوال المضعفين له وقد روى هذا الحديث متصلا من رواية جماعة من الصحابة على بن أبى طالب وابن عمر وأبى هريرة وعبد الله بن عمرو وجابر بن سمرة وأبى أمامة وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء وليس فيها شئ يقوى المرسل المذكور والله أعلم وممن تبع ابن عبد البر على اختيار ذلك من المتأخرين أبو عبد الله أبو بكر بن المواق فقال فى كتابه بغية النقاد أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك ومما يستغرب فى ضبط هذا الحديث أن ابن الصلاح حكى فى فوائد الرحلة له أنه وجد بنيسابور فى كتاب يشتمل على مناقب بن كرام جمع محمد بن الهيصم قال فيه سمعت الشيخ أبا جعفر محمد بن أحمد بن جعفر يقول سمعت أبا عمر ومحمد بن أحمد التميمى يروى هذا الحديث بإسناده فيضم الياء من قوله يحمل على أنه فعل لم يسم فاعله ويرفع الميم من العلم ويقول من كل خلف عدولة مفتوح العين واللام وبالتاء ومعناه أن الخلف هو العدالة بمعنى أنه عادل كما يقال شكور بمعنى شاكر ويكون الهاء للمبالغة كما يقال رجل صرورة والمعنى أن العلم يحمل عن كل خلف كامل فى عدالته وأما أبو بكر المفيد فإنى قد حفظت عنه يجعل مفتوح الفاء من كل خلف عدوله مضموم العين واللام مرفوعا هكذا نقلته من خط ابن الصلاح فى رحلته
140 قوله وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرا مبين السبب إلى آخر كلامه ثم قال وهذا ظاهر مقرر فى الفقه وأصوله انتهى وقد حكى القاضى أبو بكر عن الجمهور قبول جرح أهل العلم بهذا الشأن من غير بيان واختاره إمام الحرمين وأبو بكر الخطيب والغزالى وابن الخطيب كما سيأتى فى الجملة التى تلى هذه والله أعلم
141 قوله ولقائل أن يقول إنما يعتمد الناس فى جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التى صنفها ائمة الحديث فى الجرح أو التعديل وقل ما يتعرضون فيها لبيان السبب بل يقتصرون على مجرد قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بشئ ونحو ذلك إلى آخر السؤال والجواب الذى أجاب به ومما يدفع هذا السؤال رأسا أو يكون جوابا عنه أن الجمهور إنما يوجبون البيان فى جرح من ليس عالما بأسباب الجرح والتعديل وأما العالم بأسبابهما فيقبلون جرحه من غير تفسير وبيان ذلك أن الخطيب حكى فى الكفاية عن القاضى أبى بكر الباقلانى أنه حكى عن جمهور أهل العلم أنه إذا جرح من لا يعرف الجرح يجب الكشف عن ذلك قال ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن قال القاضى أبو بكر والذى يقوى عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما كما لا يجب استفسار المعدل عما به صار المزكى عدلا إلى آخر كلامه وما حكيناه عن القاضى أبى بكر هو الصواب وقد اختلف كلام الغزالى فى نقله عن القاضى فحكى عنه فى المنخول أنه يوجب بيان الجرح مطلقا وحكى عنه فى المستصفى ما نقدم نقله عنه وهو الصواب فقد رواه الخطيب عنه بإسناده الصحيح إليه وحكاه أيضا عنه الإمام فخر الدين الرازى والسيف الآمدى وقال أبو بكر الخطيب فى الكفاية بعد حكاية الخلاف على أنا نقول أيضا إن كان الذى يرجع اليه فى الجرح عدلا مرضيا فى اعتقاده وأفعاله عارفا بصفة العدالة والجرح وأسبابهما عالما باختلاف الفقهاء فى ذلك قبل قوله فيمن جرحه مجملا ولا يسأل عن سببه وقال أمام
142 الحرمين فى البرهان الحق أنه إن كان المزكى عالما بأسباب الجرح والتعديل أكتفينا بإطلاقه وإلا فلا وما ذهب إليه الإمام فى هذا اختاره أيضا أبو حامد الغزالى وفخر الدين الرازى والله أعلم قوله اختلفوا فى أنه هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد أو لابد من اثنين فمنهم من قالا لا يثبت ذلك إلا باثنين ذلك كما فى الجرح والتعديل فى الشهادات ومنهم من قال وهو الصحيح الذى اختاره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره أنه يثبت بواحد إلى آخر كلامه فيه أمران أحدهما أنه حكى عن الأكثرين خلاف ما صححه المصنف واختلف كلام الناقلين لذلك عنهم فحكى الخطيب فى الكفاية أن القاضى أبا بكر بن الباقلانى حكى عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم أنه لا يقبل فى التزكية إلا اثنان سواء كانت التزكية للشهادة أو للرواية
143 وحكى السيف الآمدى وأبو عمرو بن الحاجب عن الأكثرين التفرقة بين الشهادة والرواية ورجحه أيضا الإمام فخر الدين والآمدى أيضا واختار القاضى أبو بكر بعد حكايته عن الاكثرين اشتراط اثنين فيهما أنه يكتفى فيهما بواحد وأن هذا هو الذى يوجبه القياس وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف الأمر الثانى أنه يؤخذ من كلام المصنف من قوله بواحد أنه يكفى كون المزكى امرأة أو عبدا أو استدل الخطيب فى الكفاية على قبول تعديل المرأة بسؤال النبى صلى الله عليه وسلم بريزة عن عائشة رضى الله عنها فى قصة الإفك فقد اختلف الأصوليون فى ذلك فحزم صاحب المحصول بقول تزكية المرأة العدل والعبد العدل وحكى الخطيب فى الكفاية عن القاضى أبى بكر أنه حكى عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم أنه
144 لا يقبل فى التعديل النساء لا فى الرواية ولا فى الشهادة ثم اختار القاضى أنه يقبل تزكية المرأة مطلقا فى الرواية والشهادة إلا تزكيتها فى الحكم الذى لا تقبل شهادتها فيه قال القاضى وأما العبد فيجب قبول تزكيته فى الخبر دون الشهادة لأن خبره مقبول وشهادته مردودة ثم قال القاضى والذى يوجبه القياس وجوب قبول تزكية كل عدل مرضى ذكر أو أنثى حر أو عبد لشاهد أو مخبر انتهى قوله وهكذا نقول إن عمل العالم أوفتياه على وفق حديث ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث انتهى وقد تعقبه بعض من اختصر كلامه وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال وفى هذا نظر إذا لم يكن فى الباب غير ذلك الحديث إذا تعرض للاحتجاج به فى فتياه أو حكمه واستشهد به عند العمل بمقتضاه انتهى وفى هذا النظر نظر لأنه لا يلزم من كون ذلك الباب ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون ثم دليل آخر من قياس أو اجماع ولا يكرم المفتى أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته بل ولا بعضها ولعل له دليلا آخر واستأنس بالحديث الوارد فى الباب وربما كان المفتى أو الحاكم يرى العمل بالحديث الضعيف وتقديمه على القياس كما تقدم حكاية ذلك عن أبى داود أنه كان يرى الحديث الضعيف إذا لم يرد فى الباب غيره أولى من رأى
145 الرجال وكما حكى عن الإمام أحمد من أنه يقدم الحديث الضعيف على القياس وحل بعضهم هذا على أنه أريد بالضعيف هنا الحديث الحسن والله أعلم قوله الثانى المجهول الذى جهلت عدالته الباطنة وهو عدل فى الظاهر وهو المستور فقد قال بعض ائمتنا المستور من يكون عدلا فى الظاهر ولا تعرف عدالة باطنة انتهى وهذا الذى أبهم المصنف بقوله بعض أئمتنا هو أبو محمد البغوى صاحب التهذيب فهذا لفظه بحروفه فيه ويوافقه كلام الرافعى فى الصوم فإنه قال فيه إن العدالة الباطنة هى التى يرجع فيها إلى أقوال المزكين وحكى فى الصوم أيضا فى قبول رواية المستور وجهين من غير ترجيح وصحح النووى فى شرح المهذب قبول روايته نعم عبارة الشافعى رحمه الله فى اختلاف الحديث تدل على أن التى يحكم الحاكم بها هى العدالة الظاهرة فإنه قال فى جواب سؤال أورده فلا يجوز أن يترك الحكم بشهادتهما إذا كانا عدلين فى الظاهر انتهى
146 فعلى هذا تكون العدالة الظاهرة هى التى يحكم الحاكم بها وهى التى تستند إلى أقوال المزكين خلاف ما ذكره الرافعى فى الصوم والله أعلم قوله ذكر أبو بكر الخطيب البغدادى فى أجوبة مسائل سئل عنها أن المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم تعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد مثل عمرو ذى مر وحبار الطائى وسعيد بن ذى حدان لم يرو عنهم غير أبى إسحق السبيعى ومثل الهزهاز ابن ميزن لا راوى عنه غير الشعبى ومثل جرى بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة انتهى ثم تعقب المصنف كلام الخطيب فإنه قد روى عن الهزهاز الثورى أيضا انتهى وفيه أمور أحدها أن الخطيب سمى والد هزهاز ميزن بالياء المثناة وتبعه المصنف والذى ذكره ابن أبى حاتم فى كتاب الجرح والتعديل أنه مازن بالألف وفى بعض النسخ بالياء ولعل بعضهم أماله فى اللفظ فكتب بالياء والله أعلم الثانى أنه اعترض على المصنف فى قوله إن الثورى روى عنه فإن الثورى لم يرو عن الشعبى نفسه فكيف يروى عن شيوخه وقد يقال لا يلزم من عدم روايته عن الشعبى عدم روايته عن الهزهاز ولعل الهزهاز تأخر بعد الشعبى ويقوى ذلك أن ابن أبى حاتم ذكر فى الجرح والتعديل أنه روى عن الهزهاز هذا الجراح بن مليح والجراح اصغر من الثورى وتأخر بعده مدة سنين والله أعلم
147 الأمر الثالث ان المصنف عزا ما ذكره عن الخطيب إلى أجوبة سئل عنها والخطيب ذكر ذلك بجملته مع زيادة فيه فى كتاب الكفاية والمصنف كثير النقل منه فأبعد النجعة فى عزوه ذلك إلى مسائل سئل عنها قال الخطيب فى الكفاية المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم فى نفسه ولا عرفه العلماء به ولم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد مثل عمرو ذى مر وجبار الطائى وعبد الله بن أعز الهندانى والهيثم بن حنيش ومالك بن أعز وسعيد ابن ذى حدان وقيس بن كركم وخمر بن مالك قال وهؤلاء كلهم لم يرو عنهم غير أبى إسحق السبيعى ومثل سمعان بن مشنج والهزهاز بن ميزن لا يعرف عنهما راو إلا الشعبى ومثل بكر بن قرواش وحلام بن جزل لم يرو عنهما إلا أبو الطفيل عامر بن واثلة ومثل يزيد بن سحيم لم يرو عنه إلا خلاس بن عمرو ومثل جرى بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة بن دعامة ومثل عمير بن إسحاق لم يرو عنه سوى عبد الله بن عون وغير من ذكرنا انتهى كلام الخطيب وقد روى غير واحد من بعض من ذكر منهم خمر بن مالك روى عنه أيضا عبد الله بن قيس وذكره ابن حبان فى الثقات الا أنه قال خمير مصغرا وقد ذكر الخلاف فيه فى التصغير والتكبير ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل ومنهم الهيثم بن حنيش روى عنه أيضا سلمة بن كهيل فيما ذكره أبو حاتم الرازى ومنهم بكر بن قرواش روى عنه أيضا قتادة كما ذكره البخارى فى التاريخ الكبير وابن حبان فى الثقات وسمى ابن أبى حاتم أباه قريشا وقد فرق الخطيب بين عبد الله بن أعز ومالك بن أعز كلاهما بالعين المهملة والزاى وجعلهما ابن ماكولا فى الإكمال واحدا وأنه اختلف فى اسمه على أبى إسحاق والله أعلم وأما حلام فهو بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام وآخره ميم كذا ذكره الخطيب تبعا لابن أبى حاتم وأما البخارى فإنه ذكره فى التاريخ الكبير حلاب آخره باء موحدة ونسبه ابن أبى حاتم إلى الخطأ فى كتاب جمع فيه أوهامه فى التاريخ وقال انما هو حلام أى بالميم وأما مشنج والد سمعان فهو بضم الميم وفتح الشين المعجمة وفتح النون المشددة وآخره جيم
148 قوله قد خرج البخارى فى صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد منهم مرداس الأسلمى لم يرو عنه غير قيس بن أبى حازم وكذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوى عنهم غير واحد منهم ربيعة بن كعب الأسلمى لم يرو عنه غير أبى سلمة بن عبد الرحمن وذلك منهما مصير إلى أن الراوى قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه إلى آخر كلامه وفيه أمور أحدها أنه قد اعترض عليه النووى بأن مرداسا وربيعة صحابيان والصحابة كلهم عدول قلت لا شك أن الصحابة الذين ثبتت صحبتهم كلهم عدول ولكن الشأن فى أنه هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه أم لا تثبت إلا برواية اثنين عنه هذا محل نظر واختلاف بين أهل العلم والحق أنه إن كان معروفا قوله اختلفوا فى قبول رواية المبتدع الذى لا يكفر فى بدعته إلى آخر كلامه وقد
149 قيد المصنف الخلاف بغير من يكفر ببدعته مع أن الخلاف ثابت فيه أيضا قال صاحب المحصول الحق أنه إن اعتقد حرمة الكذب قبلنا روايته وإلا فلا وذهب القاضى أبو بكر إلى رد روايته مطلقا وحكاه الآمدى عن الأكثرين وبه جزم ابن الحاجب قوله وعزا بعضهم هذا إلى الشافعى انتهى أراد المصنف ببعضهم الحافظ أبا بكر الخطيب فإنه عزاه للشافعى فى كتاب الكفاية قوله وحكى بعض أصحاب الشافعى رضى الله عنه خلافا بين أصحابه فى قبول رواية المبتدع إذا لم يدع إلى بدعته وقال أما إذا كان داعية إلى بدعته فلا خلاف بينهم فى عدم قبول روايته ثم حكى عن ابن حبان أنه لا يعلم خلافا فى أنه لا يجوز الاحتجاج بالداعية انتهى
150 قلت وابن حبان الذى حكى المصنف كلامه قد حكى أيضا الاتفاق على الاحتجاج بغير الداعية فعلى هذا لا يكون فى المسألة خلاف بين أئمة الحديث فقال ابن حبان فى تاريخ الثقات فى ترجمة جعفر بن سليمان الضبعى ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتيقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز فإذا دعى إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره وفيما حكاه ابن حبان من الاتفاق نظر فإنه يروى عن مالك رد روايتهم مطلقا كما قاله الخطيب فى الكفاية قوله فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة وفى الصحيحين كثير من أحاديثهم فى الشواهد والأصول انتهى وقد اعترض عليه بأنهما احتجا أيضا بالدعاة فاحتج البخارى بعمران بن حطان وهو من دعاة الشراة واحتج الشيخان بعبد الحميد بن عبد الرحمن الحمانى وكان داعية إلى الإرجاء كما قال أبو داود انتهى قلت قال أبو داود ليس فى أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج ثم ذكر عمران ابن حطان وأبا حسان الأعرج ولم يحتج مسلم بعبد الحميد الحمانى إنما أخرج له فى المقدمة وقد وثقه ابن معين قوله التائب من الكذب فى حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته إلا التائب من الكذب متعمدا فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال وأطلق
151 الإمام أبو بكر الصيرفى الشافعى فيما وجدت له فى شرحه لرسالة الشافعى فقال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر إلى آخر كلامه فذكر المصنف أن أبا بكر الصيرفى أطلق الكذب أى فلم يخصه بالكذب فى الحديث والظاهر أن الصيرفى إنما أراد الكذب فى الحديث بدليل قوله من أهل النقل وقد قيده بالمحدث فيما رأيته فى كتابه المسمى بالدلائل والاعلام فقال وليس يطعن على المحدث إلا أن يقول تعمدت الكذب فهو كاذب فى الأول ولا يقبل خبره بعد ذلك
152 قوله وبنوا عليه ردهم حديث سليمان بن موسى عن الزهرى عن عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل الحديث من أجل أن ابن جريج قال لقيت الزهرى فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه انتهى وقد اعترض عليه بأن فى رواية الترمذى فسألته عنه فأنكره والجواب عنه أن الترمذى لم يروه وإنما ذكره بغير إسناد والمعروف فى الكتب المصنفة فى العلل فلم يعرفه كما ذكره المصنف ومع هذا فلا يصح هذا عن ابن جريج لا بهذا اللفظ ولا بهذا اللفظ فبطل تعلق من تعلق بذلك فى رد الحديث أما كون الترمذى لم يوصل إسناده فإنه رواه متصلا عن ابن أبى عمر عن سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى ثم قال وقد تكلم بعض أهل الحديث فى حديث الزهرى عن عروة عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ابن جريج ثم لقيت الزهرى فسألته فأنكره فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا وأما كونه معروفا فى كتب العلل باللفظ الذى ذكره المصنف فهكذا هو فى سؤالات عباس الدورى عن ابن معين وفى العلل لأحمد وأما كونه لا يصح عن ابن جريج فروينا فى السنن الكبرى للبيهقى بالسند الصحيح إلى ابى حاتم الرازى سمعت أحمد بن حنبل يقول وذكر عنده أن ابن علية يذكر حديث ابن جريج لا نكاح إلا بولى قال ابن جريج
153 فلقيت الزهرى فسألته عنه فلم يعرفه واثنى على سليمان بن موسى فقال أحمد بن حنبل إن ابن جريج له كتب مدونة وليس هذا فى كتبه يعنى حكاية ابن علية عن ابن جريج وروينا فى سنن البيهقى ايضا بإسناده الصحيح إلى عباس الدورى سمعت يحيى بن معين يقول فى حديث لا نكاح إلا بولى الذى يرويه ابن جريج قلت أن بن علية يقول قال ابن جريج فسألت عنه الزهرى فقال لست أحفظه فقال يحيى بن معين ليس يقول هذا إلا ابن علية وإنما عرض ابن علية كتب ابن جريج على عبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبى رواد فأصلحها له أوروينا فى السنن للبيهقى أيضا بسنده الصحيح إلى جعفر الطيالسى سمعت يحيى بن معين يقول رواية بن جريج عن الزهرى أنه أنكر معرفة حديث سليمان ابن موسى فقال لم يذكره عن ابن جريج غير ابن علية إنما سمع بن علية من ابن جريج سماعا ليس بذلك إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز وضعف يحيى ابن معين رواية إسمعيل عن ابن جريج جدا وقد ذكر الترمذى فى جامعه كلام يحيى هذا الاخير غير موصل الإسناد فقال وذكر عن يحيى بن معين إلى آخره وهو متصل الإسناد عند البيهقى وهذا يدلك على أن المراد بقوله فأنكره أى أنه قال ما أعرفه كما حكاه المصنف فإنه قال فى هذه الرواية الأخيرة إنه أنكر معرفة حديث سليمان بن موسى فليس بين العبارتين إذا إختلاف كما انكره من اعترض بذلك على المصنف والله أعلم قوله والصحيح ما عليه الجمهور لأن المروى عنه بصدد السهو النسيان انتهى وقد اعترض عليه بأن الراوى أيضا معرض للسهو والنسيان فينبغى أن يتهاترا وينظر فى ترجيح أحدهما من خارج
154 والجواب أن الراوى مثبت جازم والمروى عنه ليس بناف وقوعه بل غير ذاكر فقدم المثبت عليه والله أعلم قوله ولأجل أن الانسان معرض كره للنسيان كره من كره من العلماء الراوية عن الأحياء منهم الشافعى قال لابن عبد الحكم إياك والرواية عن الاحياء انتهى وقد اعترض عليه بأن الشافعى إنما نهى عن الرواية عن الاحياء لاحتمال أن يتغير المروى عنه عن الثقة والعدالة بطارئ يطرأ عليه يقتضى رد حديثه المتقدم كما تقدم فى ذكر من كذب فى الحديث أنه يسقط حديثه المتقدم ويكون ذلك الراوى قد روى عنه فى تصنيف له فيتكون روايته عن غير ثقة وإنما يؤمن ذلك بموته على ثقته وعدالته فلذلك كره الشافعى الرواية عن الحى
155 والجواب أن هذا حدس وظن غير موافق كما أراده الشافعى رضى الله عنه وقد بين الشافعى مراده بذلك كما رواه البيهقى فى المدخل بإسناده إلى الشافعى أنه قال لا يحدث عن حى فإن الحى لا يؤمن عليه النسيان قاله لابن عبد الحكم حين روى عن الشافعى حكاية فأنكرها ثم ذكرها وما قاله الشافعى رحمه الله سيقه إليه الشعبى ومعمر فروى الخطيب فى الكفاية باسناده إلى الشعبى أنه قال لابن عون لا تحدثنى عن الاحياء وبإسناده إلى معمر أنه قال لعبد الرزاق إن قدرت أن لا تحدث عن رجل حى فأفعل وقد فهم الخطيب من ذلك ما فهم المصنف فقال فى الكفاية ولأجل أن النسيان غير مأمون على الإنسان فيبادر إلى جحود ما روى عنه وتكذيب الراوى له كره من كره من العلماء التحديث عن الاحياء ثم ذكر قول الشعبى ومعمر والشافعى رضى الله عنهم قوله وورد عن ابن المبارك وأحمد بن حنبل والحميدى وغيرهم أن من غلط فى حديث وبين له غلطة فلم يرجع عنه وأصر على رواية ذلك الحديث سقطت رواياته ولم يكتب عنه قال الشيخ وفى هذا نظر وهو غير مستنكر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك انتهى
156 وما ذكره المصنف بحثا قد نص عليه أبو حاتم بن حبان فقال إن من بين له خطأه
157 وعلم فلم يرجع عنه وتمادى فى ذلك كان كذابا بعلم صحيح فقيد ابن حبان ذلك بكونه علم خطأه وإنما يكون عنادا إذا علم الحق وخالفه وقيد أيضا بعض المتأخرين ذلك بأن يكون الذى بين له غلطة عالما عند المبين له أما إذا كان ليس بهذا المثابة عنده فلا حرج إذن قوله أما ألفاظ التعديل فعلى مراتب الأولى قال ابن أبى حاتم إذا قيل للواحد إنه ثقة أو متقن فهو ممن يحتج به انتهى اقتصر المصنف تبعا لابن أبى حاتم على أن هذه الدرجة الأولى وكذا قال الحافظ أبو بكر الخطيب فى الكفاية أرفع العبارات أن يقال حجة أو ثقة انتهى وقد زاد الحافظ أبو عبد الله الذهبى فى مقدمة كتابه ميزان الاعتدال درجة قبل هذه هى أرفع منها وهى أن يكرر لفظ التوثيق المذكور فى الدرجه الأولى إما باللفظ بعينه كقولهم ثقة ثقة أو مع مخالفة اللفظ الأول كقولهم ثقة ثبت أو ثبت حجة أو نحو ذلك وهو كلام صحيح لأن التأكيد الحاصل بالتكرار لابد أن يكون له مرية على الكلام الخالى عن التأكيد والله أعلم قوله قلت وكذا إذا قيل ثبت أو حجة انتهى وقد اعترض عليه بأن قوله ثبت ذكرها ابن أبى حاتم فلا زيادة عليه إذا انتهى
158 قلت وليس فى بعض النسخ الصحيحة من كتابه إلا ما نقله المصنف عنه كما تقدم ليس فيه ذكر ثبت وفى بعض النسخ إذا قيل للواحد أنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه هكذا فى نسختى منه أو ميقن ثبت لم يقل فيه أو ثبت والله أعلم قوله الثانية قال ابن أبى حاتم إذا قيل إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه انتهى سوى ابن أبى حاتم بين قولهم صدوق وبين قولهم محله الصدق فجعلهما فى درجة وتبعه المصنف وجعل صاحب الميزان قولهم محله الصدق فى الدرجة التى تلى قولهم صدوق والله أعلم قوله حكاية عن عبد الرحمن بن مهدى أنه قال الثقة شعبة وسفيان انتهى وقد اعترض عليه بأن الذى فى كتاب الخطيب وغيره الثقة شعبة ومسعر لم يذكر
159 والجواب أن المصنف لم يحك ذلك عن الخطيب وعلى تقدير كونه فى كتاب الخطيب هكذا فيحتمل أنه من النساخ فليس غلط المصنف بأولى من تغليطهم على أن المشهور المشهور عن ابن مهدى ما ذكره المصنف هكذا وحكاه عمرو بن على القلاس وكذا رواه ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وكذلك ذكره الحافظ أبو الحجاج المزى فى تهذيب الكمال فى ترجمة أبى خلدة ونقل فى ترجمة مسعر من رواية القلاس أيضا عن ابن مهدى الثقة شعبة ومسعر وعلى هذا فلعله سئل عنه مرتين فإن المنقول فى هذ الرواية أن أحمد ابن حنبل سأله ولعله قال الثقة شعبة وسفيان ومسعر فاقتصر الفلاس على التمثيل باثنين فمرة ذكر سفيان ومرة ذكر مسعرا والله أعلم
160 قوله ومما لم يشرحه ابن أبى حاتم وغيره من الألفاظ المستعملة فى هذا الباب فقولهم فلان قد روى الناس عنه فلان وسط فلان مقارب الحديث إلى آخر كلامه فيه
161 أمور أحدها أن المصنف ذكر هنا ألفاظا للتوثيق وألفاظا للتجريح لم يميز بينها وقال إن ابن أبى حاتم وغيره لم يشرحوها واراد بكونهم لم يشرحوها أنهم لم يبينوا ألفاظ التوثيق من أى رتبة هى من الثانية أو الثالثة مثلا وكذلك ألفاظ التجريح لم يبينوا من أى منزلة هى وليس المراد أنهم لم يبينوا هل هى من ألفاظ التوثيق أو التجريح فإن هذا أمر لا يخفى على أهل الحديث وإذا كان كذلك فقد رأيت أن اذكر كل لفظ منها من أى رتبة هو لتعرف منزلة الراوى به فأقول الالفاظ التى هى للتوثيق من هذه الالفاظ التى جمع بينها المصنف أربعة ألفاظ وهى قولهم فلان روى عنه الناس وفلان وسط وفلان متقارب الحديث وفلان ما أعلم به بأسا وهذه الألفاظ الأربعة من الرتبة الرابعة وهى الأخيرة من ألفاظ التوثيق وأما بقية الألفاظ التى ذكرها هنا فإنها من ألفاظ الجرح وهى سبعة ألفاظ فمن الرتبة الاولى وهى الين ألفاظ الجرح قولهم فلان ليس بذاك وفلان ليس بذاك القوى وفلان فيه ضعف وفلان فى حديثه ضعف ومن الدرجة الثانية وهى أشد فى الجرح من التى قبلها قوله فلان لا يحتج به فلان مضطرب الحديث ومن الدرجة الثالثة وهى أشد من اللتين قبلها قوله فلان لا شئ فهذا ما ذكره المصنف هنا مهملا من مراتبه وذكر فيها أيضا فلا مجهول وقد تقدم ذكر المجهول فى الموضع الذى ذكره المصنف وإنه على ثلاثة أقسام فأغنى ذلك عن ذكره هنا
162 الامر الثانى أن قوله مقارب الحديث ضبط فى الأصوله الصحيحة المسموعة على المصنف بكسر الراء كذا ضبطه الشيخ محيى الدين النووى فى مختصره وقد اعترض بعض المتأخرين بأن ابن السيد حكى فيه الوجهين الكسر والفتح وأن اللفظين حينئذ لا يستويان لأن كسر الراء من ألفاظ التعديل وفتحها من الفاظ التجريح انتهى وهذا الاعتراض والدعوى ليسا صحيحين بل الوجهان فتح الراء وكسرها معروفان وقد حكاهما ابن العربى فى كتاب الأحوذى وهما على كل حال من ألفاظ التوثيق وقد ضبط أيضا فى النسخ الصحيحة عن البخارى بالوجهين وممن ذكره من ألفاظ التوثيق الحافظ أبو عبد الله الذهبى فى مقدمة الميزان وكأن المعترض فهم من فتح الراء أن الشئ المقارب هو الردئ وهذا فهم عجيب فإن هذا ليس معروفا فى اللغة وإنما هو فى ألفاظ العوام وإنما هو على الوجهين من قوله سددوا وقاربوا فمن كسر قال إن معناه أن حديثه مقارب لحديث غيره ومن فتح قال إن معناه أن حديثه يقاربه حديث غيره ومادة فاعل تقتضى المشاركة إلا فى مواضع قليلة والله أعلم واعلم أن ابن سيدة حكى فى الرجل المقارب الكسر فقط فقال ورجل بالكسر مقارب ومتاع مقارب بالفتح ليس بنفيس وقال بعضهم دين مقارب بالكسر ومتاع مقارب بالفتح هذه عبارته فى المحكم فلم يحك الفتح إلا فى المتاع فقط وأما الجوهرى فجعل الكل بالكسر وقال ولا تقل مقارب أى بالفتح الأمر الثالث أن المصنف أهمل من ألفاظ التوثيق والجرح اكثر مما زاده على ابن أبى حاتم فرأيت أن اذكر منها ما يحضرنى لتعرف وتضبط فأما ألفاظ التوثيق فمن المرتبة الثانية على مقتضى عمل المصنف قولهم فلان مأمون فلان خيار وهاتان من الرتبة الثالثة على مقتضى عمل الذهبى فى جعله أعلى الدرجات تكرار التوثيق كما تقدم ومن الرتبة الرابعة أو الثالثة قولهم فلان إلى الصدق ما هو فلان جيد الحديث فلان حسن الحديث وفلان صويلح وفلان صدوق إن شاء الله وفلان أرجو أنه لا بأس به وأما ألفاظ التجريح فمن الرتبة الأولى وهى ألين ألفاظ التجريح قولهم فلان فيه مقال وفلان ضعف وفلان تعرف وتنكر فلان ليس بالمتين أو ليس بحجة أو ليس بعمدة أو ليس بالمرضى وفلان للضعف ما هو وسيئ الحفظ وفيه خلف وطعنوا فيه وتكلموا فيه ومن
163 الرتبة الثانية وهى أشد من الأولى فلان واه فلان ضعفوه فلان منكر الحديث ومن الرتبة الثالثة وهى أشد منهما قولهم فلان ضعيف جدا فلان واه بمرة فلان لا يساوى شيئا فلان مطرح وطرحوا حديثه ورام به ورد حديثه ومن الرتبة الرابعة فلان متهم بالكذب وهالك وليس بثقة ولا يعتبر به وفيه نظر وسكتوا عنه وهاتان العبارتان يقولهما البخارى فيمن تركوا حديثه ومن الرتبة الخامسة ولم يذكرها المصنف فلان وضاع فلان دجال ولهم ألفاظ أخر يستدل بهذه عليها والله أعلم
165 النوع الرابع والعشرون معرفة كيفية سماع الحديث
قوله وقد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهرى قال رأيت صبيا ابن أربع سنين وقد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن ونظر فى الرأى غير انه إذا جاع يبكى انتهى احسن المصنف فى التعبير عن هذه الحكاية بقوله بلغنا ولم يجزم بنقلها فقد رأيت بعض الأئمة من شيوخنا يستبعد صحتها ويقول على تقدير وقوعها لم يكن ابن اربع سنين وإنما كان ضئيل الخلقة فيظن صغره والذى يغلب على الظن عدم صحتها وقد رواها الخطيب بإسناده فى الكفاية وفى إسنادها أحمد بن كامل القاضى قال فيه الدارقطنى كان متساهلا ربما حدث من حفظه بما ليس عنده فى كتابه وأهلكه العجب فإنه كان يختار ولا يضع لأحد من العلماء أصلا وقال صاحب الميزان كان يعتمد على حفظه فيهم
171 قوله إذا كان أصل الشيخ عند القراءة عليه بيد غيره إلى أن قال وإن كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ عليه فهذا مما اختلفوا فيه فرأى بعض أئمة الأصول أن هذا سماع غير صحيح والمختار أن ذلك صحيح انتهى هذا الذى أبهم المصنف ذكره هو إمام الحرمين فإنه اختار ذلك وحكى القاضى عياض أيضا أن القاضى أبا بكر الباقلانى تردد فيه قال وأكثر ميله إلى المنع انتهى ووهن السلفى هذا الاختلاف لاتفاق العلماء على العمل بخلافه فإنه ذكر ما حاصله أن الطالب إذا أراد أن يقرأ على شيخ شيئا من سماعه هل يجب أن يريه سماعه فى ذلك الجزء أم يكفى إعلام الطالب الثقة للشيخ أن هذا الجزء سماعه على فلان فقال السلفى هما سيان على هذا عهدنا علماءنا عن آخرهم قال ولم تزل الحفاظ قديما وحديثا يخرجون للشيوخ من الأصول فتصير تلك الفروع بعد المقابلة أصولا وهل كانت الأصول أولا إلا فروعا انتهى
172 قوله فإن شك فى شئ عنده أنه من قبيل حدثنا أو أخبرنا أو من قبيل حدثنى أو أخبرنى لتردده فى أنه كان عند التحمل والسماع وحده أو مع غيره فيحتمل أن نقول ليقل حدثنى أو أخبرنى لأن عدم غيره هو الأصل انتهى
173 سوى المصنف رحمه الله بين الشك فى أنه هل سمع من لفظ الشيخ وحده أو كان معه غيره يسمع وبين مسألة ما إذا شك هل قرأ هو بنفسه على الشيخ أو سمع عليه بقراءة غيره عليه وما قاله ظاهر فى المسألة الأولى وأما المسألة الثانية فإنه يتحقق فيها سماع نفسه ويشك هل قرأ بنفسه أم لا والأصل أنه لم يقرأ هذا إذا مشينا على ما ذكره المصنف تبعا للحاكم أن القارئ يقول أخبرنى سواء سمع بقراءته معه غيره أم لا أما إذا قلنا بما جزم به ابن دقيق العيد فى الاقتراح من أن القارئ إذا كان معه غيره يقول اخبرنا فيتجه حينئذ أن يقال الأصل عدم الزايد لكن الذى ذكره ابن الصلاح هو الذى قاله عبد الله بن وهب وأبو عبد الله الحاكم وهو المشهور والله أعلم والأحسن فيما إذا شك هل قرأ بنفسه أو سمع بقراءة غيره ما حكاه الخطيب فى الكفاية عن البرقانى أنه ربما يشك فى الحديث هل قرأه هو أو قرئ وهو يسمع فيقول فيه قرأنا على فلان فإنه يسوغ إثباته بهذه الصيغة فيما قرأه بنفسه وفيما سمعه بقراءة غيره
174 وقد سئل أحمد بن صالح المصرى عن الرجل يسمع بقراءة غيره فأجاب بأنه لا بأس أن يقول قرأنا وقد قال النفيلى قرأنا على مالك وإنما سمع بقراءة غيره والله أعلم قوله ليس لك فيما تجده فى الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل فى نفس الكتاب ما قيل فيه أخبرنا بحدثنا ونحو ذلك وإن كان فى إقامة أحدهما مقام الآخر خلاف وتفصيل سبق لاحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بينهما ولو وجدت
176 من ذلك إسنادا عرفت من مذهب رجاله التسوية بينهما فإقامتك أحدهما مقام الآخر من باب تجويز الرواية بالمعنى وذلك وإن كان فيه خلاف معروف فالذى نراه الامتناع من إجراء مثله فى إبدال ما وضع فى الكتب المصنفة والمجاميع المجموعة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وما ذكره أبو بكر الخطيب فى كفايته من اجراء ذلك الخلاف فى هذا فمحول عندنا على ما يسمعه الطالب من لفظ المحدث غير موضوع فى كتاب مؤلف والله أعلم انتهى وفيه أمران أحدهما أن ما أختاره المصنف قد ضعفه ابن دقيق العيد فى الاقتراح فقال ومما وقع فى اصطلاح المتأخرين أنه إذا روى كتاب مصنف بيننا وبينه وسايط تصرفوا فى اسماء الرواة وقلبوها على أنواع إلى أن يصلوا إلى المصنف فإذا وصلوا إليه تبعوا لفظه من غير تغيير قال وهنا بحثان فذكر الأول ثم قال البحث الثانى الذى اصطلحوا عليه من عدم التغيير للالفاظ بعد وصولهم إلى المصنف ينبغى أن ينظر فيه هل هو على سبيل الوجوب أو هو اصطلاح على سبيل الأولى قال وفى كلام بعضهم ما يشير الى أنه ممتنع لأنه وإن كان له الرواية بالمعنى فليس له تغيير التصنيف قال وهذا كلام له فيه ضعف قال وأقل ما فيه إنه يقتضى تجويز هذا فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا وتخاريجنا فإنه ليس فيه تغيير التصنيف المتقدم وليس هذا جاريا على الاصطلاح فإن الاصطلاح على أن لا نغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة سواء رويناها فيها أو نقلناها منها انتهى وما ذكره من أنه يقتضى تجويزه فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا وتخاريجنا ليس بمسلم بل آخر كلام ابن الصلاح يشعر أنه إذا نقل حديث من كتاب وعزى إليه لا يجوز فيه الإبدال سواء نقلناه فى تأليف لنا أو لفظا والله أعلم
177 الأمر الثانى إن تعليل المصنف المنع باحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بين أخبرنا وحدثنا ليس بجيد من حيث أن الحكم لا يختلف فى الجائز والممتنع بأن يكون الشيخ يرى الجائز ممتنعا أو الممتنع جائزا وقد صرح أهل الحديث بذلك فى مواضع منها أن يكون الشيخ ممن يرى جواز إطلاق حدثنا وأنبأنا فى الإجازة وأذن للطالب أن يقول ذلك إذا روى عنه بالإجازة فإنه لا يجوز للطالب وإن أذن له الشيخ وقد صرح به المصنف كما سيأتى وكذلك أيضا لم يشترطوا فى جواز الرواية بالمعنى أن لا يكون فى الإسناد من يمنع ذلك كابن سيرين بل جوزوا الرواية بالمعنى بشروط ليس منها هذا قوله قلت قد كان كثير من أكابر المحدثين يعظم الجمع فى مجالسهم جدا حتى ربما بلغ ألوافا مؤلفة ويبلغهم عنهم المستملون فيكتبون عنهم بوساطة تبليغ المستملين وأجاز غير واحد لهم رواية ذلك عن المملى ثم قال وأبى آخرون ذلك ثم قال قلت والأول تساهل بعيد انتهى
178 أطلق المصنف حكاية الخلاف من غير تقييد بكون المملى يسمع لفظ المستملى الذى يملى أم لا والصواب التقييد بما ذكرناه فإن كان الشيخ صحيح السمع بحيث يسمع لفظ المستملى الذى يملى عليه فالسماع صحيح ويجوز له أن يرويه عن المملى دون ذكر الواسطة كما لو سمع على الشيخ بقراءة غيره فإن القارئ والمستملى واحد وإن كان فى سمع الشيخ ثقل بحيث لا يسمع لفظ المستملى فإنه لا يسوغ لمن لم يسمع لفظ الشيخ أن يرويه عنه إلا بواسطة المستملى أو المبلغ له عن الشيخ أو المفهم للسامع ما لم يبلغه كما ثبت فى الصحيحين من رواية عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال أبى إنه قال كلهم من قريش لفظ البخارى وقال مسلم ثم تكلم بكلمة خفيت على فسألت أبى ماذا قال قال كلهم من قريش فلم يرو جابر بن سمرة الكلمة التى خفيت عليه إلا بواسطة أبيه ويمكن أن يستدل القائلون بالجواز بما رواه مسلم فى صحيحه من رواية عامر بن سعد ابن أبى وقاص قال كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامى نافع أن أخبرنى بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكتب إلى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رحم الأسلمى قال لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش فلم يفصل جابر بن سمرة الكلمة التى لم يسمعها من النبى صلى الله عليه وسلم وقد يجاب عنه بأمور أحدها أنه يحتمل أن بعض الرواة أدرجه وفصلها الجمور وهم عبد الملك بن عمير والشعبى وحصين وسماك بن حرب ووصله عامر والثانى أنه قد اتفق الشيخان على رواية الفصل وانفرد مسلم برواية الوصل والثالث أن رواية الجمهور سماع لهم من جابر بن سمرة ورواية عامر بن سعد كتابة ليست متصلة بالسماع والرابع أن الإرسال جائز خصوصا إرسال الصحابة عن بعضهم فإن الصحابة كلهم عدول ولهذا كانت مراسيلهم حجة خلافا للاستاذ أبى إسحق الاسفرائينى لأن الصحابة قد يروون عن التابعين والله أعلم
182 النوع الثالث من أنواع الإجازة أن يجيز لغير معين بوصف العموم قوله فإن كان ذلك مقيدا بوصف حاصر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب انتهى.
تقدم أن المصنف اختار عدم صحة إلاجازة العامة وقال فى هذه الصورة منها أنها أقرب إلى الجواز فلم يظهر من كلامه فى هذه الصورة المنع أو الصحة والصحيح فى هذه الصورة الصحة فقد قال القاضى عياض فى كتاب الإلماع ما أحسبهم اختلفوا فى جوازه ممن تصح عنده الإجازة ولا رأيت منعه لأحد لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو أخوة فلان قوله قلت ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المستأخرة الذين سوغوها والاجازة فى أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغى احتماله والله أعلم انتهى وفيه أمور أحدها أنه اعترض على المصنف بأن الظاهر من كلام مصححها جواز الرواية بها وهذا مقتضى صحتها وأى فائدة لها غير الرواية بها انتهى ولا يحسن هذا الاعتراض على المصنف فإنه إنما أنكر أن يكون رأى أو سمع عن أحد أنه استعملها فروى بها ولا يلزم من ترك استعمالهم للرواية بها عدم صحتها إما لاستغنائهم عنها بالسماع أو احتياطا للخروج من خلاف من منع الرواية بها الأمر الثانى أن ما رجحه المصنف من عدم صحتها خالفه فيه جمهور المتأخرين وصححه النووى فى الروضه من زياداته فقال الأصح جوازها انتهى.
182 النوع الثالث من أنواع الإجازة أن يجيز لغير معين بوصف العموم قوله فإن كان ذلك مقيدا بوصف حاصر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب انتهى تقدم أن المصنف اختار عدم صحة إلاجازة العامة وقال فى هذه الصورة منها أنها أقرب إلى الجواز فلم يظهر من كلامه فى هذه الصورة المنع أو الصحة والصحيح فى هذه الصورة الصحة فقد قال القاضى عياض فى كتاب الإلماع ما أحسبهم اختلفوا فى جوازه ممن تصح عنده الإجازة ولا رأيت منعه لأحد لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو أخوة فلان قوله قلت ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المستأخرة الذين سوغوها والاجازة فى أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغى احتماله والله أعلم انتهى وفيه أمور أحدها أنه اعترض على المصنف بأن الظاهر من كلام مصححها جواز الرواية بها وهذا مقتضى صحتها وأى فائدة لها غير الرواية بها انتهى ولا يحسن هذا الاعتراض على المصنف فإنه إنما أنكر أن يكون رأى أو سمع عن أحد أنه استعملها فروى بها ولا يلزم من ترك استعمالهم للرواية بها عدم صحتها إما لاستغنائهم عنها بالسماع أو احتياطا للخروج من خلاف من منع الرواية بها الأمر الثانى أن ما رجحه المصنف من عدم صحتها خالفه فيه جمهور المتأخرين وصححه النووى فى الروضه من زياداته فقال الأصح جوازها انتهى.
183 وممن أجازها أبو الفضح أحمد بن الحسين بن خيرون البغدادى وأبو الوليد ابن رشد من أئمة المالكية وأبو طاهر السلفى وخلائق كثيرون جمعهم الحافظ أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبى البدر الكاتب البغدادى فى جزء كبير رتب أسماءهم فيه على حروف المعجم لكثرتهم ورجحه أيضا أبو عمرو بن الحاجب من أئمة المالكية الأصولين الأمر الثالث أن المصنف ذكر أنه لم ير ولم يسمع أن أحدا ممن يقتدى به روى بها وقد أحسن من وقف عندما انتهى إليه ومع هذا فقد روى بها بعض الأئمة المتقدمين على ابن الصلاح كالحافظ أبى بكر محمد بن خير بن عمر الأموى بفتح الهمزة الأشبيلى خال أبى القاسم السهيلى فروى فى برنامجه المشهور بالإجازة العامة وحدث بها من الحفاظ المتأخرين الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطى بإجازته العامة من المؤيد الطوسى وسمع بها الحفاظ أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزى وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبى وأبو محمد القاسم بن محمد البرزالى على الركن الطاووسى بإجازته العامة من أبى جعفر الصيدلانى وغيره وقرأ بها شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائى على أبى العباس أحمد ابن نعمة بإجازته العامة من داود بن معمر بن الفاخر وبالجملة ففى النفس من الرواية بها شئ الاحتياط ترك الرواية بها والله أعلم
185 النوع الرابع من أنواع الإجازة للمجهول أو بالمجهول قوله فإن أجاز لمن شاء الرواية عنه فهذا أولى بالجواز من حيث أن مقتضى كل إجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق تصريحا بما يقتضيه الإطلاق وحكاية للحال لا تعليقا فى الحقيقة ولهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين فى البيع بعتك هذا بكذا إن شئت فيقول انتهى ولم يبين المصنف أيضا تصحيحا فى هذه الصورة بل جعلها أولى بالجواز والصحيح فيها عدم الصحة وقياس المصنف لهذه الصورة على تجويز بعض الأئمة قول القائل بعتك هذا بكذا إن شئت ليس بجيد والفرق بين المسألتين أن المبتاع معين فى مسألة البيع والشخص المجاز مبهم فى مسألة الإجازة وإنما وزان مسألة البيع أن يقول أجزت لك أن تروى عنى إن شئت الرواية عنى فإن الأظهر الأقوى فى هذه الصورة الجواز كما ذكره المصنف بعد ذلك وفى مسألة البيع التى قاس عليها المصنف مسألة الإجازة وجهان حكاهما الرافعى وقال أظهرهما أنه ينعقد
192 القسم الرابع من أقسام طرق تحمل الحديث وتلقيه المناولة قوله قال الحاكم فى هذا العرض أى عرض المناولة أما فقهاء الاسلام الذين أفتوا فى الحلال والحرام فإنهم لم يروه سماعا وبه قال الأوزاعى والشافعى والبويطى والمزنى وأبو حنيفة وسفيان الثورى إلى آخر كلامه اعترض على المصنف بذكر أبى حنيفة مع المذكورين فإن من عدا أبا حنيفة يرى صحة المناولة وانها دون السماع وأما أبو حنيفة فلا يرى صحتها أصلا كما ذكره صاحب القنية فقال إذا أعطاه المحدث الكتاب وأجاز له ما فيه ولم يسمع ذلك ولم يعرفه فعند أبى حنيفة ومحمد لا يجوز روايته وعند أبى يوسف يجوز انتهى قلت لم يكتف صاحب القنية فى نقله عن أبى حنيفة لعدم الصحة بكونه لم ويسمعه فقط بل زاد على ذلك بقوله ولم يعرفه فإن كان الضمير فى يعرفه عائدا على المجاز وهو الظاهر لتتفق الضمائر فمقتضاه أنه إذا عرف المجاز ما أجيز له أنه يصح بخلاف ما ذكر المعترض
193 أنه لا يرى صحتها أصلا وإن كان الضمير يعود على الشيخ المجيز فقد ذكر المصنف بعد هذا أن الشيخ إذا لم ينظر ويتحقق روايته لجميعه لا يجوز ولا يصح ثم استثنى ما إذا كان الطالب موثوقا بخبره فإنه يجوز الإعتماد عليه انتهى وهذه الصورة لا يوافق على صحتها أبو حنيفة بل لابد أن يكون الشيخ حافظا لحديثه أو ممسكا لأصله وهو الذى صححه إمام الحرمين كما تقدم بل أطلق الآمدى النقل عن أبى حنيفة وأبى يوسف أن الإجازة غير صحيحة والله تعالى أعلم ويجوز أن يكون أبو حنيفة وأبو يوسف إنما يمنعان صحة الإجازة الخالية عن المناولة فقد حكى القاضى عياض فى كتاب الإلماع عن كافة أهل النقل والآراء والتحقيق من أهل النظر القول بصحة المناولة المقروبة بالإجازة
200 القسم الثامن الوجادة قوله روينا عن المعافى بن عمران أن المولدين فزعوا قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعانى المختلفة يعنى قولهم وجد ضالته وجدانا ومطلوبه وجودا وفى الغضب موجدة وفى الغنى وجدا وفى الحب وجدا انتهى ذكر المصنف خمسة مصادر مسموعة لوجد باختلاف معانيه وبقى عليه ثلاثة مصادر أحدها وجده فى الغضب وفى الغنى أيضا وفى المطلوب أيضا والثانى إجدان بكسر الهمزة فى الضالة وفى المطلوب أيضا حكاها صاحب المحكم فى الضالة فقط ووجد بكسر الواو فى الغنى واقتصر المصنف فى كل معنى من المعانى المذكورة على مصدر واحد وقد تقدم أن للضالة مصدرا آخر وهو إجدان وللمطلوب خمسة مصادر أخر وهى جدة كما تقدم ووجد بالفتح ووجد بالضم ووجدان وإجدان وللغضب ثلاثة مصارد أخر وجد بالفتح ووجدة ووجدان كما تقدم وللغنى مصدران آخران وجد بالكسر أيضا وجدة قوله مثال الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم
201 يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذى وجده بخطه ولا له منه إجازة ولا نحوها إلى آخر كلامه قلت اشتراط المصنف فى الوجادة أن يكون ذلك الشيخ الذى وجد ذلك الموجود بخطه لا إجازة له منه ليس بجيد ولذلك لم يذكره القاضى عياض فى حد الوجادة فى كتاب الإلماع وجرت عادة أهل الحديث باستعمال الوجادة مع الإجازة فيقول أحدهم وجدت بخط فلان وإجازه لى وكأن المصنف إنما أراد بيان الوجادة الخالية عن الإجازة هل هى مستند صحيح فى الرواية أو لا وحكى الخلاف فيه والله أعلم
205 النوع الخامس والعشرون فى كتابة الحديث
قوله يستحب فى الألفاظ المشكلة أن يكرر ضبطها بأن يضبطها فى متن الكتاب ثم يكتبها قبالة ذلك فى الحاشية مفردة مضبوطة انتهى اقتصر المصنف على ذكر كتابة اللفظة المشكلة فى الحاشية مفردة مضبوطة ولم يتعرض لتقطيع حروفها وهو متداول بين أهل الضبط وفائدته ظهور شكل الحرف بكتابته مفردا كالنون والياء إذا وقعت فى أول الكلمة أو فى وسطها ونقله ابن دقيق العيد فى الاقتراح عن أهل الاتقان فقال ومن عادة المتقنين أن يبالغوا فى إيضاح المشكل فيفرقوا حروف الكلمة فى الحاشية ويضبطوها حرفا حرفا
206 قوله وسبيل الناس فى ضبطها أى الحروف المهملة مختلف فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط الذى فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات فينقط تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من المهملات انتهى أطلق المصنف فى هذه العلامة قلب النقط العلوية فى المعجمات إلى أسفل المهملات وتبع فى ذلك القاضى عياضا ولابد من استثناء الحاء المهملة لأنها لو نقطت من أسفل صارت جيما قوله وهناك من العلامات ما هو موجود فى كثير من الكتب القديمة
207 ولا يفطن له كثيرون كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطا صغيرا انتهى اقتصر المصنف فى هذه العلامة على جعل خط صغير فوق الحرف المهمل وترك فيه زيادة ذكرها القاضى عياض فى الإلماع فحكى عن بعض أهل المشرق أنه يعلم فوق الحرف المهمل بخط صغير يشبه النبرة فحذف المصنف منه ذكر النبرة والمصنف إنما أخذ ضبط الحروف المهملة بهذه العلامات من الإلماع للقاضى عياض وإذا كان كذلك فحذفه لقوله يشبه النبرة يخرج هذه العلامة عن صفتها فإن النبرة هى الهمزة كما قال الجوهرى وصاحب المحكم ومقتضى كلام المصنف أنها كالنصبة لا كالهمزة والله أعلم قوله يكره له فى مثل عبد الله بن فلان بن فلان أن يكتب عبد فى آخر سطر والباقى
208 فى أول السطر الآخر إلى آخر كلامه اقتصر المصنف فى هذا على الكراهة والذى ذكره الخطيب فى كتاب الجامع امتناع ذلك فإنه روى فيه عن أبى عبد الله بن بطة أنه قال هذا كله غلط قبيح فيجب على الكاتب أن يتوقاه ويتأمله ويتحفظ منه قال الخطيب وهذا الذى ذكره أبو عبد الله صحيح فيجب اجتنابه انتهى واقتصر ابن دقيق العيد فى الاقتراح على جعل ذلك من الآداب لا من الواجبات والله أعلم
209 قوله وروينا عن الشافعى الإمام وعن يحيى بن كثير قالا من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج انتهى
210 هكذا ذكره المصنف عن الشافعى وإنما هو معروف عن الأوزاعى وعن يحيى بن أبى كثير وقد رواه عن الأوزاعى أبو عمر بن عبد البر فى كتاب جامع بيان العلم من رواية بقية عن الأوزاعى ومن طريق ابن عبد البر رواه القاضى عياض فى كتاب الإلماع بإسناده ومنه يأخذ المصنف كثيرا وكأنه سبق قلمه من الأوزاعى إلى الشافعى وأما قول يحيى بن أبى كثير فرواه ابن عبد البر أيضا والخطيب فى كتاب الكفاية وفى كتاب الجامع من رواية أبان بن يزيد عن يحيى بن أبى كثير ولم أر لهذا ذكرا عن الشافعى فى شئ من الكتب المصنفة فى علوم الحديث ولا فى شئ من مناقب الشافعى والله أعلم
214 قوله قلت ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التى تجعل على كسر أو خلل فاستعير لها اسمها ومثل ذلك غير مستنكر فى باب الإستعارات انتهى قلت وفى هذا نظر وبعد من حيث أن ضبة القدح وضعت جبرا للكسر والضبة على المكتوب ليست جابرة وإنما جعلت علامة على المكان المغلق وجهه المستبهم أمره فهى بضبة الباب أشبه كما تقدم نقل المصنف له عن أبى القاسم بن الاقليلى وقد حكاه أبو القاسم هذا عن شيوخه من أهل الأدب كما وجدته فى كلامه وحكاه القاضى عياض فى الإلماع فقال من أهل المغرب بدل قوله من أهل الأدب والمذكور فى كلام أبى القاسم ما ذكرته والله أعلم قوله ويسمى ذلك الشق أيضا انتهى
216 الشق بفتح الشين المعجمة وتشديد القاف وهذا الاصطلاح لا يعرفه أهل المشرق ولم يذكره الخطيب فى الجامع ولا فى الكفاية وهو اصطلاح لأهل المغرب وذكره القاضى عياض فى الإلماع ومنه أخذه المصنف وكأنه مأخوذ من الشق وهو الصدع أو من شق العصا وهو التفريق فكأنه فرق بين الكلمة الزائدة وبين ما قبلها وبعدها من الصحيح الثابت بالضرب عليها والله أعلم ويوجد فى بعض نسخ علوم الحديث النشق بزيادة نون مفتوحة فى أوله وسكون الشين فإن لم يكن تصحيفا وتغييرا من النساخ فكأنه مأخوذ من نشق الظبى فى حبالته إذا علق فيها فكأنه إبطال لحركة الكلمة وإهمالها بجعلها فى صورة وثاق يمنعها من التصرف والله أعلم
222 النوع السادس والعشرون فى صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك
قوله إذا سمع كتابا ثم أراد روايته من نسخة ليس فيها سماعه ولا هى مقابلة بنسخة سماعه غير أنه سمع منها على شيخه لم يجز له ذلك قطع به الإمام أبو نصر الصباغ الفقيه فيما بلغنا عنه إلى آخر كلامه وقد اعترض عليه بأنه ذكر فى النوع الذى قبله أن الخطيب والاسفرائينى جوزا الرواية من كتاب لم يقابل أصلا ولم ينكره الشيخ بل أقره انتهى قلت الصورة التى تقدمت هى فيما إذا نقل كتابه من الأصل فإن الخطيب شرط فى ذلك أن يكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض وزاد ابن الصلاح على ذلك شرطا آخر وهو أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط وأما الصورة التى فى هذا النوع فإن الراوى منها ليس على ثقة من موافقتها للأصل وقد أشار المصنف هنا إلى التعليل بذلك فقال إذ لا يؤمن أن يكون فيها زوايد ليست فى نسخة سماعه والله أعلم
235 قوله جرت العادة بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد خطا ولابد من ذكره حال القراءة لفظا انتهى هكذا قال المصنف هنا إنه لابد من النطق بقال لفظا ومقتضاه أنه لا يصح السماع بدونها وخالف المصنف ذلك فى الفتاوى فإنه سئل فيها عن ترك القارى قال فقال هذا خطأ من فاعله والأظهر أنه لا يبطل السماع به لأن حذف القول جائز اختصارا جاء به القرآن العظيم وكذا قال النووى في التقريب والتيسير تركها خطأ والظاهر صحة السماع والله أعلم
239 قوله الظاهر أنه لا يجوز تغيير عن النبى إلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا بالعكس وإن جازت الرواية بالمعنى فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى والمعنى فى هذا مختلف انتهى وفيه نظر من حيث أن المعنى لا يختلف فى نسبة الحديث لقائله بأى وصف وصف من تعريفه بالنبى أو رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك فإن اختلف مدلول لفظ النبى والرسول فليس المقصود هنا بيان وصفه إنما المراد تعريف القائل بأى وصف عرف به واشتهر وأما ما استدل به بعض من اختصر كتاب ابن الصلاح على منع ذلك
240 من حديث البراء بن عازب فى الصحيح حين علمه صلى الله عليه وسلم ما يدعو به عند النوم من قوله آمنت بكتابك الذى أنزلت ونبيك الذى أرسلت فقال البراء يستذكرهن وبرسولك الذى أرسلت فقال صلى الله عليه وسلم لا قل ونبيك الذى أرسلت فليس فيه حجة على منع ذلك فى الرواية لأن ألفاظ الأذكار توقيفية فى تعيين اللفظ وتقدير الثواب وربما كان اللفظ سر ليس فى لفظ آخر يرادفه ولعله أراد الجمع بين وصفه بالنبوة والرسالة فى موضع واحد لا حرم أن النووى قال الصواب جوازه لأنه لا يختلف به هنا معنى والله أعلم
241 قوله إذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من شيخ آخر فخلطه ولم يميزه وعزى الحديث جملة إليهما مبينا أن عن أحدهما بعضه وعن الآخر بعضه فذلك جايز كما فعل الزهرى فى حديث الإفك فذكره ثم قال وغير جائز لأحد بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد
242 الراويين ويروى الحديث عن الآخر وحده إلى آخر كلامه وقد اعترض عليه بأن البخارى أسقط ذكر أحد شيخيه أو شيوخه فى مثل هذه الصورة واقتصر على ذكر شيخ واحد فقال فى كتاب الرقاق من صحيحه فى باب كيف كان عيش النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا حدثنى أبو نعيم بنصف من هذا الحديث حدثنا عمر بن ذر حدثنا مجاهد أن أبا هريرة كان يقول آلله الذى لا إله إلا هو إن كنت لاعتمد بكبدى على الأرض من الجوع الحديث انتهى والجواب أن الممتنع إنما هو إسقاط بعض شيوخه وإيراد جميع الحديث عن بعضهم لأنه حينئذ يكون قد حدث عن المذكور ببعض ما لم يسمعه منه فأما إذا بين أنه لم يسمع منه إلا بعض الحديث كما فعل البخارى هنا فليس بممتنع وقد بين البخارى فى موضع آخر من صحيحه القدر الذى سمعه من أبى نعيم من هذا الحديث أو بعض ما سمعه منه فقال فى كتاب الاستئذان حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر بن ذر ح وحدثنا محمد بن مقاتل أنبأنا عبد الله أنبأنا عمر بن ذر أنبأنا مجاهد عن أبى هريرة رضى الله عنه قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا فى قدح فقال أبا هر ألحق الصفة أهل فادعهم إلى قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا انتهى فهذا هو بعض حديث أبى نعيم الذى ذكره فى الرقاق وأما بقية الحديث فيتحمل أن البخارى أخذه من كتاب أبى نعيم وجادة أو إجازة له سمعه من شيخ آخر غير أبى نعيم أما محمد بن مقاتل الذى روى عنه فى الاستئذان بعضه أو غيره ولم يبين ذلك بل اقتصر على اتصال بعض الحديث من غير بيان ولكن ما من قطعة منه إلا وهى محتملة لأنها غير متصلة بالسماع إلا القطعة التى صرح البخارى فى الاستيذان باتصالها والله أعلم
247 النوع السابع والعشرون معرفه آداب المحدث
قوله وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملى فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك عن المملى مطلقا من غير بيان الحال فيه وفى هذا كلام قد تقدم فى النوع الرابع والعشرين انتهى والذى قدمه هناك أنه حكى هناك قولين أحدهما الجواز والثانى المنع وقال إن الأول بعيد فاقتضى كلامه هناك رجحان الامتناع والصواب كما قدمته هناك أنه إن كان المملى
248 يسمع لفظ المستملى فحكم حكم القارئ وعلى الشيخ فيجوز لسامع المستملى أن يرويه عن المملى لكن لا يجوز أن يقول سمعت ولا أخبرنى فلان املاء إنما يجوز ذلك لمن سمع لفظ المملى ويجوز أن يقول أنبأنا فلان ويطلق ذلك على الصحيح وهل يجوز أن يقيد ذلك بقوله قراءة عليه تحتمل أن يقال بالجواز لأن المستملى كالقارئ على الشيخ ويحمل أن لا يجوز ذلك لأن موضوع المستملى تبليغ ألفاظ الشيخ وليس قصده القراءة على الشيخ الأول أظهر كما تقدم هناك والله أعلم قوله أو نسبة إلى أم عرف بها كيعلى بن منية الصحابى وهو ابن أمية ومنية أمه وقيل جدته أم أبيه انتهى
249 رجح المصنف هنا أن منية أم يعلى واقتصر فى النوع السابع والخمسين على كونها جدته وحكاه عن الزبير بن بكار وأنها جدته أم أبيه وما قاله الزبير هو الذى حزم به أبو نصر بن ماكولا ولكن قال ابن عبد البر لم يصب الزبير انتهى والذى ذكره الطبرى ورجحه أبو الحجاج المزى أنها أم يعلى لا جدته فما رجحه المصنف وهو الراجح والله أعلم قوله وإذا نجز الإملاء فلا غناء عن مقابلته واتقانه انتهى
250 هكذا ذكره المصنف هنا أنه لاغناء عن مقابلة الإملاء وتقدم فى كلامه فى النوع الخامس والعشرين الترخص فى الرواية من نسخة غير قابلة بشروط ثلاثة فيحتمل أن يكون كلامه هنا محمولا على ما تقدم هناك ويحتمل أن يفرق بين النسخ من أصل السماع والنسخ من إملاء الشيخ حفظا لأن الحفظ يخون فربما تذكر الشيخ عند المعارضة ما لعله سبق إلى لفظه والله أعلم قوله نجز هو بكسر الجيم على المشور وبه جزم الجوهرى فقال نجز الشئ بالكسر ينجز نجزا أى انقضى وفنى انتهى وهذا هو الذى قيد عن المصنف فى حاشية علوم الحديث حين قرئ عليه والذى صدر به صاحب المحكم كلامه بالفتح فقال نجز الكلام بالفتح انقطع ونجز الوعد ينجز نجزا حضر قال وقد يقال نجز قال ابن السكيت كأن نجز فنى وكأن نجز قضى حاجته انتهى
258 النوع التاسع والعشرون معرفة الإسناد العالى والنازل
قوله الثالث العلو بالنسبة إلى رواية الصحيحين أو أحدهما أو غيرهما من الكتب المعروفة ثم قال ثم اعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول إذ لولا نزول ذلك الإمام فى إسناده لم تعل أنت فى إسنادك انتهى أطلق المصنف أن هذا النوع من العلو تابع لنزول وليس على إطلاقه وإنما هو الغالب وربما يكون هذا النوع من العلو غير تابع لنزول بل يكون عاليا من حديث ذلك الإمام أيضا ومثاله حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان على موسى يوم كلمه الله كساء صوف وجبة صوف الحديث رواه الترمذي عن على بن حجر عن خلف ابن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود وقد وقع لنا عاليا بدرجتين أخبرنى به أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومى أنبأنا أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحرانى وأخبرنى أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم
259 الأنصارى بقراءتى عليه بدمشق فى الرحلة الألى قال أنبأنا أحمد بن عبد الدايم المقدسى قراءة عليه وأنا أحاضر قالا أنبأنا عبد المنعم بن عبد الوهاب أنبأنا على بن أحمد بن محمد بن بيان قال أنبأنا محمد بن محمد بن ابراهيم بن مخلد قال أنبأنا اسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا الحسن عن عرفة أنبأنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كلم الله موسى عليه السلام كانت عليه جبة صوف وسراويل صوف وكساء صوف وكمة صوف ونعلاه من جلد حمار غير ذكى فهذا الحديث بهذا الإسناد لا يقع لأحد فى هذه الأزمان أعلا منه على وجه الدنيا من حيث العدد وهو علو مطلق ليس تابعا لنزول فإنه عال للترمذى أيضا فإن خلف بن خليفة من التابعين وأعلى ما يقع للترمذى روايته عن اتباع التابعين وأما علو طريقنا فأمر واضح فإن شيخنا أبا الفتح آخر من روى عن النجيب عبد اللطيف بالسماع والنجيب آخر من روى عن عبد المنعم بن كليب بالسماع وابن كليب آخر من روى عن ابن بيان وابن بيان آخر من روى عن ابن مخلد وابن مخلد آخر من روى عن الصفار والصفار آخر من روى عن ابن عرفة فيما ذكره الحافظ أبو سعيد العلائى وابن عرفة آخر من روى عن خلف بن خليفة وخلف بن خليفة آخر من رأى الصحابة فهو علو مطلق والله أعلم
263 النوع الموفى ثلاثين معرفة المشهور
قوله وكما بلغنا عن أحمد بن حنبل رضى الله عنه أنه قال أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأسواق ليس لها أصل من بشرنى بخروج آذار بشرته بالجنة ومن آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة ويوم نحركم يوم صومكم وللسائل حق وإن جاء على فرس قلت لا يصح هذا الكلام عن الإمام أحمد فإنه أخرج حديثا منها فى المسند وهو حديث للسائل حق وإن جاء على فرس وقد ورد من حديث الحسين بن على وابنه على وابن عباس والهرماس بن زياد أما حديث الحسين بن على بن أبى طالب فأخرجه
264 أبو داود من رواية يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت الحسين عن حسين بن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل حق وإن جاء على فرس ورواه أحمد فى مسنده عن وكيع وعبد الرحمن بن محمد كلاهما عن سفيان عن مصعب بن محمد عن يعلى بن أبي يحيى وهذا إسناد جيد وقد سكت عليه أبو داود فهو عنده صالح ويعلى هذا ذكره ابن حبان في الثقات وجهله أبو حاتم وباقى رجاله ثقات وأما حديث على فأخرجه أبو داود أيضا من رواية زهير عن شيخ قال رأيت سفيان عنده عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن على عن النبى صلى الله عليه وسلم مثله وأما حديث ابن عباس فرواه ابن عدى فى الكامل من رواية إبراهيم بن يزيد عن سليمان الأحول عن طاووس عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم مثله أورده فى ترجمة إبراهيم بن عبد السلام المكى المخزومى راويه عن إبراهيم بن يزيد وقال هذا معروف بغير إبراهيم هذا عن إبراهيم بن يزيد سرقه ممن هو معروف به قال وإبراهيم بن عبد السلام فى جملة الضعفاء المجهولين وأما حديث الهرماس بن زياد فرواه الطبرانى من رواية عثمان بن فايد عن عكرمة بن عمار عن الهرماس بن زياد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وعثمان ابن فايد ضعفه ابن معين والبخارى وابن حبان وغيرهم وكذلك حديث من آذى ذميا هو معروف أيضا بنحوه رواه أبو داود من رواية صفوان بن مسلم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم دنية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إلا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة سكت عليه أبو داود أيضا فهو عنده صالح وهو كذلك إسناده جيد وهو وإن كان فيه من لم يسم فانهم عدة من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر الذى لا يشترط فيه العدالة فقد رويناه فى سنن البيهقى الكبرى فقال فى روايته عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الحديثان الآخران فلا أصل لهما قال ابن الجوزى فى الموضوعات ويذكر عن العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من بشرنى بخروج آذار بشرته بالجنة قال أحمد
265 ابن حنبل لا أصل لهذا وروى الطبرانى من رواية أبى شيبة القاضى عن آدم بن على عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هلك قوم إلا فى آذار ولا تقوم الساعة إلا فى آذار أبو شيبة قاضى واسط اسمه ابراهيم بن عثمان وهو جد أبى بكر بن أبى شيبة كذبه شعبة وقال ابن معين ليس بثقة وبالجملة فهو متفق على ضعفه وروى الإمام أبو بكر محمد بن رمضان بن شاكر الزيات فى كتاب له فيه أخبار عن مالك والشافعى وابن وهب وابن عبد الحكم قال قال محمد بن عبد الله هو ابن عبد الحكم فى الحديث الذى روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم صومكم يوم نحركم قال هذا من حديث الكذابين والله أعلم قوله ومن المشهور المتواتر الذى يذكره أهل الفقه وأصوله وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وإن كان الحافظ الخطيب قد ذكره ففى كلامه ما تشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يوجد فى رواياتهم فإنه عبارة عن الحبر الذى يحصل العلم بصدقه ضرورة انتهى
266 وقد اعترض عليه بأنه قد ذكره أبو عبد الله الحاكم وأبو محمد بن حزم وأبو عمر ابن عبد البر وغيرهم من أهل الحديث والجواب عن المصنف أنه إنما نفى عن أهل الحديث ذكره باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وهؤلاء المذكورون لم يقع فى كلامهم التعبير عنه بما فسره به الأصوليون وإنما يقع فى كلامهم أنه تواتر عنه صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو ان الحديث الفلانى متواتر وكقول ابن عبد البر فى حديث المسح على الخفين أنه استفاض وتواتر وقد يريدون بالتواتر الاشتهار لا المعنى الذى فسره به الأصوليون والله أعلم قوله ومن سئل عن ابراز مثال لذلك أعياه تطلبه وحديث إنما الأعمال بالنيات ليس من ذلك بسبيل وان نقله عدد التواتر وزيادة لأن ذلك طرأ عليه فى وسط إسناده ولم يوجد فى أوائله على ما سبق ذكره نعم حديث من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار نراه مثالا لذلك إلى أن قال وذكر بعض الحفاظ أنه رواه عنه صلى الله عليه وسلم اثنان وستون نفسا من الصحابة وفهيم العشرة المشهود لهم بالجنة قال وليس فى الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره ولا يعرف حديث يروى عن اكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد
267 قال المصنف وبلغ به بعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد انتهى وفيه أمور الأول انه اعترض عليه بأن حديث الأعمال ذكر بن منده أن جماعة من الصحابة رووه فبلغوا العشرين قلت لم يبلغ بهم ابن منده هذا العدد وإنما بلغ بهم ثمانية عشر فقط فذكر مجرد أسمائهم من غير رواية لشئ منها ولا عزو لمن رواه وليس هو أبا عبد الله محمد بن إسحق بن منده وإنما هو ابنه أبو القاسم عبد الرحمن ذكر ذلك فى كتاب له سماه المستخرج من كتب الناس للتذكرة فقال وممن رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلى بن أبى طالب وسعد بن أبى وقاص وأبو سعيد الخدرى وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك وأبو هريرة ومعاوية ابن أبى سفيان وعتبة بن عبد السلمى وهلال بن سويد وعبادة بن الصامت وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وأبو ذر الغفارى وعتبة بن النذر وعتبة بن مسلم هكذا عد سبعة عشر غير عمر قلت وفى المذكورين أثنان ليست لهما صحبة وهما هلال ابن سويد وعتبة بن مسلم وقد ذكرهما ابن حبان فى ثقات التابعين فبقى خمسة عشر غير عمر وبلغنى أن الحافظ أبا الحجاج المزى سئل عن كلام ابن منده هذا فأنكره واستبعده وقد تتبعت أحاديث المذكورين فوجدت أكثرها فى مطلق النية لا بلفظ إنما الأعمال بالنيات وفيها ما هو بهذا اللفظ وقد رأيت عزوها لمن خرجها ليستفاد فحديث على ابن أبى طالب رواه ابن الاشعث فى سننه والحافظ أبو بكر محمد بن ياسر الجيانى فى الأربعين العلوية من طريق أهل البيت بلفظ الأعمال بالنية وفى إسناده من لا يعرف وحديث سعد بن أبى وقاص كأنه أراد به قوله صلى الله عليه وسلم لسعد إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت فيها الحديث رواه الأئمة الستة وحديث أبى سعيد الخدرى رواه الدارقطنى فى غرايب مالك والخطابى فى معالم السنن بلفظ حديث عمر
268 وحديث ابن مسعود رواه الطبرانى فى المعجم الكبير فى قصة مهاجر أم قيس وهو حديث غريب ورجاله ثقات لأحمد فى مسنده من حديثه أن أكبر شهداء أمتى لأصحاب الفرش ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته وحديث ابن عباس اتفق عليه الشيخان بلفظ لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وحديث أنس بن مالك رواه البيهقى فى سننه بلفظ لا عمل لمن لا نية له وفى إسناده من لم يسم وقد رواه ابن عساكر فى جزء من أماليه بلفظ حديث عمر من رواية يحيى ابن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن انس فقال غريب جدا والمحفوظ حديث عمر وروينا فى مسند الشهاب للقضاعى من حديث أنس نية المؤمن خير من عمله وحديث أبى هريرة رويناه فى جزء من تخريج الرشيد العطار بلفظ حديث عمر ولابن ماجه من حديث أبى هريرة إنما يبعث الناس على نياتهم وحديث معاوية رواه ابن ماجه بلفظ إنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله طاب أعلاه وحديث عبادة بن الصامت رواه النسائى بلفظ من غزا فى سبيل الله وهو لا ينوى إلا عقالا فله ما نوى وحديث جابر بن عبد الله رواه ابن ماجه بلفظ يحشر الناس على نياتهم وحديث عقبة بن عامر رواه أصحاب السنن بلفظ إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة فذكره وفيه وصانعه يحتسب فى صنعته الأجر وحديث أبى ذر رواه النسائى بلفظ من أتى فراشه وهو ينوى أنه يقوم يصلى من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى الحديث قلت وفى الباب أيضا مما لم يذكره ابن منده عن أبى الدرداء وسهل بن سعد والنواس ابن سمعان وأبى موسى الأشعرى وصهيب بن سنان وأبى أمام الباهلى وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وصفوان بن أمية وغزية بن الحارث أو الحارث بن غزية وعائشة
269 وأم سلمة وأم حبيبة وصفية بنت حيى فحديث ابى الدرداء رواه النسائى وابن ماجه بلفظ حديث أبى ذر المتقدم وحديث سهل بن سعد رواه الطبرانى فى المعجم الكبير بلفظ نية المؤمن خير عمله وعمل المنافق خير من نيته وكل يعمل على نيته وحديث النواس بن سمعان رواه الطبرانى أيضا بلفظ نية المؤمن خير من عمله وحديث أبى موسى رواه أبو منصور الديلمى فى مسند الفردوس بهذا اللفظ وحديث صهيب رواه الطبرانى فى المعجم الكبير بلفظ أيما رجل تزوج امرأة فنوى أن لا يعطيها من صداقها شيئا مات يوم يموت وهو زان وأيما رجل اشترى من رجل بيعا فنوى أن لا يعطيه من ثمنه شيئا مات يوم يموت وهو خائن وحديث أبى أمامة رواه الطبرانى الكبير بلفظ من ادان دينا وهو ينوى أن يؤديه أداه الله عنه يوم القيامة ومن ادان دينا وهو ينوى أن لا يؤديه الحديث وحديث زيد بن ثابت ورافع بن خديج رواه أحمد فى مسنده فى قصة لحديث أبى سعيد بحديث لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وقول مروان له كذبت وعنده زيد بن ثابت ورافع بن خديج معه على السرير وإن أبا سعيد قال لو شاء هذان لحدثاك فقالا صدق وحديث غزية بن الحارث رواه فى الطبرانى فى الكبير بلفظ لا هجرة بعد الفتح إنما هى ثلاث الجهاد والنية والحشر وحديث عائشة رواه مسلم فى قصة الجيش الذين يخسف بهم وفيه يبعثهم الله على نياتهم وحديث أم سلمة رواه مسلم وأبو داود بلفظ يبعثون على نياتهم وحديث أم حبيبة رواه الطبرانى فى المعجم الأوسط بلفظ ثم يبعث كل امرئ على نيته وحديث صفية رواه ابن ماجه بلفظ يبعثهم الله على ما فى أنفسهم الأمر الثانى أن ما حكاه المصنف عن بعض الحفاظ من أنه رواه أثنان وستون من الصحابة وفيهم العشرة فأبهم المصنف ذكره هو الحافظ أبو الفرج بن الجوزى فإنه ذكر ذلك فى النسخة الأولى من الموضوعات فذكر أنه رواه أحد وستون نفسا ثم ذكر روى بعد ذلك عن أبى بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب النيسابورى أنه ليس فى الدنيا حديث اجتمع عليه العشرة غيره ثم قال ابن الجوزى أنه ما وقعت له رواية عبد الرحمن
270 ابن عوف إلى الآن قال ولا أعرف حديثا رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وستون صحابيا وعلى قول هذا الحافظ اثنان وستون الا هذا الحديث انتهى هكذا نقلته من نسخه الموضوعات بخط الحافظ زكى الدين عبد العظيم المنذرى وهذه النسخة هى النسخة الأولى من الكتاب ثم زاد بن الجوزى فى الكتاب المذكور أشياء وهى النسخة الأخيرة فقال فيها رواه من الصحابة ثمانية وتسعون نفسا هكذا نقلته من خط على ولد المصنف من الموضوعات الأمر الثالث ما ذكره الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب النيسابورى من أنه لا يعرف حديث اجتمع عليه العشرة غيره وأقره ابن الجوزى على ذلك وكذلك المصنف ناقلا له عن بعض الحفاظ منهما ليس بجيد من حيث أن حديث أن رفع اليدين فى الصلاة بهذا الوصف وكذلك حديث المسح على الخفين فأما حديث رفع اليدين فذكره الحافظ أبو عبد الله الحاكم فيما نقل البيهقى عنه أنه سمعه يقول لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة ثم العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم فى البلاد الشاسعة غير هذه السنة قال البيهقي وهو كما قال أستادنا أبو عبد الله رضي الله عنه فقد روى عن هذه السنة عن العشرة وغيرهم وكذلك ذكر أبو القاسم عبد الرحمن بن منده فى كتاب المستخرج من كتب الناس للتذكرة وأما حديث المسح على الخفين فذكر أبو القاسم بن عبد الله بن منده فى كتاب المذكور أنه رواه العشرة أيضا الأمر الرابع قول ابن الجوزى أنه لا يعرف حديث يروى عن أكثر من ستين من الصحابة إلا حديث من كذب على منقوض بحديث المسح على الخفين فقد
271 ذكر أبو القاسم بن منده فى كتاب المستخرج عدة من رواه من الصحابة فزادوا على الستين وذكر الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد فى كتاب الامام عن ابن المنذر قال روينا عن الحسن أنه قال حدثنى سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين الأمر الخامس ما ذكره المصنف عن بعض أهل الحديث أنه بلغ به أكثر من هذا العدد أى أكثر من اثنين وستين نفسا قد جمع طرقا أبو القاسم الطبرانى ومن المتأخرين الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل فى جزأين فزاد فيه على هذا العدد وقد رأيت عدد من روى حديثه من الصحابة هكذا وهم يزيدون على السبعين مرتبين على الحروف وهم أسامة بن زيد وأنس بن مالك وأوس بن أوس والبراء بن عازب وبريدة بن الخطيب وجابر بن حابس وجابر بن عبد الله وحذيفة بن أسيد وحذيفة بن اليمان وخالد بن عرفطة ورافع بن خديج والزبير بن العوام وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت والسايب بن يزيد وسعد بن المدحاش وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد وسفينة وسلمان بن خالد الخزاعى وسلمان الفارسى وسلمان بن الأكوع وصهيب بن سنان وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن أبى أوفى وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن زغب وقيل إنه لا صحبة له وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن ابن عوف وعتبة بن غزوان وعثمان بن عفان والعرس بن عميرة وعفان ابن حبيب وعقبة بن عامر وعلى بن أبى طالب وعمار بن ياسر وعمر بن الخطاب وعمران ابن حصين وعمرو بن حريث وعمرو بن عنبسة وعمرو بن عوف وعمرو بن مرة الجهنى وقيس بن سعد بن عبادة وكعب بن قطنة ومعاذ بن جبل ومعاوية بن حيدة ومعاوية ابن أبى سفيان والمغيرة بن شعبة والمنقع التميمى ونبيط بن شريط وواثلة بن الأسقع ويزيد بن أسد ويعلى بن مرة وأبو أمامة وأبو بكر الصديق وأبو الحمراء وأبو ذر
272 وأبو رافع وأبو رمثة وأبو سعيد الخدرى وأبو عبيدة بن الجراح وأبو قتادة وأبو قرصافة وأبو كبشة الأنمارى وأبو موسى الأشعرى وأبو موسى الغافقى وأبو ميمون الكردى وأبو هريرة وأبو العشراء الدارمى عن أبيه وأبو مالك الأشجعى عن أبيه وعائشة أم أيمن فهؤلاء خمسة وسبعون نفسا يصح من نحو حديث نحو عشرين منهم اتفق الشيخان على إخراج أحاديث أربعة منهم وانفرد البخارى بثلاثة ومسلم بواحد وإنما يصح من حديث خمسة من العشرة والباقى أسانيدها ضعيفة ولا يمكن التواتر فى شئ من طرق هذا الحديث لأنه يتعذر وجود ذلك فى الطرفين والوسط بل بعض طرقه الصحيحة إنما هى افراد عن بعض رواتها وقد زاد بعضهم فى عدد هذا الحديث حتى جاوز الماية ولكنه ليس هذا المتن وإنما هى أحاديث فى مطلق الكذب عليه كحديث من حدث عنى بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ونحو ذلك فحذفتها لذلك ولم اعدها فى طرق الحديث وقد أخبرنى بعض الحفاظ أنه رأى فى كلام بعض الحفاظ أنه رواه مائتان من الصحابة ثم رأيته بعد ذلك فى شرح مسلم للنووى ولعل هذا محمول على الأحاديث الواردة فى مطلق الكذب لا هذا المتن بعينه والله أعلم الأمر السادس قول المصنف أن من سئل عن ابراز مثال للمتواتر أعياه تطلبه ثم لم يذكر مثالا إلا حديث من كذب على وقد وصف غيره من الأئمة عدة أحاديث بأنها متواترة فمن ذلك أحاديث حوض النبى صلى الله عليه وسلم ورد ذلك عن أزيد من ثلاثين صحابيا واوردها البيهقى فى كتاب البعث والنشور أفردها المقدسى بالجمع قال القاضى عياض وحديثه متواتر بالنقل رواه خلائق من الصحابة فذكر جماعة من رواته ثم قال وفى بعض هذا ما يقتضى كون الحديث متواترا ومن ذلك أحاديث الشفاعة فذكر القاضى عياض أيضا أنه بلغ مجموعها التواتر ومن ذلك أحاديث المسح على الخفين فقال ابن عبد البر رواه نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر وكذا قال ابن حزم فى المحلى أنه نقل تواتر يوجب العلم ومن ذلك أحاديث النهى عن الصلاة فى معاطن الابل قال ابن حزم فى المحلى أنه نقل تواتر يوجب العلم ومن ذلك أحاديث النهى عن اتخاذ القبور مساجد قال ابن حزم إنها متواترة ومن ذاك أحاديث رفع اليدين فى الصلاة للاحرام والركوع والرفع منه قال ابن حزم إنها متواترة توجب يقين العلم ومن ذلك الأحاديث الواردة فى قول المصلى ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد قال ابن حزم إنها أحاديث متواترة
273 النوع الحادى والثلاثون معرفة الغريب والعزيز
قوله وينقسم الغريب أيضا من وجه آخر فمنه ما هو غريب متنا وإسنادا ومنه ما هو غريب إسنادا لا متنا ثم قال ولا أرى هذا النوع ينعكس فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا وليس غريبا إسنادا إلا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به فرواه عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريبا مشهورا وغريبا متنا وغير غريب إسنادا لكن بالنظر إلى أحد طرفى الإسناد فإن إسناده متصف بالغرابة فى طرفه الأول متصف بالشهرة فى طرفه الآخر كحديث إنما الأعمال بالنيات انتهى استبعد المصنف وجود حديث غريب متنا لا إسنادا إلا بالنسبة إلى طرفى الإسناد وأثبت أبو الفتح اليعمرى هذا القسم مطلقا من غير حمل له على ما ذكره المصنف فقال فى شرح الترمذى الغريب على أقسام غريب سندا ومتنا ومتنا لا سندا وسندا لا متنا وغريب بعض السند فقط وغريب بعض المتن فقط ثم أشار إلى أنه أخذ ذلك من كلام محمد بن طاهر المقدسى فانه قسم الغرايب والأفراد إلى خمسة أنواع خامسها أسانيد ومتون ينفرد بها أهل بلد لا توجد إلا من روايتهم وسنن يتفرد بالعمل بها أهل مصر لا يعمل بها فى غير مصرهم ثم تكلم أبو الفتح على الأقسام التى ذكرها ابن طاهر إلى أن قال وأما النوع الخامس فيشمل الغريب كله سندا ومتنا أو أحدهما دون الآخر
274 قال وقد ذكر أبو محمد بن أبى حاتم بسند له أن رجلا سأل مالكا عن تخليل أصابع الرجلين فى الوضوء فقال له مالك إن شئت خلل وإن شئت لا تخلل وكان عبد الله بن وهب حاضرا فعجب من جواب مالك وذكر لمالك فى ذلك حديثا بسند مصرى صحيح وزعم أنه معروف عندهم فاستعاد مالك الحديث واستعاد السائل فأمره بالتخليل هذا أو معناه انتهى كلامه والحديث المذكور رواه أبو داود والترمذى من رواية ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو المغافرى عن أبى عبد الرحمن الحيلى عن المستورد بن شداد قال الترمذى حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة انتهى ولم ينفرد به ابن لهيعة بل تابعه عليه الليث بن سعد وعمرو بن الحريث كما رواه ابن أبى حاتم عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه عبد الله بن وهب عن الثلاثة المذكورين وصححه ابن القطان لتوثيقه لابن أخى ابن وهب فقد زالت الغرابة عن الإسناد بمتابعة الليث وعمرو بن الحارث لابن لهيعة والمتن غريب والله أعلم ويحتمل أن يريد بكونه غريب المتن لا الإسناد أن يكون ذلك الإسناد مشهورا جادة لعده من الأحاديث بأن يكونوا مشهورين برواية بعضهم عن بعض ويكون المتن غريبا لانفرادهم به والله أعلم
276 النوع الثالث والثلاثون معرفة المسلسل
قوله ونوعه الحاكم أبو عبد الله إلى ثمانية أنواع والذى ذكره فيها إنما هو صور وأمثلة ثمانية ولا انحصار لذلك فى ثمانية كما ذكرناه انتهى قلت لم يحصر الحاكم مطلق أنواع التسلسل إلى ثمانية أنواع وإنما ذكر أنواع التسلسل الدالة على الاتصال لا مطلق المتسلسل ويظهر ذلك بعدها وتعبيره عنها فالأول
277 المسلسل بسمعت والثانى المسلسل بقولهم قم فصب على حتى أريك وضوء فلان والثالث المسلسل بمطلق ما يدل على الاتصال من سمعت أو أنا أو ثنا وإن اختلفت ألفاظ الرواة فى ألفاظ الأداء والرابع المسلسل بقولهم فان قيل لفلان من أمرك بهذا قال يقول أمرنى فلان والخامس المسلسل بالأخذ باللحية وقولهم آمنت بالقدر خيره وشره والسادس المسلسل بقولهم وعدهن فى يدى والسابع المسلسل بقولهم شهدت على فلان والثامن المسلسل بالتشبيك باليد ثم قال الحاكم فهذه أنواع المسلسل من الأسانيد المتصلة التى لا يشوبها تدليس وآثار السماع بين الراويين ظاهرة انتهى فلم يذكر الحاكم من المسلسلات إلا ما دل على الاتصال دون استيعاب بقية المسلسلات نعم بقى على الحاكم عدة من المسلسلات الدالة على الاتصال لم يذكرها كالمسلسل بقوله أطعمنا وسقانا والمسلسل بقوله أضافنا على الأسودين التمر والماء والمسلسل بقوله أخذ فلان بيدى والمسلسل بالمصافحة والمسلسل بقص الأظفار يوم الخميس والله أعلم
278 النوع الرابع والثلاثون معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه
قوله وهو عبارة عن رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر فهذا حد وقع لنا سالم من اعتراضات وردت على غيره انتهى وهذا الذى حده به المصنف تبع فيه القاضى أبا بكر الباقلانى فإنه حده برفع الحكم واختاره الآمدى وابن الحاجب قال الحازمى وقد أطبق المتأخرون على ما حده به القاضى أنه الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه قال الحازمى وهذا حد صحيح انتهى وقد اعترض عليه بأن التعبير برفع الحكم ليس بجيد لأن الحكم قديم لا يرتفع والجواب عنه أنه إنما المراد برفع الحكم قطع تعليقه بالمكلف واعترض صاحب المحصول أيضا على هذا الحد بأوجه أخر فى كثير منها نظر ليس هذا موضع إيرادها
279 قوله ومنها ما يعرف بقول الصحابى كما رواه الترمذى وغيره عن أبى بن كعب أنه قال كان الماء من الماء رخصة فى أول الإسلام ثم نهى عنها وكما أخرجه النسائى عن جابر بن عبد الله قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار فى أشباه لذلك انتهى أطلق المصنف أن النسخ يعرف بقول الصحابى لكن هل يكتفى بقوله هذا ناسخ أو هذا منسوخ أو لابد من التصريح بأن هذا متأخر عن هذا فالذى ذكره الأصوليون كصاحب المحصول والآمدى وابن الحاجب أنه لابد من إخباره بأن أحدهما متأخر ولا يكتفى بقوله هذا ناسخ لاحتمال أن يقوله عن اجتهاد ونحن لا نرى ما يراه وحكى صاحب المحصول عن الكرخى أنه يكفى إخباره بالنسخ إذ لولا ظهور النسخ فيه لم يطلقه وما ذهب إليه الكرخى هو الظاهر وفى عبارة الشافعى ما يقتضى الاكتفاء بذلك فإنه قال ولا يستدل على الناسخ والمنسوخ إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بوقت يدل على أن أحدهما بعد الآخر أو بقول من سمع الحديث أو العامة هكذا رواه البيهقى فى المدخل بإسناده إلى الشافعى فقوله أو بقول من سمع الحديث أراد به قول الصحابى مطلقا لا قوله هذا متأخر فقط لأن هذه الصورة قد دخلت فى قوله أو بوقت يدل على أن أحدهما بعد الآخر والله أعلم
280 قوله ومنها ما يعرف بالإجماع كحديث قتل شارب الخمر فى المرة الرابعة فإنه منسوخ عرف نسخه بانعقاد الاجماع على ترك العمل به انتهى وفيه أمور أحدها أنه ورد فى الحديث نسخه فلا حاجة للاستدلال عليه بالإجماع أما المنسوخ فهو ما رواه أصحاب السنن الاربعة من حديث معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فى الرابعة فاقتلوه ورواه أحمد فى مسنده من حديث عبد الله بن عمرو وشرحبيل بن أوس وصحابى لم يسم ورواه الطبرانى من حديث جرير بن عبد الله والشريد بن أوس وأما الناسخ فهو ما رواه البزار فى مسنده من رواية محمد بن اسحق عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فى الرابعة فاقتلوه قال فأتى بالنعيمان قد شرب الرابعة فجلده ولم يقتله فكان ذلك ناسخا للقتل قال البزار لا نعلم أحدا حدث به إلا ابن اسحق وذكره الترمذى تعليقا من حديث ابن إسحق ثم قال وكذلك روى عن الزهرى عن قبيصة بن ذؤيب عن النبى صلى الله عليه وسلم نحو هذا قال فرفع القتل وكانت رخصة انتهى وقبيصة ذكره بن عبد البر فى الصحابة قال ولد فى أول سنة من الهجرة وقيل ولد عام الفتح قال ويقال إنه أتى به للنبى صلى الله عليه وسلم ودعا له انتهى
281 والصحيح أنه ولد عام الفتح الثانى أن دعوى الإجماع فى هذا ليس بجيد وان كان الترمذى قد سبق إلى ذلك فقال فى العلل التى فى آخر الجامع جميع ما فى هذا الكتاب معمول به وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين فذكر منهما حديث إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فى الرابعة فاقتلوه قال النووى فى شرح مسلم وهو كما قاله فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه وفيما قالوه نظر فقد روى أحمد بن حنبل فى مسنده عن عبد الله بن عمرو أنه قال ائتوني برجل قد شرب الخمر فى الرابعة فلكم على أن أقتله وحكى أيضا عن الحسن البصرى وهو قول ابن حزم فلا إجماع إذا وإن قلنا إن خلاف أهل الظاهر لا يقدح فى الإجماع على أحد القولين فقد قال به بعض الصحابة والتابعين والله أعلم الثالث إذا ظهر أن الخلاف فى قتل شارب الخمر فى الرابعة موجود فينبغى أن يمثل بمثال آخر أجمعوا على ترك العمل به فنقول روى أبو عيسى الترمذى من حديث جابر قال كنا إذا حججنا مع النبى صلى الله عليه وسلم نلبى عن النساء ونرمى عن الصبيان قال الترمذى بعد تخريجه هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال وقد أجمع أهل العلم أن المرأة لا يلبى عنها غيرها هى تلبى عن نفسها فهذا حديث قد أجمعوا على ترك العمل به وهو فى كتاب الترمذى فكان ينبغى له أن يستثنيه فى العلل حين استثنى الحديثين المتقدمين والجواب عن الترمذى من ثلاثة أوجه أحدها أن هذا الحديث قد قال ببعضه بعض أهل العلم وهو الرمى عن الصبيان فلم يجمع على ترك العمل بجميع الحديث والوجه الثانى أن هذا الحديث قد اختلف فى لفظه على ابن نمير فرواه الترمذى عن محمد بن إسماعيل الواسطى عنه هكذا ورواه أبو بكر بن أبى شيبة عن ابن نمير بلفظ حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان وروينا عنهم هكذا رواه ابن أبى شيبة فى المصنف ومن طريقه رواه ابن ماجه فى سننه قال أبو الحسن بن القطان وهذا أولى بالصواب وأشبه به انتهى وإذا ترجح أن لفظ رواية الترمذى غلط فلك أن تقول نحن لا نحكم على الحديث
282 بالنسخ عند ترك العمل به إجماعا إلا إذا علمنا صحته وقد أشار إلى ذلك الفقيه أبو بكر الصيرفى فى كتاب الدلائل عند الكلام على تعارض حديثين فقال فان أجمع على إبطال حكم أحدهما فأحدهما منسوخ أو غلط والآخر ثابت فيمكن حمل كلام الصيرفى على ما إذا لم يثبت الحديث الذى أجمع عن ترك العمل به فإن الحكم عليه بالنسخ فرع عن ثبوته ويمكن حمل كلامه على ما إذا كان صحيحا أيضا وهو خبر آحاد وأجمعوا على ترك العمل به ولا يتعين المصير إلى النسخ لاحتمال وجود الغلط من راويه فهو كما قال منسوخ أو غلط والله أعلم الوجه الثالث أن الحافظ محب الدين الطبرى فى كتاب القرى حمل لفظ رواية الترمذى فى هذا الحديث على أن المراد رفع الصوت بالتلبية لا مطلق التلبية وأن فيه استعمال المجاز بجعله عن النساء للاجتزاء بجهر الرجال بالتلبية عن استحبابه فى حق النساء فكأن الرجال قاموا بذلك عن النساء وفيه تكلف وبعد والله أعلم
286 النوع السادس والثلاثون معرفة مختلف الحديث
قوله كالترجيح بكثرة الرواة أو بصفاتهم فى خمسين وجها من وجوه الترجيحات فأكثر ولتفصيلها موضع غير ذا انتهى اقتصر المصنف على هذا المقدار من وجوه الترجيح وتبع فى ذاك الحازمى فانه قال فى كتاب الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ ووجوه الترجيحات كثيرة أنا أذكر معظمها فذكر خمسين وجها ثم قال فهذا القدر كاف فى ذكر الترجيحات وثم وجوه كثيرة اضربتا عن ذكرها كى لا يطول به هذا المختصر انتهى كلام الحازمى ووجوه الترجيحات تزيد على المائة وقد رأيت عدها مختصرا فأبدأ بالخمسين التى عدها الحازمى ثم أسرد بقيتها على الولاء الأول كثرة الرواة الثانى كون أحد الراويين اتقن واحفظ الثالث كونه متفقا على عدالته الرابع كونه بالغا حالة التحمل الخامس كون سماعه تحديثا والآخر عرضا السادس كون أحدهما سماعا أو عرضا والآخر كتابة أو وجادة أو مناولة السابع كونه مباشرا لما رواه الثامن كونه صاحب القصة التاسع كونه أحسن سياقا واستقصاء العاشر كونه أقرب مكانا من النبى صلى الله عليه وسلم حالة تحمله الحادى عشر كونه أكثر ملازمة لشيخه الثانى عشر كونه سمعه من مشايخ بلده الثالث عشر كون أحد الحديثين له مخارج الرابع عشر كون إسناده حجازيا الخامس عشر كون رواته من بلد لا يرضون بالتدليس السادس عشر دلالة ألفاظه على الاتصال كسمعت وحدثنا السابع عشر كونه مشاهدا لشيخه عند الأخذ الثامن عشر كون الحديث لم يختلف فيه التاسع عشر كون راويه لم يضطرب لفظه العشرون كون الحديث متفقا على رفعه الحادى والعشرون كونه متفقا على اتصاله الثانى والعشرون كون راويه لا يجيز الرواية بالمعنى الثالث والعشرون كونه فقيها الرابع والعشرون كونه صاحب كتاب يرجع اليه الخامس والعشرون كون أحد الحديثين نصا وقولا والآخر ينسب اليه
287 استدلالا واجتهادا والسادس والعشرون كون القول يقارنه الفعل السابع والعشرون كونه موافقا لظاهر القرآن الثامن والعشرون كونه موافقا لسنه أخرى التاسع والعشرون كونه موافقا للقياس الثلاثون كونه معه حديث آخر مرسل أو منقطع الحادى والثلاثون كونه عمل به الخلفاء الراشدون الثانى والثلاثون كونه معه عمل الأمة الثالث والثلاثون كون ما تضمنه من الحكم منطوقا الرابع والثلاثون كونه مستقلا لا يحتاج إلى إضمار الخامس والثلاثون كون حكمه مقرونا بصفة والآخر بالاسم السادس والثلاثون كونه مقرونا بتفسير الراوى السابع والثلاثون كون أحدهما قولا والآخر فعلا فيرجح الثامن والثلاثون كونه لم يدخله التخصيص التاسع والثلاثون كونه غير مشعر بنوع قدح فى الصحابة الأربعون كونه مطلقا والآخر ورد على سبب الحادى والأربعون كون الاشتقاق يدل عليه دون الآخر الثانى والأربعون كون أحد الخصمين قائلا بالخبرين الثالث والأربعون كون أحد الحديثين فيه زيادة الرابع والأربعون كونه فيه احتياط للفرض وبراءة الذمة الخامس والأربعون كون أحد الحديثين له نظير متفق على حكمه السادس والأربعون كونه يدل على التحريم والآخر على الإباحة السابع والأربعون كونه يثبت حكما موافقا لما قبل الشرع فقيل هو أولى وقيل هما سواء الثامن والأربعون كون أحد الخبرين مسقطا للحد فقيل هو أولى وقيل لا يرجح التاسع والأربعون كونه إثباتا يتضمن النقل عن حكم العقل والآخر نفيا يتضمن الإقرار على حكم العقل الخمسون كون الحديثين فى الأقضية وراوى أحدهما على أو فى الفرائض وراوي أحدهما زيد أو فى الحلال والحرام وراوى أحدهما معاذ وهلم جرا فالصحيح الذى عليه الأكثرون الترجيح بذلك الحادى والخمسون كونه أعلا إسنادا الثانى والخمسون كون راويه عالما بالعربية الثالث والخمسون كونه عالما باللغة الرابع والخمسون كونه أفضل فى الفقه أو العربية أو اللغة الخامس والخمسون كونه حسن الاعتقاد السادس والخمسون كونه ورعا السابع والخمسون كونه جليسا للمحدثين أو غيرهم من العلماء الثامن والخمسون كونه أكثر مجالسة لهم التاسع والخمسون كونه عرفت عدالته بالاختبار والممارسة وعرفت عدالة الآخر بالتزكية أو العمل على روايته الستون كون المزكى زكاه وعمل بخبره وزكى الآخر وروى خبره الحادى والستون
288 كونه ذكر سبب تعديله الثانى والستون كونه ذكرا الثالث والستون كونه حرا الرابع والستون شهرة الراوى الخامس والستون شهرة نسبه السادس والستون عدم التباس اسمه السابع والستون كونه له إسم واحد على من له إسمان فأكثر الثامن والستون كثرة المزكين التاسع والستون كثرة علم المزكين السبعون كونه دام عقله فلم يختلط هكذا أطلقه جماعة وشرط فى المحصول مع ذلك أنه لا يعلم هل رواه فى حال سلامته أو اختلاطه الحادى والسبعون تأخر إسلام الراوى وقيل عكسه وبه جزم الآمدى الثانى والسبعون كونه من أكابر الصحابة الثالث والسبعون كون الخبر حكى سبب وروده إن كانا خاصين فإن كانا عامين فبالعكس الرابع والسبعون كونه حكى فيه لفظ الرسول الخامس والسبعون كونه لم ينكره راوى الأصل أو لم يتردد فيه السادس والسبعون كونه مشعرا بعلو شأن الرسول وتمكنه السابع والسبعون كونه مدنيا والآخر مكى الثامن والسبعون كونه متضمنا للتخفيف وقيل بالعكس التاسع والسبعون كونه مطلق التاريخ على المؤرخ بتاريخ مؤخر الثمانون كونه مؤرخا بتاريخ مؤخر على مطلق التاريخ الحادى والثمانون كون الراوى تحمله فى الإسلام على ما تحمله راويه فى الكفر أو شك فيه الثانى والثمانون كون الحديث لفظه فصيحا والآخر ركيكا الثالث والثمانون كونه بلغة قريش الرابع والثمانون كون لفظه حقيقة الخامس والثمانون كونه أشبه بالحقيقة السادس والثمانون كون أحدهما حقيقة شرعية والآخر حقيقة عرفية أو لغوية السابع والثمانون كون أحدهما حقيقة عرفية والآخر حقيقة لغوية الثامن والثمانون كونه يدل على المراد من وجهين التاسع والثمانون كونه يدل على المراد بغير واسطة التسعون كونه يومى إلى علة الحكم الحادى والتسعون كونه ذكر معه معارضة الثانى والتسعون كونه مقرونا بالتهديد الثالث والتسعون كونه أشد تهديدا الرابع والتسعون كون أحد الخبرين يقل فيه اللبس الخامس والتسعون كون اللفظ متفقا على وضعه لمسماه السادس والتسعون كونه منصوصا على حكمه مع تشبيهه لمحل آخر السابع والتسعون كونه مؤكدا بالتكرار الثامن والتسعون كون أحد الخبرين دلالته بمفهوم الموافقة
289 والآخر بمفهوم المخالفة وقيل بالعكس التاسع والتسعون كونه قصد به الحكم المختلف فيه ولم يقصد بالآخر ذلك المائة كون أحد الخبرين مرويا بالإسناد والآخر معزوا إلى كتاب معروف الحادى بعد المائة كون أحدهما معزوا إلى كتاب معروف والآخر مشهور الثانى بعد المائة كون أحدهما اتفق عليه الشيخان الثالث بعد المائة كون العموم فى أحد الخبرين مستفادا من الشرط والجزاء والآخر من النكرة المنفية الرابع بعد المائة كون الخطاب فى أحدهما تكليفيا وفى الآخر وضعيا الخامس بعد المائة كون الحكم فى أحد الخبرين معقول المعنى السادس بعد المائة كون الخطاب فى أحدهما شفاهيا فيقدم على خطاب الغيبة فى حق من ورد الخطاب عليه السابع بعد المائة كون الخطاب على الغيبة فيقدم على الشفاهى فى حق الغائبين الثامن بعد المائة كون أحد الخبرين قدم فيه ذكر العلة وقيل بالعكس التاسع بعد المائة كون العموم فى أحدهما مستفادا من الجمع المعرف فيقدم على المستفاد من ما ومن العاشر بعد المائة كونه مستفادا من الكل فيقدم على المستفاد من الجنس المعرف لاحتمال العهد وثم وجوه أخر للترجيح فى بعضها نظر وفى بعض ما ذكر أيضا نظر وإنما ذكرت هذا أيضا منها لقول المصنف أن وجوه الترجيح خمسون فأكثر والله أعلم
291 النوع التاسع والثلاثون معرفة الصحابة
قوله فالمعروف من طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة قال البخارى فى صحيحه من صحب النبى صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو صحابى من أصحابه انتهى
292 والحد الذى ذكر المصنف أنه المعروف لا يدخل فيه من لم يره صلى الله عليه وسلم لمانع كالعمى كابن أم مكتوم مثلا وهو داخل فى الحد الذى ذكره البخارى وفى دخول الأعمى الذى جئ به إلى النبى صلى الله عليه وسلم مسلما ولم يصحبه ولم يجالسه فى عبارة البخارى نظر فالعبارة السالمة من الاعتراض أن يقال الصحابى من لقى النبى صلى الله عليه وسلم مسلما ثم مات على الإسلام ليخرج بذلك من ارتد ومات كافرا كعبد الله بن خطل وربيعة بن أمية ومقيس بن صبابة ونحوهم ولا شك أن هؤلاء لا يطلق عليهم اسم الصحابة وهم داخلون فى الحد إلا أن نقول بأحد قولى الأشعرى أن إطلاق اسم الكفر والايمان هو باعتبار الخاتمة فإن من مات كافرا لم يزك كافرا ومن مات مسلما لم يزل مسلما فعلى هذا لم يدخل هؤلاء فى الحد أما من ارتد منهم ثم عاد إلى الاسلام فى حياته صلى الله عليه وسلم فالصحبة عائدة إليهم بصحبتهم له ثانيا كعبد الله بن أبى سرح وأما من ارتد منهم فى حياته وبعد موته ثم عاد إلى الإسلام بعد موته صلى الله عليه وسلم كالأشعث بن قيس ففى عود الصحبة له نظر عند من يقول إن الردة محبطة للعمل وإن لم يتصل بها الموت وهو قول أبى حنيفة وفى عبارة الشافعى فى الأم ما يدل عليه نعم الذى حكاه الرافعى عن الشافعى أنها إنما تحبط العمل بشرط اتصالها بالموت ووراء ذلك أمور فى اشتراط أمور أخر من التمييز أو البلوغ فى الرأى واشتراط كون الرؤية بعد النبوة أو أعم من ذلك واشتراط كونه صلى الله عليه وسلم حيا حتى يخرج ما لو رآه بعد موته قبل الدفن واشتراط كون الرؤية له فى عالم الشهادة دون عالم الغيب فأما التمييز فظاهر كلامهم اشتراطه كما هو موجود فى كلام يحيى بن معين وأبى زرعة وأبى حاتم وأبى داود وابن عبد البر وغيرهم وهم جماعة أتى بهم النبى صلى الله عليه وسلم وهم أطفال فحنكهم ومسح وجوههم أو تفل فى أفواههم فلم يكتبوا لهم صحبة كحمد بن حاطب بن الحارث وعبد الرحمن بن عثمان التيمى ومحمود ابن الربيع وعبيد الله بن معمر وعبد الله بن الحارث بن نوفل وعبد الله بن أبى طلحة ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس ويحيى بن خلاد بن رافع الزرقى ومحمد بن طلحة ابن عبيد الله وعبد الله بن ثعلبة بن صعير وعبد الله بن عامر بن كريز وعبد الرحمن ابن عبد القارى ونحوهم
293 فأما محمد بن حاطب فإنه ولد بأرض الحبشة قال يحيى بن معين له رواية ولا تذكر له صحبة وأما عبد الرحمن بن عثمان التميى فقال أبو حاتم الرازى كان صغيرا له رؤية وليست له صحبة وأما محمود بن الربيع فهو الذى عقل منه صلى الله عليه وسلم مجة مجها فى وجهه وهو ابن خمس سنين كما ثبت فى صحيح البخارى وقال أبو حاتم له رؤية وليست له صحبة وأما عبيد الله بن معمر فقال ابن عبد البر ذكر بعضهم أن له صحبة وهو غلط بل له رؤية وهو غلام صغير وأما عبد الله بن الحارث بن نوفل فإنه الملقب بشبة ذكر ابن عبد البر أنه ولد على عهده صلى الله عليه وسلم وأنه أتى به فحنكه ودعا له قال العلائى فى كتاب جامع التحصيل ولا صحبة له بل ولا رؤية قطعا وحديثه مرسل قطعا وأما عبد الله بن أبى طلحة فهو أخو أنس لأمه وأتى به النبى صلى الله عليه وسلم فحنكه كما ثبت فى الصحيح قال العلائى ولا يعرف له رؤية بل هو تابعى وحديثه مرسل وأما محمد بن ثابت ابن قيس بن شماس فأتى به النبى صلى الله عليه وسلم فحنكه وسماه محمدا قال العلائى وليست له صحبة فحديثه مرسل وأما ابن حبان فذكره فى الصحابة وأما يحيى ابن جلاد بن رافع الزرقى فذكر ابن عبد البر أنه اتى به النبى صلى الله عليه وسلم فحنكه وسماه قال العلائى وهو تابعى لا يثبت له رؤية وأما محمد بن طلحة بن عبيد الله فهو الملقب بالسجاد أتى به أبوه إلى النبى صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه وسماه محمدا وكناه أبا القاسم قال العلائى ولم يذكر أحد فيما وقفت عليه له رؤية بل هو تابعى وأما عبد الله بن ثعلبة بن صعير وقيل ابن أبى صعير فروى البخارى فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم مسح وجهه عام الفتح قال أبو حاتم رأى النبى صلى الله عليه وسلم وهو صغير قال العلائى قيل أنه لما توفى النبى صلى الله عليه وسلم كان ابن أربع سنين وأما عبد الله بن عامر بن كريز فإن النبى صلى الله عليه وسلم أتى به وهو صغير فتفل
294 فى فيه من ريقه قال ابن عبد البر وما أظنه سمع منه ولا حفظ عنه بل حديثه مرسل وأما عبد الرحمن بن عبد القارى فقال أبو داود أتى به النبى صلى الله عليه وسلم وهو طفل قال ابن عبد البر ليس له سماع ولا رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم بل هو من التابعين وذكر أبو حاتم أن يوسف بن عبد الله بن سلام له رؤية ولا صحبة له انتهى هذا مع كونه حفظ عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه رآه أخذ كسرة من خبز شعير ووضع عليها تمرة وقال هذه إدام هذه رواه أبو داود والترمذى فى الشمايل وروى أبو داود أيضا من حديث أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر ما على أحدكم إن وجد أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبى مهنته لا جرم أن البخارى عد يوسف فى الصحابة فأنكر ذلك عليه أبو حاتم وقال له رؤية ولا صحبة له وممن أثبت له بعضهم الرؤية دون الصحبة طارق بن شهاب فقال أبو زرعة وأبو داود له رؤية وليست له صحبة انتهى وهذا ليس من باب الرؤية فى الصغر فإن طارق بن شهاب هذا قد أدرك الجاهلية وغزا مع أبى بكر رضى الله عنه وإنما يحمل هذا على أحد وجهين إما أن يكون رآه قبل أن يسلم فلم يره فى حالة إسلامه ثم جاء فقاتل مع أبى بكر وإما أن يكون ذلك محمولا على أنهما لا يكتفيان فى حصول الصحبة بمجرد الرؤية كما سيأتى نقله عن أهل الأصول وعلى هذا يحمل أيضا قول عاصم الأحول أن عبد الله بن سرجس رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن له صحبة قال ابن عبد البر لا يختلفون فى ذكره فى الصحابة ويقولون له صحبة على مذهبهم فى اللقاء والرؤية والسماع وأما عاصم الأحول فأحسبه أراد الصحبة التى يذهب إليها العلماء وأولئك قليل انتهى وأما تمثيل الشيخ تاج الدين التبريزى فى اختصاره لكتاب ابن الصلاح لمن رأى النبى صلى الله عليه وسلم كافرا ثم أسلم بعد وفاته كعبد الله بن سرجس وشريح فليس بصحيح لما ثبت فى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن سرجس قال رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما وذكر الحديث فى رؤيته لخاتم النبوة واستغفار النبى صلى الله عليه وسلم له والصحيح أيضا أن شريحا القاضى لم ير النبى صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ولا بعدها وهو تابعى أدرك الجاهلية وقد عده مسلم فى المخضرمين وذكره المصنف فيهم والله أعلم
295 وأما اشتراط البلوغ فى حالة الرؤية فحكاه الواقدى عن أهل العلم فقال رأيت أهل العلم يقولون كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أدرك الحلم فأسلم وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب النبى صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار انتهى والصحيح أن البلوغ ليس شرطا فى حد الصحابى وإلا لخرج بذلك من أجمع العلماء على عدهم فى الصحابة كعبد الله بن الزبير والحسن والحسين رضى الله عنهم وأما كون المعتبر فى الرؤية وقوعها بعد النبوة فلم أر من تعرض لذلك إلا ابن منده ذكر فى الصحابة زيد بن عمرو بن نفيل وإنما رأى النبى صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ومات قبلها وقد روى النسائى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده وأما كون المعتبر فى الرواية وقوعها وهو حى فالظاهر اشتراطه فإنه قد انقطعت النبوة بوفاته صلى الله عليه وسلم وأما كون رؤيته صلى الله عليه وسلم فى عالم الشهادة فالظاهر اشتراطه أيضا حتى لا يطلق اسم الصحبة على من رآه من الملائكة والنبيين فى السماوات ليلة الإسراء أما الملائكة فلم يذكرهم أحد فى الصحابة وقد استشكل ابن الأثير فى كتاب أسد الغابة ذكر من ذكر منهم بعض الجن الذين آمنوا بالنبى صلى الله عليه وسلم وذكرت أسما هم فإن جبريل وغيره ممن رآه من الملائكة أولى بالذكر من هؤلاء وليس كما زعم لأن الجن من جملة المكلفين الذين شملتهم الرسالة والبعثة فكان ذكر من عرف اسمه ممن رآه حسنا بخلاف الملائكة والله أعلم وأما الأنبياء الذين رآهم فى السماوات ليلة الإسراء الذين ماتوا منهم كإبراهيم ويوسف وموسى وهرون ويحيى لا شك أنهم لا يطلق عليهم اسم الصحبة لكون رؤيتهم له بعد الموت مع كون مقاماتهم أجل وأعظم من رتبة أكبر الصحابة وأما من هو حى إلى الآن لم يمت كعيسى صلى الله عليه وسلم فإنه سينزل إلى الأرض فى آخر الزمان ويراه خلق من المسلمين فهل يوصف من يراه بأنه من التابعين لكونه رأى من له رؤية من النبى صلى الله عليه وسلم أم المراد بالصحابة من لقيه من أمته الذين أرسل إليهم حتى لا يدخل فيهم عيسى والخضر وإلياس على قول من يقول بحياتهما من الأئمة هذا محل نظر ولم أر من تعرض لذلك من أهل الحديث والظاهر أن من رآه منهم فى الأرض وهو حى له حكم الصحبة فإن كان الخضر أو إلياس حيا أو كان قد رأى عيسى فى الأرض فالظاهر إطلاق اسم الصحبة عليهم فأما رؤية عيسى له فى السماء فقد يقال السماء
296 ليست محلا للتكليف ولا لثبوت الأحكام الجارية على المكلفين فلا يثبت بذلك اسم الصحبة لمن رآه فيها وأما رؤيته لعيسى فى الأرض فقد ثبت فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيتنى فى الحجر وقريش تسألنى عن مسراى فتسألنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط فرفعه الله لى أنظر إليه ما يسألوننى عن شئ إلا أنبأتهم به وقد رأيتنى فى جماعة من الأنبياء الحديث وفيه وإذا عيسى بن مريم قائم يصلى الحديث وفيه فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال قائل يا محمد هذا مالك خازن النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأنى بالسلام وظاهر هذا أنه رآه ببيت المقدس وإذا كان كذلك فلا مانع من اطلاق الصحبة عليه لأنه حين ينزل يكون مقتديا بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لا بشريعته المتقدمة وروى أحمد فى مسنده من حديث جابر مرفوعا لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعنى والله أعلم قوله وبلغنا عن أبى المظفر السمعانى المروزى أنه قال أصحاب الحديث يطلقون على كل من روى عنه حديثا أو كلمه ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة وهذا لشرف منزلة النبى صلى الله عليه وسلم اعطوا كل من رآه حكم الصحبة وذكر أن اسم الصحابى من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالت صحبته للنبى صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له على طريق التبع والأخذ عنه قال وهذا طريق الأصوليين انتهى وفيما قاله ابن السمعانى نظر من وجهين أحدهما أن ما حكاه عن أهل اللغة قد نقل القاضى أبو بكر بن الباقلانى إجماع أهل اللغة على خلافه كما نقله عنه الخطيب فى الكفاية أنه قال لا خلاف بين أهل اللغة أن الصحابى مشتق من الصحبة وأنه ليس
297 بمشتق من قدر منها مخصوص بل هو جار على كل من صحب غيره قليلا كان أو كثيرا يقال صحبت فلانا حولا ودهرا وسنة وشهرا ويوما وساعة قال وذلك يوجب فى حكم اللغة إجراءها على من صحب النبى صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار هذا هو الأصل فى اشتقاق الاسم ومع ذلك فقد تقرر للأئمة عرف فى أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته واستمر لقاؤه ولا يجرون ذلك على من لقى المرء ساعة ومشى معه خطا وسمع منه حديثا فوجب لذلك أن لا يجرى هذا الاسم فى عرف الأستعمال الا على من هذه حاله انتهى الوجه الثانى أن ما حكاه عن الأصوليين هو قول بعض أئمتهم والذى حكاه الآمدى عن أكثر اصحابنا أن الصحابى من رآه وقال إنه الأشبه واختاره ابن الحاجب نعم الذى اختاره القاضى أبو بكر ونقله عن الأئمة أنه يعتبر فى ذلك كثرة الصحبة واستمرار اللقاء وتقدم أن ابن عبد البر حكى عن العلماء نحو ذلك وبه جزم ابن الصباغ فى كتاب العدة فى أصول الفقه فقال الصحابى هو الذى لقى النبى صلى الله عليه وسلم وأقام عنده واتبعه فأما من وفد عليه وانصرف عنه من غير مصاحبة ومتابعة فلا ينصرف إليه هذا الاسم قوله وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد الصحابى إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين وكأن المراد بهذا إن صح عنه راجع إلى المحكى عن الأصوليين ولكن فى عبارته ضيق يوجب أن لا يعد من الصحابة جرير بن عبد الله البجلى ومن شاركه فى فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ممن لا يعرف خلافا فى عده من الصحابة انتهى وفيه أمران أحدهما أن المصنف علق القول بصحة ذلك عن سعيد بن المسيب وهو لا يصح عنه فإن فى الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدى وهو ضعيف فى الحديث
298 الأمر الثانى أنه اعترض على المصنف بأن فى الأوسط للطبرانى أن جريرا أسلم فى أول البعثة وكأن المعترض أوقعه فى ذلك ما رواه الطبرانى من رواية قيس بن أبى حازم عن جرير قال لما بعث النبى صلى الله عليه وسلم أتيته لأبايعه فقال لأى شئ جئت يا جرير قلت جئت لأسلم على يديك قال فدعانى إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتى الزكاة المفروضة وتؤمن بالقدر خيره وشره قال فألقى إلى كساء ثم أقبل على أصحابه فقال إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه وهو فى الكبير أيضا والجواب عنه أن هذا الحديث غير صحيح فإنه من رواية الحصين بن عمر الأحمسى وهو منكر الحديث كما قاله البخارى وضعفه أيضا أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم ولو كان صحيحا لما كان فيه تقدم إسلامه لأنه لا تلزم الفورية فى جواب لما والصواب أن جريرا متأخر الإسلام فقد ثبت فى الصحيحين عن إبراهيم النخعى أن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة وللبخارى عن إبراهيم أن جريرا كان من آخر من أسلم وعند أبى داود أيضا من حديث جرير أنه قال ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة وإنما يريد بذلك أنه بعد نزول قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية وإلا فقد نزل بعض المائدة بعد إسلام جرير كما سيأتى ولكن لا يلزم من هذا أنه لم يقم معه سنة فإن نزول الآية كان فى غزوة المريسيع على المشهور وكانت فى سنة ست والمعروف أن إسلامه بدون سنة من وفاة النبى صلى الله عليه وسلم فقد ذكر البخارى فى التاريخ الكبير عن إبراهيم عن جرير وكان أتى النبى صلى الله عليه وسلم فى العام الذى توفى فيه وكذا قال الواقدى كان إسلامه فى السنة التى توفى فيها النبى صلى الله عليه وسلم ومن أطلق ذلك لا يريدون بذلك أنه أسلم فى سنة إحدى عشرة إنما يريدون بذلك سنة ملفقة وصرح بذلك الخطيب فقال أسلم فى السنة التى توفى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى سنة عشر من الهجرة فى شهر رمضان منها وكذا قال ابن حبان فى الصحابة إن إسلامه كان فى سنة عشر من الهجرة فى شهر رمضان وأما ما جزم به ابن عبد البر فى الاستيعاب أن جريرا قال أسلمت قبل وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما فهذا لا يصح عن جرير ويرده ما ثبت فى الصحيحين من حديث جرير أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له فى حجة الوداع استنصت الناس
299 الحديث فكان إسلامه قبل حجة الوداع فى شهر رمضان على المشهور فما استشكله المصنف على قول سعيد بن المسيب فى أمر جرير واضح لو صح عنه ولكنه لم يصح عنه والله أعلم قوله وروينا عن شعبة عن موسى السبلاني وأثنى عليه خيرا إلى آخره وقع فى النسخ الصحيحة التى قرأت على المصنف السيلانى بفتح السين المهملة وفتح الباء الموحدة والمعروف إنما هو بسكون الياء المثناة من تحت هكذا ضبطه السمعانى فى الأنساب قوله ثم إن كون الواحد منهم صحابيا تارة يعرف بالتواتر وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر وتارة بأن يروى عن آحاد الصحابة أنه صحابى وتارة بقوله وإخباره عن نفسه بعد ثبوت عدالته بأنه صحابى انتهى هكذا أطلق المصنف أنه يقبل قول من ثبتت عدالته أنه صحابى وتبع فى ذلك الخطيب فإنه قال فى الكفاية فى آخر كلام رواه عن القاضى أبى بكر الباقلانى ما صورته وقد يحكم بأنه صحابى إذا كان ثقة أمينا مقبول القول إذا قال صحبت النبى صلى الله عليه وسلم وكثر لقائى له فتحكم بأنه صحابى فى الظاهر لموضع عدالته وقبول خبره وإن لم يقطع بذلك كما يعمل بروايته انتهى والظاهر أن هذا الكلام بقية كلام القاضى أبو بكر فإنه يشترط فى الصحابى كثرة الصحبة واستمرار اللقاء كما تقدم نقله عنه وأما الخطيب فلا يشترط ذلك على رأى
300 المحدثين وعلى كل تقدير فلابد من تقييد ما أطلقه بأن يكون ادعاؤه لذلك يقتضيه الظاهر أما لو ادعاه بعد مائة سنة من وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقبل ذلك منه كجماعة ادعوا الصحبة بعد ذلك كأبى الدنيا الأشج ومكلبة بن ملكان ورتن الهندى فقد أجمع أهل الحديث على تكذيبهم وذلك لما ثبت فى الصحيحين من حديث ابن عمر قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء فى آخر حياته فلما سلم قام فقال أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد الحديث وكان إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك قبل موته بشهر كما ثبت فى صحيح مسلم من حديث جابر قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر تسألوننى عن الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة يأتى عليها مائة سنة وفى رواية له ما من نفس منفوسة اليوم يأتى عليها مائة سنة وهى حية يومئذ وهذه الرواية المقيدة باليوم يحمل عليها قوله صلى الله عليه وسلم فى بعض طرق حديث جابر عند مسلم ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة فقد رأيت بعض أهل العلم استدل بهذه الرواية على أن أحدا لا يعيش مائة سنة ونازعته فى ذلك فأصر عليه مع أن فى بقية الحديث عنده فقال سالم يعنى ابن أبى الجعد وهو الراوى له عن جابر يذاكرنا ذلك عنده إنما هى كل نفس مخلوقة يومئذ وعند مسلم أيضا من حديث أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم والصواب أن ذلك محمول على التقييد بالظرف فقد جاوز جماعة من العلماء الماية وحدثوا بعد الماية وهم معروفو المولد كالقاضى أبى الطيب طاهر بن عبد الله الطبرى أحد أئمة الشافعية والحافظ أبى طاهر أحمد بن محمد السلفى وغيرهما وقد ورد فى بعض طرق هذا الحديث أن المراد بالمائة من الهجرة لا من وفاته صلى الله عليه وسلم رواه أبو يعلى الموصلى فى مسنده من رواية قيس بن وهب الهمدانى عن أنس قال حدثنا أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال لا يأتى مائة سنة من الهجرة ومنكم عين تطرف وهذا يرد قول من ادعى أنه تأخر بعد أبى الطفيل أحد من الصحابة كما سيأتى ذلك فى آخر من مات من الصحابة إن شاء الله تعالى
301 فعلى هذا لا يقبل قول أحد أدعى الصحبة بعد مائة سنة من الهجرة وكلام الأصوليين أيضا يقتضى ما ذكرناه فإنهم اشترطوا فى ثبوت ذلك بادعائه أن يكون قد عرفت معاصرته للنبى صلى الله عليه وسلم قال الآمدى فى الأحكام فلو قال من عاصره أنا صحابى مع إسلامه وعدالته فالظاهر صدقه وحكاهما ابن الحاجب احتمالين من غير ترجيح قال ويحمل أن لا يصدق لكونه متهما بدعوى رتبة يثبتها لنفسه والله أعلم قوله الثانية للصحابة بأسرهم خصيصة وهى أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم إلى أن قال وفى نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة منها حديث أبى سعيد المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا أصحابى فوالذى نفسى بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم
302 فى الإجماع إحسانا للظن بهم ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر فكان الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة والله أعلم فيه أمران أحدهما أنه اعترض على المصنف فى استدلاله بحديث أبى سعيد وذلك لأنه قاله النبى صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد لما تقاول هو وعبد الرحمن ابن عوف أى أنه أراد بذلك صحبة خاصة والجواب أنه لا يلزم من كونه ورد على سبب خاص فى شخص معين أنه لا يعم جميع أصحابه ولا شك أن خالدا من أصحابه وإنه منهى عن سبه وإنما درجات الصحبة متفاوتة فالعبرة إذا بعموم اللفظ فى قوله لا تسبوا أصحابى وإذا نهى الصحابى عن سب الصحابى فغير الصحابى أولى بالنهى عن سب الصحابى الأمر الثانى أن ما حكاه المصنف من إجماع الأمة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم كأنه أخذه من كلام ابن عبد البر فإنه حكى فى الاستيعاب إجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أن الصحابة كلهم عدول انتهى وفى حكاية الإجماع نظر ولكنه قول الجمهور كما حكاه ابن الحاجب والآمدى وقال إنه المختار وحكيا معا قولا آخر انهم كغيرهم فى لزوم البحث عن عدالتهم مطلقا وقولا آخر إنهم عدول إلى وقوع الفتن وأما بعد ذلك فلابد من البحث عمن ليس ظاهر العدالة وذهب المعتزلة إلى تفسيق من قاتل على بن أبى طالب منهم وقيل يرد الداخلون فى الفتن كلهم لأن أحد الفريقين فاسق من غير تعيين وقيل نقبل الداخل فى الفتن إذا انفرد لأن الأصل العدالة وشككنا فى فسقه ولا يقبل مع مخالفه لتحقق فسق أحدهما من غير تعيين والله أعلم
303 قوله ويلتحق بابن مسعود فى ذلك سائر العبادلة المسمين بعبد الله من الصحابة وهم نحو مائتين وعشرون نفسا والله أعلم انتهى وما ذكره من كون المسمين بعبد الله من الصحابة نحو مائتين وعشرون ليس بجيد بل هم أكثر من ذلك بكثير وكأن المصنف أخذ ما ذكره من الاستيعاب لابن عبد البر فإنه عد ممن اسمه عبد الله مائتين وثلاثين ومنهم من لم يصحح له صحبة ومنهم من ذكره للمعاصرة من غير رؤية على قاعدته ومنهم من كرره للاختلاف فى اسم أبيه ومنهم
304 من اختلف فى اسمه أيضا هل يسمى بعبد الله أو غيره ومجموعهم أكثر من عشرة فبقى منهم نحو مائتين وعشرين نفسا كما ذكر ولكن قد فات ابن عبد البر منهم جماعة ذكرهم غيره ممن صنف في الصحابة وذكر منهم الحافظ أبو بكر بن فتحون فى ذيله على الاستيعاب مائة وأربعة وستين نفسا زيادة على من ذكرهم ابن عبد البر ومنهم أيضا من عاصر ولم ير أو لم تصح له صحبة أو كرر للاخلاف فى اسم أبيه كما تقدم ولكن يجتمع من المجموع نحو ثلاثمائة رجل والله أعلم قوله وروينا عن مسروق قال وجدت علم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم انتهى إلى ستة عمر وعلى وأبى وزيد وأبى الدرداء وعبد الله بن مسعود ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى اثنين على وعبد الله وروينا نحوه عن مطرف عن الشعبى عن مسروق لكن ذكر أن أبا موسى بدل أبى الدرداء انتهى
305 وقد يستشكل قول مسروق أن علم الستة المذكورين انتهى إلى على وعبد الله من حيث أن عليا وابن مسعود ماتا قبل زيد بن ثابت وأبى موسى الأشعرى بلا خلاف فكيف ينتهى علم من تأخرت وفاته إلى من مات قبله وما وجه ذلك وقد يقال فى الجواب عن ذلك أن المراد بكون علم المذكورين انتهى إلى على وعبد الله أنهما ضما علم المذكورين إلى علمهما فى حياة المذكورين وإن تأخرت وفاة بعض المذكورين عنهما والله أعلم قوله وروينا عن أبى زرعة أيضا أنه قيل له أليس يقال حديث النبى صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف حديث قال ومن قال ذا قلقل الله أنيابه هذا قول الزنادقة ومن يحصى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر الفا من الصحابة ممن رآه وسمع منه انتهى وفى هذا التحديد بهذا العدد المذكور نظر كبير وكيف يمكن الاطلاع على تحرير ذلك مع تفرق الصحابة فى البوادى والقرى والموجود عن أبى زرعة بالأسانيد المتصلة إليه ترك التحديد فى ذلك وانهم يزيدون على مائة ألف كما رواه أبو موسى المدينى فى ذيله على الصحابة لابن منده بإسناده إلى أبى جعفر أحمد بن عيسى الهمدانى قال
306 قال أبو زرعة الرازى توفى النبى صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة وكل قدورى عنه سماعا أو رؤية انتهى وهذا قريب لكونه لا تحديد فيه بهذا القدر الخاص وأما ما ذكره المصنف عن أبى زرعة فلم أقف له على إسناد ولا هو فى كتب التواريخ المشهورة وقد ذكره أبو موسى المدينى فى ذيله على الصحابى بغير إسناد فقال ذكر سليمان بن إبراهيم بخطه قال قيل لأبى زرعة فذكره دون قوله قلقل الله أنيابه وقد جاء عن الشافعى أيضا عدة من توفى عنه النبى صلى الله عليه وسلم من الصحابة ولكنه دون هذا بكثير ورواه أبو بكر الساجى فى مناقب الشافعى عن محمد ابن عبد الله بن عبد الحكم قال أنبأنا الشافعى قال قبض الله رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ستون ألفا ثلاثون بالمدينة وثلاثون الفا فى قبايل العرب وغير ذلك وهذا إسناد جيد ومع ذلك فجميع من صنف الصحابة لم يبلغ مجموع ما فى تصانيفهم عشرة آلاف مع هذا كونهم يذكرون من توفى فى حياته صلى الله عليه وسلم فى المغازى وغيرها ومن عاصره وهو مسلم وإن لم يره وجميع من ذكره ابن منده فى الصحابة كما قال أبو موسى قريب من ثلاثة آلاف وثمانمائة ترجمة مما رآه أو صحبه أو سمع منه أو ولد فى عصره أو أدرك زمانه أو من ذكر فيهم وإن لم يثبت ومن اختلف له فى ذلك ولا شك أنه لا يمكن حصرهم بعد فشو الإسلام وقد ثبت فى صحيح البخارى أن كعب بن مالك قال فى قصة تخلفه عن غزوة تبوك وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يعنى الديوان الحديث هذا فى غزوة خاصة وهم مجتمعون فكيف بجميع من رآه مسلما والله أعلم
307 قوله وفى نص القرآن تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار إلى أن قال وعن محمد بن كعب القرظى وعطاء بن يسار أنهما قالا هم أهل بدر روى ذلك عنهما ابن عبد البر فيما وجدناه عنه انتهى ولم يوصل ابن عبد البر إسناده بذلك إليهما وإنما ذكره عن سنيد وإسناد سنيد فيه ضعيف جدا فإنه رواه عن شيخ له لم يسم عن موسى بن عبيدة الربذى هو ضعيف
308 قوله اختلف السلف فى أولهم إسلاما فقيل أبو بكر الصديق روى عن ابن عباس وحسان بن ثابت إلى آخر كلامه وقد اختلف على ابن عباس فى ذلك على ثلاثة أقوال أحدها أبو بكر والثانى خديجة والثالث على وحكى المصنف الأولين ولم يحك الثالث وسيأتى ذكره بعد هذا والله أعلم قوله قال الحاكم أبو عبد الله لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن على بن أبى طالب أولهم إسلاما واستنكر هذا من الحاكم انتهى قلت إن كان الحاكم أراد بكلامه هذا من الذكور فهو قريب من الصحة إلا أن دعوى إجماع أصحاب التواريخ على ذلك ليس بجيد فإن عمر بن شبة منهم وقد ادعى أن خالد بن سعيد بن العاص أسلم قبل على بن أبى طالب وهذا وإن كان الصحيح خلافه فإنما ذكرته لدعوى الحاكم نفى الخلاف بين المؤرخين وهو إنما ادعى نفى علمه بالخلاف ولا اعتراض عليه فى ذلك ومع دعواه ذلك فقد صحح أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال البالغين فقال بعد ذلك والصحيح عند الجماعة أن أبا بكر الصديق أول من أسلم من الرجال البالغين لحديث عمرو بن عنبسة يريد بذلك ما رواه مسلم فى صحيحه من حديث عمرو بن عنبسة فى قصة إسلامه
309 وقوله للنبى صلى الله عليه وسلم من معك على هذا قال حر وعبد قال ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به وكان ينبغى للحاكم أن يقول من الرجال البالغين الأحرار كما قال المصنف فى آخر كلامه فإن المعروف عند أهل السير أن زيد بن حارثة أسلم قبل أبى بكر والصحيح أن عليا أول ذكر أسلم وحكى ابن عبد البر الاتفاق عليه كما سيأتى وقال ابن إسحاق فى السيرة أول من آمن خديجة ثم على بن أبى طالب وكان أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين ثم زيد بن حارثة فكان أول ذكر أسلم بعد على ثم أبو بكر فأظهر إسلامه إلى آخر كلامه وما ذكرنا أنه الصحيح من أن عليا أول ذكر أسلم هو قول أكثر الصحابة أبى ذر وسلمان الفارسى وخباب بن الأرت وخزيمة بن ثابت وزيد بن أرقم وأبى أيوب الأنصارى والمقداد بن الأسود ويعلى بن مرة وجابر بن عبد الله وأبى سعيد الخدرى وأنس بن مالك وعفيف الكندى وأنشد أبو عبيد الله المرزبانى لخزيمة بن ثابت
ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا عن هاشم ثم منها عن أبى الحسن أليس أول من صلى لقبلتهم وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وأنشد القضاعى لعلى رضى الله عنه
سبقتكم إلى الإسلام طرا صغيرا ما بلغت أوان حلمى
وأنشد ابن عبد البر لبكر بن حمام التاهرتى
قل لابن ملجم والأقدار غالبة هدمت ويلك للاسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشى على قدم وأول الناس إسلاما وإيمانا
وأنشد الفرغانى فى الذيل لعبد الله بن المعتز يذكر عليا وسابقته
وأول من ظل فى موقف يصلى مع الطاهر الطيب
وكان ابن المعتز يرمى بأنه ناصبى والفضل ما شهدت به الأعداء
وذهب غير واحد من الصحابة والتابعين إلى أن أول الصحابة إسلاما أبو بكر وهو قول ابن عباس فيما حكاه المصنف عنه كما تقدم وحسان بن ثابت ورواه الترمذى أيضا عن أبى بكر نفسه من رواية أبى نضرة عن أبى سعيد قال قال أبو بكر ألست أول من أسلم الحديث
310 ورواه أيضا من رواية أبى نضرة قال قال أبو بكر قال وهذا أصح وإلى هذا ذهب إبراهيم النخعى والشعبى واستدل على ذلك بشعر حسان كما رواه الحاكم فى المستدرك من رواية خالد بن سعيد قال سئل الشعبى من أول من أسلم فقال أما سمعت قول حسان
إذا تذكرت شجوا من أخى ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها بعد النبى وأوفاها بما حملا
والثانى التالى المحمود مشهده وأول الناس منهم صدق الرسلا
هكذا رواه الحاكم فى المستدرك أن الشعبى هو المسئول عن ذلك وراه الطبرانى فى المعجم الكبير من هذا الوجه فجعل ابن عباس هو المسئول فقال عن الشعبى قال سألت ابن عباس من أول من أسلم قال أبو بكر أما سمعت قول حسان فذكره إلا أنه قال إلا النبى مكان بعد النبى وقد روى عن ابن عباس من طرق أن أول من أسلم على رواه الترمذى من رواية أبى بلج عن عمر بن ميمون عن ابن عباس قال أول من صلى على وقال هذا حديث غريب وروى الطبرانى بإسناد صحيح من رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال أول من أسلم على ومن رواية عبد الرزاق أيضا عن معمر عن عثمان الجزرى عن مقسم عن ابن عباس مثله وروى مرفوعا من حديثه وحديث أبى ذر وسلمان رواه الطبرانى أيضا من رواية مجاهد عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال السبق ثلاثة السابق إلى موسى يوشع بن نون والسابق إلى عيسى صاحب ياسين والسابق إلى محمد صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب وفى إسناده حسين الأشقر واسم أبيه الحسن كوفى منكر الحديث قاله أبو زرعة وقال البخارى فيه نظر وروى الطبرانى أيضا من رواية أبى سخيلة عن أبى ذر وعن سلمان قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد على فقال إن هذا أول من آمن بى الحديث وفى إسناده إسماعيل بن موسى السدى قال ابن عدى أنكروا منه غلوه فى التشيع وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائى ليس به بأس وروى الطبرانى أيضا من رواية
311 عليم الكندى عن سلمان قال أول هذه الأمة ورودا على نبيها أولها إسلاما على بن أبى طالب رضى الله عنه وروى الطبرانى أيضا من رواية شريك عن أبى إسحاق أن عليا لما تزوج فاطمة الحديث وفيه فقال النبى صلى الله عليه وسلم لقد زوجتكه وإنه لأول أصحابى سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما وهذا منقطع ورواه أحمد فى مسنده من وجه آخر من رواية نافع ابن أبى نافع عن معقل بن يسار فى أثناء حديث قال عبد الله بن أحمد وجدت فى كتاب أبى بخط يده فى هذا الحديث قال أما ترضين أن زوجتك أقدم أمتى سلما فذكره نافع ابن أبى نافع هذا مجهول قاله على بن المدينى وجعله أبو حاتم نفيعا أبا داود أحد الهلكى وأما المزى فجعله آخر ثقة تبعا لصاحب الكمال والأول هو الصواب وروى أحمد فى مسنده من رواية حبة العرنى قال رأيت عليا عليه السلام يضحك على المنبر لم أره ضحك ضحكا أكثر منه الحديث وفيه ثم قال اللهم لا أعترف أن عبدا من هذه الأمة عبدك قبلى غير نبيك ثلاث مرات لقد صليت قبل أن يصلى الناس سبعا وروى أحمد أيضا من هذا الوجه عن على قال أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبة بن جوين العرنى ضعفه الجمهور وهو من غلاة الشيعة ووثقه العجلى وقد ورد عن ابن عباس أن خديجة أسلمت قبل على رواه أحمد والطبرانى من رواية أبى بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس فذكر فضايل لعلى ثم قال وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة وهذا إسناد جيد وأبو بلج وإن قال البخارى فيه نظر فقد وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وابن سعد والدارقطنى وهذا يبين أنه أراد بما تقدم نقله عنه من تقدم إسلام على أنه أراد من الذكور وقد نقل ابن عبد البر الاتفاق عليه وجمع بين القولين الآخرين فى أبى بكر وعلى بما نذكره فقال اتفقوا على أن خديجة أول من آمن ثم على بعدها ثم ذكر أن الصحيح أن أبا بكر أول من أظهر إسلامه ثم روى عن محمد بن كعب القرظى أن عليا أخفى إسلامه من أبى طالب وأظهر أبو بكر إسلامه ولذلك شبه على الناس وهذا وإن كان مرسلا ففى مسند أحمد من رواية حبة العرنى عن على فى الحديث المتقدم فى ضحكه على المنبر أنه يذكر أبا طالب حين اطلع عليه يصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم بنخلة الحديث وروى الطبرانى فى الكبير من رواية محمد بن
312 عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه عن جده قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم غداة الإثنين وصلت خديجة يوم الإثنين من آخر النهار وصلى على يوم الثلاثاء فمكث على يصلى مستخفيا سبع سنين وأشهرا قبل أن يصلى أحد والتقييد بسبع سنين فيه نظر ولا يصح ذلك وفى إسناده يحيى بن الحميد الحمانى وفى كلام ابن اسحق المتقدم نقله عنه ما يشير إلى هذا الجمع فإنه قال ثم أبو بكر فأظهر إسلامه ففيه ما يشير إلى أن من أسلم قبله لم يظهر إسلامه وينبغى أن يقال إن أول من آمن من الرجال ورقة بن نوفل لما ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة فى قصة بدء الوحى ونزول اقرأ باسم ربك ورجوعه ودخوله على خديجة وفيه فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل فقالت له اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخى ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذى نزل الله على موسى يا ليتنى فيها جذعا الحديث إلى أن قال وإن يدركنى يومك انصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحى ففى هذا أن الوحى تتابع فى حياة ورقة وأنه آمن به وصدقه وقد روى أبو يعلى الموصلى وأبو بكر البزار فى مسنديهما من رواية مجالد عن الشعبى عن جابر بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل فقال ابصرته فى بطنان الجنة عليه سندس لفظ أبى يعلى وقال البزار عليه حلة من سندس وروى البزار أيضا من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا ورقة فإنى رأيت له جنة أو جنتين وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات وقد ذكر ورقة فى الصحابة أبو عبد الله بن منده وقال اختلف فى إسلامه انتهى وما تقدم من الأحاديث يدل على إسلامه والله أعلم قوله آخرهم على الإطلاق موتا أبو الطفيل عامر بن واثلة مات سنة مائة انتهى وقد اعترض عليه بأن عكراش بن ذؤيب عاش بعد الجمل مائة سنة فيما حكاه ابن دريد فى الاشتقاق قلت هذا خطأ صريح ممن زعم ذلك وابن دريد لا يرجع اليه فى ذلك وابن دريد أخذه من ابن قتيبة فانه حكى فى المعارف هذه الحكاية التى حكاها ابن دريد
313 وابن قتيبة أيضا كثير الغلط ومع ذلك فالحكاية بغير إسناد وهى محتملة لأنه إنما أراد أنه أكمل بعد ذلك مائة سنة وهو الظاهر فان حاصل الحكاية المذكورة أنه حضر مع على وقعة الجمل وأنه مسح رأسه فعاش بعد ذلك مائة سنة لم يشب فالظاهر أنه أراد أكمل مائة سنة والصواب ما ذكره المصنف أن آخرهم موتا على الإطلاق أبو الطفيل ولم يختلف فى ذلك أحد من أهل الحديث إلا قول جرير بن حازم أن آخر الصحابة موتا سهل بن سعد والظاهر أنه أراد بالمدينة وأخذه من قول سهل حيث سمعه يقول لو مت لم تسمعوا أحدا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما كان خطابه هذا لأهل المدينة أو أنه لم يطلق اسم الصحبة على أبى الطفيل فقد عده بعضهم فى التابعين وما ذكرناه من أن أبا الطفيل آخرهم موتا جزم به مسلم بن الحجاج ومصعب بن عبد الله وأبو زكريا بن منده وغيرهم وروينا فى صحيح مسلم بإسناده إلى أبى الطفيل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض رجل رآه غيرى وأما كون وفاته سنة مائة فروينا فى صحيح مسلم من رواية إبراهيم بن محمد بن سفيان قال قال مسلم مات أبو الطفيل سنة مائة وكان آخر من مات من أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا قال شباب العصفرى فيما رواه الحاكم فى المستدرك أنه مات سنة مائة وكذا جزم به ابن عبد البر وفى وفاته أقوال آخر أحدها أنه بقى إلى سنة عشر ومائة وهو الذى صححه الذهبى فى الوفيات وروى وهب بن جرير ابن حازم عن أبيه قال كنت بمكة سنة عشر ومائة فرأيت جنازة فسألت عنها فقالوا هذا أبو الطفيل والقول الثانى أنه توفى سنة سبع ومائة وجزم به أبو حاتم ابن حبان وابن قانع وأبو زكريا بن منده والقول الثالث أنه توفى سنة اثنين ومائة قال مصعب بن عبد الله الزبيرى وكيف يظن عاقل أنه يتأخر رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى بلد من البلاد أو حى من أحياء العرب بعد الصحابة أجمعهم بثلاثين سنة فأكثر لا يقصده أحد من التابعين والرواة والعلماء ولا يطلع عليه أحد من المحدثين وقد ادعى جماعة بعد ذلك أن لهم صحبة وهم فى ذلك كاذبون فقصدوا لذلك وأخذ عنهم أفيكون عكراش بن ذؤيب الذى
314 حديثه فى السنن واجتماعه به صلى الله عليه وسلم وأكله معه مشهور ثم لا يطلع عليه أحد ولا ينقل فى خبر صحيح ولا ضعيف أنه لقيه أحد أو أخذ عنه أو عرفت وفاته هذا مالا يحتمل وقوعه بوجه من الوجوه والله أعلم قوله فآخر من مات منهم بالمدينة جابر بن عبد الله رواه أحمد بن حنبل عن قتادة وقيل سهل بن سعد وقيل السائب بن يزيد انتهى وفيه أمران أحدهما أن كلام المصنف يقتضى ترجيح القول الأول لأنه صدر كلامه به من غير أن يقدم اسم قائله وهو قول ضعيف لأن السائب بن يزيد تأخر بعده وقد مات بالمدينة بلا خلاف والذى عليه الجمهور أن آخرهم موتا بها سهل بن سعد قاله على بن المدينى وإبراهيم بن المنذر الحرامى والواقدى ومحمد بن سعد وأبو حاتم بن حبان وابن قانع وأبو زكريا بن منده ونقل ابن سعد الاتفاق على ذلك فقال ليس بيننا اختلاف فى ذلك وفى حكاية الإتفاق نظر لأنه اختلف فى وفاته هل كانت بالمدينة أم لا فقال قتادة أنه توفى بمصر ولذلك جعل قتادة آخرهم وفاة بالمدينة جابرا وقال أبو بكر بن أبى داود أنه توفى بالأسكندرية ولذلك جعل آخرهم وفاة بالمدينة السائب بن يزيد والجمهور على أنه مات بالمدينة الأمر الثانى قد تأخر بعد الثلاثة المذكورين بالمدينة ومحمود بن الربيع محمود بن لبيد فأما محمود بن الربيع فهو الذى عقل من النبى صلى الله عليه وسلم مجة مجها فى وجهه كما رواه البخارى فى صحيحه واستدل بذلك على صحة سماع الصغير وتوفى محمود بن الربيع سنة تسع وتسعين بتقديم التاء على السين فيهما وأما محمود بن لبيد الأشهلى فقد ذكر البخارى وابن حبان أن له صحبة وتوفى محمود بن لبيد سنة ست أو خمس وتسعين فقد تأخر كل منهما عن الثلاثة المذكورين قطعا فإن سهل بن سعد والسائب بن يزيد أكثر ما قيل ما تأخر وفاتهما إلى سنة إحدى وتسعين وهو قول ابن حبان فيهما وقيل سنة ثمان وثمانين وقيل قبل ذلك إلا أن مسلم بن الحجاج وجماعة عدوا محمود بن لبيد فى التابعين فعلى هذا يكون آخر الصحابة موتا بالمدينة محمود بن الربيع والله أعلم
315 قوله وآخر من مات منهم بالبصرة أنس بن مالك قال أبو عمر بن عبد البر ما أعلم أحدا مات بعده ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا الطفيل انتهى أقر المصنف كلام ابن عبد البر على هذا وفيه نظر فإن محمود بن الربيع تأخر بعد أنس بلا خلاف فإنه توفى سنة تسع وتسعين كما تقدم وقد ثبت فى صحيح البخارى أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقل عنه كما تقدم وأيضا فقد ذكر أبو زكريا بن منده فى جزء له جمعه فى آخر من مات من الصحابة عن عكرمة بن عمار قال لقيت الهرماس ابن زياد سنة اثنين ومائة وقد ذكر المصنف بعد هذا عن بعضهم أنه آخر من مات من الصحابة باليمامة فإن ثبت قول عكرمة بن عمار فقد تأخر أيضا بعد أنس وأيضا فقد ذكر أبو عبد الله بن منده وأبو زكريا بن منده أن عبد الله بن بسر المازنى توفى سنة ست وتسعين وهكذا قال عبد الصمد بن سعيد فعلى هذا يكون تأخر بعد أنس أيضا لكن المشهور فى وفاة عبد الله بن بسر أنها فى سنة ثمانى وثمانين وأيضا فقد روى الخطيب فى كتاب المتفق والمفترق عن محمد بن الحسن الزعفرانى أن عمرو بن حريث توفى سنة ثمان وتسعين فإن كان كذلك فقد بقى بعد أنس أيضا وقيل أن عمرو بن حريث توفى سنة خمس وثمانين فعلى هذا يكون وفاته قبل أنس والله أعلم قوله وتبسط بعضهم فقال آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدى إلى آخر كلامه هذا الذى أبهم المصنف
316 ذكره هو أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده فإنه قال ذلك فى جزء جمعه فى آخر من مات من الصحابة وبقى على المصنف مما ذكره ابن منده آخران من الصحابة بريدة ابن الحصيب والعداء بن خالد بن هودة فقال أبو زكريا بن منده أن بريدة آخر من مات بخراسان من الصحابة وأن العداء بن هودة آخر من مات بالرخج منهم والرخج بضم الراء وسكون الخاء المعجمة بعدها جيم من أعمال سجستان فكان ينبغى للمصنف أن يذكر بقية كلامه ولكن ما ذكره فى بريدة فيه نظر فإن بريدة توفى بخراسان سنة ثلاث وستين كما قال محمد بن سعد وكذا قال أبو عبيد أنه مات سنة ثلاث وستين وعلى هذا فقد تأخر بعده بخراسان أبو برزة الأسلمى قال خليفة بن خياط وافى أبو برزى خراسان ومات بها بعد سنة أربع وستين وقال الواقدى ومحمد بن سعد غزا خراسان ومات بها وكذا قال الخطيب وقيل مات بنيسابور وقيل مات فى مفازة بين سجستان وهراة وقيل مات بالبصرة حكى هذه الأقوال الحاكم فى تاريخ نيسابور ومما لم يذكره ابن منده ولا ابن الصلاح أن النابغة الجعدى آخر من مات من الصحابة بأصبهان وقد ذكره أبو الشيخ ابن حيان طبقات الأصبهانيين وأبو نعيم فى تاريخ أصبهان فيمن توفى بأصبهان وأنه عاش مائة وعشرين سنة وذكر عمر بن شبة عن أشياخه أنه عاش مائة وثمانين سنة وأنشد قوله لعمر ثلاثة أهلين افنيتهم فقال له عمر كم لبثت مع كل أهل قال ستين سنة وقال ابن قتيبة عمر مائتين وعشرين سنة ومات بأصبهان قال ابن عبد البر وهذا
317 أيضا لا يدفع لأنه قال فى الشعر الذى أنشده عمر أنه أفنى ثلاثة قرون كل قرن ستين سنة فهذه مائة وثمانون سنة ثم عمر إلى زمن ابن الزبير وإلى أن هاجا أوس بن معن ثم ليلى الأخيلية واسم النابغة قيس بن عبد الله بن عدس هذا هو المشهور وبه جزم أبو نعيم فى تاريخ أصبهان والسمعانى فى الأنساب وقيل اسمه حيان بن قيس بن عبد الله حكاه ابن عبد البر وآخر من مات بالطائف من الصحابة عبد الله بن عباس وآخر من مات بسمرقند منهم قثم ابن العباس
النوع الموفى أربعين معرفة التابعين
قوله قال الخطيب الحافظ التابعى من صحب الصحابى قلت ومطلقه مخصوص بالتابعى بإحسان ويقال للواحد منهم تابع وتابعى وكلام الحاكم أبى عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفى فيه أن يسمع من الصحابى أو يلقاه وإن لم توجد الصحبة العرفية والإكتفاء فى هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه فى الصحابى نظرا إلى مقتضى اللفظين فيهما انتهى وفيه أمور أحدها أن تقديم المصنف كلام الخطيب فى حد التابعى على كلام الحاكم وغيره وتصديره به كلامه ربما يوهم ترجيحه على القول الذى بعده وليس كذلك بل الراجح الذى عليه العمل قول الحاكم وغيره فلا في الإكتفاء بمجرد الرؤية دون اشتراط الصحبة وعليه يدل عمل أئمة الحديث مسلم بن الحجاج وأبى حاتم بن حبان وأبى عبد الله الحاكم وعبد الغنى بن سعيد وغيرهم وقد ذكر مسلم بن الحجاج فى كتاب
318 كتاب الطبقات سليمان بن مهران الأعمش فى طبقة التابعين وكذلك ذكره ابن حبان فيهم وقال إنما أخرجناه فى هذه الطبقة لأن له لقيا وحفظا رأى أنس بن مالك وإن لم يصح له سماع المسند عن أنس وقال على بن المدينى لم يسمع الأعمش من أنس إنما رآه رؤية بمكة يصلى خلف المقام فأما طرق الأعمش عن أنس فإنما يرويها عن يزيد الرقاشى عن أنس وقال يحيى بن معين كل ما روى الأعمش عن أنس فهو مرسل وقد أنكر على أحمد بن عبد الجبار العطاردى حديثه عن فضيل عن الأعمش قال رأيت أنسا بال فغسل ذكره غسلا شديدا ثم توضأ ومسح على خفيه فصلى بنا وحدثنا فى بيته وقال الترمذى لم يسمع من أحد من الصحابة وأما رواية الأعمش عن عبد الله بن أبى أوفى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال الخوارج كلاب النار فهو مرسل فقد قال أبو حاتم الرازى أنه لم يسمع من ابن أبى أوفى وهذا الحديث وإن رواه إسحق الأزرق عنه هكذا كما رواه ابن ماجه فى سننه فقد رواه عبيد الله بن نمير عن الأعمش عن الحسين بن واقد عن أبى غالب عن أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم وليس للأعمش رواية عن أحد من الصحابة فى شئ من الكتب الستة الا هذا الحديث الواحد عند ابن ماجه وكذلك عد عبد الغنى بن سعيد الأزدى الأعمش فى التابعين فى جزء له جمع فيه من روى من التابعين عن عمرو بن شعيب وكذلك عد فيهم أيضا يحيى بن أبى كثير لكونه لقى أنسا وقد قال أبو حاتم الرازى أنه لم يدرك أحدا من الصحابة إلا أنس بن مالك فانه رآه رؤية ولم يسمع منه كذا قال البخارى وأبو زرعة قال أبو زرعة وحديثه عن أنس مرسل قلت فى صحيح مسلم روايته عن أبى أمامة عن عمرو بن عنبسة لحديث إسلامه ولكن
319 مسلما قرن رواية يحيى بن أبى كثير مع رواية شداد أبى عمار وكان اعتماد مسلم على رواية شداد فقط فانه قال فيه قال عكرمة ولقى شداد أبا أمامة فذكره وسكت عن رواية يحيى بن أبى كثير عن أبى أمامة وهى بصيغة العنعنة والله أعلم وذكر عبد الغنى بن سعيد أيضا جرير بن حازم فى التابعين لكونه رأى أنسا وقد روى عن جرير أنه قال مات أنس ولى خمس سنين وذكر عبد الغنى بن سعيد أيضا موسى بن أبى عائشة فى التابعين لكونه لقى عمرو بن حريث وقال الحاكم أبو عبد الله فى علوم الحديث فى النوع الرابع عشر هم طبقات خمس عشرة طبقة آخرهم من لقى أنس بن مالك من أهل البصرة ومن لقى عبد الله من أبى أوفى من أهل الكوفى ومن لقى السائب بن يزيد من أهل المدينة إلى آخر كلامه ففى كلام هؤلاء الأئمة الاكتفاء فى التابعى بمجرد رؤية الصحابى ولقيه له دون اشتراط الصحبة الا ان ابن حبان اشترط فى ذلك أن تكون رؤيته له فى سن من يحفظ عنه فان كان صغيرا لم يحفظ عنه فلا عبرة برؤيته كخلف بن خليفة فانه عده فى اتباع التابعين وإن كان رأى عمرو بن حريث لكونه كان صغيرا وقال روى الترمذى فى الشمائل عن على بن حجر عن خلف بن خليفة قال رأيت عمرو بن حريث صاحب النبى صلى الله عليه وسلم وأنا غلام صغير وهذا إسناد صحيح وما اختاره ابن حبان له وجه يقدم مثله فى الرؤية المقتضية للصحبة هل يشترط فيها التمييز أم لا الأمر الثانى أن الخطيب وان كان قال فى كتاب الكفاية ما حكاه عنه المصنف من أن التابعى من صحب الصحابى فانه عد منصور بن المعتمر من التابعين فى جزء له جمع فيه رواية الستة من التابعين بعضهم عن بعض وذلك فى الحديث الذى رواه الترمذى والنسائى من رواية منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن ربيع بن خيثم عن عمرو ابن ميمون عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبى أيوب مرفوعا قل هو الله أحد ثلث القرآن قال الخطيب منصور بن المعتمر له ابن أبى أوفى قلت وانما له رؤية له فقط دون الصحبة والسماع
320 وقد ذكره مسلم وابن حبان وغيرهما فى طبقة اتباع التابعين ولم أر من عده فى طبقة التابعين وقال النووى فى شرح مسلم ليس بتابعى ولكنه من اتباع التابعين فقد عده الخطيب فى التابعين وان لم يعرف له صحبة لابن أبى أوفى فيحمل قوله فى الكفاية من صحب الصحابى على أن المراد اللقى جمعا بين كلاميه والله أعلم الأمر الثالث أن تعقب المصنف لكلام الخطيب بقوله قلت ومطلقه مخصوص بالتابعى باحسان فيه نظر من حيث أنه إن أراد بالإحسان أن لا يرتكب أمرا يخرجه عن الإسلام فهو كذلك وأهل الحديث وإن اطلقوا أن التابعى من لقى أحدا من الصحابة فمرادهم مع الإسلام الا أن الإحسان أمر زائد على الإيمان والإسلام كما فسره به النبى صلى الله عليه وسلم فى سؤال جبريل له فى الحديث المتفق عليه وان أراد المصنف بالإحسان الكمال فى الإسلام أو العدالة فلم أر من اشتراط ذلك فى حد التابعى بل من صنف فى الطبقات دخل فيهم التقات وغيرهم والله أعلم قوله عند ذكر سعيد بن المسيب وقد قال بعضهم لا تصح له رواية عن أحد من العشرة إلا سعد بن أبى وقاص انتهى قلت هكذا أبهم المصنف قائل ذلك والظاهر أنه أخذ ذلك من قول قتادة الذى رواه مسلم فى مقدمة صحيحه من رواية همام قال دخل أبو داود الأعمى على قتادة فلما قام قالوا إن هذا يزعم أنه لقى ثمانية عشر بدريا
321 فقال قتادة هذا كان سائلا قبل الجارف لا يعرض فى شئ من هذا ولا يتكلم فيه فوالله ما حدثنا الحسن عن بدرى مشافهة ولا حدثنا سعيد بن المسيب عن بدرى مشافهة إلا عن سعد بن مالك انتهى وقد اختلف الأئمة فى سماعه من عمر فأنكر صحة سماعه منه الجمهور كيحيى بن سعيد الأنصارى ويحيى بن معين وأبى حاتم الرازى واثبت سماعه منه أحمد بن حنبل فقال قد رآه وسمع منه وقال يحيى بن معين رأى عمر وكان صغيرا وقال أبو حاتم الرازى رآه على المنبر ينعى النعمان بن مقرن وأما سماعه من عثمان وعلى فإنه ممكن غير ممتنع ولكن لم أر فى الصحيح التصريح بسماعه من واحد منهما وذكر الحافظ أبو الحجاج المزى فى تهذيب الكمال أن روايته عنهما لفى الصحيحين ولم أر له عنهما فى الصحيحين إلا قوله إن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك أى الاستلقاء فى المسجد وحديثه قال اختلف على وعثمان رضى الله عنهما وهما بعسفان فى المتعة فقال على ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله النبى صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث لم يعزه الحافظ أبو الحجاج المزى فى الأطراف إلى واحد من الشيخين بل عزاه النسائى فقط وهو متفق عليه كما ذكرته ولم أر لسعيد فى الصحيح عن عمر وعثمان وعلى غير هذا من غير تصريح بالسماع نعم روينا فى مسند أحمد من رواية موسى بن وردان قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت عثمان رضى الله عنه يقول وهو يخطب على المنبر كنت أبتاع التمر من بطن من اليهود يقال لهم بنو قينقاع فابتعته بربح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عثمان إذا اشتريت فاكتل إذا بعت فكل ورواه البزار فى مسنده أيضا من هذا الوجه وفيه قال سمعت عثمان يقول على المنبر كنت ابتاع التمر فأكتال فى أوعيتى ثم أهبط به إلى السوق فأقول فيه كذا وكذا فآخذ ربحى وأخلى بينهم وبينه فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال إذا ابتعت فأكتل وإذا بعت فكل وموسى بن وردان وإن كان وثقه العجلى وأبو داود فإن الحديث من رواية ابن لهيعة عنه قال البزار لانعلمه يروى عن عثمان إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد انتهى والحديث رواه ابن ماجه فى سننه إلا أنه قال فيه عن عثمان لم يصرح بسماع سعيد منه والله أعلم
322 وله حديث آخر فى المسند صرح بالسماع فيه من عثمان قال فيه ورأيت عثمان قاعدا فى المقاعد فدعا بطعام مما مسته النار فأكله ثم قام إلى الصلاة فصلى ثم قال عثمان قعدت مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلت طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصليت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده جيد قال فيه أحمد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنى شعيب أبو شيبة سمعت عطاء الخراسانى يقول سمعت سعيد بن المسيب يقول رأيت عثمان وهؤلاء كلهم محتج بهم فى الصحيح إلا أبا شيبة وهو شعيب بن زريق المقدسى وقد وثقه دحيم وابن حبان والدارقطنى وثبت سماعه من عثمان والله أعلم قوله الثانية المخضرمون من التابعين وهم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا ولا صحبة لهم واحدهم مخضرم بفتح الراء كأنه خضرم أى قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها انتهى هكذا اقتصر المصنف على أن المخضرم مأخوذ من الخضرمة وهى القطع وأنه بفتح الراء والذى رجحه العسكرى فى اشتقاقه غير ما ذكره المصنف فقال فى كتاب الأوائل المخضرمة من الإبل التى نتجت من العراب واليمانية فقيل رجل مخضرم إذا عاش فى الجاهلية والإسلام قال وهذا أعجب القولين إلى انتهى قلت فكأنه مأخوذ من الشئ المتردد بين أمرين هل هو من هذا أو من هذا قال الجوهرى لحم مخضرم بفتح الراء لا يدرى من ذكر هو أم أنثى قال والمخضرم أيضا الشاعر الذى أدرك الجاهلية والإسلام مثل لبيد ورجل مخضرم النسب أى دعى وقال صاحب المحكم رجل مخضرم إذا كان نصف عمره فى الجاهلية ونصفه فى الإسلام ورجل مخضرم أبوه أبيض وهو أسود ورجل مخضرم ناقص الحسب وقيل هو الذى
323 ليس بكريم النسب وقيل هو الدعى وقيل المخضرم فى نسبه المختلط من أطرافه وقيل هو الذى لا يعرف أبواه وقيل هو الذى ولدته السرارى ثم قال ولحم مخضرم لا يدرى أمن ذكر هو أم أنثى وطعام مخضرم حكاه ابن الأعرابى ولم يفسره قال وعندى أنه الذى ليس بحلو ولا مر وماء مخضرم غير عذب عنه أيضا انتهى فالمخضرم على هذا متردد بين الصحابة لإدراكه زمن الجاهلية والاسلام وبين التابعين لعدم رؤية النبى صلى الله عليه وسلم فهو متردد بين أمرين ويحتمل أنه من النقص لكونه ناقص الرتبة عن الصحابة لعدم الرؤية مع إمكانها قال صاحب النهاية واصل الخضرمة أن تجعل الشئ بين بين فإذا قطع بعض الأذن فهى بين الوافرة والناقصة قال وكان أهل الجاهلية يخضرمون نعمهم فلما جاء الإسلام أمرهم النبى صلى الله عليه وسلم أن يخضرموا من غير الموضع الذى يخضرم منه أهل الجاهلية قال ومنه قيل لكل من أدرك الجاهلية والإسلام مخضرم لأنه أدرك الخضرمتين وروى أبو داود من حديث زبيب العنبرى أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم قد كنا أسلمنا وخضرمنا آذان النعم الحديث وقد ضبط بعضهم المخضرمين بكسر الراء على الفاعلية فكأنهم كانوا إذا أسلموا خضرموا آذان نعمهم ليعرف بذلك إسلامهم فلا يتعرض لهم فعلى هذا هل يشترط فى حد المخضرم من حيث الإصطلاح أن يكون إسلامه فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم حتى لا يدخل فيهم من أدرك الجاهلية والإسلام ثم أسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أولا يشترط وقوع إسلامه فى حياته بل ولو أسلم بعده سمى مخضرما أطلق المصنف الإسلام ولم يقيده بحياته صلى الله عليه وسلم ويدل على ذلك أن مسلما رحمه الله تعالى عد فى المخضرمين جبير بن نفير وإنما أسلم فى خلافة أبى بكر قاله أبو حسان الزنادى ثم ما المراد بإدراك الجاهلية تقدم فى كلام صاحب المحكم أن نصف عمره فى الجاهلية ونصفه فى الإسلام وهذا ليس بشرط فى المخضرم فى اصطلاح أهل الحديث ولم يشترط أهل اللغة أيضا كونهم ليست لهم صحبة فالصحابة الذين عاشوا ستين فى الجاهلية وستين فى الإسلام كحكيم بن حزام وحسان بن ثابت ومن تقدم ذكرهم معهم فى النوع الذى قبله مخضرمون من حيث إصطلاح أهل الحديث ثم ما المرد بإدراك الجاهلية
324 ذكر النووى فى شرح مسلم عند قول مسلم وهذا أبو عثمان النهدى وأبو رافع الصايغ وهما ممن أدركا الجاهلية أن معناه كانا رجلين قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والجاهلية ما قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم سموا بذلك لكثرة جهالاتهم انتهى وفيما قاله نظر والظاهر أن المراد بإدراك الجاهلية إدراك قومه أو غيره على الكفر قبل فتح فإن العرب بادروا إلى الإسلام بعد فتح مكة وزال أمر الجاهلية وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الفتح بإبطال أمور الجاهلية إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة الكعبة وقد ذكر مسلم فى المخضرمين يسير بن عمرو وإنما ولد بعد زمن الهجرة وكان له عند موت النبى صلى الله عليه وسلم دون العشر سنين فأدرك بعض زمن الجاهلية فى قومه والله أعلم قوله وذكرهم مسلم فبلغ بهم عشرين نفسا منهم أبو عمرو الشيبانى وسويد بن غفلة الكندى وعمرو بن ميمون الأودى وعبد خير بن يزيد الخيوانى وأبو عثمان النهدى وعبد الرحمن بن مل وأبو الحلال العتكى ربيعة بن زرارة وممن لم يذكره مسلم منهم أبو مسلم الخولانى عبد الله بن ثوب والأحنف بن قيس انتهى اقتصر المصنف على ذكر ستة ممن ذكرهم مسلم وزاد من عنده اثنين آخرين يشير بذلك إلى أن مسلما أهمل بعضهم فنذكر أولا بقية العشرين الذين ذكرهم مسلم ثم نذكر زيادة عليه وعلى المصنف فأما بقية الذين ذكرهم مسلم فهم شريح بن هانئ الحارثى والأسود بن يزيد النخعى والأسود بن هلال المحاربى والمعرور بن سويد ومسعود ابن حراش أخو ربعى بن حراش ومالك بن عمير وشبيل بن عوف الأحمسى وأبو رجاء العطاردى واسمه عمران بن ملحان وغنيم بن قيس ويكنى أبا العنبر وأبو رافع الصائغ واسمه نفيع وخالد بن عبير العدوى وثمامة بن حزن القشيرى وجبير بن نفير الحصرمى ويسير ويقال أسير بن عمرو وأهل البصرة يقولون ابن جابر
325 هؤلاء الذين ذكرهم مسلم رحمه الله وممن لم يذكره مسلم ولا المصنف أسلم مولى عمر وأويس بن عامر القرنى والوسط البجلى وجبير بن الحويرث وحابس اليمانى وحجر ابن عنبس وشريح بن الحارث القاضى وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله بن عكيم وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحى وعبد الرحمن بن غنم وعبد الرحمن بن يربوع وعبيدة بن عمرو السلمانى وعلقمة بن قيس وقيس بن أبى حازم وكعب الأحبار ومرة بن شراحيل الطبيب ومسروق بن الأجدع وأبو عنبة الخولانى وأبو فالج الأنمارى ولا يعرف اسم واحد منهما قال أبو أحمد الحاكم وقيل اسم أبى عنبة عبد الله وقيل اسمه عمارة وأبو عنبة وأبو فالج كلاهما أكل الدم فى الجاهلية وكلاهما مختلف فى صحبته وكذلك اختلف فى صحبة بعض من تقدمهما والصحيح أنه لا صحبة لمن ذكرناه وفى سنن ابن ماجه التصريح بسماع أبى عنبة من النبى صلى الله عليه وسلم وأنه ممن صلى معه القبلتين لكن بإسناد فيه جهالة فهؤلاء عشرون نفرا من المخضرومين لم يذكرهم مسلم ولا المصنف والله أعلم
326 قوله وأعجبنى ما وجدته عن الشيخ أبى عبد الله بن خفيف الزاهد الشيرازى فى كتاب له قال اختلف الناس فى أفضل التابعين فأهل المدينة يقولون سعيد بن المسيب وأهل الكوفة يقولون أويس القرنى وأهلى البصرة يقولون الحسن البصرى انتهى والصواب ما ذهب إليه أهل الكوفة لما روى مسلم فى صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن خير التابعين رجل يقال له أويس الحديث وقد يحتمل ما ذهب إليه أهل المدينة وأحمد أيضا من تفضيل سعيد بن المسيب على سائر التابعين أنهم أرادوا فضيلة العلم لا الخيرية الواردة فى الحديث والله أعلم
327 قوله الخامسة روينا عن الحاكم أبى عبد الله قال طبقة تعد فى التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة منهم إبراهيم بن سويد النخعي وليس بإبراهيم بن زيد النخعى الفقيه وبكير بن أبى السميط وبكير بن عبد الله بن الأشج وذكر غيرهم قال وطبقة عدادهم عند الناس فى اتباع التابعين التابعين وقد لقوا الصحابة منهم أبو الزناد عبد الله ابن ذكوان لقى عبد الله بن عمر وانسا إلى آخر كلامه ثم قال وفى بعض ما قاله مقال انتهى لم يبين المصنف الموضع الذى على الحاكم فيه مقال وذلك فى موضعين أحدهما أن بكير بن عبد الله بن الأشج قد عده فى التابعين عبد الغنى بن سعيد كما سيأتى فى النوع الآتى بعد هذا وقد روى عن جماعة من الصحابة منهم ربيعة بن عباد والسائب بن يزيد ورايته عن ربيعة بن عباد فى المعجم الكبير للطبرانى بإسناد جيد إليه أنه حدث عن ربيعة بن عباد قال رأيت أبا لهب بعكاظ وهو يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث لكن لم أر فى شئ من حديثه التصريح بسماعه من أحد من الصحابة إلا أن النسائى روى فى سننه بإسناد على شرط مسلم أن بكير بن عبد الله قال سمعت
328 محمود بن لبيد يقول أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات الحديث ومحمود بن لبيد عده غير واحد فى الصحابة منهم أحمد فى مسنده وقال البخارى إن له صحبة وكذا قال ابن حبان فى الصحابة وله فى مسند أحمد بإسناد صحيح قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا المغرب فى مسجدنا الحديث وفى المسند أيضا بإسناد صحيح أنه عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقل مجة مجها النبى صلى الله عليه وسلم من دلو كان فى دارهم والمعروف أن هذه القصة لمحمود بن الربيع كما هو فى صحيح البخارى وقد عد مسلم محمود بن لبيد فى الطبقات من التابعين وقال أبو حاتم الرازى لا يعرف له صحبة وقال المزى فى الأطراف أنه لا يصح له صحبة ولا رؤية وهو معارض بما ذكرناه من المسند والله أعلم والموضع الثانى أن أبا الزناد لم يدرك ابن عمر كما قاله أبو حاتم الرازى والحاكم تبع فيما ذكره خليفة بن خياط فإنه قال طبقة عدادهم عند الناس فى اتباع التابعين وقد لقوا الصحابة منهم أبو الزناد قد لقى عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبا أمامة ابن سهل بن حنيف انتهى وقول أبو حاتم لم يدرك بن عمر أى لم يدرك السماع منه فإن أبا الزناد عاش ستا وستين سنة فقيل توفى فى سنة ثلاثين ومائة وقيل سنة اثنين وثلاثين ومات بن عمر سنة اربع وسبعين أو سنة ثلاث وسبعين فعلى هذا أدرك من حياة بن عمر سبع سنين أو ثمانيا أو تسعا على اختلاف الأقوال والله أعلم
النوع الحادى والأربعون معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر
قوله وقد صح عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم انتهى جزم المصنف بصحة حديث عائشة وفيه نظر فإن مسلما رحمه الله ذكره فى مقدمة صحيحه بغير إسناد بصيغة التمريض فقال وقد
329 ذكر عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقد رواه أبو داود فى سننه فى افراده من رواية ميمون بن أبى شبيب عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلوا الناس منازلهم ثم قال أبو داود بعد تخريجه ميمون بن أبى شبيب لم يدرك عائشة فلم يسكت عليه أبو داود بل أعله بالانقطاع فلا يكون صحيحا عنده ولكن المصنف تبع فى تصحيحه الحاكم فإنه قال فى علوم الحديث فى فى النوع السادس عشر منه فقد صحت الرواية عن عائشة رضى الله عنها فذكره وليس فيه حجة للمصنف فإن المصنف لا يرى ما انفرد الحاكم بتصحيحه صحيحا بل إن لم نجد فيه علة تقتضى رده حكمنا عليه بأنه حسن ذكر ذلك عند ذكر ما رواه الحاكم بإسناده فى المستدرك وهذا لم يروه الحاكم فيه ولا فى علوم الحديث وقد قال الحافظ أبو بكر البزار فى مسنده بعد أن خرجه من رواية ميمون بن أبى شبيب عن عائشة هذا الحديث لا يعلم عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه قال وقد روى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا انتهى قلت بل له وجه آخر مرفوع يذكره بعد ذلك وكان المصنف لم يوافق أبا داود على الإنقطاع بين ميمون بن أبى شبيب وبين عائشة فإنه قال فى كتاب التحرير فيما قاله أبو داود نظر فإنه كوفى متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة ومات المغيرة قبل عائشة قال وعند مسلم التعاصر مع إمكان التلاقى كاف فى ثبوت الإدراك فلو ورد عن ميمون أنه قال لم ألق عائشة استقام لأبى داود الجزم بعد إدراكه وهيهات ذلك انتهى كلام المصنف فى التحرير وليس بجيد فإنه وإن أدرك المغيرة وروى عنه فهو مدلس لا تقبل عنعنته بإجماع من لا يحتج بالمرسل فقد أرسل عن جماعة من الصحابة وقد قال أبو حاتم الرازى فيما حكاه عنه ابنه فى الجرح والتعديل روى عن أبى ذر مرسلا وعن على مرسلا وعن معاذ بن جبل مرسلا وقال عمرو بن على الفلاس لم أخبر أن أحدا يزعم أنه سمع من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وقال على بن المدينى خفى علينا أمره وقال يحيى بن معين ضعيف نعم قال فيه أبو حاتم الرازى صالح الحديث ذكره بن حبان فى الثقات ومع ذلك فلا يقتضى قبول عنعنته والله أعلم ولم أر أحدا صرح بسماعه من المغيرة ولكن المؤلف لما رأى مسلما روى فى مقدمة
330 صحيحه حديثه عن المغيرة بن شعبة عن النبى صلى الله عليه وسلم من حدث عنى بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين حمله على الاتصال اكتفاء بمذهب مسلم ومسلم إنما رواه استشهادا بعد أن رواه من حديث ابن أبى ليلى عن سمرة وحكم عليه مسلم بأنه مشهور والشهرة لا تلازم الصحة بل قد يكون المشهور صحيحا وقد يكون ضعيفا وأما الطريق الآخر الذى وعدنا بذكره فقد رواه البيهقى فى كتاب الأدب والخطيب فى كتاب المتفق والمفترق من رواية أسامة بن زيد عن عمرو بن مخراق عن عائشة هكذا رواه الخطيب من طريق الطبرانى فقال فيه عمرو بن مخراق وإنما هو عمر بضم العين وهكذا رويناه فى الأدب للبيهقى فى الأصل وفى بعض النسخ عمرو ولا أعلم روى عنه إلا أسامه بن زيد الليثى وأيضا عمر بن مخراق وبين عائشة فيه رجل لم يسم قال البخارى فى التاريخ الكبير له عمر بن مخارق عن رجل عن عائشة مرسل روى عنه أسامة بن زيد وكذا قال ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل عن أبيه دون قوله مرسل وكذا رواه ابن حبان فى اتباع التابعين كذلك وعلى هذا فلا يصح إسناده والله أعلم ويحتمل أن الرجل الذى ابهمه عمر بن مخراق هو ميمون بن أبى شبيب فلا يكون له إلا وجه واحد كما قال البزار وقد ورد من حديث معاذ بن جبل رواه الخرائطى فى كتاب مكارم الأخلاق بلفظ أنزل الناس منازلهم من الخير والشر
331 قوله وكعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص لم يكن من التابعين وروى عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين جمعهم عبد الغنى بن سعيد الحافظ فى كتيب له انتهى وفيه أمور أحدها ان جزم المصنف بكون عمرو بن شعيب ليس من التابعين ليس بجيد فقد سمع من غير واحد من الصحابة سمع من زينب بنت أبى سلمة ربيبة النبى صلى الله عليه وسلم والربيع بنت معوذ بن عفراء وهما صحابيتان وكأن المصنف أخذ ذلك من الذى ذكره بعد هذا أنه قرأه بخط الحافظ أبى محمد الطبسى قال عمرو بن شعيب ليس بتابعى كذا كناه ابن الصلاح أبا محمد وانما هو أبو الفضل محمد ابن أبى جعفر الطبسى هكذا كناه وسماه الحافظ أبو سعد السمعانى فى الأنساب ووصفه بالحافظ صاحب التصانيف الكثيرة كتب عن الحاكم أبى عبد الله وأبى طاهر بن محمش الزيادى إلى أن قال وكانت وفاته فى حدود سنة ثمانين وأربعمائة بطبس وهى بين نيسابور وأصبهان وكرمان ولم يفتح من زمان عمر من خراسان سواها وقد سبق الطبسى إلى ذلك أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد النقاش المصرى المفسر وهو ضعيف قال الدارقطنى سمعت أبا بكر النقاش يقول عمرو بن شعيب ليس من التابعين
232 وقد روى عنه عشرون من التابعين قال الدارقطنى فتتبعت ذلك فوجدتهم أكثر من عشرين قال الحافظ أبو الحجاج المزى فى التهذيب بعد حكايته لذلك وكأن الدارقطنى قد وافقه على أنه ليس من التابعين وليس كذلك ثم ذكر سماعه من الربيع بنت معوذ وزينب ابنة أبى سلمة الأمر الثانى أن قول المصنف روى عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين جمعهم عبد الغنى بن سعيد الحافظ فى كتيب له ليس بجيد فإن عبد الغنى عدهم فى الجزء المذكور أربعين نفسا إلا واحدا وهذه أسماؤهم مرتبين على الحروف إبراهيم بن ميسرة وأيوب السختيانى وبكير بن الأشج وثابت البنانى وجرير بن حازم وحبيب بن أبى موسى وجرير بن عثمان الرحبى والحكم بن عتيبة وحميد الطويل وداود بن قيس وداود بن أبى هند والزبير بن عدى وسعيد بن أبى هلال وأبو حازم سلمة بن دينار وأبو أسحاق الشيبانى وابنه سليمان بن أبى سليمان وسليمان بن مهران الأعمش وعاصم الأحول قال عبد الغنى بن سعيد وفيه نظر وعبد الله بن عون وعبد الله بن أبى مليكة وعبد الرحمن بن حرملة وعبد العزيز بن رفيع وعبد الله بن عمر العمرى وعطاء بن أبى رباح وعطاء بن السائب وعطاء الخراسانى وعلى بن الحكم البنانى وعمرو بن دينار وأبو إسحق السبيعى واسمه عمرو بن عبد الله وقتادة وأبو الزبير محمد بن مسلم ومحمد بن مسلم الزهرى ومطر الوراق ومكحول وموسى بن أبى عائشة وهشام بن عروة ووهب بن منبه ويحيى بن سعيد ويحيى بن أبى كثير ويزيد بن أبى حبيب وقال عبد الغنى بن سعيد بعد أن روى حديث يزيد بن أبى حبيب هو بيزيد بن الهاد أشبه الأمر الثالث أنه قد روى عنه جماعة كثيرون من التابعين غير هؤلاء لم يذكرهم عبد الغنى وهم ثابت بن عجلان وحسان بن عطية وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفى وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج والعلاء بن الحرث الشامى ومحمد بن إسحاق ابن يسار ومحمد بن جحادة ومحمد بن عجلان وأبو حنيفة النعمان بن ثابت وهشام بن الغاد ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ويعقوب بن عطاء بن أبى رباح فهؤلاء زيادة على الخمسين من التابعين قد رووا عنه وقد حكى المصنف عقب هذا عن الطبسى أنه روى عنه نيف وسبعون من التابعين والله أعلم
233 النوع الثانى والأربعون معرفة المدبج وما عداه من رواية الأقران بعضهم عن بعض
قوله اعلم أن رواية القرين عن القرين تنقسم فمنها المدبج وهو أن يروى القرينان كل واحد منهما عن الآخر انتهى
وفيه أمران أحدهما أن تقييد المصنف للمدبج بالقرينين إذا روى كل واحد منهما عن الآخر تبع فيه الحاكم فى علوم الحديث فإنه قال فى علوم الحديث فى النوع السادس والأربعين منه رواية الأقران وإنما القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما وهو على ثلاثة أجناس فالجنس الأول منه الذى سماه بعض مشايخنا المدبج وهو أن يروى قرين عن قرينه ثم يروى ذلك القرين عنه فهو المدبج انتهى وما قصره الحاكم وتبعه ابن الصلاح على أن المدبج رواية القرينين ليس على ما ذكراه وإنما المدبج أن يروى كل من الراويين عن الآخر سواء كانا قرينين أم كان أحدهما أكبر من الآخر فيكون رواية أحدهما عن الآخر من رواية الأكابر عن
334 الأصاغر فإن الحاكم نقل هذه التسمية عن بعض شيوخه من غير أن يسميه والمراد به الدارقطنى فإنه أحد شيوخه وهو أول من سماه بذلك فيما أعلم وصنف فيه كتابا حافلا سماه المدبج فى مجلد وعندى به نسخة صحيحة ولم يتقيد فى ذلك بكونهما قرينين فإنه ذكر فيه رواية أبى بكر عن النبى صلى الله عليه وسلم ورواية النبى صلى الله عليه وسلم عن أبى بكر ورواية عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم وروايته صلى الله عليه وسلم عن عمر رضى الله عنه ورواية سعد بن عبادة عن النبى صلى الله عليه وسلم وروايته عن سعد وذكر فيه أيضا رواية الصحابة عن التابعين الذين رووا عنهم كرواية عمر عن كعب الأحبار ورواية كعب عن عمر ورواية ابن مسعود عن ذر عنهم كرواية عمر عن كعب الأحبار ورواية كعب عن عمر ورواية ابن مسعود عن ذر ابن حبيش ورواية زر عن عنه ورواية ابن عمر عن عطية العوفى وبكر بن عبد الله المزنى ورواية كل منهما عن ابن عمر ورواية ابن عباس عن عمرو بن دينار وأبى سلمة ابن عبد الرحمن وعكرمة مولاه ورواية كل من الثلاثة عن ابن عباس ورواية أبى سعيد الخدرى عن أبى نضرة العبدى ورواية أبى نضرة عنه ورواية أنس بن مالك عن بكر ابن عبد الله المزنى ورواية بكر عنه وذكر فيه أيضا رواية التابعين عن أتباع التابعين كرواية عبد الله بن عون ويحيى بن سعيد الأنصارى عن مالك ورواية مالك عن كل منهما ورواية عمرو بن دينار وأبى إسحاق السبيعى وسليمان بن مهران الأعمش عن سفيان بن عيينة ورواية ابن عيينة عن كل من الثلاثة ورواية أبى إسحق السبيعى عن ابنه يونس بن أبى إسحق ورواية يونس عن أبيه وذكر فيه أيضا رواية أتباع أتباع التابعين عن أتباع الأتباع كرواية معمر عن عبد الرزاق ورواية عبد الرزاق عن معمر وكذلك ذكر فيه رواية عبد الرزاق عن أحمد بن حنبل وعلى بن المدينى ويحيى بن معين وروايتهم عنه وكذلك ذكر فيه رواية أحمد عن أبي داود السجستاني وعن ابنه عبد الله بن أحمد ورواية كل منهما عن أحمد وغير ذلك فهذا يدل على المدبج لا يختص بكون الراويين الذين روى كل منهما عن الآخر قرينين بل الحكم أعم من ذلك والله أعلم الأمر الثانى ما المناسبة المقتضية لتسمية هذا النوع بالمدبج ومن أى شئ اشتقاقه ولم أر من تعرض لذلك إلا أن الظاهر أنه سمى بذلك لحسنه فإن المدبج لغة هو المزين قال صاحب المحكم الدبج النقش والتزيين فارسى معرب قال وديباجه الوجه حسن بشرته
335 ومنه تسميه ابن مسعود الحواميم ديباج القرآن وإذا كان هذا منه فان الإسناد الذى يجتمع فيه قرينان أو أحدهما أكبر والآخر من رواية الأصاغر عن الأكابر إنما يقع ذلك غالبا فيما إذا كانا عالمين أو حافظين أو فيهما أو فى أحدهما نوع من وجوه الترجيح حتى عدل الراوى عن العلو للمساواة أو النزول لأجل ذلك فحصل للإسناد بذلك تحسين وتزيين كرواية أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين ورو4اية ابن معين عن أحمد وإنما يقع رواية الأقران غالبا من أهل العلم المتميزين بالمعرفة ويحتمل أن يقال إن القرينين الواقعين فى المدبج فى طبقة واحدة بمنزلة واحدة فشبها بالخدين فان الخدين يقال لهما الديباجتان كما قاله صاحبا المحكم والصحاح وهذا المعنى يتجه على ما قاله الحاكم وابن الصلاح أن المدبج مختص بالقرينين ويحتمل أنه سمى بذلك لنزول الإسناد فإنهما إن كانا قرينين نزل كل منهما درجة وان كان من رواية الأكابر عن الأصاغر نزل درجتين وقد روينا عن يحيى بن معين قال الإسناد النازل قرحة فى الوجه وروينا عن على بن المدينى وأبى عمرو المستملى قالا النزول شؤم فعلى هذا لا يكون المدبج مدحا له ويكون ذلك من قولهم رجل مدبج قبيح الوجه والهامه حكاه صاحب المحكم وفيه بعد والظاهر أنه إنما هو مدح لهذا النوع أو يكون من الاحتمال الثانى والله أعلم قوله وذكر الحاكم فى هذا رواية أحمد عن عبد الرزاق ورواية عبد الرزاق عن أحمد وليس هذا بمرض انتهى قلت والحاكم إنما تبع فى ذلك شيخه أبا الحسن الدارقطنى الذى سمى هذا النوع بهذا الاسم ووضع فيه مصنفا كما تقدم ولم يخص ذلك بالأقران فلا اعتراض حينئذ على الحاكم قوله ومنها غير المدبج وهو أن يروى أحد القرينين عن الآخر ولا يروى الآخر عنه فيما نعلم مثاله رواية سليمان التيمى عن مسعر وهما قرينان ولا يعلم لمسعر رواية عن التيمى ولذلك أمثال كثيرة انتهى وفيه أمران أحدهما أن هذا المثال الذى ذكره
336 المصنف ليس بصحيح وهو من القسم الأول وهو المدبج فقد روى مسعر أيضا عن سليمان التيمى كما ذكره الدارقطنى فى كتاب المدبج ثم روى من رواية الحكم بن مروان حدثنا مسعر عن أبى المعتمر وهو سليمان التيمى عن امرأة يقال لها أم خداش قالت رأيت على بن أبى طالب يصطبغ بخل خمرة الأمر الثانى أن المصنف أشار إلى بقية الأسئلة لذلك بقوله ولذلك أمثلة كثيرة فينبغى أن يذكرههنا مثالا صحيحا لهذا القسم الثانى وقد ذكر الحاكم فى علوم الحديث لذلك أمثلة أربعة أحدها هذا الذى ذكره المصنف والثانى رواية زائدة بن قدامة عن زهير بن معاوية قال الحاكم زائدة بن قدامة وزهير بن معاوية قرينان إلا أنى لا أحفظ لزهير عن زائدة رواية والمثال الثالث رواية يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف قال الحاكم يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد وإن كان أسند وأقدم من ابراهيم بن سعد بن ابراهيم فإنهما فى أكثر الأسانيد قرينان ولا أحفظ لإبراهيم بن سعد عنه رواية انتهى قلت بل قد روى عنه إبراهيم بن سعد وروايته عنه فى صحيح مسلم وسنن النسائى والله أعلم والمثال الرابع رواية سليمان بن طرخان التيمى عن رقبة بن مصقلة قال الحاكم سليمان بن طرخان ورقبة بن مصقلة قرينان ولا أحفظ لرقبة عنه رواية انتهى قلت بل قد روى رقبة عن سليمان التيمى كما ذكره الدارقطنى فى كتأب المدبج ثم روى له من رواية أبى عوانة عن رقبة عن سليمان التيمى عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم قال يا حبذا المتخللون من أمتى والحديث رواه الطبرانى فى المعجم الأوسط فجعله من رواية رقبة عن أنس من غير ذكر سليمان التيمى فلم يصح من هذه الأمثلة الأربعة التى ذكرها الحاكم إلا المثال الثانى فقط وهو رواية زائدة بن قدامة عن زهير ابن معاوية والأمثلة الثلاثة الذى اقتصر عليه ابن الصلاح واللذان زادهما الحاكم حقها أن تذكر فى القسم الأول وهو المدبج كما فعل الدارقطنى والله أعلم
337 النوع الثالث والأربعون معرفة الإخوة والأخوات
قوله ومن التابعين عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة وأخوة أرقم بن شرحبيل كلاهما من أفاضل أصحاب ابن مسعود هزيل بن شرحبيل وأرقم بن شرحبيل أخوان آخران من أصحاب ابن مسعود أيضا انتهى
هذا الذى ذكره المصنف من كون أرقم ابن شرحبيل اثنين أحدهما أخو عمرو بن شرحبيل والآخر أخو هزيل بن شرحبيل ليس بصحيح وأرقم بن شرحبيل واحد وإنما اختلف كلام التاريخيين والنسابين هل الثلاثة إخوة وهم عمرو بن شرحبيل وأرقم بن شرحبيل وهزيل بن شرحبيل أو أن أرقم وهزيلا أخوان وليس عمرو أخا لهما فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى الأول قال هم ثلاثة إخوة والصحيح الذى عليه الجمهور أن أرقم وهزيلا أخوان فقط وهو الذى اقتصر عليه البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وحكاه عن أبيه أبى حاتم وعن أبى زرعة وكذلك ابن حبان فى الثقات واقتصر عليه الحاكم أيضا فى علوم الحديث فى النوع السادس والثلاثين وكذلك اقتصر المزى فى تهذيب الكمال
338 على أن أرقم وهزيلا أخوان ذكر ذلك فى ترجمة أرقم وترجمة هزيل ولم يتعرض فى ترجمة عمرو لشئ من ذلك وما ذكره ابن عبد البر من كونهم الثلاثة إخوة ليس بجيد فإن عمرو بن شرحبيل همدانى وهزيل وأخوه أرقم أوديان ولا تجتمع همدان الكبرى ولا همدان الصغرى مع أود أما همدان الكبرى فينتسبون إلى همدان فهو أوسلة ابن مالك بن زيد أو سلة بن ربيعة بن الجبار بن ملكان وقيل مالك بن زيد بن كهلان وأما همدان الصغرى فينتسبون إلى همدان بن زياد بن حسان بن سهل بن زيد بن عمرو ابن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس وأما الذى ينسب إليه هزيل وأرقم أبنا شرحبيل الأوديان فهو أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ولا يجتمع مع همدان فالصواب قول الجمهور والله أعلم وعلى كل فما ذكره المصنف ليس موافقا لقول الجمهور ولا لقول ابن عبد البر قوله ومن أمثلة الخمسة ما نرويه عن الحاكم أبى عبد الله قال سمعت أبا على الحسين ابن على الحافظ غير مرة يقول آدم بن عيينة وعمران بن عيينة ومحمد بن عيينة وسفيان ابن عيينة وإبراهيم بن عيينة حدثوا عن آخرهم انتهى اقتصر المؤلف على كونهم خمسة وهؤلاء هم المشهورون من أولاد عيينة وإلا فقد ذكر غير واحد أنهم عشرة منهم عبد الغنى ابن سرور وقد سمى لنا منهم سبعة الخمسة المذكورون ولم يذكر ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل غيرهم واقتصر البخارى فى التاريخ الكبير على ذكر أربعة منهم فلم يذكر آدم والسادس أحمد بن عيينة ذكره الدارقطنى وابن ماكولا والسابع مخلد بن عيينة ذكره أبو بكر بن المقرى عن بعض أولادهم قال ابن المقرى سمعت أبا العباس أحمد ابن زكريا بن يحيى بن الفضل بن سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالى يقول سفيان ابن عيينة ومحمد بن عيينة وإبراهيم بن عيينة وعمران بن عيينة ومخلد بن عيينة إخوة فإن قيل إنما اقتصر المصنف على الخمسة المذكورين لكونهم الذين حدثوا منهم دون الباقين كما حكاه المزى فى التهذيب عن بعضهم فقال وقيل كان بنو عيينة عشرة إخوة خزازين حدث منهم خمسة فذكرهم قلنا وقد حدث أحمد بن عيينة أيضا قال الدارقطنى فى المؤتلف والمختلف عيينة بن أبى عمران الهلالى والد سفيان وإبراهيم وعمران وآدم ومحمد وأحمد بن عيينة المحدثون وكذا ذكرهم ابن ماكولا فى الإكمال قال وكلهم محدثون
339 قوله ومثاله الستة أولاد سيرين ستة تابعيون وهم محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة ثم حكى أن الحاكم ذكر فى تاريخه عن شيخه أبى على الحافظ أنه ذكر فيهم خالد بن سيرين ولم يذكر كريمة وذكر أن أصغرهم حفصة بنت سيرين انتهى وفيه أمران أحدهما أنه قد اعترض على المصنف بأنهم عشرة أنس وخالد ومحمد ومعبد ويحيى وحفصة وسودة وعمرة وكريمة وأم سليم فإن ابن سعد ذكر فى الطبقات عمرة بنت سيرين وسودة بنت سيرين أنهما أم ولد كانت لأنس بن مالك وذكر أيضا أم سليم فى خمسة من ولد سيرين منهم محمد أمهم صفية والجواب عنه أن المشهور ما ذكره المصنف من أنهم ستة وأما السابع فهو خالد فإن المصنف قد ذكره فلا يرد عليه مع أنى لم أجد له رواية ولم أقف له على ترجمة وقال محمد بن أحمد بن محمد بن أبى بكر المقدمى خالد بن سيرين لم يخرج حديثه وأما الطبرانى فقال كلهم قد حدثوا بعد أن عد فيهم خالد بن سيرين وأما عمرة وأم سليم وسودة فلم أر من ذكر لهن رواية فلا يردن على المصنف الأمر الثانى أن ما قاله الحافظ أبو على النيسابورى من أن أصغرهم حفصة بنت سيرين وسكت عليه المصنف ليس بجيد وإنما أصغرهم أنس بن سيرين كما قاله عمرو ابن على الفلاس وهو الصواب فإن المشهور أنه ولد لست بقيت من خلافة عثمان وبه صدر المزى كلامه وتوفى فى قول أحمد بن حنبل ومحمد بن أحمد المقدمى سنة عشرين ومائة قال أحمد وهو ابن ست وثمانين سنة وقال الذهبى فى العبر خمس وثمانون سنة فعلى هذا يكون مولده سنة أربع وثلاثين وأما حفصة فإنها توفيت سنة إحدى ومائة
340 وعاشت إما سبعين سنة وإما تسعين سنة بتقديم المثناة وعلى كل تقدير فهى أكبر من أنس بن سيرين والله أعلم وقال ابن سعد فى أواخر الطبقات أخبرنا بكار بن محمد من ولد محمد بن سيرين قال كانت حفصة بنت سيرين أكبر ولد سيرين من الرجال والنساء من ولد صفية وكان ولد صفية محمدا ويحيى وحفصة وكريمة وأم سليم قوله وقد روى عن محمد عن يحيى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبيك حقا حقا تعبدا ورقا قال وهذه غريبة عايا بها بعضهم فقال أى ثلاثة إخوة روى بعضهم عن بعض انتهى قلت وزاد بعضهم فى هذا الإسناد معبد بن سيرين فاجتمع فيه أربعة أخوة يروى بعضهم عن بعض ذكره محمد بن طاهر المقدسى فى تخريجه لأبى منصور عبد المحسن ابن محمد بن على الشيرازى فقال روى هذا الحديث محمد بن سيرين عن أخيه يحيى عن أخيه معبد عن أخيه أنس بن سيرين ولكن المشهور ما ذكره المصنف من كونهم ثلاثة وكذلك رواه الدارقطنى فى كتاب العلل من رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أخيه يحيى عن أخيه أنس عن أنس بن مالك إلا أنه قال حجا حقا ولا نعرف ليحيى ابن سيرين رواية عن أخيه معبد ولا لمعبد رواية عن أخيه أنس قال على بن المدينى لم يرو عن معبد إلا أخوه أنس كذا قال وقد روى عنه أيضا أخوه محمد وروايته عنه فى الصحيحين وقد جعله بعضهم من رواية ابنين من ولد سيرين رواه أبو بكر البزار فى مسنده من رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أخيه يحيى عن أنس بن مالك وذكر الدارقطنى فى العلل الاختلاف فيه وقال إن الصحيح ما رواه حماد بن زيد ويحيى القطان عن يحيى بن سيرين عن أنس بن مالك قوله وفعله قوله ومثال السبعة النعمان بن مقرن وإخوته معقل وعقيل وسويد وسنان وعبد الرحمن وسابع لم يسم لنا بنو مقرن المزينون سبعة إخوة هاجروا وصحبوا رسول الله
341 صلى الله عليه وسلم ولم يشاركهم فيما ذكره ابن عبد البر وجماعة فى هذه المكرمة سواهم انتهى وفيه أمران أحدهما أنه قد سمى لنا سابع وثامن وتاسع وهم نعيم بن مقرن وضرار بن مقرن وعبد الله بن مقرن فأما نعيم فذكره ابن عبد البر فى الاستيعاب فقال نعيم بن مقرن أخو النعمان ابن مقرن خلف أخاه حين قتل بنهاوند وكانت على يديه فتوح كثيرة وهو واخوته من جلة الصحابة وأما ضرار بن مقرن فذكره الحافظ أبو بكر محمد بن خلف بن سليمان ابن خلف بن فتحون فى ذيله على الاستيعاب وإن خالد بن الوليد لما دخل الحيرة فى أيام أبى بكر أمر ضرارا هذا على جماعة من المسلمين وقال ذكره الطبرى وسيف وأما عبد الله بن مقرن فذكره بن فتحون أيضا فى ذيله على الاستيعاب وقال إنه كان على ميسرة أبى بكر رضى الله عنه فى خروجه لقتال أهل الردة إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ذكره الطبرى وسيف وذكره ابن منده وأبو نعيم أيضا فى معرفة الصحابة وهذا يدل على انهم أكثر من سبعة وقد قال الطبرى انهم كانوا عشرة إخوة انتهى وإنما اشتهر كونهم سبعة لما روى مسلم فى صحيحه من حديث سويد بن مقرن قال لقد رأيتنى سابع سبعة من بنى مقرن ما لنا خادم إلا واحدة فلطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها ويحتمل أن من أطلق كونهم سبعة أراد من هاجر منهم قال مصعب بن الزبير هاجر النعمان ومعه سبعة اخوة وسمى ابن عبد البر فى الاستيعاب منهم ستة وهم سنان وسويد وعقيل ومعقل والنعمان ونعيم وسمى ابن فتحون فى ذيله الباقين وهم ضرار وعبد الله وعبد الرحمن وقال إن عبد الرحمن ذكره فى الصحابة الطبرى وابن السكن والله أعلم الأمر الثانى أن ما حكاه المصنف عن ابن عبد البر وجماعة من انقراد بنى مقرن
342 بهذه المكرمة من كونهم السبعة هاجروا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن عبد البر فى الاستيعاب فى ترجمة معقل بن مقرن فقال وليس ذلك لأحد من العرب سواهم قاله الواقدى ومحمد بن عبد الله بن نمير انتهى وفيما قالوه نظر فإن أولاد الحارث بن قيس السهمى كلهم هاجر وصحب النبى صلى الله عليه وسلم وعدهم ابن إسحق فيمن هاجر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة سبعة لم يعد فيهم تميما ولا حجاجا الآتى ذكرهما وقد تتبعت أسماءهم فوجدتهم تسعة بتقديم المثناة وهم بشر وتميم والحارث والحجاج والسائب وسعيد وعبد الله ومعمر وأبو قيس أولاد الحارث بن قيس السهمى وسمى الكلبى معمر بن الحرث معبدا والمشهور الأول وقد ذكر ابن عبد البر فى الاستيعاب التسعة المذكورين كل واحد فى موضعه وأنهم هاجروا إلى أرض الحبشة وقال فى ترجمة سعيد بن الحارث هاجر هو واخوته كلهم إلى أرض الحبشة فهؤلاء تسعة إخوة هاجروا وصحبوا النبى صلى الله عليه وسلم وهم أشرف نسبا فى الجاهلية والإسلام وزادوا على بقية الإخوة بأن استشهد منهم سبعة فى سبيل الله فقتل تميم والحرث والحجاج بأجنادين وقتل سعد يوم اليرموك وقتل السائب يوم فحل وقيل يوم الطايف وقتل عبد الله يوم الطايف وقيل باليمامة ا وقال الطبرى إنه مات بالحبشة مهاجرا فى زمنه صلى الله عليه وسلم وقتل أبو قيس يوم اليمامة واعترض الحافظ أبو بكر محمد بن خلف بن فتحون على ابن عبد البر فى هذا الإطلاق فى التبيه على ما أوهمه ابن عبد البر أو وهم فيه بأن معاوية بن الحكم السلمى واخوته الستة فى مثل عددهم وفضيلتهم ثم روى من طريق أبى على بن السكن بإسناده إلى معاوية بن الحكم قال وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وستة إخوة لى فأبرز على بن الحكم فرسه خندقا فقصرت الفرس فدق جدار الخندق ساقه فأتينا به النبى صلى الله عليه وسلم فمسح ساقه فما نزل عنها حتى برأ فقال معاوية بن الحكم فى قصيدة
فأنزلها على فهوى تهوى هوى الدلو تنزعه برجل
ففضت رجله فسما عليها سمو الصقر صادف يوم طل
فقال محمد صلى عليه مليك الناس قولا غير فعل
لعا لك فاستمر بها سويا وكانت بعد ذاك أصح رجل
343 قلت والحديث رواه الطبرانى فى المعجم الكبير مع اختلاف فى إيراد الشعر وفى غيره ولم يقل فيه إنه وفد معه ستة إخوة وأيضا ففى إسناده جهالة وأيضا فلم يقل فيه إنهم هاجروا حتى يعدوا مهاجرين فعلهم وفدوا عام قدوم الوفود ولا هجرة بعد الفتح وأيضا فلم تعرف بقية أسمائهم وإنما سمى منهم معاوية وعلى عمران كان مالك حفظه وإلا فقد قال على بن المدينى والبخارى إن مالكا وهم فى قوله عمر بن الحكم وإنما هو معاوية بن الحكم والله أعلم قوله ولم نطول بما زاد على السبعة لندرتهم ولعدم الحاجة إليه فى غرضنا ههنا انتهى وقد رأيت أن أذكر من المشهورين من الإخوة والأخوات من زاد على السبعة للفائدة فمثال الثمانية من الصحابة أسماء وحمران وخراش وذؤيب وسلمة وفضالة ومالك وهند بن حارثة بن سعيد بن عبد الله الأسلميون أسلموا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدوا معه بيعة الرضوان بالحديبية ذكر ذلك أبو القاسم البغوى وذكره ابن عبد البر فى الاستيعاب فى ترجمة هند قال ولم يشهدها أى بيعة الرضوان إخوة فى عددهم غيرهم ولزم النبى صلى الله عليه وسلم منهم اثنان أسماء وهند وكانا من أهل الصفة ومثالهم فى التابعين أولاد أبى بكرة وهم عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز ومسلم ورواد ويزيد وعتبة سماهم ابن سعد فى الطبقات مجتمعين وله ابنة اسمها كيسة وروايتها عن أبيها فى سنن أبى داود فيكون هذا من أمثلة التسعة وقد قال ابن سعد وتوفى أبو بكرة عن أربعين ولدا من بين ذكر وأنثى فأعقب منهم سبعة ومثال التسعة أولاد الحرث بن قيس السهمى وكلهم صحب النبى صلى الله عليه وسلم وهاجر إلى أرض الحبشة وتقدمت أسماؤهم فى الاعتراض الذى يليه هذا ومثال العشرة بنو العباس بن عبد المطلب وهم الفضل وعبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وقثم ومعبد وعون والحارث وكثير وتمام وكان أصغرهم وكان العباس
344 يحمله ويقول
تموا بتمام فصاروا عشرة يا رب فجعلهم كراما برره
واحل لهم ذكرا وانم الثمرة
وكان للعباس ثلاث بنات أم كلثوم وأم حبيب وأميمة وقيل له رابعة وهى أم قثم فقد اوردها ابن سعد فى الطبقات وروى لها اثرا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه وقال هكذا جاء فى الحديث ولم نجد العباس إبنة تسمى أم قثم ومثال الإثنى عشر أولاد عبد الله بن أبى طلحة وهم إبراهيم وإسحق وإسمعيل وزيد وعبد الله وعمارة وعمر وعمير والقاسم ومحمد ويعقوب ويعمر وكانوا كلهم قرأوا القرآن وقال أبو نعيم كلهم حمل عنه العلم كذا سماهم ابن الجوزى اثنى عشر وسماهم ابن عبد البر وغير واحد عشرة
345 ومثال الثلاثة عشر أو الأربعة عشر أولاد العباس بن عبد المطلب الذكور والإناث وقد تقدم تسميتهم عند العشرة وأكثر ما رأيت مسمى من الإخوة والأخوات من أولاد المشهور سعد بن أبى وقاص سمى له ابن الجوزى خمسة وثلاثين ولدا وقد روى عنه من اولاده فى الكتب الستة أو بعضها إبراهيم وعامر وعمر ومحمد ومصعب وعائشة وقد كان اولاد أنس بن مالك يزيدون على المائة وسمى لنا ممن روى عنه من أولاده لصلبه عشرة وثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا له اللهم أكثر ماله وولده
النوع الرابع والأربعون معرفة رواية الآباء عن الأبناء
قوله وآخر ما رويناه من هذا النوع وأقربه عهدا ما حدثنيه أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبى سعيد المروزى رحمه الله بها من لفظه قال أنبأنى والدى عنى فيما قرأت بخطه قال حدثنى ولدى أبو المظفر عبد الرحيم من لفظه وأصله فذكر بإسناده عن أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال احضروا موائدكم البقل فإنه مطردة للشيطان مع التسمية انتهى
وقد أبهم المصنف ذكر إسناده والسمعانى رواه فى الذيل من رواية العلاء بن مسلمة الرواس عن إسماعيل بن مغر الكرمانى عن ابن عياش وهو إسمعيل عن برد عن مكحول عن أبى أمامة وهو حديث موضوع فأبهم المصنف منه موضع العلة وسكت عليه وقد ذكر المصنف فى النوع الحادى والعشرين أنه لا يحمل رواية الحديث الموضوع لأحد علم حاله فى أى معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه وهذا الحديث ذكر غير واحد من الحفاظ أنه موضوع وقد رواه أبو حاتم بن حبان فى تاريخ الضعفاء فى ترجمة العلاء
346 ابن مسلمة الرواس بهذا الإسناد وقال فيه يروى عن الثقات الموضوعات به بحال وقال أبو الفتح الأزدى كان رجل سوء لا يبالى ما روى وعلى ما أقدم لا يحل لمن عرفه أن يروى عنه وقال محمد بن طاهر كان يضع الحديث وذكر ابن الجوزى هذا الحديث فى الموضوعات وقال هذا حديث لا أصل له وقد يجاب عن المصنف بأنه لا يرى أنه موضوع وإن كان فى إسناده وضاع فكأنه ما أعترف بوضعه وقد تقدم أن المصنف أنكر على من جمع الموضوعات فى عصره فأدخل فيها ما ليس بموضوع يشير بذاك إلى ابن الجوزى والله أعلم قوله وأما الحديث الذى رويناه عن أبى بكر الصديق عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فى الحبة السوداء شفاء من كل داء فهو غلط ممن رواه إلى آخر كلامه هو كما ذكره المصنف من أن من وصف أبا بكر الراوى لهذا الحديث عن عائشة بأنه الصديق فقد غلط فإنه أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبى بكر وهكذا رواه البخارى فى صحيحه ولكن ذكر ابن الجوزى فى كتاب التلقيح أن أبا بكر الصديق روى عن ابنته عائشة رضى الله عنها حديثين والله أعلم قوله هؤلاء هم الذين قال فيهم موسى بن عقبة لا نعرف أربعة أدركوا النبى صلى الله عليه وسلم هم وأبناؤهم إلا هؤلاء الأربعة فذكر أبا بكر الصديق وأباه وابنه عبد الرحمن وأبنه محمدا أبا عتيق والله أعلم وقد يعترض على هذا الإطلاق بصورة أخرى وهى أبو قحافة وابنه أبو بكر وابنته أسماء وابنها عبد الله بن الزبير فإنه عبر بقوله هم وأبناؤهم وهذا صادق عليه ولا يرد
347 ذلك عن عبارة أبى عمر بن عبد البر فإنه قال يقال إنه لم يدرك النبى صلى الله عليه وسلم أربعة ولا أب وبنوه إلا هؤلاء فذكرهم وقد ذكر ابن منده فى معرفة الصحابة كلا من موسى بن عقبة بصيغة لا يرد على إطلاقها هذه الصورة فقال ما نعلم أربعة فى الإسلام ادركوا النبى صلى الله عليه وسلم الآباء مع الأبناء إلا أبو قحافة فذكرهم فالتعبير بالآباء يخرج الامهات ولكن من عبر بأربعة صحابة بعضهم أولاد بعض فالأحسن التمثيل بعبد الله بن الزبير وأمه وابيها وجدها لأن لعبد الله بن الزبير صحبة وأما محمد بن عبد الرحمن فقال ابن حبان فى الصحابة أن له رؤية وقد مضى فى كلام أهل هذا الشأن عند ذكر الصحابى أن المعتبر مع التمييز والله أعلم
النوع الخامس والأربعون معرفة رواية الأبناء عن الآباء
قوله ومن أظرف ذلك رواية أبى الفرج عبد الوهاب التميمى الفقيه الحنبلى عن أبيه فى تسعة من آبائه نسقا فرواها من تاريخ بغداد لأثر موقوف على على بن أبى طالب
348 فى تفسير الحنان المنان قلت وقد وقع لنا حديث مرفوع من هذا الوجه وقع فيه التسلسل باثنى عشر أبا وهو أعجب مما ذكره المصنف أخبرنا به جماعة من شيوخنا منهم شيخنا العلامة برهان الدين إبراهيم بن لاجين الرشيدى قال انبأنا أحمد بن محمد بن إسحق الهمذاني قال أنبأنا عبد الله بن أحمد بن محمد القلانسى قراءة عليه وانا حاضر بشيراز انبأنا عبد العزيز بن منصور الآدمى حدثنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمى سمعت أبى أبا الفرج عبد الوهاب يقول سمعت أبى أبا الحسن عبد العزيز يقول سمعت أبى أبا بكر الحرث يقول سمعت أبى أسدا يقول سمعت أبى الليث يقول سمعت أبى سليمان يقول سمعت أبى الأسود يقول سمعت أبى سفيان يقول سمعت أبى يزيد يقول سمعت أبى أكينة يقول سمعت أبى الهيثم يقول سمعت أبى عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما اجتمع قوم على ذكر إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة أخبرنا الحافظ أبو سعيد بن العلائى فى كتاب الوشى المعلم قال هذا إسناد غريب جدا ورزق الله كان إمام الحنابلة فى زمانه من الكبار المشهورين متقدما فى عدة علوم مات سنة ثمانى وثمانين وأربع مائة وأبوه أبو الفرج إمام مشهور أيضا ولكن جده عبد العزيز متكلم فيه كثيرا على إمامته واشتهر بوضع الحديث وبقية آبائه مجهولون لا ذكر لهم فى شئ من الكتب أصلا وقد تخبط فيهم عبد العزيز أيضا بالتعبير انتهى وأكثر ما وقع لنا بتسلسل رواية الأبناء عن الآباء أربعة عشر رجلا من رواية
349 أبى محمد الحسن بن على قال حدثنى والدى على بن أبى طالب قال حدثنى والدى أبو طالب الحسن بن عبيد الله قال حدثنى والدى عبيد الله بن محمد قال حدثنى محمد بن عبيد الله قال حدثنى والدى عبيد الله بن على قال حدثنى والدى على بن الحسن قال حدثنى والدى الحسن بن الحسين قال حدثنى والدى الحسين بن جعفر أول من دخل بلخ من هذه الطائفة قال حدثنى والدى جعفر بن عبد الله قال حدثنى والدى عبيد الله قال حدثنى والدى الحسين الأصغر قال حدثنى والدى على زين العابدين قال حدثنى والدى الحسين حدثنى والدى على بن أبى طالب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المجالس بالأمانة رواه الحافظ أبو سعيد بن السمعانى فى الذيل قال أنبأنا أبو شجاع عمر ابن أبى الحسن البسطامى الإمام بقراءتى وأبو بكر محمد بن على بن ياسر الجيانى من لفظه قالا حدثنا السيد أبو محمد الحسن بن على بن أبى طالب فذكره أورده فى ترجمة الحسن بن على هذا وقال كان أحد الكبار المشهورين بالجود والسخاء وفعل الخيرات ومحبة أهل العلم والصلاح وداره كانت مجمع الفقهاء والفضلاء إلى أن قال توفى فى رجب سنة اثنتين وخمسمائة قلت وفى آبائه من لا يعرف حاله وهذا الحديث من جملة أربعين حديثا منها مناكير والله أعلم
350 النوع السادس والأربعون معرفة من اشترك عنه راويان متقدم ومتأخر
قوله وكذلك مالك بن أنس الإمام حدث عنه الزهرى وزكريا بن دويد الكندى وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر ومات الزهرى سنة أربع وعشرين ومائة انتهى وقد اعترض على المصنف بأن وفاة زكريا بن دويد هذا لا تعرف لكنه حدث عنه سنة نيف وستين ومائتين وهذا الاعتراض لا يرد عليه لأن المصنف احترز عن ذلك بقوله أو أكثر وإذا كان قد حدث عن مالك سنة نيف وستين ومائتين فأقل ما بينه وبين وفاة الزهرى مائة وسبع وثلاثون سنة كما قال فإن كان تأخر بعد ذلك فقد أشار إليه بقوله
351 أو أكثر نعم ما كان ينبغى للمصنف أن يمثل بزكريا بن دويد فإنه لا يعرف سماعه من مالك لكونه كذابا وضاعا لكنه حدث عن مالك بل حدث عن بعض شيوخ مالك وهو حميد الطويل بعد سنة ستين ومائتين وحميد توفى إما سنة أربعين ومائة أو سنة ثلاث وأربعين أو ما بينهما ولذلك لم ير الحفاظ روايته عن مالك شيئا وصرح غير واحد من الحفاظ بأن آخر من سمع من مالك أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمى وبه جزم الحافظان أبو الحجاج المزى فى التهذيب وأبو عبد الله الذهبى فى العبر وتوفى السهمى سنة تسع وخمسين ومائتين والسهمى وإن كان ضعيفا أيضا ولكنه قد شهد له أبو مصعب بأنه كان معهم في العرض على أيضا ولكنه قد شهد له أبو مصعب بأنه كان معهم فى العرض على مالك فقد صح سماعه من مالك بخلاف زكريا ابن دويد وقد ذكره ابن حبان فى الضعفاء فقال شيخ يضع الحديث على حميد الطويل كان يدور بالشام ويحدثهم بها ويزعم أن له مائة سنة وخمسة وثلاثين سنة لا يحل ذكره فى الكتب إلا على سبيل القدح فيه وقال صاحب الميزان كذاب ادعى السماع من مالك والثورى والكبار وزعم أن له مائة وثلاثين سنة وذلك بعد الستين ومائتين انتهى ولكن المصنف تبع فى ذلك الخطيب فإنه مثل به فى كتابه السابق واللاحق وذكره فى كتاب أسماه الرواة عن مالك وروى له حديثا عن مالك وسكت عليه فتبعه المصنف والله أعلم
النوع السابع والأربعون معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد
قوله وكذلك عامر بن شهر وعروة بن مضرس ومحمد بن صفوان الأنصارى
352 ومحمد بن صيفى الأنصارى وليسا بواحد وإن قاله بعضهم صحابيون لم يرو عنهم غير الشعبى انتهى وفيه أمران أحدهما أن عامر بن شهر وإن كان ما روى عنه الحديث الذى يعرف به إلا الشعبى فإن ابن عباس قد روى عنه قصة رواها سيف بن عمر فى الردة قال حدثنا طلحة الأعلم عن عكرمة عن ابن عباس قال أول من اعترض على الأسود العنسى وكابره عامر بن شهر الهمداني في ناحيته فهذا عن ابن عباس قد روى هذه القصة عنه وأيضا فهو مشهور فى غير الرواية فإنه كان أحد عمال النبى صلى الله عليه وسلم على اليمن ذكره ابن عبد البر وغيره الأمر الثانى إن عروة بن مضرس لم ينفرد بالرواية عنه الشعبى فقد روى عنه أيضا ابن عمه حميد بن منهب بن حارثة بن خريم بن أوس بن حارثة بن لأم الطائى ذكره الحافظ أبو الحجاج المزى فى التهذيب وتبع المصنف فى ذلك الحاكم فى علوم الحديث وقد سبقه إلى ذلك على بن المدينى قوله وانفرد قيس بن أبى حازم بالرواية عن أبيه وعن دكين بن سعيد المزنى والصنابح بن الأعسر ومرداس بن مالك الأسلمى وكلهم صحابة انتهى وفيه أمران أحدهما أن الصنابح روى عنه أيضا الحارث بن وهب كما ذكره الطبرانى فى أحاديث الصنابح بن الأعسر الأحمسى إلا أنه قال فى إسناد حديثه الصنابحى قال أبو نعيم فى معرفة الصحابة هو عندى المتقدم يعنى الأحمسى الأمر الثانى أن المصنف ذكر قبل هذا تفرد قيس عن مرداس بن مالك الأسلمى وتقدم ذكره لذلك فى النوع الثالث والعشرين عند ذكر أقسام المجهول وتقدم أن المزى قال فى التهذيب أنه روى عنه أيضا زياد بن علاقة وأن الصواب ما قاله ابن الصلاح فإن الذى روى عنه زياد بن علاقة هو مرداس بن عروة صحابى آخر لا أعلم بين من صنف فى الصحابة فى ذلك اختلافا والله أعلم
353 قوله ومعاوية بن حيدة لم يرو عنه غير ابنه حكيم والد بهز انتهى قلت بل قد روى عنه أيضا عروة بن رويم اللخمى وحميد المزني فأما رواية عروة بن رويم عنه فذكرها المزى فى التهذيب وأما رواية حميد المزنى عنه فذكرها ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والمزى أيضا قوله وأبو ليلى الأنصارى لم يرو عنه غير ابنه عبد الرحمن ابن أبى ليلى انتهى قلت ذكر المزي فى التهذيب أنه روى عنه أيضا عدى بن ثابت قال ولم يدركه وإنما أوردته لذكر المزى لعدى بن ثابت فيمن روى عن أبى ليلى وإلا فروايته عنه مرسلة كما ذكر والله أعلم قوله وبإخراجه أى البخارى حديث الحسن البصرى عن عمرو بن تغلب أنى لأعطى الرحل والذى ادع أحب إلى ولم يرو عن عمرو غير الحسن انتهى
354 وذكر أبو عمر بن عبد البر أنه روى عنه أيضا الحكم بن الأعرج حكاه المزى فى التهذيب عن ابن عبد البر قلت ولا حاجة لإبعاد النجعة فى حكايته عن ابن عبد البر فقد حكاه ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وهو من أشهر ما صنف فى اسماء الرجال ولكن المصنف تبع فى ذلك مسلم بن الحجاج قوله وكذلك أخرج مسلم فى صحيحه حديث رافع بن عمرو الغفارى ولم يرو عنه غير عبد الله بن الصامت وحديث أبى رفاعة العدوى ولم يرو عنه غير حميد بن هلال العدوى وحديث الأغر المزنى أنه ليغان على قلبى ولم يرو عنه غير أبى بردة فى أشياء كثيرة عندهما فى كتابيهما على هذا النحو انتهى قلت وكل واحد من المذكورين قد روى عنه غير واحد أما رافع بن عمرو فروى عنه أيضا ابنه عمران بن رافع وأبو جبير مولى أخيه الحكم بن عمرو الغفارى فأما
355 رواية ابنه عمران عنه فذكرها المزى فى التهذيب وأما رواية أبى جبير عنه فهى فى جامع الترمذى عنه فى حديث أنه كان يرمى نخل الأنصار وقال الترمذى إنه حديث حسن صحيح وقد رواه أبو داود وابن ماجه من رواية ابن أبى الحكم الغفارى عن جدته عن عم أبيها رافع بن عمرو فهؤلاء أربعة قد رووا عنه وأما أبو رفاعة العدوى فقد روى عنه أيضا صلة ابن اشيم العدوى وروايته عنه فى معجم الطبرانى الكبير أنه كان معه فى غزاة وإن أبا رفاعة اصيب فرأى له صلة مناما وقد ذكره المزى فى التهذيب فيمن روى عنه وأما الأغر المزى فروى عنه أيضا عبد الله بن عمر بن الخطاب ومعاوية بن قرة المزنى وروايتهما عنه فى المعجم الكبير للطبرانى وذكره المزى فى التهذيب أيضا قوله ومثال هذا النوع فى التابعين أبو العشراء الدارمى لم يرو عنه فيما نعلم غير حماد بن سلمة انتهى قلت ذكر تمام بن محمد الرازى فى جزء له جمع فيه حديث أبى العشراء رواية غير واحد عنه منهم يزيد بن أبى زياد وعبد الله بن محرر كلاهما روى عنه حديث الزكاة متابعين لحماد بن سلمة والله أعلم قوله ومثل الحاكم لهذا النوع فى التابعين بمحمد بن أبى سفيان الثقفى وذكر أنه لم يرو عنه غير الزهرى فيما نعلم انتهى قلت بل قد روى عنه أيضا ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدى كما ذكره البخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والمزى فى التهذيب وروايته عنه فى المعجم الكبير للطبرانى وروى عنه أيضا تميم بن عطية العنسى وأبو عمر الأنصارى ذكره
356 المزى فى التهذيب قوله نقلا عن الحاكم أنه ذكر فيمن تفرد عنهم الزهرى سنان بن أبى سنان الدؤلى انتهى قلت قد ذكر الحافظ أبو الحجاج المزى فى التهذيب أنه روى عنه أيضا زيد ابن اسلم وكأنه قلد فى ذلك ابن ماكولا فإنه هكذا قال فى الإكمال إنه روى عنه وعن ابيه أبى سنان والمشهور أن رواية زيد بن اسلم عن أبيه سنان واسمه يزيد بن اميه هكذا ذكره البخارى فى التاريخ الكبير قال البخارى وقال زيد بن اسلم حدثنا أبو سنان يزيد بن أميه وكذا ذكر النسائى فى الكنى والحاكم أبو أحمد فى الكنى فى ترجمة أبى سنان والدارقطنى فى المؤتلف والمختلف أنه روى عنه زيد بن أسلم قوله نقلا عن الحاكم أيضا أنه ذكر فيمن تفرد عنهم يحيى بن سعيد الأنصارى عبد الله بن أنيس الأنصارى انتهى قلت قال الخطيب فى كتاب المتفق والمفترق عبد الله بن أنيس ثلاثة فذكرهم فالأولان صحابيان والثالث تابعى فلم يذكر هو ولا غيره تفرد يحيى بن سعيد عن واحد من الثلاثة بل ولا روايته عن واحد منهم وقد ذكر البخارى فى التاريخ هذا الذى أشار إليه الحاكم فقال عبد الله بن أنيس عن أمه وهى بنت كعب بن مالك خرج النبى صلى الله عليه وسلم على كعب بن مالك وهو ينشد قال ابن وهب أنبأنا عمرو بن الحارث عن يحيى ابن سعيد أن عبد الله بن أنيس حدثه ولم يذكر ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل عبد الله بن أنيس هذا فإن كان هذا هو التابعى المذكور فى المتفق والمفترق فلم ينفرد عنه يحيى بن سعيد بل تابعه على الرواية عنه زهرة بن معبد وإن كان غيره فكان يلزم الخطيب أن يجعلهم أربعة ولهم أيضا خامس اسمه عبد الله بن أنيس الأنصارى صحابى
357 روى عنه ابنه عيسى وحديثه عند أبى داود والترمذى وقد فرق بينه وبين عبد الله ابن أنيس الجهنى على بن المدينى وخليفة بن خياط وغيرهما وذكره أبو موسى المدينى فى ذيله على الصحابة وقال فى نسبه الزهرى وقد ذكر الطبرانى حديث هذا في حديث عبد الله بن أنيس الجهنى والله أعلم قوله ومثل فى اتباع التابعين بالمسور بن رفاعة القرظى وذكر أنه لم يرو عنه غير مالك ثم قال وأخشى أن يكون الحاكم فى تنزيله بعض من ذكره بالمنزلة التى جعله فيها معتمدا على الحسبان والتوهم والله أعلم قلت وما خشيه المصنف هو المتحقق فى بعضهم خصوصا المسور بن رفاعة فقد روى عنه جماعة آخرون منهم إبراهيم بن سعد ومحمد بن اسحق كما ذكره ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وذكر ابن حبان فى الثقات رواية بن اسحق عنه وكذلك روى عنه عبد الله بن محمد الفروى وروايته عنه فى كتاب الأدب للبخارى ومنهم عبد الرحمن ابن عروة وأبو بكر بن عبد الله بن أبى سبرة وداود بن سنان المدينى وإبراهيم بن ثمامة
359 النوع التاسع والأربعون معرفة المفردات
قوله ومنها صغدى بن سنان اسمه عمر وصغدى لقب ومع ذلك فلهم صغدى غيره انتهى
والمشهور الذى ذكره الجمهور أن صغديا اسمه لا لقبه هكذا سماه ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وابن حبان في تاريخ الضعفاء وابن عدى فى الكامل والسمعانى فى
360 الأنساب وصرح بأنه اسم له فقال هذه الكلمة وردت فى الأنساب والأسماء فأما فى الأسماء فأبو يحيى صغدى بن سنان العقيلى بصرى وهو ضعيف إلى آخر كلامه وأما القول بأنه لقب له وأن اسمه عمر فحكاه العقيلى فى تاريخ الضعفاء بصيغة التمريض فقال صغدى بن سنان أبو معاوية العقيلى يقال اسمه عمر ثم قال ومن حديثه ما حدثناه محمد بن على المروزى حدثنا محمد بن مرزوق جار هدبة قال حدثنا صغدى بن سنان اسمه عمر يلقب صغدى فذكر له حديثا وقال لا يتابع عليه بهذا الإسناد ولا على شئ من حديثه انتهى وتبعه الدارقطنى فقال فى الضعفاء اسمه عمر وكذا سماه الشيرازى فى الألقاب إلا أنه ذكره فى باب السين سعدى وفى الضعفاء لابن الجوزى اسمه عمرو وتبع ابن الجوزى أيضا العقيلى فى أن كنيته أبو معاوية وهكذا كناه ابن عدى فى الكامل والشيرازى فى الألقاب والمشهور أن كنيته أبو يحيى كذا كناه ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والسمعانى فى الأنساب ولم أر من ذكره فى الكتب المصنفة فى معرفة الكنى بشئ من الكنى كمسلم والنسائى وأبى أحمد الحاكم وأبى بشر الدولابى وأبى عمر بن عبد البر والله أعلم وأما كونه ليس فردا وأن لهم بهذا الاسم غيره فهو كذلك منهم صغدى الكوفى غير منسوب لأبيه قال فيه يحيى بن معين ثقة وذكره ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل ولهم ثالث وهو صغدى بن عبد الله ذكره العقيلى فى الضعفاء وروى له من رواية عنبسة بن عبد الرحمن أحد الضعفاء عنه عن قتادة عن أنس مرفوعا الشاء بركة قال العقيلى حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلا به
361 قوله الدجين بن ثابت بالجيم مصغرا أبو الغصن قيل إنه جحا المعروف والأصح أنه غيره وفيه أمران أحدهما ما ذكره المصنف من أنه فرد هو الذى ذكره البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وغيرهما وخالف فى ذلك ابن عدى فى الكامل فذكره فى الثانى فقال اسمه دجين بن ثابت أبو الغصن اليربوعى البصرى ثم قال دجين العرينى ثم روى عن يحيى بن معين قال حدث ابن المبارك عن شيخ يقال له الدجين العرينى وهو ضعيف قال ابن عدى وهذا الذى قاله يحيى أن دجين العرينى روى عنه ابن المبارك هو عندى الدجين بن ثابت كما قال البخارى الدجين بن ثابت روى عنه ابن المبارك وتبعه صاحب الميزان فى إيراد الترجمتين ثم قال بعد ذكر الثانى أراه الأول الأمر الثانى أن ما صححه المصنف من أن الدجين بن ثابت غير جحا جزم الشيرازى فى الألقاب بخلافه فقال جحا الدجين بن ثابت وروى ذلك أيضا عن يحيى بن معبن ولكن الذى صححه المصنف هو الذى اختاره ابن عدى وابن حبان قال ابن عدى حدثنا ابن قتيبة حدثنى محمد بن محمد الرومى حدثنا يوسف بن بحر سمعت يحيى بن معين يقول الدجين بن ثابت أبو الغصن صاحب حديث عمر من كذب على متعمدا هو جحا قال ابن عدى فهذه الحكاية التى حكيت عن يحيى أن الدجين هذا هو جحا أخطأ عليه من حكاه عنه لأن يحيى أعلم بالرجال من أن يقول هذا والدجين ابن ثابت إذا روى عنه ابن المبارك ووكيع وعبد الصمد ومسلم بن إبراهيم وغيرهم هؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا والدجين أعرابى وقال ابن حبان فى تاريخ الضعفاء فى ترجمة الدجين بن ثابت وهو الذى يتوهم أحداث أصحابنا أنه جحا وليس كذلك انتهى وذكر الجاحظ أن اسم جحا نوح والله أعلم قوله زر بن حبيش التابعى الكبير وفيه نظر فإن زر بن حبيش ليس فردا ولهم غير واحد يسمون هكذا منهم زر بن عبد الله بن كليب الفقيمى قال الطبرانى
362 له صحبة وهو من المهاجرين وهو من أمراء الجيوش فتح خوزستان ذكره أبو موسى المدينى فى ذيله فى الصحابة على بن منده وكذلك ذكره ابن فتحون فى ذيله على الاستيعاب وقال وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا ودعا له النبى صلى الله عليه وسلم وأمره عمر رضى الله عنه على قتال جند نيسابور ذكره سيف والطبرى ومنهم زر بن إربد بن قيس بن لبيد بن ربيعة وزر بن محمد الثعلبى أحد بنى ثعلبة ابن سعد بن ذبيبان بن بغيض وقد ذكر ابن ماكولا الثلاثة المذكورين فى الإكمال وقال فى كل منهم أنه شاعر وفى هذا جواب على المصنف فإنه ترجم هذا النوع بالمفردات الآحاد من أسماء الصحابة ورواة الحديث والعلماء فخرج بذلك الشعراء الذين لا صحبة لهم فيرد عليه الأول فقط لأنه صحابى وأجاب بعض المتأخرين أن مثل هذا لا يرد على البرديجى إنما يرد عليه ما ورد من الأسماء من طبقة ذلك الذى سماه إما من الصحابة أو التابعين كذا قال وفيه نظر وهو وارد على المصنف قطعا لأنه لم يقيد ذلك بطبقة والله أعلم قوله سعير بن الخمس انفرد فى اسمه واسم أبيه انتهى وليس سعير فردا وقد ذكر غير واحد فى الصحابة اثنين بهذا الاسم أحدهما سعير بن عداء البكائى ذكره الباوردى فى الصحابة وأن النبى صلى الله عليه وسلم كتب له من محمد رسول الله إلى سعير بن عداء إنى أحضرتك الرخيج وجعلت لك فضل ابن السبيل أورده ابن فتحون فى ذيله على الاستيعاب وذكره ابن منده وأبو نعيم أيضا إلا أنهم لم ينسباه البكائى ونسباه القريعى وقالا يعد فى الحجازيين والثانى سعير بن سوادة العامرى أتى النبى صلى الله عليه وسلم ذكره ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة قال أبو نعيم وقيل هو سفيان بن سوادة والله أعلم قوله سندر الخصى مولى زنباع الجذامى له صحبة انتهى اعترض عليه بأن فى الصحابة اثنين بهذا الاسم أحدهما سندر هذا يكنى أبا عبد الله ذكره ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر والثانى سندر يكنى أبا الأسود ذكره وأبو موسى المدينى فى ذيله فى الصحابة
363 على ابن منده وذكر له حديث أسلم سالمها الله الحديث وهذا يقتضى أنه عند أبى موسى آخر والجواب عنه أن الصواب أنهما واحد وكنيته أبو الأسود كما كناه البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والنسائى فى الكنى وغيرهم وإنما كناه من كناه بأبى عبد الله كما فعل الطبرانى فى المعجم الكبير بابنه عبد الله الذى روى عنه أحد الحديثين وهو قد نزل مصر وإنما روى عنه الحديث الذى ذكره أبو موسى أهل مصر وقد قال الحافظ أبو عبيد الله محمد بن الربيع الجيزى فى كتاب له جمع فيه حديث من دخل مصر من الصحابة فى ترجمة سندر ولأهل مصر عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم حديثان لا أعلم له غيرهما ثم روى له الحديثين معا وقال أبو الحسن بن الأثير الجزرى يغلب على ظنى أنهما واحد ودليله أنهما من أهل مصر انتهى قوله صنابح بن الأعسر الصحابى ومن قال فيه صنابحى فقد أخطأ انتهى اعترض عليه بأن أبا نعيم ذكر له الصحابة آخر اسمه صنابح وكذلك ذكره أبو موسى المدينى فى ذيله على ابن منده وذكرا له حديثا متنه لا تزال هذه الأمة فى مسكة من دينها ما لم يكلوا الجنايز إلى أهلها والجواب أن أبا نعيم بعد أن أورده قال هو عندى المتقدم أورده بعض المتأخرين ترجمة انتهى وقد تقدم أن الذكر الحديث فى المعجم الكبير فى ترجمة الصنابح بن الأعسر ولكنه قال فى المسند الصنانجي بالياء آخر الحروف وانصاب حذفها كما ذكره المصنف والله أعلم
364 قوله عزوان بن زيد الرقاشى بعين غير معجمة عبد صالح تابعى انتهى اعترض عليه بأن لهم عزوان آخر لم ينسب تابعى أيضا ذكره ابن ماكولا فى الإكمال بعد ذكر الأول وقال إنه من أصحاب أبى موسى روى عن أنس بن مالك قال ما أصنع بالضحك والجواب أن ابن ماكولا بعد أن ذكره قال لعله ابن زيد الذى قبله انتهى وكذلك لم يذكره الدارقطنى بل اقتصر على الأول وكذلك ذكره البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل فى الإفراد قلت ولا يعرف له رواية وإنما روى عنه شئ من قوله كما أشار إليه البخارى وابن أبى حاتم وذكر الدارقطنى فى المؤتلف والمختلف عن السرى بن يحيى أن عزوان الرقاشى كان يختلف إلى مجلس ثابت مجلس القصص قوله المستمر بن الريان رأى أنسا انتهى وليس المستمر هذا فردا فإن لهم المستمر التاحى وكلاهما بصرى وهو والد إبراهيم بن المستمر العروقى روى له ابن ماجه حديثا رواه عن أبيه إبراهيم بن المستمر العروقى عن أبيه المستمر عن عيسى بن ميمون عن عون بن أبى شداد عن أبى عثمان النهدى عن سلمان الفارسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من غدا إلى صلاة الصبح غدا براية الإيمان الحديث قال صاحب الميزان انفرد عنه ابنه إبراهيم قوله نبيشة الخير صحابى انتهى وليس نبيشة فردا فإن لهم نبيشة آخر صحابى أورده ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة وتوفى فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم وهو الذى
365 روى أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلا يلبى عنه والحديث رواه الدارقطنى والبيهقى من حديث ابن عباس قال سمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلا يلبى عن نبيشة فقال أيها الملبى عن نبيشة هذه عن نبيشة فاحجج عن نفسك ولهم شيخ آخر اسمه نبيشة ابن أبى السلمى روى عنه رشيد أبو موهب ذكره ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وقال سمعت أبى يقول إنه مجهول انتهى ويجاب عن المصنف بأنه تبع فى ذلك البخارى فإنه ذكر نبيشة الخير فى التاريخ الكبير فى الإفراد وأما نبيشة المذكور فى الحج فإنه لا يصح حديثه انفرد به الحسن بن عمارة وهو متروك الحديث والمعروف من حديث ابن عباس لبيك عن شبرمة وقد رواه الحسن بن عمارة أيضا هكذا مثل رواية غيره رواه الدارقطنى والبيهقى أيضا قال الدارقطنى هذا هو الصحيح عن ابن عباس والذى قبله وهم يقال أن الحسن بن عمارة كان يرويه ثم رجع عنه إلى الصواب فحدث به على الصواب موافقا لرواية غيره عن ابن عباس وهو متروك الحديث على كل حال انتهى فأما نبيشة الثالث فهو مجهول كما تقدم قوله نوف البكلى تابعى انتهى وليس نوفى فردا فأما نوف هذا فهو نوف بن فضالة كذا نسبه البخارى وابن أبى حاتم وابن حبان وغيرهم وهو ابن امرأة كعب الأحبار وله ذكر فى الصحيحين فى حديث ابن عباس عن أبى فى قصة الخضر مع موسى عليهما السلام وأما نوف الآخر فهو نوف بن عبد الله روى عن على بن أبى طالب قصة طويلة
366 ذكر ابن أبى حاتم منها قال بت مع على بن أبى طالب فقال يا نوف أنائم أنت أم رامق روى عنه سالم بن أبى حفصة وفرقد السبخى وقد ذكر ابن حبان الترجمتين معا فى ثقات التابعين وقد قيل إن لهم ثالثا اسمه نوف بن عبد الله أيضا قال ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل كأن البخارى جعل نوف بن عبد الله اسمين فسمعت أبى يقول هما واحد وكتب بخطه ذلك انتهى قلت ولم يذكر البخارى فى التاريخ الكبير غير نوف بن فضالة البكالى فى الافراد فلا أدرى أين ذكر البخارى نوف بن عبد الله اثنين والله أعلم قوله أبو المدلة بكسر الدال المهملة وتشديد اللام وروى عنه الأعمش وابن عيينة وجماعة ولا نعلم أحدا تابع أبا نعيم الحافظ فى قوله أن اسمه عبيد الله بن عبد الله المدنى انتهى وفيه أمران أحدهما أن قوله روى عنه الأعمش وابن عيينة وجماعة وهم عجيب ولم يرو عن أبى المدلة واحد من المذكورين أصلا وقد انفرد بالرواية عنه أبو مجاهد الطائى واسمه سعد هذا مالا أعلم فيه خلافا بين أهل الحديث ولم يذكر له ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وابن حبان فى الثقات وأبو أحمد الحاكم فى الكنى وغيرهم ممن صنف فى أسماء الرجال فيما وقفت عليه راويا غير سعد أبى مجاهد الطائى وصرح بذلك على بن المدينى فقال أبو مدلة مولى عائشة لا يعرف اسمه مجهول لم يرو عنه غير أبى مجاهد وسبب هذا الوهم الذى وقع للمصنف أنه اشتبه عليه ذلك بأبي مجاهد الذى روى عن أبى مدلة فإنه روى عنه الأعمش وسفيان بن عيينة وآخرون وليس أبو مجاهد من أفراد الكنى فإن لهم جماعة يكنون بأبى مجاهد والله أعلم
367 الأمر الثانى أن أبا نعيم لم ينفرد بتسميته عبيد الله بن عبد الله بل كذلك سماه ابن حبان فى الثقات وجزم أبو أحمد الحاكم فى الكنى بأنه أخو سعيد بن يسار وروى بإسناده عن البخارى أنه قال أبو مدلة صاحب عائشة قال خلاد بن يحيى عن سعدان الجهنى عن سعد الطائى عن أبى مدلة أخى سعيد بن يسار قال وقال الليث بن سعد أبو مزيد ولا يصح قلت والمعروف أن أخا سعيد بن يسار إنما هو مزرد لا أبو مدلة وهو أيضا من الأفراد فى الكنى واسم أبى مزرد عبد الرحمن بن يسار كما ذكره أحمد بن صالح وأبو أحمد الحاكم فى الكنى وبه جزم المزى فى التهذيب وهو والد معاوية بن أبى مزرد أحد من احتج به الشيخان والله أعلم قوله مندل بن على هو بكسر الميم عن الخطيب وغيره ويقولونه كثيرا بفتحها انتهى قلت قال الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر الصواب فيه فتح الميم كذا نقلته من خط الحافظ أبى الحجاج يوسف بن خليل أنه نقله من خط ابن ناصر
368 النوع الموفى خمسين معرفة الأسماء والكنى
قوله وهذا كأبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومى أحد فقهاء المدينة السبعة وكان يقال له راهب قريش اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن انتهى
369 وهذا الذى جزم به المصنف من أن اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن قول ضعيف رواه البخارى فى التاريخ عن سمى مولى أبى بكر بن عبد الرحمن وفيه قولان آخران أحدهما أن اسمه محمد وكنيته أبو بكر وهو الذى ذكره البخارى فى التاريخ فى المحمدين وذكر من رواية شعيب ويونس ومعمر وصالح عن الزهرى أنه سماه كذلك ثم ذكر فى آخر الترجمة قول سمى المتقدم والقول الثالث وهو الصحيح أن اسمه كنيته وبهذا جزم ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وابن حبان فى الثقات وقال المزى فى التهذيب إنه الصحيح قوله ومن غير الصحابة أبو الأبيض الراوى عن أنس بن مالك انتهى وما ذكره المصنف من أن أبا الأبيض لا يعرف اسمه مخالف لما ذكره ابن أبى حاتم فى الكنى فإنه قال فى كتاب له مفرد فى الكنى أن اسمه عيسى وقال فى الجرح والتعديل
370 فى باب تسمية من اسمه عيسى ممن لا ينسب عيسى بن الأبيض العنسى يروى عن أنس ابن مالك روى عنه ربعى بن حراش وإبراهيم بن أبى عبلة هكذا ذكر فى الأسماء منه ثم قال فى أواخر الكتاب فى ذكر من روى عنه العلم ممن عرف بالكنى ولا يسمى فى باب الافراد من الكنى من باب الألف أبو الأبيض روى عن أنس بن مالك روى منصور بن المعتمر عن ربعى بن حراش عنه سمعت أبى يقول ذلك سئل أبو زرعة عن أبى الأبيض الذى يروى عن أنس فقال لا يعرف اسمه انتهى وهذا مخالف لما قاله فى الأسماء ومخالف لما ذكره فى كتاب الكنى المفردة ولم أر أحدا ممن صنف فى الكنى أن اسمه عيسى ولا ذكروا له اسما آخر وقد أجاب أبو القاسم بن عساكر فى تاريخ دمشق عن هذا الاضطراب الذى وقع فيه ابن أبى حاتم بل قال لعل ابن أبى حاتم وجد فى بعض رواياته أبو الأبيض عنسى فتصحف عليه بعيسى والله أعلم قوله أبو النجيب مولى عبد الله بن عمرو بن العاص بالنون المفتوحة فى أوله وقيل بالتاء المضمومة باثنتين من فوق انتهى وفيه أمران أن أحدهما أبا النجيب المذكور ليس هو مولى عبد الله بن عمرو ابن العاص وإنما هو مولى عبد الله بن سعد بن أبى سرح كما ذكره ابن يونس فى تاريخ مصر وابن حبان فى الثقات وابن ماكولا فى الإكمال وعبد الكريم الحلبى فى تاريخ مصر وبه جزم المزى فى التهذيب ولا أعلم بينهم فى ذلك اختلافا الأمر الثانى أن ذكر المصنف لأبا النجيب هذا فيمن لا يعرف اسمه ليس بجيد فقد روى أبو عمر الكندى فى موالى أهل مصر بإسناده إلى عمرو بن سواد أن اسم أبا النجيب ظليم وبه جزم بن ماكولا فى الإكمال فى موضعين من كتابه فى باب الباء الموحدة وفى باب الظاء المعجمة بأنه ظليم بفتح الظاء المعجمة وكسر اللام وبه جزم عبد الكريم فى تاريخ مصر وحكاه قبل ذلك يونس فى تاريخ مصر فقال يقال أن اسمه ظليم ولم يصح انتهى فكان ينبغى للمصنف أن يمثل بمن لم يذكر له اسم أصلا وفى قول لبعض العلماء والله أعلم
372 قوله سليمان بن بلال المدنى أبو بلال وقيل أبو محمد انتهى وفيما صدر به المصنف كلامه عن تكنيته بأبى بلال نظر فإنى لم أجد أحدا ممن صنف فى أسماء الرجال كناه بذلك والمعروف إنما هو أبو أيوب وبه جزم البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والنسائى فى الكنى وبه صدر ابن حبان فى الثقات كلامه والذين حكوا الخلاف فى كنيته اقتصروا على قولين إما أيوب وإما أبو محمد كذا فى ثقات ابن حبان والتهذيب للمزى والأول أشهر كنى بابنه أيوب ابن سليمان بن بلال والله أعلم
374 النوع الحادى والخمسون معرفة كنى المعروفين بالأسماء والكنى
قوله فممن يكنى بأبى محمد من هذا القبيل من الصحابة فذكر جماعة منهم ثابت ابن قيس بن شماس انتهى
وحق هذا أن يذكر فى النوع الذى قبله فى الضرب الخامس منه وهو ممن اختلف فى كنيته واسمه معروف فإن ثابت بن قيس قد اختلف فى كنيته ومع ذلك فقد رجح المزى في التهذيب أن كنيته أبو عبد الرحمن فقال ثابت بن قيس بن شماس أبو عبد الرحمن ويقال أبو محمد وكأنه تبع فى ذلك ابن حبان فإنه قال فى الصحابة كنيته أبو عبد الرحمن وقد قيل أبو محمد ولم يكنه البخارى فى التاريخ الكبير ولا ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل ولا النسائى فى الكنى وكأن المصنف تبع فى ذلك ابن منده وابن عبد البر فإن ابن منده جزم بأن كنيته أبو محمد ورجحه ابن عبد البر أيضا فقال يكنى أبا محمد بابنه محمد وقيل يكنى أبا عبد الرحمن وكذا فعل أبو أحمد الحاكم فى الكنى ومع ذلك فكان المكان اللائق به الضرب الخامس من النوع الذى قبله والله أعلم
375 قوله فيمن يكنى أبا محمد من الصحابة عبد الله بن جعفر بن أبى طالب فيه نظر من حيث أن المعروف أن كنيته أبو جعفر هكذا كناه البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والنسائى فى الكنى وابن حبان والطبرانى وابن منده وابن عبد البر فى كتبهم فى الصحابة وكأن المصنف اغتر بما وقع فى الكنى النسائى فى حرف الميم أبو محمد عبد الله بن جعفر ثم روى بإسناده أن الوليد بن عبد الملك قال لعبد الله بن جعفر يا أبا محمد انتهى ثم قال بعد ذلك فى حرف الجيم أبو جعفر عبد الله بن جعفر بن أبى طالب المدنى فلم ينسب عبد الله ابن جعفر المكنى بأبى محمد إلى جده واستدل على كنيته بقول الوليد بن عبد الملك ونسبه عند ذكر تكنيته بأبى جعفر وقد روى البخارى فى التاريخ الكبير بإسناده إلى ابن الزبير أنه قال لعبد الله بن جعفر يا أبا جعفر وذكر البخارى أيضا أن ابن إسحق كناه أبا جعفر وابن الزبير عرف بعبد الله بن جعفر من الوليد ابن عبد الملك إن كان النسائى أراد بعبد الله بن جعفر المذكور ابن أبى طالب وهو الظاهر وإن كان أراد به غيره فلا مخالفة والله أعلم قوله فيمن يكنى أبا عبد الله عمارة بن حزم ينظر فيه فإنى لم أر من كناه بذلك ولم يذكروا له كنية فيما وقفت عليه كالبخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والنسائى وأبى أحمد الحاكم وابن حبان وابن منده وابن عبد البر
376 قوله فيمن يكنى بأبى عبد الله وعثمان بن حنيف فيه نظر من حيث أن المشهور أن كنيته أبو عمرو ولم يذكر المزى فى التهذيب له كنية وبه صدر ابن عبد البر فى الاستيعاب كلامه وكثير من الأئمة لم يذكروا له كنية كالبخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وابن منده فى الصحابة نعم جزم بن حبان بما ذكره المصنف وذكره أبو أحمد الحاكم فى البابين معا فى باب أبى عبد الله وفى باب أبى عمرو والله أعلم قوله فيمن يكنى بأبى عبد الله والمغيرة بن شعبة فيه نظر فإن المشهور أن كنيته أبو عيسى هكذا جزم به النسائى فى الكنى وبه صدر أبو أحمد الحاكم فى الكنى كلامه وهكذا صدر به المزى كلامه نعم صدر البخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم وابن حبان كلامهم بما ذكره المصنف قوله فيمن يكنى بأبى عبد الله معقل بن يسار وعمرو بن عامر المزنيان فيه نظر فيهما معا أما معقل بن يسار فإن كنيته أبو على على المشهور وهو قول الجمهور على بن المدينى وخليفة بن خياط وعمرو بن على الفلاس وأحمد بن عبد الله بن صالح العجلى وبه جزم ابن منده فى معرفة الصحابة وبه صدر البخارى فى كلامه فى التاريخ الكبير وكذلك ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وابن حبان فى طبقة الصحابة والنسائى فى الكنى
377 وأما ما جزم به المصنف من أنه أبو عبد الله فهو قول إبراهيم بن المنذر الحزامى حكاه أبو أحمد الحاكم فى الكنى عنه والمشهور ما قدمناه قال العجلى لا نعلم أحدا من الصحابة يكنى بأبى على غير معقل بن يسار قلت بلى قيس بن عاصم وطلق بن على من الصحابة كلاهما يكنى بأبى على كما ذكره النسائى فى الكنى وغيره والله أعلم وأما عمرو بن عامر المزنى فإنى لا أعرف فى الصحابة من تسمى عمرو بن عامر إلا اثنين أحدهما ما ذكره أبو عبد الله بن منده فى معرفة الصحابة فقال عمرو بن عامر بن مالك بن خنساء بن مبذول بن مازن بن النجار أبو داود المازنى شهد بدرا قاله محمد بن يحيى الذهلى انتهى فهذا كما تراه ليس مزنيا ولا كنيته أبو عبد الله وإنما هو مازنى وكنيته أبو داود وقد تخبط فيه ابن منده فذكره أيضا بعد ذلك فقال عمرو بن مازن من بنى خنساء بن مبذول شهد بدرا قاله محمد بن إسحق لا تعرف له رواية انتهى وعلى كل حال فقد وهم على بن إسحاق من سماه عمرا وإنما هو عمير بن عامر هذا هو الصواب وهكذا سماه محمد بن إسحق وذكره على الصواب ابن عبد البر وابن منده أيضا فى باب عمير وهو مشهور بكنيته قاله ابن عبد البر ثم ذكره فى الكنى وحكى الخلاف فى اسمه هل هو عمرو أو عمير وعلى كل تقدير فليس مزنيا وليست كنيته أبا عبد الله وأما عمرو بن عامر الثانى فذكره ابن فلحون فى ذيله على الاستيعاب فقال عمرو بن عامر بن ربيعة بن عودة بن ربيعة بن عمر بن عامر بن البكاء أحد بنى عامر بن صعصعة فهذا كما تراه ليس مزنيا ولا يكنى أيضا بأبى عبد الله والظاهر أن ما ذكره المصنف سبق قلم وإنما هو عمرو بن عوف المدنى فإن كنيته أبو عبد الله كما جزم به ابن منده وابن عبد البر والله أعلم وقد ذكر المصنف فى هذا النوع جماعة اختلف فى كناهم وهم كعب بن عجرة ومعقل ابن سنان وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الرحمن بن أبى بكر الصديق وجبير بن مطعم وحويطب بن عبد العزى ومحمود بن الربيع والفضل بن العباس ورافع بن خديج وكعب بن مالك وجابر بن عبد الله وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ومعاذ بن جبل وزيد بن الخطاب
378 ومحمد بن مسلمة وزيد بن خالد وبلال بن رباح فكل هؤلاء مختلف فى كناهم وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله فى آخر النوع وفى بعض من ذكرناه من قبل فى كنيته غير ما ذكرناه والله أعلم وعلى هذا فاللائق بهؤلاء أن يذكروا فى الضرب الخامس من النوع الذى قبله وإنما اعترضت عليه بمن رجح فى كنيته غير ما حزم به المصنف على أن المزى قد رجح خلاف ما جزم به المصنف فى كنية محمود بن الربيع والفضل في العباس ومحمد فى مسلمة وبلال فى فى رباح فصدر كلامه بأن كنية محمود فى الربيع أبو نعيم وان كنية كل من الفضل ومحمد ابن سلمة وبلال بن رباح أبو عبد الله والله أعلم
381 النوع الثالث والخمسون معرفة المؤتلف والمختلف
قوله فمن القسم الأول سلام وسلام جميع ما يرد عليك من ذلك فهو بتشديد اللام إلا خمسة فذكرهم قلت بقى عليه أربعة آخرون أو ثلاثة بالتخفيف أحدهم سلمة فى سلام أخو عبد الله فى سلام ذكره ابن منده فى الصحابة وذكر ابن فتحون فى ذيله على الاستيعاب أنه ابن أخى عبد الله فى سلام ولم يسم أباه وقد يقال ذكر المصنف لعبد الله ان سلام كاف عن ذكر هذا لأنه عرف أن أخاه وابن أخيه منسوبان إلى سلام والد عبد الله
382 والثانى سلام ابن اخت عبد الله بن سلام ذكره ابن فتحون فى الصحابة فى ذيله على الاستيعاب فى إفراد حرف السين والثالث سلام أحد أجداد أبى نصر النسفى واسم أبى نصر محمد بن يعقوب بن إسحق بن محمد بن موسى بن سلام النسفى السلامي مخفف النسب أيضا نسب إلى جده توفى بعد الثلاثين وأربعمائة ذكره الذهبى فى مشتبه النسبة والرابع سلام بن جد سعد بن جعفر بن سلام السيدى مات سنة أربع عشرة وستمائة ذكره ابن نقطة فى التكملة قوله ليس لنا عمارة بكسر العين إلا أبى بن عمارة من الصحابة ومنهم من ضمه ومن عداة عهمارة بالضم والله أعلم انتهى قلت يرد على إطلاقه عمارة بفتح العين وتشديد الميم ومن ذلك عبد الله بن زياد ابن عمرو بن زمزمة بن عمرو بن عمارة البلوى شهد بدرا وهو المعروف بالمجذر ويزيد وبحاث وعبد الله بنو ثعلبة بن خزمة بن اصرم بن عمرو بن عمارة معدودون فى
383 الصحابة شهد يزيد العقبتين وشهد بحاث وعبد الله بدرا وبنوا عمارة البلوى بطن منهم ومدرك بن عبد الله بن القمقام بن عمارة ولاه عمر بن عبد العزيز الجزيرة ذكرهم الدارقطنى وابن ماكولا وجعفر بن أحمد بن على بن عبد الله بن عمارة الحربى روى عن سعيد بن البنا وولداه قاسم وأحمد ابنا جعفر بن أحمد بن عمارة وأبو عمر محمد ابن عمر بن على بن عمارة الحربى ذكرهم ابن نقطة فى التكملة وأبو القاسم محمد ابن عمارة النجار الحربى ذكرهم الذهبى وفى النسوة جماعة بهذا الإسم منهن عمارة بنت عبد الوهاب بن أبى سلمة الحمصية وعمارة بنت نافع بن عمر الجمحى وعمارة جدة أبى يوسف محمد بن أحمد الصندانى الرقى يروى عن أبى ظلال القسملى روى عنها أبو يوسف ذكرهن ابن ماكولا فى الإكمال وأما كون والد أبى بن عمارة فردا فهو مشهور وهو الذى اقتصر عليه ابن ماكولا وغير واحد إلا أن الدارقطنى قال أن قريشا يقال لها عمارة بكسر العين وهذا لا يختص بقريش وإنما قاله الدارقطنى مثالا لما دون القبائل وفوق البطون من العرب فإنه قال وما كان من فوق بطون العرب دون قبائلهم فهى عمارة بكسر العين قال الزبير كن بكار العرب على ست طبقات شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة وما بينها من الآباء فإنما يعرفها أهلها فمضر شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ وبنو العباس فصيلة انتهى
وقد نظمتها فى بيت
للعرب العربا طباق عده فصلها الزبير وهى سته
أعم ذاك الشعب فالقبيله عمارة بطن فخذ فصيله
384 قوله حزام بالزاى فى قريش وحرام بالراء المهملة فى الأنصار والله أعلم انتهى والمراد مع كسر الحاء المهملة فى الأول وفتحها فى الثانى وقد يتوهم من عبارة الشيخ أنه لا يقع الأول إلا فى قريش ولا الثانى إلا فى الأنصار وليس ذلك مراد المصنف وإنما أراد أن ما وقع من هذا فى قريش يكون بالمزاى وما وقع من ذلك فى الأنصار يكون بالراء وقد ورد الأمران فى عدة قبائل غير قريش والأنصار وأكثر ما وقع فى بقية القبائل بالراء المهملة ووقع الأمران معا فى خزاعة فمن الأول فى خزاعة أبو صخر خنيس بن خالد الأشعر بن ربيعة بن اصرم وقيل الأسعر بن خليف بن منقذ بن اصرم بن خنيس بن حرام بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعى وقال ابن عبد البر حبشية بن كعب بن عمرو وهو أبو خزاعة انتهى وقتل حبيش يوم فتح مكة مع خالد بن الوليد وابن ابنه حزام بن هشام بن حبيش روى عن أبيه عن أم معبد قصتها المشهورة فى الهجرة روى عنه أبو النضر هاشم بن القاسم وابن ادريس والقعنبى وأم معبد واسمها عاتكة بنت خليف وقيل عاتكة بنت خالد بن خليف بن منقذ بن ربيعة بن اصرم بن حبيش بن حزام بن حبشية الخزاعية وهى عمة حبيش المذكور على الأول وهى أخته على القول الثانى وبه جزم ابن عبد البر ذكرهم ابن ماكولا فى الإكمال ومن الثانى فى خزاعة أيضا ما حكاه الدارقطنى وابن ماكولا عن ابن حبيب أن فى خزاعة حزام بن حبشية بن كعب بن سلول بن كعب قلت هكذا ذكر ابن ماكولا حرام بن حبشية وحرام بن حبشية فيهما جميعا والظاهر
385 أنه واحد اختلف فى ضبطه وبيان نسبه فجعله ابن حبيب بالراء المهملة وجعله غيره بالزاى ويحتمل أن حرام بن حبشية وحزام بن حبشية أخوان وهو لقبه ووقع حزام بالزاى فى بنى عامر بن صعصعة وبنى عامر ابن كلاب فمن بنى عامر بن صعصعة حزام بن ربيعة ابن مالك العامرى من بنى عامر بن صعصعة أخو لبيد بن ربيعة الشاعر وابنه عبد الله ابن حزام بن ربيعة قتله المختار بن أبى عبيد ومن بنى عامر بن كلاب أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر بن كعب بن عامر بن كلاب تزوجها على بن أبى طالب وحزام بن إسمعيل العامرى لا أدرى من أى بنى عامر هو فقد ذكره ابن أبى حاتم وابن ماكولا منسوبا غير مبين والله أعلم ووقع حرام بالراء فى بلى وخثعم وجذام وتميم بن مر وخزاعة وعذرة وفزارة وهذيل وغفار والنخع وكنانة وبنى يعمر ففى بلى حرام بن عوف البلوى وفى خثعم حرام ابن عبد عمرو الخثعمى وقال ابن حبيب فى بلى حرام بن جعل بن عمرو بن جشم بن ودم قال وفى جذام حرام بن جذام قال وفى تميم بن مر حرام بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم قال وفى عذرة حرام بن ضنة وقال الزبير بن بكار حن ورزاح ابنا ربيعة ابن حرام بن ضنة أخوا قصى بن كلاب لأمه ومن ولده جميل بن معمر الشاعر وفى فزارة حرام بن وابصة الفزارى أحد بنى قيس بن عمرو بن تومة بن مخاشن بن لأى بن سمخ ابن فزارة شاعر فارس ذكره الآمدى وفى هذيل الداخل بن حرام شاعر منهم وقال الأصمعى الداخل اسمه زهير بن حرام أحد بنى سهل بن معاوية بن هذيل وفى غفار حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة ابن بكر بن عبد مناة من ولده أبو ذر الغفارى وأبو سريحة الغفارى وفى النخع حرام بن إبراهيم النخعى وفى كنانة حرام بن ملكان بن كنانة بن خزيمة بن مدركة وفى بنى يعمر شبيب بن حرام بن نبهان بن وهب بن لقيط بن يعمر ويعمر هو الشداخ شهد شبيب الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ابن الكلبى والطبرى والله أعلم
386 قوله السفر بإسكان الفاء والسفر بفتحها وجدت الكنى من ذلك بالفتح والباقى بإسكان الفاء انتهى قد يرد على قوله والباقى بإسكان الفاء أن لهم فى الأسماء وفى الكنى ما هو بإسكان القاف ولهم ما هو بالشين المعجمة والقاف كما ستراه فأما سقر فى الأسماء بسكون القاف فجماعة منهم سقر بن عبد الرحيم وهو ابن أخى شعبة وسقر بن حبيب الغنوى حدث عن عمر بن عبد العزيز وسقر بن حبيب آخر روى عن أبى رجاء العطاردى وسقر بن عبد الله روى عن عروة وسقر بن عبد الرحمن بن مالك بن مغول شيخ لأبى يعلى الموصلى وسقر بن حسين الحذاء شيخ لأحمد بن على الأبار وسقر ابن عباس المالكى شيخ لمطين وأما فى الكنى فأبو السقر يحيى بن يزداد شيخ لأحمد بن العباس البغوى وأما الشقر بفتح الشين المعجمة وكسر القاف فهو معاوية الشقر شاعر لقب بذلك ببيت قاله وهو معاوية بن الحرث بن تميم بن مر والبيت المذكور قوله وقد أحمل الكعب الأصم كعوبه به من دماء القوم كالشقرات هكذا ذكر السمعانى فى موضع من الأنساب أن معاوية بن الحرث يقال له الشقر وأن هذا البيت له وكذا قال ابن ماكولا فى الإكمال فى باب السين المهملة وخالف ذلك فى باب الشين المعجمة فقال إن معاوية بن الحرث هذا شقرة بزيادة هاء التأنيث فى آخره وهذا هو المشهور وبه جزم الدارقطنى وحكاه عن ابن حبيب وكذا جزم به الرشاطى فى الأنساب وحكاه عن ابن الكلبى وكذا حكاه السمعانى فى أول ترجمة الشقرى عن ابن الكلبى وعن ابن حبيب أيضا إلا أن الرشاطى حكى عن ابن حبيب أن البيت المذكور قاله شقرة بن بكرة بن كثير فسمى به وظاهر كلام الدارقطنى أن البيت قاله شقرة بن ربيعة ابن كعب والمشهور الأول أنه قاله معاوية بن الحرث وهو قول الكلبى وأبى عبيد القاسم بن سلام وهو الذى نقله ابن السمعانى عن ابن حبيب أيضا والله أعلم
387 قال ابن حبيب والشقرات الشقائق قال وإنما سمى شقائق النعمان لأن النعمان بنى مجلسا وسماه ضاحكا وزرع هذه الشقرات فسميت شقائق النعمان والظاهر أن المصنف إنما أراد ضبط ما هو بالفاء فقط فلا يرد عليه ما هو بالقاف وإنما ذكرته لبيان الفائدة قوله عند ذكر عسل بن ذكوان أنه بفتح العين والسين المهملتين ووجدته بخط الإمام أبى منصور الأزهرى فى كتابه تهذيب اللغة بالكسر والإسكان أيضا ولا أراه ضبطه والله أعلم انتهى وقد اعترض عليه بعض المتأخرين بأنه لم ير هذا فى التهذيب للأزهرى فإن أراد أنه ليس فى التهذيب فى باب العين والسين مع اللام فهو كما ذكر فقد نظرته فلم أجده فيه ولكن لا يلزم من كونه ليس فى هذا الباب أن لا ينقل الأزهرى عنه شيئا فى بقية كتابه فإنه إخبارى ينقل كلامه وهذا هو الظاهر فإن المصنف رآه فى التهذيب بخطه فلا يرد عليه بقول من لم يره فى هذا الباب والله أعلم قوله غنام بالغين المعجمة والنون المشددة وعثام بالعين المهملة والثاء المثلثة المشدودة لا يعرف من القبيل الثانى غير عثام بن على العامرى والد على بن عثام الزاهد والباقون من الأول انتهى
388 قلت بل لهم من القبيل الثانى أيضا حفيد المذكور وهو عثام بن على بن عثام بن على العامرى والله أعلم قوله مسور ومسور أما مسور بضم الميم وتشديد الواو وفتحها فهو مسور ابن يزيد المالكى الكاهلى له صحبة ومسور بن عبد الملك اليربوعى روى عنه معن بن عيسى ذكره البخارى ومن سواهما فيما نعلم بكسر الميم وإسكان السين والله أعلم انتهى لم يذكر الدارقطنى وابن ماكولا بالتشديد إلا مسور بن يزيد المالكى فقط وقالا ان مسورا بالتخفيف جماعة ولم يستدرك ابن نقطة عليهما غيرهما ولا من ذيل على ابن نقطة نعم تبع ابن الصلاح الذهبى فى المشتبه وأما ما حكاه المصنف عن البخارى من جعله مسور بن عبد الملك بالتشديد فقد اختلف نسخ التاريخ الكبير فى هذا مع اتفاق ما وقفت عليه من النسخ الصحيحة على ذكره فى باب مسور بالتخفيف فذكره فى باب مسور بن مخرمة والذى وقفت عليه منه ثلاث نسخ صحيحة ولم يذكره فى أقدم النسخ الثلاثة فى غير هذا الباب وذكره فى النسختين الأخيرتين فى باب الواحد أيضا فذكر مسور بن يزيد الكاهلى ثم ذكر بعده مسور بن عبد الملك وذكر فى كل من البابين أنه روى عنه معن بن عيسى زاد فى باب مسور المخفف أنه روى عنه ابن وهب أيضا وعلى هذا فيسأل كيف ذكره فى باب الواحد وذكر فيه اسمين وقد يجاب بأن عادته يقدم ذكر الصحابة فى أول كل باب فلعله أراد أن مسور بن يزيد فرد فى الصحابة ومسور بن عبد الملك فرد فيمن بعد الصحابة ولم يذكر مسور بن عبد الملك فى أقدم نسخ التاريخ التى وقفت عليها فى باب الواحد بل اقتصر على ذكره فى باب مسور بن مخرمة وهذا يدل على أنه عنده مخفف وأما ايراده فى النسختين الأخيرتين فى البابين فيحتمل أنه للاختلاف فى ضبطه أو أنه لم يتحرر عنده من أى البابين هو فأورده فيهما ورأيته فى النسخة القديمة من التاريخ أيضا التى لم يذكر فيها فى باب الواحد مسور بن عبد الملك ذكر مسور
389 ابن يزيد الصحابى ثم ذكر بعده محيصة بن مسعود الصحابى ثم ذكر بعده مسور بن مرزوق من التابعين وهذا يدل على أن ابن مرزوق أيضا بالتشديد وفصله بينهما بمحيصة دال على ما ذكرناه من الجواب المتقدم أن ذكر الصحابة أولا فى باب الواحد ثم انتقل إلى الإفراد فى التابعين ومن بعدهم وهو يرجح كون المسور بن مرزوق بالتشديد وأما ابن أبى حاتم فإنه ذكر الثلاثة المذكورين فى باب مسور المخفف الذى ذكر فيه المسور بن مخرمة ولم يذكر أحدا فى الإفراد مشددا والله أعلم قوله الحمال والجمال لا نعرف فى رواة الحديث أو فيمن ذكر منهم فى كتب الحديث المتداولة الحمال بالحاء المهملة صفة لا إسما إلا هارون بن عبد الله الحمال والد موسى بن هارون الحمال الحافظ حكى عبد الغنى الحافظ أنه كان بزازا فلما تزهد حمل إلى أن قال ومن عداه الجمال بالجيم انتهى
390 وفيه أمور أحداها أن ما حكاه المصنف أن عبد الغنى بن سعيد من أن هارون الحمال كان بزازا قبل أن يحمل خالفه فيه ولده موسى بن هارون الحافظ وهو أعرف بأبيه فقال إن أباه كان حمالا ثم تحول إلى البز حكاه أبو محمد بن الجارود فى كتاب الكنى والذى نقله المصنف عن عبد الغنى حكاه عنه القاضى أبو الطاهر الذهلى الأمر الثانى أن المصنف احترز بقوله صفة لا إسما عمن اسمه حمال منهم حمال بن مالك الأسدى شهد القادسية وأبيض بن حمال المازنى صحابى له فى السنن أحاديث والأغر ابن عبيد الله بن الحارث بن حمال شاعر فارس من بكر بن وائل الأمر الثالث إنه قد روى الحديث جماعة موصوفون بالحمال منهم بنان بن محمد الحمال الزاهد أحد أولياء مصر سمع الحديث من يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان المرادى والحسن بن عرفة والحسن بن محمد الزعفرانى وبحر بن نصر ويزيد بن سنان فى آخرين روى عنه أبو بكر بن المقرى فى معجم شيوخه والحسن بن رشيق وبكار بن قتيبة وآخرون وقد وقع لنا حديثه أخبرنا الحافظ العلامة أبو الحسن على بن عبد الكافى اذنا قال أنبأنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ قال أنبأنا يوسف بن خليل الحافظ قال أنبأنا أبو المكارم أحمد بن محمد اللبان أنبأنا الحسن بن أحمد الحداد أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن على بن حبيش حدثنا إسحق بن سلمة حدثنا بنان بمصر حدثنا محمد بن الحكم من ولد سعيد بن العاصى حدثنى محمد بن خفتان حدثنى يحيى بن أبى زائدة عن بنان عن قيس عن أبى بكر قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى سعد اللهم سدد رميته وأجب دعوته وذكر ابن يونس فى تاريخ الغرباء بنان الحمال وقال كان زاهد متعبدا وكان ثقة وقال الدارقطنى كان فاضلا وقال الخطيب فى تاريخه كان عابدا يضرب به المثل ومنهم حفيد المذكور أبو القاسم مكى بن على بن محمد بن بنان بن محمد الجمال حدث عن أبى الحسن على بن الحسين الأدنى حدث عنه
391 سعد بن على الزنجانى نزيل مكة ذكره ابن نقطة فى التكملة ومنهم أبو العباس أحمد ابن محمد بن الدبس الحمال أحد شيوخ أبى النرسى ذكره فى معجم شيوخه حدث عن أحمد بن أبى دارة الضبى ذكره ابن نقطة أيضا فى التكملة ومنهم الفقيه أبو الحسن رافع بن نصر البغدادى الحمال الفقيه نزيل مكة كان يفتى بها روى عن أبى عمر بن مهدى وغيره ذكره أبو القاسم بن عساكر فى تاريخ دمشق وقال حكى عنه عبد العزيز ابن أحمد وأبو عبد الله محمد بن موسى بن عمار الكلاعى المايرقى وزكاه وذكر أبو الفضل بن خيرون أنه توفى بمكة سنة سبع وأربعين وأربعمائة وذكره ابن نقطة أيضا قوله جميع ما فى الصحيحين والموطأ مما هو على صورة بشر فهو بالشين المنقوطة وكسر الباء إلا أربعة فإنهم بالسين المهملة وضم الباء وهم عبد الله بن بسر المازنى من الصحابة إلى آخر كلامه وقد كنت اعترضت على المصنف فى شرح الألفية حيث لم يذكر أباه بسر بن أبى بسر المازنى فإن حديثه فى صحيح مسلم وكنت فقدت فى ذلك الحافظ أبا الحجاج المزى فإنه قال فى تهذيب الكمال إنه روى له مسلم ورقم له علامة مسلم فى روايته عن النبى صلى الله عليه وسلم ورواية ولده عبد الله بن بسر عنه ثم تبين لى أن
392 ذلك وهم وأنه لم يخرج له مسلم وإنما أخرج لابنه عبد الله بن بسر قال نزل النبى صلى الله عليه وسلم على أبى فقدمنا له طعاما وليس لأبيه بسر فيه رواية ولا ذكر باسمه إلا فى نسب ابنه عبد الله بن بسر وانما وقع فى رواية فى اليوم والليلة للنسائى ان هذا الحديث من روايته عن أبيه ولم أر ذلك فى شئ من طرق مسلم وسبب وقوع المزى فى ذلك تقليده لصاحب الكمال فإنه سبقه لذلك نعم يرد على إطلاق المصنف فى أن من عد هؤلاء الأربعة بالمعجمة أن مسلما روى فى صحيحه من رواية أبى اليسر حديث من أنظر معسرا أو وضع له الحديث وأبو اليسر هذا بالياء المثناة من تحت والسين المهملة المفتوحتين وقد يجاب عن المصنف بأن هذه الكنية ملازمة لأداة التعريف فلا يشتبه واسم أبى اليسر كعب بن عمرو الأنصارى السلمى والله أعلم قوله وكل ما فيها على صورة يزيد فهو بالزاى والياء المثناة من تحت إلا ثلاثة أحدها بريد بن عبد الله بن أبى بردة فإنه بضم الياء الموحدة وبالراء المهملة إلى آخر كلامه وقد يرد على ما ذكره من الحصر ما وقع فى صحيح البخارى من حديث مالك بن الحويرث فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فى آخره كصلاة شيخنا أبى بريد عمرو بن سلمة فذكر أبو ذر الهروى عن أبى محمد الحموى عن الفربرى عن البخارى أنه بريد بضم الموحدة وفتح الراء ووقع عند بقية رواة البخارى يزيد كالجادة
393 ومما يرجح رواية أبى ذر عن الحموى أن مسلما كذلك ذكره فى الكنى فى الباء الموحدة وكذا ذكره النسائى فى الكنى وبه جزم الدارقطنى فى المؤتلف والمختلف وابن ماكولا ثم قال وقيل أبو يزيد وقال عبد الغنى بن سعيد ولم أسمعه من أحد بالزاى قال ومسلم ابن الحجاج أعلم انتهى وبه جزم الذهبى فى مشتبه النسبة فيما قرأته بخطه قوله ليس فى الصحيحين والموطأ جارية بالجيم إلا جارية بن قدامة ويزيد بن جارية ومن عداهما فهو حارثة بالحاء والثاء والله أعلم انتهى وليس هذا الحصر بجيد فإن فى الصحيح اسمين آخرين بالجيم والمثناة من تحت أحدهما الأسود بن العلاء بن جارية الثقفى روى له مسلم فى كتاب الحدود عن أبى هريرة حديث البئر جبار والآخر عمرو بن أبى سفيان بن أسيد بن جارية الثقفى روى له البخارى عن أبى هريرة قصة قتل خبيب بن عدى وروى له مسلم عن أبى هريرة حديث لكل
394 بني دعوة يدعو بها الحديث وأما اللذان ذكرهما المصنف فليست لهما رواية فى الصحيحين ولا فى الموطأ وانما الجارية بن قدامة ذكر فى صحيح البخارى فى كتاب الفتن قال فيه فلما كان يوم حرق ابن الحضرمى حرقه جارية بن قدامة وليزيد بن جارية ذكر فى الموطأ وانما لولديه عبد الرحمن ومجمع رواية فى الموطأ والبخارى وهو مذكور فى نسبهما فقد أخرج مالك والبخارى قصة خنساء بنت خذام من رواية عبد الرحمن ومجمع ابنى يزيد بن جارية عنها وأخرج النسائى فقط ليزيد بن جارية حديثا عن معاوية والله أعلم قوله كل ما فيها من رباح فهو بالباء الموحدة إلا زياد بن رياح وهو أبو قيس
395 الراوى عن أبى هريرة فى أشراط الساعة ومفارقة الجماعة فإنه بالياء المثناة من تحت عند الأكثرين وقد حكى البخارى فيه الوجهين بالباء والياء انتهى وفيه أمران أحدهما أن ما ذكره المصنف من أن كنيته أبو قيس قد خالفه المزى فى التهذيب فرجح أبو رياح بالمثناة كاسم أبيه فقال زياد بن رياح ويقال ابن رباح القيسى أبو رياح ويقال أبو قيس وقد كنت قلدت المزى فى ترجيحه لذلك فصدرت به كلامى فى شرح الألفية ثم تبين لى أنه وهم أو خلاف مرجوح وأن الصواب ما ذكره المصنف فقد وقع كذلك مكنى فى صحيح مسلم فى كتاب المغازى من رواية غيلان بن جرير عن أبى قيس بن رياح عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية الحديث ولم يقع مكنى بأبى قيس فى موضع من الصحيح إلا هنا عند مسلم وله عند مسلم حديث آخر فى الفتن وقع فيه مسمى غير مكنى وهكذا كناه البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل ومسلم فى الكنى والنسائى فى الكنى وأبو أحمد الحاكم في الكنى وابن حبان في الثقات والدارقطني في المؤتلف والمختلف والخطيب فى كتاب المتفق والمفترق وابن ماكولا فى الإكمال وصاحب المشارق وغيرهم وفى المؤتلف والمختلف للدارقطنى أن جرير بن حازم كناه كذلك وبه جزم المزى فى الأطراف ولم أر أحدا من المتقدمين كناه أبا رياح ولكن المزي تبع صاحب الكمال
396 فى ذلك وكأن سبب وقوع الوهم من ذلك أن لهم شيخا آخر يسمى زياد بن رياح أيضا وهو بصرى كالأول ولكنه متأخر الطبقة عن ذاك رأى أنسا وروى عن الحسن البصرى وكنية هذا أبو رياح كما كناه البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والنسائى فى الكنى وابن حبان فى الثقات وأبو أحمد الحاكم فى الكنى والدارقطنى وابن ماكولا فى المؤتلف والمختلف والخطيب فى المتفق والمفترق وإنما نبهت على ذلك وإن كان الصواب ما قاله المصنف لئلا يغتر بكلام المزى فى التهذيب وبتقليدى له فى شرح الألفية الأمر الثانى أن قول المصنف أن البخارى حكى فيه الوجهين فيه نظر فإن البخارى لم يخرج له فى صحيحه شيئا وإنما ذكره فى التاريخ الكبير وحكى الاختلاف فيه من وروده بالاسم أو الكنية والاختلاف فى اسم أبيه ولم يتعرض للخلاف فى كونه بالموحدة أو المثناة من تحت وهذه عبارته فى التاريخ الكبير زياد بن رياح أبو قيس روى عنه الحسن قال أيوب ومهدى بن ميمون عن عيلان بن جرير عن زياد بن رياح وقال ابن المبارك أنا جرير بن حازم عن عيلان عن أبى قيس بن رياح القيسى وقال محمد بن يوسف عن سفيان عن يونس بن عبيد عن عيلان عن زياد بن مطر عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم فى العصبية انتهى هكذا هو فى نسخ التاريخ ابن رياح بالمثناة فى الموضعين وإنما اراد بالإختلاف ما ذكرته لاضبط الحروف ولكن المصنف تبع فى ذلك صاحب المشارق فإنه حكى عن البخارى فيه الوجهين وحكى عن ابن الجارود أنه ضبطه بالموحدة والله أعلم قوله وفيها سلم بن زرير وسلم بن قتيبة وسلم بن أبى الذيال وسلم بن عبد الرحمن هؤلاء الأربعة بإسكان اللام ومن عداهم سالم بالألف والله أعلم انتهى
397 وفيه أمران أحدهما أن أصحاب المؤتلف والمختلف كالدارقطنى وابن ماكولا وغيرهما لم يذكروا هذه الترجمة فى كتبهم لأنها لا تأتلف خطا لزيادة الألف فى سالم وإنما ذكرها صاحب المشارق فتبعه المصنف الأمر الثانى أنه فات المصنف وصاحب المشارق قوله قبله أن يستثنى حكام بن مسلم الرازى فقد روى له مسلم فى الصحيح فى فضائل النبى صلى الله عليه وسلم حديث أنس قبض النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين وذكره البخارى فى البيوع غير منسوب عند حديث النهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فقال ورواه على بن بحر عن حكام عن عنبسة عن زكريا بن خالد عن أبى الزناد قوله وفيها سلمان الفارسى وسلمان بن عامر وسلمان الأغر وعبد الرحمن ابن سلمان ومن عدا هؤلاء الأربعة سليمان بالياء انتهى وفيه امران أحدهما أن أصحاب المؤتلف والمختلف لم يوردوا هذه الترجمة فى كتبهم كالدارقطنى وابن ماكولا لعدم اشتباههما لزيادة الياء فى المصغر وإنما ذكر ذلك صاحب المشارق فتبعه المصنف الأمر الثانى أنه فات المصنف وصاحب المشارق قبله أن يستثنى سلمان بن ربيعة الباهلى فقد روى له مسلم فى صحيحه فى كتاب الزكاة من رواية أبى وائل عن سلمان ابن ربيعة قال قال عمر قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فقلت والله لغير هؤلاء أحق منهم قال إنهم خيرونى بين أن يسألونى بالفحش أو يبخلونى ولست بباخل وكذلك روى مسلم فى صحيحه فى كتاب الإيمان حديثا من رواية صفوان بن سليم عن عبد الله ابن سلمان عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله
398 ريحا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدا فى قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته ووقع فى الأطراف لخلف فى هذا الحديث عبيد الله بن سلمان بتصغير عبيد الله وهو وهم وإنما هو عبد الله مكبر وكذا ذكره أبو مسعود الدمشقى فى الأطراف على الصواب وعبد الله بن سلمان هذا أبوه هو سلمان الأغر ولكن كان ينبغى للمصنف أن يذكره أيضا لأن أباه لم ينسب فى هذا الحديث فربما ظن أنه آخر وقد روى مالك فى الموطأ والبخارى من طريقه لأخيه عبيد الله بن سلمان لكنه لم يسم أباه بل كناه رواه مالك عن زيد ابن رباح وعبيد الله بن ابى عبد الله الأغر كلاهما عن أبى عبد الله الأغر عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فأبو عبد الله الأغر هو سلمان وقد روى مسلم فى الفتن حديثين من رواية محمد بن فضيل عن أبى إسماعيل عن أبى حازم عن أبى هريرة مرفوعا والذى نفسى بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر الحديث وحديث والذى نفسى بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتى على الناس يوم لا يدرى القاتل فيم قتل الحديث وأبو إسماعيل هذا اسمه بشر بن سلمان ولكن لا يلزم المصنف ذكر هذا وذكر عبيد الله بن سلمان بكون سلمان غير مذكور فى الصحيح وإنما ذكرهما لكون المصنف ذكر أبا حازم وأبا رجاء لكون كل منهما اسمه سلمان وإنما ذكرا فى الصحيح بالكنية وقد قيل أن أبا إسماعيل المذكور فى الحديث الأخير هو يزيد بن كيسان وخطأ المزى فى الأطراف قائل ذلك قال والصحيح أنه بشير أبو إسماعيل كما فى الحديث الذى قبله لوجوه منها أن ابن فضيل مشهور بالرواية عنه دون يزيد ابن كيسان ومنها أنه مشهور باسمه دون كنيته وقد اختلف فى كنيته فقيل أبو إسماعيل وقيل أبو منير ومنها أنه أسلمى ويزيد بن كيسان يشكرى والله أعلم انتهى قلت لم يقع فى مسلم نسبة أبى إسماعيل هذا أنه أسلمى فى واحد من الحديثين المذكورين نعم وقع عند ابن ماجه فى الحديث الأول أنه أسلمى والله أعلم قوله وفيها سنان بن أبى سنان الدؤلى وسنان بن سلمة وسنان بن ربيعة أبو ربيعة وأحمد بن سنان وأم سنان وأبو سنان ضرار بن مرة الشيبانى ومن عدا هؤلاء الستة شيبان بالشين المنقوطة والياء والله أعلم انتهى
399 وفيه أمور أحدها أن سنان لا يلتبس بشيبان لزيادة الثانى بحرف ولذلك لم يورد الترجمتين مجتميعتين من صنف فى المؤتلف والمختلف إنما أورد الدارقطنى وابن ماكولا سنان ويسار وشبان زاد ابن ماكولا وشبان ولم يوردا شيبان فى هذه الترجمة ولكن المصنف تبع فى ذلك صاحب المشارق فإنه اورده كذلك موافقا لما ذكره المصنف الأمر الثانى أن فى الصحيح اسما آخر بالسين المهمله والنون غير الستة الذين ذكرهم منهم الهيثم بن أبى سنان روى له البخارى فى صلاة الليل أنه سمع أبا هريرة وهو يقص فى قصصه وهو يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أخا لكم لا يقول الرفث يعنى بذلك عبد الله بن رواحة الحديث ومنهم محمد بن سنان العوقى بفتح الواو وبالقاف حديثه فى صحيح البخارى روى فى كتاب الجائز عنه عن سليم بن حيان عن سعيد بن ميناء عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم على أصحمة وروى عنه بهذا الإسناد فى صفة النبى صلى الله عليه وسلم حديث مثلى ومثل الأنبياء قبلى الحديث ومنهم أبو سنان الشيبانى وهو غير ضرار بن مرة روى مسلم فى كتاب الصلاة من رواية وكيع عن أبى سنان الشيبانى عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه سمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلا فى المسجد قال من دعا إلى الجمل الأحمر الحديث وأبو سنان الشيبانى هذا اسمه سعيد بن سنان هكذا سماه أحمد فى مسنده عن وكيع فى هذا الحديث وقد ذكره أبو القاسم اللالكائى فى رجال مسلم وخالفه أبو بكر بن منجويه فلم يذكر فيهم إلا أبا سنان ضرار بن مرة وهو أبو سنان الشيبانى الأكبر وأما أبو سنان الشيبانى الأصغر فهو سعيد بن سنان قال المزى والأول أولى بالصواب أى ما فعله اللالكائى ولهم راو آخر يقال له سعيد بن سنان روى له ابن ماجه حديثا عن أبى الزاهرية الأمر الثالث أن أم شيبان التى ذكرها المصنف ليست لها رواية فى الصحيحين ولا فى الموطأ وإنما لها ذكر فى الصحيحين فى حديث ابن عباس قال لما رجع النبى صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج الحديث وفيه فإن عمرة فى رمضان تقضى حجة وذكر المصنف لها فى جملة سنان صواب ولكنه ترك ذكر الحرامى بالمهملة وأجاب عن تركه بأنه مذكور عند مسلم من غير رواية وسيأتى التنبيه عليه هناك
400 قوله ذكر القاضى عياض أنه ليس فى هذه الكتب الأبلى بالباء الموحدة وجميع ما فيها على هذه الصورة فإنما هو الأيلى بالياء المنقوطة باثنتين من تحت قلت روى مسلم الكثير عن شيبان بن فروخ وهو أبلى بالباء الموحدة لكن إذا لم يكن فى شئ من ذلك منسوبا لم يلحق عياضا فيه تخطئة والله أعلم انتهى وقد تتبعت كتاب مسلم فلم أجد فيه شيبان بن فروخ منسوبا فلا تخطئة على القاضى عياض حينئذ فيما قاله والله أعلم
401 قوله لا نعلم فى الصحيحين البزار بالراء المهملة فى آخره إلا خلف بن هشام البزار والحسن بن الصباح البزار انتهى وقد اعترض عليه بأن أبا على الجيانى ذكر فى تقييد المهمل أن يحيى بن محمد بن السكن البزار من شيوخ البخارى فى صحيحه وأن بشر بن ثابت البزار استشهد به البخارى قلت الترجمتان كما ذكر فى صحيح البخارى لكن غير منسوبتين فلا يردان على المصنف والله أعلم قوله سعيد الجريرى وعباس الحريرى والجريرى غير مسمى عن أبى نضرة هذا ما فيها بالجيم المضمومة وفيها الحريرى بالحاء المهملة يحيى بن بشر شيخ البخارى ومسلم والله أعلم انتهى وفيه أمور أحدها أن تقييد المصنف ما فيها من الجريرى غير مسمى بكونه عن
402 أبى نضرة قلد فيه القاضى عياضا فإنه هكذا قال فى المشارق ويرد عليهما عدة مواضع فى الصحيح ذكر فيها الجريرى غير مسمى عن غير أبى نضرة والمراد به فى المواضع كلها سعيد الجريرى من ذلك فى الصحيحين فى كتاب الصلاة رواية الجريرى غير مسمى عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل مرفوعا بين كل أذانين صلاة الحديث ومن ذلك عند مسلم فى الأطعمة رواية الجريرى غير مسمى عن أبى عثمان النهدى عن عبد الرحمن بن أبى بكر قال نزل علينا أضياف لنا الحديث والحديث رواه البخارى فى الأدب مصرحا بتسمية الجريرى أنه سعيد ومن ذلك عند البخارى فى الأحكام رواية الجريرى غير مسمى عن طريف أبى تميمة عن جندب مرفوعا من سمع سمع الله به الحديث ومن ذلك عند مسلم فى الكسوف رواية الجريرى غير مسمى عن حيان بن عمير عن عبد الرحمن بن سمرة قال بينما أنا أترامى بأسهمى فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كسفت الشمس الحديث ومن ذلك عند مسلم فى الصلاة رواية الجريرى غير مسمى عن أبى العلاء يزيد ابن عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم قال فتنخع فدلكها بنعله اليسرى ومن ذلك عند مسلم فى الحج رواية الجريرى غير مسمى عن أبى الطفيل قال قلت لابن عباس أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف الحديث ومن ذلك عند مسلم أيضا فى المناقب رواية الجريرى غير مسمى عن أبى الطفيل قال قلت له أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم كان أبيض مليح الوجه الأمر الثانى أن أبا على الجيانى زاد على هذين الاسمين حيان بن عمير الجريرى له عند مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة الحديث المتقدم فى الكسوف وزاد أيضا أبان
403 ابن ثعلب الجريرى مولاهم روى له مسلم أيضا فى صحيحه قلت وهذان لا يردان على المصنف لأنهما فى كتاب مسلم باسميهما غير منسوبين الأمر الثالث أن قول المصنف أن يحيى بن بشر الحريرى شيخ البخارى ومسلم وهم قلد فيه صاحب المشارق وتبع صاحب المشارق فى ذلك أبا على الجيانى فإنه كذا قال فى تقييد المهمل وسبقهما إلى ذلك أبو أحمد بن عدى فذكر فى كتاب له جمع فيه من اتفق الشيخان على إخراج حديثه أن الشيخين أخرجا له وكذلك ذكر أبو نصر الكلابازى يحيى بن بشر الجريرى فى رجال البخارى ولم يصنعوا كلهم شيئا وإنما روى مسلم وحده حديثا واحدا عن معاوية بن سلام وهو يحيى بن بشر بن كثير الأسدى الجريرى الكوفى وأما الذي روى عنه البخارى فهو يحيى بن بشر البلخى الفلاس فى موضعين من صحيحه غير منسوب الأول فى باب الحج فى باب قول الله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى والثانى فى باب هجرة النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث عمر إذ قال لأبى موسى هل يسرك إسلامنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقد وهم الجيانى والكلاباذى فى جمعهما بين الترجمتين وقد فرق بينهما ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وابن حبان فى الثقات وأبو بكر الخطيب فى كتاب المتفق والمفترق وبه جزم الحافظ أبو الحجاج المزى فى التهذيب وهو الصواب وهما رجلان معروفان مختلفا البلدة والوفاة فأما الجريرى فهو كوفى وتوفى سنه تسع وعشرين ومائتين قاله محمد بن سعد وأبو القاسم البغوى زاد محمد بن سعد فى جمادى الأولى فى خلافة الواثق وقال مطين توفى فى جمادى الأولى سنة سبع وعشرين ومائتين وأما الذى روى عنه البخارى فهو بلخى توفى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين قاله البخارى فى التاريخ وأبو حاتم الرازى وأبو حاتم بن حبان زاد البخارى أنه مات لخمس مضين من المحرم ولم يذكر البخارى فى تاريخه من هذين الرجلين إلا يحيى ابن بشر البلخى ولم يذكر الجريرى فى التاريخ وذكر أبو أحمد بن عدى فى شيوخ البخارى يحيى بن بشر المروزى وقال أنه روى عن عبد الله بن المبارك ووهم ابن عدى
404 فى ذلك لم يرو البخارى عنه ولم يرو هو عن ابن المبارك وهو متقدم الطبقة روى عنه ابن المبارك وروى هو عن عكرمة وكنيته أبو وهب هكذا ذكره البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وابن حبان فى الثقات والخطيب فى المتفق والمفترق وذكره الأزدى فى الضعفاء وليس بجيد فقد قال فيه عبد الله بن المبارك إذا حدثك يحيى بن بشر عن أحد فلا تبال أن لا تسمعه منه وسئل عنه ابن معين فقال ثقة وذكره ابن حبان فى الثقات وذكر الخطيب فى المتفق والمفترق أن يحيى بن بشر أربعة هؤلاء الثلاثة والرابع يحيى بن بشر بن عبد الله يكنى أبا صعصعة روى عن أبيه عن أبى سعيد البخارى روى عنه سعيد بن كبير بن عفير المصرى هكذا أورده الخطيب فى يحيى بن بشر ووهم فى ذلك وإنما هو يحيى بن قيس بن عبد الله هكذا ذكره ابن يونس فى تاريخ الغرباء الذين قدموا مصر وأبو أحمد الحاكم فى كتاب الكنى وأورد له هذا
405 الحديث الذى أورده الخطيب له وقال إنه حديث منكر وهكذا ذكره صاحب الميزان وهو الصواب فتحرر أن يحيى بن بشر ثلاثة لا أربعة والله أعلم الأمر الرابع أن المصنف اقتصر فى هذه الترجمة على الجريرى بضم الجيم والحريرى بفتح الحاء المهملة وزاد فيها أبو على الجيانى فى تقييد المهمل والقاضى عياض فى المشارق الجريرى بفتح الجيم قال القاضى عياض وفى البخارى يحيى بن أيوب الجريرى بفتح الجيم فى أول كتاب الأدب وسبقه إلى ذلك الجيانى فقال ذكره البخارى مستشهدا به فى أول كتاب الأدب قلت لا يرد هذا على ابن الصلاح فأنه ليس مذكورا فى البخارى بهذه النسبة إنما قال وقال ابن شبرمة ويحيى بن أيوب حدثنا أبو زرعة مثله قوله الحزامى حيث وقع فيها فهو بالزاى غير المهملة والله أعلم انتهى قلت وقع فى صحيح مسلم فى أواخر الكتاب فى حديث أبى اليسر قال كان لى على فلان بن فلان الحرامى مال فأتيت أهله الحديث وقد اختلفوا فى ضبط هذه النسبة فقال القاضى عياض إن الأكثرين رووه بحاء مهملة مفتوحة وراء قال وعند الطبرى الحزامى بكسرها وبالزاى قال وعند ابن ماهان الجذامى بضم الجيم وذال معجمة وقد اعتذر المصنف عن هذا الاعتراض حين قرئ عليه علوم الحديث فى حاشية أملاها على كتابة بأن قال لا يرد على هذا فإن المراد بكلامنا المذكور ما وقع من ذلك فى أنساب الرواية وهكذا قال النووى فى كتاب الإرشاد وهذا لا يحسن جوابا لأن المصنف وتبعه النووى فى مختصر به قد ذكرا فى هذا القسم غير واحد ليس لهم فى الصحيحين ولا فى الموطأ رواية بل مجرد ذكر منهم بنو عقيل القبيلة وبنو سلمة القبيلة وخبيب بن عدى له ذكر فى البخارى دون رواية وكذلك حبان بن العرقة له ذكر فى الصحيحين من غير رواية وكذلك أم سنان المذكورة فى حديث عمرة فى رمضان كما تقدم ذكره كذلك والله أعلم
406 النوع الرابع والخمسون معرفة المتفق والمفترق
قوله الخليل بن أحمد ستة فذكر الأول والثانى ثم قال والثالث اصبهانى روى عن روح ابن عبادة وغيره انتهى
وهذا وهم من المصنف وكأنه قلد فيه غيره فقد سبقه إلى ذلك ابن الجوزى فى كتاب التلقيح وسبقهما إلى ذلك أبو الفضل الهروى فى كتاب مشتبه أسماء المحدثين فعد هذا فيمن اسمه الخليل بن أحمد وإنما هو الخليل بن محمد العجلى يكنى ابا العباس وقيل أبا محمد هكذا سماه أبو الشيخ بن حيان فى كتاب الطبقات
407 الأصبهانيين وكذلك أبو نعيم الأصبهانى فى تاريخ أصبهان وروى له أحاديث فى ترجمته عن روح بن عبادة وغيره فقال حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر حدثنا أبو الأسود عبد الرحمن بن محمد بن الفيض حدثنا الخليل بن محمد حدثنا روح بن عبادة حدثنا موسى ابن عبيد أخبرنى عبد الله ابن دينار قال قال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشت امتى المطيطاء الحديث وروى له حديثين آخرين من روايته عن عبد العزيز بن أبان وحدثنا من روايته عن أبى بكر الواسطى وهكذا ذكر الحافظ أبو الحجاج المزى فى الوفاة عن روح بن عبادة الخليل بن محمد العجلى الأصبهانى ولم أر أحدا من الأصبهانيين تسمى الخليل بن أحمد بل لم يذكر أبو نعيم فى تاريخ أصبهان أحدا اسمه الخليل غير الخليل بن محمد العجلى هذا والوهم فى ذلك من أبى الفضل الهروى وتبعه ابن الجوزى والمصنف ويشبه هذا ما وقع فى أصل سماعنا من صحيح ابن حبان فى النوع التاسع والمائة من القسم الثانى أخبرنا الخليل بن أحمد بواسط حدثنا جابر بن الكردى فذكر حديثا والظاهر أن هذا تغيير من بعض الرواة وإنما هو الخليل بن محمد فقد سمع منه ابن حبان بواسط عدة أحاديث متفرقة فى أنواع الكتاب وهو الخليل بن محمد ابن الخليل الواسطى البزاز أحد الحفاظ وهو ابن بنت تميم المنتصر وإنما ذكرت هذا هنا لئلا يستدرك هذا بأنه من جملة من اسمه الخليل بن أحمد قوله والخامس أبو سعيد البستى القاضى المهلبى ثم قال والسادس أبو سعيد البستى أيضا الشافعى إلى آخر كلامه قلت وأخشى أن يكون هذان واحدا فيحرر من فرق بينهما غير المؤلف فإن كان واحدا فقد سقط من الستة الذين ذكرهم المصنف اثنان فرأيت أن اذكر من سمى بالخليل بن أحمد من غير من ذكره المصنف ليعوض منهم
408 عمن سقط وهم الخليل بن أحمد بصرى أيضا يروى عن عكرمة ذكره أبو الفضل الهروى فى كتاب مشتبه أسماء المحدثين فيما حكاه ابن الجوزى فى التلقيح عن خط شيخه عبد الوهاب الأنماطى عنه والخليل بن أحمد بن إسماعيل القاضى أبو سعيد السجزي الحنفى روى عنه أبو عبد الله الفارسى وهذا غير الخليل بن أحمد السجزى الحنفى القاضى فإن هذا ذكره الحاكم فى تاريخ نيسابور واسم جده الخليل وأما الذى ذكرناه فاسم جده إسمعيل ذكره عبد الغافر فى السياق وهو ذيله على تاريخ الحاكم والخليل بن أحمد أبو سليمان بن أبى جعفر الخالدى الفقيه سمع من أبى بكر أحمد بن منصور بن خلف والقضاة الصاعدية توفى فى صفر سنة ثلاث وخمسمائة ذكره عبد الغافر أيضا فى السياق والخليل بن أحمد أبو القاسم المصرى ذكره أبو القاسم بن الطحان فى ذيله على تاريخ مصر وقال توفى سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة والخليل بن أحمد البغدادى روى عن سيار بن حاتم ذكره ابن النجار فى ذيله على تاريخ الخطيب والخليل بن أحمد بن على أبو طاهر الجوسقى الصرصرى سمع من ابن البطى وشهدة وروى عنه الحافظ بن النجار وابن الدبيثى وذكره كل منهما فى الذيل وقال ابن النجار توفى سنة أربع وثلاثين
409 قوله ومثاله صالح بن أبى صالح أربعة فذكرهم قلت فإنه خامس وهو صالح بن أبى صالح الأسدى روى عن الشعبى روى عنه زكريا بن أبى زائدة روى له النسائى حديثا لكن فى كتاب ابن أبى حاتم أنه صالح بن صالح وذكر البخارى الاختلاف فيه فى التاريخ الكبير قال وصالح بن أبى صالح أصح قوله مثاله محمد بن عبد الله الأنصارى اثنان متقاربان فى الطبقة فذكرهما قلت هكذا اقتصر المصنف على كونهما اثنين تبعا للخطيب فى كتاب المتفق والمفترق وزادا الحافظ أبو الحجاج المزى ثالثا فقال محمد بن عبد الله الأنصارى ثلاثة فزاد فيهم محمد بن عبد الله
410 ابن حفص بن هشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصارى روى عنه ابن ماجه وآخرون وذكره ابن حبان فى الثقات قلت ولهم رابع وهو محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصارى ذكره ابن حبان فى ثقات التابعين ويجاب عن المصنف بأنه اقتصر عليهما لتقاربهما فى الطبقة كما أشار إليه المصنف والخطيب قبله وزاد كونهما بصريين والثالث وإن كان بصريا أيضا فهو متأخر عنهما فإنه روى عن محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصارى أحد المذكورين وأما الرابع فهو متقدم الطبقة عليهما انتهى قوله وإذا قال التبوذكى حدثنا حماد فهو حماد بن سلمة انتهى
411 وقد اعترض على المصنف بما ذكره ابن الجوزى فى كتاب التلقيح أن موسى بن إسماعيل التبوذكى ليس يروى إلا عن حماد بن سلمة خاصة وإذا كان كذلك فلا حاجة لتقييد ذلك بما إذا أطلقه لأنه إنما يشكل الحال فى حالة إطلاق حماد بالنسبة لمن روى عنهما جميعا والجواب أن ما ذكره ابن الجوزى غير مسلم له فقد ذكر المزى فى تهذيب الكمال أنه روى عن حماد بن زيد أيضا إلا أنه قال يقال روى عنه حديثا واحدا وخالف ذلك فى فصل ذكره فى ترجمة حماد بن سلمة فقال وممن انفرد بالرواية عن حماد بن سلمة أو اشتهر بالرواية عنه بهز بن أسد وموسى بن إسماعيل وعامة من ذكرناه فى ترجمته دون ترجمة حماد بن زيد وقد يجمع بين كلاميه بأنه قال هنا أو اشتهر بالرواية عنه فيكون أراد أن موسى بن إسماعيل اشتهر بالرواية عنه دون الانفراد عنه والله أعلم وقد اقتصر المصنف على ثلاثة رواه ممن يحمل إطلاقهم حدثنا حماد على حماد بن سلمة وهم التبوذكى وحجاج بن منهال وعفان على قول محمد بن يحيى الذهلى وزاد المزى فى التهذيب معهم هدبة بن خالد فإذا أطلق حمادا فهو ابن سلمة وبقى وراء ذلك أمر آخر وهو أن جماعة من الرواة يطلقون الرواية عن حماد من غير تمييز ويكون بعضهم إنما يروى عن حماد بن زيد دون ابن سلمة وبعضهم عن حماد بن سلمة دون ابن زيد فربما ظن غير أهل الحديث أو غير المتبحر منهم أنهم يروون عنهما ولا يتميز مرادهم لكونه غير منسوب فأردت بيان من يروى عن واحد منهما دون الآخر ليعرف بذلك مراده فى حالة الإطلاق فممن يروى عن حماد بن زيد دون ابن سلمة أحمد بن إبراهيم الموصلى وأحمد بن عبد الملك الحرانى وأحمد بن عبدة الضبى وأحمد بن المقدام العجلى وأزهر بن مروان الرقاشى وإسحاق بن أبى إسرائيل وإسحاق بن عيسى بن الطباع والأشعث بن إسحاق والد أبى داود وبشر بن معاذ وجبارة بن المغلس وحامد بن عمر البكراوى والحسن بن الربيع والحسن بن الوليد وحفص بن عمر الحوضى وحماد بن أسامة وحميد بن مسعدة وحوثرة بن محمد المنقرى وخالد بن خداش وخلف بن هشام البزار وداود بن عمرو وداود بن معاذ وزكريا بن عدى وسعيد بن عمرو الأشعثى وسعيد بن منصور وسعيد بن يعقوب الطالقانى وسفيان بن عيينة وسليمان بن داود الزهرانى وصالح بن عبد الله الترمذى والصلت بن محمد الخاركى والضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل وعبد الله بن الجراح القهستانى وعبد الله بن داود التمار الواسطى وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبى وعبد الله بن
412 وهب وعبد الرحمن بن المبارك العيشى وعبد العزيز بن المغيرة وعبيد الله بن سعيد السرخسى وعبيد الله بن عمر القواريرى وعلى بن المدينى وعمر بن زيد السيارى وعمرو ابن عون الواسطى وعمران بن موسى القزاز وغسان بن الفضل السجستانى وفضيل بن عبد الوهاب القناد وفطر بن حماد وقتيبة بن سعيد وليث بن حماد الصفار وليث بن خالد البلخى ومحمد بن إسماعيل السكرى ومحمد بن أبى بكر المقدمى ومحمد بن زنبور المكى ومحمد بن زياد الزيادى ومحمد سليمان لوين ومحمد بن عبد الله الرقاشى ومحمد بن عبيد بن حساب ومحمد بن عيسى بن الطباع ومحمد بن موسى الخرشى ومحمد بن النضر بن مساور المروزى ومحمد ابن أبى نعيم الواسطى ومخلد بن الحسن البصرى ومخلد بن خداش البصرى ومسدد بن مسرهد ويعلى بن منصور الرازى ومهدى بن حفص وهلال بن بشر والهيثم بن سهل التسترى وهو آخر من روى عنه ووهب بن جرير بن حازم ويحيى ابن بحر الكرمانى ويحيى بن حبيب بن عربى الحارثى ويحيى بن درست البصرى ويحيى ابن عبد الله بن بكير المصرى ويحيى بن يحيى النيسابورى ويوسف بن حماد المعنى وممن يروى عن حماد بن سلمة دون ابن زيد إبراهيم بن الحجاج الشامى وابراهيم بن أبى سويد الدراع وأحمد بن إسحاق الحضرمى وآدم بن أبى إياس وإسحق بن عمر بن سليط وإسحق بن منصور السلولى وأسد بن موسى وبشر بن السرى وبشر بن عمر الزهرانى وبهز بن أسد وحبان بن هلال والحسن بن بلال والحسن بن موسى الأشيب والحسين بن عروة وخليفة بن خياط وداود بن شبيب وزيد بن الحباب وزيد بن أبى الورقاء وشريح بن النعمان وسعيد بن عبد الجبار المصرى وسعيد بن يحيى اللخمى وأبو داود سليمان ابن داود الطيالسى وشعبة وشهاب بن معمر البلخى وطالوت بن عباد والعباس بن بكار الضبى وعبد الله بن صالح العجلى وعبد الرحمن بن سلام الجمحى وعبد الصمد بن حسان وعبد الصمد بن عبد الوارث وعبد الغفار بن داود الحرانى وعبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج وهو من شيوخه وعبد الملك بن عبد العزيز أبو نصر التمار وعبد الواحد بن غياث وعبيد الله بن محمد العيشى وعمرو بن خالد الحرانى وعمرو بن عاصم الكلابى والعلاء بن عبد الجبار وغسان بن الربيع وأبو نعيم الفضل بن دكين والفضل بن عنبسة الواسطى وقبيصة بن عقبة وقريش بن أنس وكامل بن طلحة الجحدرى ومالك بن أنس وهو من أقرانه ومحمد بن إسحق بن يسار وهو من شيوخه ومحمد بن بكر البرسانى
413 ومحمد بن عبد الله الخزاعى ومحمد بن كثير المصيصي ومسلم بن أبى عاصم النبيل وأبو كامل مظفر بن مدرك ومعاذ بن خالد بن شقيق ومعاذ بن معاذ ومهنا بن عبد الحميد وموسى ابن داود الضبى والنضر بن شميل والنضر بن محمد الجرشى والنعمان بن عبد السلام وهشام بن عبد الملك الطيالسى والهيثم بن جميل ويحيى بن إسحق السيلحينى ويحيى بن حماد الشهبانى ويحيى بن الضريس الرازى ويعقوب بن إسحق الحضرمى وأبو سعيد مولى أبى هاشم وأبو عامر العقدى قال المزى فى التهذيب وعامة من ذكرناه فى ترجمة حماد بن زيد دون ترجمة حماد ابن سلمة فانه لم يرو أحد منهم عن حماد بن سلمة ثم قال وممن انفرد بالرواية عن حماد ابن سلمة أو اشتهر بالرواية عنه بهز بن أسد وموسى بن إسمعيل وعامة من ذكرناه فى ترجمته دون ترجمة حماد بن زيد فاذا جاءك عن أحد من هؤلاء عن حماد غير منسوب فهو ابن سلمة والله أعلم انتهى وما أدرى لم فرق المزى بين من ذكرهم فى ترجمة حماد بن زيد دون ابن سلمة وبين من ذكرهم فى ترجمة حماد بن سلمة دون ابن زيد فقال فى الأولين إنهما انفردوا بالرواية عن حماد بن زيد وقال فى الآخرين إنهم انفردوا أو اشتهروا بالرواية عن حماد بن سلمة فزاد فى الآخرين أو اشتهروا بذلك فيفهم منه أن بعضهم رووا عن حماد بن زيد ولكن لم يشتهروا بالرواية عنه فما أدرى وقع ذلك منه قصدا للتفرقة بين الترجمتين أو اتفاقا والله أعلم قوله وقال الحافظ أبو يعلى الخليلى القزوينى إذا قال المصرى عن عبد الله ولا ينسبه فهو ابن عمرو يعنى بن العاص انتهى قلت وما حكاه الخليلى عن المصريين حكاه الخطيب فى الكفاية عن بعض المصريين بعد أن صدر كلامه بأن الشاميين يفعلون ذلك فروى بإسناده عن النضر بن شميل قال إذا قال الشامى عبد الله فهو ابن عمرو يعنى بن العاص وإذا قال المدنى عبد الله فهو ابن عمر قال الخطيب وهذا القول الصحيح ثم قال وكذلك بفعل بعض المصريين فى عبد الله بن عمرو بن العاص انتهى وكلام الخطيب يدل على أن هذا فى الشاميين أكثر منه فى المصريين والله أعلم
414 قوله وذكر بعض الحفاظ أن شعبة يروى عن سبعة كلهم أبو حمزة عن ابن عباس وكلهم أبو حمزة بالحاء والزاى إلا واحدا فإنه بالجيم وهو أبو جمرة نصر بن عمران الضبعى ويدرك فيه الفرق بينهم بأن شعبة إذا قال عن أبى حمزة عن ابن عباس وأطلق فهو نصر ابن عمران وإذا روى عن غيره فهو يذكر اسمه أو نسبه والله أعلم انتهى وفيه نظر من حيث أن شعبة قد يروى عن غير نصر بن عمران ويطلقه فلا يذكر اسمه ولا نسبه مثاله ما رواه أحمد فى مسنده حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبى حمزة سمعت ابن عباس يقول مر بى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان فاختبأت منه خلف باب الحديث فهذا شعبة قد أطلق الرواية عن أبى حمزة وليس هو نصر بن عمران وإنما هو أبو حمزة بالحاء المهملة والزاى القصاب واسمه عمران بن أبى عطاء وقد نسبه مسلم فى روايته فى هذا الحديث فرواه من رواية أمية بن خالد ثنا شعبة عن أبى حمزة القصاب عن ابن عباس فذكره ولم يسمه مسلم فى روايته وسماه النسائى فى روايته لهذا الحديث فى كتاب الكنى فقال أنا عمرو بن على حدثنى سهل بن يوسف قال ثنا شعبة عن أبى حمزة عمران بن أبى عطاء عن ابن عباس فذكره وكان ينبغى لمسلم أن يسميه فى روايته وإن لم يكن سماه شيخه بقوله هو عمران ابن أبى عطاء أو يعنى عمران بن أبى عطاء لأن أبا حمزة القصاب اثنان أحدهما هذا والآخر اسمه ميمون القصاب الأعور وقد يجاب عن فعل مسلم بأن ميمونا القصاب لا يروى عن ابن عباس ولا يروى عنه شعبة وإنما يروى عنه سفيان الثورى وشريك بن عبد الله النخعى وآخرون وروى هو عن إبراهيم النخعى والحسن البصرى فى آخرين من التابعين وهو ضعيف عندهم والأول ثقة من التابعين وميمون من أتابع التابعين فلا يلتبس والله أعلم
415 وقد يروى شعبة أيضا عن أبى حمزة عن ابن عباس وهو نصر بن عمران وينسبه مثاله ما رواه مسلم فى الحج من رواية محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة قال سمعت أبا حمزة الضبعى يقول تمتعت فنهانى ناس عن ذلك فأتيت ابن عباس الحديث فهذا شعبة لم يطلق الرواية عن أبى جمرة بل نسبه بأنه الضبعى وهذا لا يرد على عبارة المصنف ولكن أردت بإيراده أنه ربما نسب أبا جمرة الذى بالجيم وربما لم ينسب أبا حمزة الذى بالحاء كما تقدم من مسند أحمد والله أعلم قوله والثانى إلى آمل جيحون شهر بالنسبة إليها عبد الله بن حماد الآملى روى عنه البخارى فى صحيحه انتهى وفيه نظر من حيث أن البخارى لم يصرح فى صحيحه بروايته عن عبد الله بن حماد الآملى وإنما روى فى صحيحه عن عبد الله غير منسوب حديثين أحدهما عنه عن يحيى بن معين والآخر عنه عن سليمان بن عبد الرحمن وموسى ابن هارون البرقى فظن بعضهم أنه عبد الله بن حماد الآملى فذكره الكلاباذى فى رجال البخارى قال المزى ويحتمل أن يكون عبد الله بن أبى القاضى الخوارزمى انتهى ويؤيد هذا الاحتمال أن البخارى روى عنه فى كتاب الضعفاء الكبير عدة أحاديث عن سليمان بن عبد الرحمن وغيره سماعا وتعليقا والله أعلم
416 قوله حدث القاسم المطرز يوما بحديث عن أبى همام أو غيره عن الوليد بن مسلم عن سفيان فقال له أبو طالب بن نصر الحافظ من سفيان هذا فقال له المطرز هو الثورى فقال له أبو طالب بل هو ابن عيينة فقال له المطرز من أين قلت فقال لأن الوليد قد روى عن الثورى أحاديث معدودة محفوظة وهو ملئ بابن عيينة والله أعلم انتهى قلت أقر المصنف تصويب كلام الحافظ أبى طالب أحمد بن نصر وتعليل ذلك بكون الوليد بن مسلم مليئا بابن عيينة وفيه نظر من حيث أنه لا يلزم من كونه مليا بابن عيينة على تقدير تسليمه أن يكون هذا من حديثه عنه إذا أطلقه بل يجوز أن يكون هذا من تلك الأحاديث المعدودة التى رواها الوليد عن سفيان الثورى وإذا عرف ذلك فإنى لم أر فى شئ من كتب التواريخ وأسماء الرجال رواية الوليد بن مسلم عن سفيان ابن عيينة البتة وإنما رأيت فيها ذكر روايته عن سفيان الثورى وممن ذكر ذلك البخارى فى التاريخ الكبير وابن عساكر فى تاريخ دمشق والمزى فى التهذيب وكذلك لم أر فى شئ من كتب الحديث رواية الوليد عن ابن عيينة لا فى الكتب الستة ولا غيرها
417 وروايته عن الثورى فى السنن الكبرى للنسائى فروى فى اليوم والليلة حديثا عن الجارود بن معاذ الترمذى عن الوليد بن مسلم عن سفيان الثورى والله أعلم ويرجح ذلك وفاة الوليد بن مسلم قبل سفيان بن عيينة بزمن فإن الوليد حج سنة أربع وتسعين ومائة ومات بعد انصرافه من الحج قبل أن يصل إلى دمشق فى المحرم سنة خمس وتسعين وقيل مات فى بقية سنة أربع وتأخر سفيان بن عيينة إلى سنة ثمان وتسعين وتوفى الثورى سنة إحدى وستين ومائة فالظاهر أن ما قاله القاسم بن زكريا المطرز من أنه الثورى هو الصواب والله أعلم
النوع الخامس والخمسون
نوع يتركب من النوعين اللذين قبله
قوله موسى بن على بفتح العين وموسى بن على بضم العين فمن الأول جماعة منهم أبو عيسى الختلى الذى روى عنه أبو بكر بن مقسم المقرئ وأبو على الصواف وغيرهما انتهى
418 فقوله وأبو على الصواف هو معطوف على أبى بكر بن مقسم لا على أبى عيسى الختلى وقد توهم بعضهم أنه معطوف على أبى عيسى وهو شيخنا العلامة علاء الدين التركمانى فى اختصاره لكتاب ابن الصلاح فقال فالأول كموسى بن على بفتح العين أبو عيسى الختلى وأبو على بن الصواف انتهى وهذا لا يصح لأن اسم أبى على الصواف محمد بن أحمد بن الحسن لا موسى بن على فعلى هذا لم يذكر المصنف ممن اسمه موسى بن على بالفتح إلا واحدا فقط وزاد النووى فى مختصره المسمى بالإرشاد فقال أنهم كثيرون وفيه نظر وليس فى المتقدمين أحد يسمى هكذا لا فى رجال الكتب الستة ولا فى تاريخ البخارى ولا كتاب ابن أبى حاتم ولا ثقات ابن حبان ولا فى كثير من التواريخ أمهات تواريخ الإسلام كتاريخ أبى بكر ابن خيثمة والطبقات لمحمد بن سعد وتاريخ مصر لابن يونس والتكامل لابن عدى وتاريخ نيسابور للحاكم وتاريخ أصبهان لأبى نعيم وفى كتاب تاريخ بغداد للخطيب رجلان وفى تاريخ دمشق رجل واحد وهذه الكتب العشرة المذكورة بعد تاريخ البخارى هى أمهات الكتب المصنفة فى هذا الفن كما قال المزى فى التهذيب وقد رأيت ذكر من وقع ذكره فى التواريخ من القسم الأول فالأول موسى بن على بن موسى أبو عيسى الختلى وهو أقدمهم روى عنه أبو بكر بن الأنبارى النحوى وابن مقسم والصواف ذكره الخطيب فى التاريخ وكان ثقة والثانى موسى بن على بن موسى أبو بكر الأحول البزاز روى عن جعفر بن محمد الفريابى روى عنه محمد بن عمر بن بكر المقرى ذكره الخطيب أيضا والثالث موسى بن على بن محمد أبو عمران النحوى الصقلى سكن دمشق مدة روى عن أبى ذر الهروى روى عنه عبد العزيز الكتانى وغيره وتوفى سنة سبعين وأربعمائة ذكره ابن عساكر فى تاريخ دمشق والرابع موسى بن على بن قداح أبو الفضل المؤذن الخياط سمع منه الحافظان أبو المظفر بن السمعانى وأبو القاسم بن عساكر توفى سنة سبع وثلاثين وخمسماية والخامس موسى بن على القرشى أحد المجهولين ذكره الخطيب فى تلخيص المتشابه فى ترجمة قنبر بن أحمد وروى له الحديث الآتى ذكره وذكره ابن ماكولا فى الإكمال فى باب القاف وقال أنه روى عن قنبر بن أحمد بن قنبر وذكره الذهبى فى الميزان وقال لا يدرى من ذا والخبر كذب عن قنبر بن أحمد بن
419 قنبر عن أبيه عن جده عن كعب بن نوفل عن بلال مرفوعا كان نثار عرس فاطمة وعلى صكاك بأسماء محبيهما يعتقهم من النار قال إسناده ظلمات والسادس موسى بن على بن غالب أبو عمران الأموى من أهل غرب الأندلس روى عن أحمد بن طارق بن سنان وغيره ذكره ابن حوط الله وقال توفى ثالث رمضان سنة ثمان وتسعين وخمسماية ذكره ابن الأبار فى التكملة والسابع موسى بن على بن عامر أبو عمران الجزيرى أصله من الجزيرة الخضراء وهو من أهل أشبيلية له مصنفات منها شرح الإيضاح وشرح البصرة للصيمرى ذكره ابن الأبار فى التكملة أيضا فهؤلاء المذكورون فى تواريخ الإسلام من الشرق والغرب إلى زمن ابن الصلاح لم يبلغوا حد الكثرة فوصف الشيخ محيى الدين رحمه الله لهم بأنهم كثيرون فيه تجوز والله أعلم قوله وأما الثانى فهو موسى بن على بن رباح اللخمى المصرى ثم قال ويقال إن أهل مصر كانوا يقولونه بالفتح كذلك وأهل العراق كانوا يقولونه بالضم انتهى أبهم المصنف قائل ذلك وأتى به بصيغة التمريض والذى قال ذلك محمد بن سعد قاله فى الطبقات بلفظ أهل مصر يفتحون وأهل العراق يضمون قوله وكان بعض الحفاظ يجعله بالفتح اسما له وبالضم لقبا انتهى أبهم المصنف تسمية الحافظ القائل ذلك وهو الدارقطنى
420 قوله ومما يتقارب ويشتبه مع الاختلاف فى الصورة ثور بن يزيد الكلاعى الشامى وثور بن زيد بلا ياء فى أوله الديلى المدنى وهذا الذى روى عنه مالك وحديثه فى الصحيحين معا والأول حديثه عند مسلم خاصة والله أعلم انتهى وفيه أمران أحدهما أن قوله عند ذكر ثور بن زيد وهذا الذى روى عنه مالك يقتضى أن مالكا لم يرو عن ثور بن يزيد وقد ذكر صاحب الكمال أن مالكا روى عن ثور بن يزيد أيضا وتبعه المزى فى تهذيب الكمال على ذلك ولكنى لم أر رواية مالك عنه لا فى الموطأ ولا فى شئ من الكتب الستة ولا فى غرائب مالك للداقطنى ولا غير ذلك الأمر الثانى أن قوله أن ثور بن يزيد حديثه عند مسلم خاصة وهم منه لم يخرج له مسلم فى الصحيح شيئا وإنما أخرج له البخارى خاصة فروى له فى كتاب الأطعمة عن خالد بن معدان عن أبى أمامة قال كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا رفع مائدته قال الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وعن خالد عن المقدام بن معدى كرب مرفوعا كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه وحديث ما أكل أحد طعاما خيرا من عمل يديه بهذا الإسناد وروى له فى الجهاد عن عمير بن الأسود عن أم حرام أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أول جيش من أمتى يغزون البحر قد أوجبوا
421 المعجمة والثانى بالسين المهملة واسم الأول سعد بن إياس ويشاركه فى ذلك أبو عمرو الشيبانى اللغوى إسحق بن مرار انتهى اقتصر المصنف على ذكر اثنين بالشين المعجمة وترك ثالثا أولى بالذكر من أبى عمرو الشيبانى اللغوى لكونه أقدم منه ولكون حديثه فى السنن وليس لأبى عمرو الشيبانى النحوى حديث فى شئ من الكتب الستة إنما له عند مسلم أن أحمد بن حنبل سأله عن اخنع اسم فقال اوضع واسم الذى لم يذكره المصنف هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيبانى والمعروف أن كنيته أبو عمرو هكذا كناه يحيى بن سعيد القطان وعلى بن المدينى والبخارى فى التاريخ ومسلم والنسائى وأبو أحمد الحاكم فى كتبهم فى الكنى والخطيب فى كتاب تلخيص المتشابه وأما ما جزم به المزى فى تهذيب الكمال من تكنيته بأبى عبد الرحمن فهو وهم قوله عمرو بن زرارة بفتح العين وعمر بن زرارة بضم العين فالأول جماعة منهم أبو محمد النيسابورى الذى روى عنه مسلم والثانى يعرف بالحدثى وهو الذى يروى عنه البغوى المنيعى انتهى واقتصار المصنف على رواية مسلم عنه ليس بجيد فقد روى عنه البخارى فى صحيحه أيضا أحاديث كثيرة من روايته عن إسماعيل بن علية وهشيم
422 وعبد العزيز بن أبى حازم وأبى عبيدة الحداد والقاسم بن مالك المزنى وزياد بن عبد الله البكائى وانما روى له مسلم من رواية ابن علية وهشيم وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف فقط وكأن المصنف تبع الخطيب فى اقتصاره على مسلم فانه قال فى كتابه المسمى بتالى التلخيص روى عنه مسلم بن الحجاج ومحمد بن إسحق السراج وأما تعريف المصنف للثانى بأنه هو الذى يروى عنه البغوى المنيعى فهو تعريف صحيح ولا يعترض عليه بقول الحافظ أبى بكر البرقانى أن ابن منيع يحدث عنهما فقد بين الخطب فى كتابه تالى التلخيص أن البرقانى وهم فى هذا القول وليس يروى ابن منيع عن عمرو بن زرارة شيئا وانما روايته عن عمرو بن زرارة فحسب والله أعلم
424 النوع السابع والخمسون معرفة المنسوبين إلى غير آباءهم
قوله الثانى من نسب إلى جدته منهم يعلى بن منية الصحابى هى فى قول الزبير بن بكار جدته أم أبيه وأبوه أمية انتهى
اقتصر المصنف على قول الزبير بن بكار وكذلة جزم به ابن ماكولا وقد ضعفه ابن عبد البر وغيره قال ابن عبد البر لم يصب الزبير وكذلك انتهى
425 والذى عليه الجمهور أنها أمه وهو قول على بن المدينى وعبد الله بن مسلمة القعنبى ويعقوب بن شيبة وبه جزم البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل ومحمد بن جرير الطبرى وابن قانع والطبرانى وابن حبان فى الثقات وابن منده فى معرفة الصحابة وآخرون وحكاه الدارقطنى عن أصحاب الحديث ورجحه ابن عبد البر والمزى فقال فى التهذيب والأطراف أيضا وهى أمه ويقال جدته وكذا ذكره المصنف فى النوع السابع والعشرين على الصواب
427 النوع التاسع والخمسون معرفة المبهمات
قوله حديث أبى سعيد الخدرى فى ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا بحى فلم يضيفوهم فلدغ سيدهم فرقاه رجل منهم بفاتحة الكتاب على ثلاثين شاة الحديث الراقى هو الراوى أبو سعيد الخدرى انتهى هكذا جزم به المصنف تبعا للخطيب
428 فإنه قال ذلك فى كتاب المبهمات له وتبعه النووى فى مختصره وفى شرح مسلم أيضا وفيه نظر من حيث أن فى بعض طرق حديث أبى سعيد فى الصحيحين من رواية معبد بن سيرين عن أبى سعيد فقام معها رجل منا ما كنا نأبنه برقية فبرأ فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا فلما رجع قلنا له أكنت تحسن رقية أو كنت ترقى قال ما رقيت إلا بأم الكتاب وفى رواية لمسلم فقام معها رجل ما كنا نظنه يحسن رقية الحديث وظاهر هذا أنه غير أبى سعيد ولكن الخطيب ومن تبعه استدل على كونه أبا سعيد بما رواه الترمذى والنسائى وابن ماجه من رواية جعفر بن اياس عن أبى نضرة عن أبى سعيد وفيه فقالوا هل فيكم من يرقى من العقرب قلت نعم أنا ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما قالوا فأنا نعطيكم ثلاثين شاة فقبلنا فقرأت عليه الحمد سبع مرات فبرأ الحديث لفظ الترمذى وقال حديث حسن صحيح انتهى وقد تكلم غير واحد من الأئمة فى هذه الرواية وقد رواه الترمذى بعد هذا من رواية جعفر عن أبى المتوكل عن أبى سعيد وقال فيه فجعل رجل منا يقرأ عليه بفاتحة الكتاب وقال هذا أصح من حديث الأعمش عن جعفر بن اياس أى الرواية المتقدمة وضعف ابن ماجه أيضا رواية أبى نضرة بكونها خطأ فقال والصواب هو أبو المتوكل انتهى وقد يقال لعل ذلك وقع مرتين مرة لأبى سعيد ومرة لغيره وقد وقع نظير ذلك مع
429 شخص آخر من الصحابة يقال أن اسمه علاقة بن صحار وهو عم خارجة بن الصلت رواه أبو داود والنسائى إلا أن ذاك الذى رواه عم خارجة كان معتوها مع أنه ورد فى حديث أبى سعيد الخدرى لمتقدم عند النسائى فعرض لإنسان منهم فى عقله أو لدغ هكذا على الشك ولا مانع من أن يقع ذلك لجماعة والله أعلم قوله ابن مربع الأنصارى الذى أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل عرفة وقال كونوا على مشاعركم اسمه زيد وقال الواقدى وكاتبه محمد بن سعيد اسمه عبد الله انتهى هكذا اقتصر المصنف على قولين فى ابن مربع وفيه قول ثالث أن اسمه يزيد بزيادة ياء مثناه من تحت فى أوله وبه جزم المحب الطبرى فى كتاب للقرى وهو الذى رجحه الحافظ أبو القاسم بن عساكر فى الأطراف فذكر الحديث فى باب الياء فقال ومن مسند يزيد ويقال زيد ويقال عبد الله بن مربع بن قيظى وساق نسبه وتبعه الحافظ أبو الحجاج المزى فى الأطراف فى ترجيح كونه اسمه يزيد فذكره فى فصل من اشتهر بالنسبة إلى ابيه أوجده فقال ابن مربع واسمه يزيد ويقال زيد ويقال عبد الله بن مربع بن قيظى وكذلك رجحه فى التهذيب فى هذا الفصل فقال ابن مربع اسمه يزيد وقيل زيد وقيل عبد الله وخالف المزى ذلك فى الأسماء فرجح أن اسمه زيد كما ذكره المصنف فقال زيد بن مربع بن قيظى وذكر نسبه ثم قال هكذا سماه ونسبه أحمد بن البرقى وهكذا أسماه أبو بكر بن أبى خيثمة عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقيل اسمه يزيد وقيل عبد الله قال وأكثر ما يجئ فى الحديث غير مسمى انتهى قلت لم أجده مسمى فى شئ من طرق الحديث وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد كما قال الترمذى وحديثه فى السنن الأربعة ومسند أحمد ومعجم الطبرانى وإنما سماه الترمذى عقب الحديث ففى أصل سماعنا اسمه زيد وفى كثير من النسخ يزيد وهكذا نقله ابن عساكر فى الأطراف وتبعه المزى أيضا فى الأطراف وقد اختلف فيه كلام ابن عساكر كما اختلف كلام المزى فرجح فى الأطراف أن اسمه يزيد ورجح فى جزء له رتب فيه اسماء الصحابة الذين فى مسند أحمد على حروف المعجم أن اسمه زيد
430 وسماه الطبرانى فى المعجم الكبير عبد الله كما فعل الواقدى وابن سعد وليس ابن مربع شخصا واحدا اختلف فى اسمه ولكن زيد وعبد الله اخوان اختلف فى تعيين من كان المرسل منهما بعرفة بقوله كونوا على مشاعركم وقد ذكر الدارقطنى فى المؤتلف والمختلف وابن عبد البر فى الاستيعاب وابن ماكولا فى الإكمال أنهم أربعة أخوة عبد الله وعبد الرحمن وزيد ومرارة بنو مربع بن قيظى وكان أبوهم مربع من قيظى من المنافقين ذكره الدارقطنى وابن ماكولا وذكر ابن حبان فى الصحابة زيد بن مربع ويزيد بن مربع كل واحد فى بابه قوله ابن أم مكتوم الأعمى المؤذن اسمه عبد الله بن زائدة وقيل عمرو بن قيس وقيل غير ذلك انتهى وما رجحه المصنف من أن اسمه عبد الله بن زائدة مخالف لقول جمهور أهل الحديث فإن أكثر أهل الحديث على أن اسمه عمرو وحكاه عنهم ابن عبد البر فى الاستيعاب فى موضعين فى باب عبد الله وفى باب عمرو وكذا قال المزى فى التهذيب إن كون اسمه عمرا أكثر وأشهر انتهى وهو قول الزهرى وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق فيما رواه ابن هشام عن زياد البكائى عنه والزبير بن بكار وأحمد بن حنبل سماه فى المسند كذلك فى الترجمة وهو مسمى أيضا فى نفس الحديث عنده من رواية أبى رزين عن عمرو ابن أم مكتوم قال جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله كنت ضريرا شاسع الدار وليس لى قائد الحديث وكذلك رواه الطبرانى فى المعجم الكبير من رواية زر من حبيش عن عمرو بن أم مكتوم والحديث عند أبى داود بن ماجه من الطريق الأول ولكن لم يسم فيه عندهما والجمهور أيضا أنه عمرو بن قيس كما قال الزهرى وموسى بن عقبة والزبير بن بكار ورجحه ابن عساكر فى الأطراف وكذلك المزى أيضا فى الأطراف فقال واسمه عمرو بن قيس بن زائدة قال ويقال عمرو بن زائدة ويقال عبد الله بن زائدة وكذا قال فى أواخر التهذيب فى فصل من يعرف بابن كذا فقال اسمه عمرو بن قيس ويقال عبد الله وقال قبل ذلك فى باب عمرو بن قيس بن زائدة ويقال عمرو بن زائدة تقدم وقال قبل ذلك عمرو بن زائدة ويقال عمرو بن قيس بن زائدة إلى آخر
431 كلامه وما ذكره المصنف من أنه عبد الله بن زائدة هو قول قتادة قال ابن أبى حاتم يشبه أن يكون قتادة نسبه إلى جده وقال ابن عبد البر أيضا أظنه نسبه إلى جده وقال ابن حبان من قال هو عبد الله بن زائدة فقد نسبه إلى جده زائدة انتهى وقد رجح البخارى فى التاريخ ما رجحه المصنف فقال هو عبد الله بن زائدة قال ويقال عمرو بن قيس بن شريح بن مالك قال وقال ابن إسحاق عبد الله بن شريح بن قيس بن زائدة انتهى وما حكاه البخارى عن ابن إسحاق من أنه عبد الله بن شريح هو الذى اختاره ابن أبى حاتم وحكاه عن على بن المدينى وعن الحسين بن واقد وقال أنه رواه سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق وهو مخالف لما رويناه عن ابن إسحاق فى السيرة كما تقدم وقال محمد بن سعد أما أهل المدينة فيقولون اسمه عبد الله وأهل العراق يقولون اسمه عمرو قال وأجمعوا على نسبه فقالوا هو ابن قيس بن زائدة بن الأصم قال ابن أبى حاتم كيف أجمعوا وقد حكينا عن ثلاثة نفر محمد بن إسحاق وعلى بن المدينى والحسين بن واتد يريد قولهم أنه عبد الله بن شريح وقال ابن حبان هو عبد الله بن عمرو بن شريح بن قيس ابن زائدة فذكر نسبه ثم قال وكان اسمه الحصين فسماه النبى صلى الله عليه وسلم عبد الله انتهى وقد ورد أيضا فى بعض أحاديثه تسميته بعبد الله كما رواه الطبرانى فى المعجم الكبير من حديث جابر طاف النبى صلى الله عليه وسلم فى حجته بالبيت على ناقته الجدعاء وعبد الله ابن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز فان قلت فاذا كان قد ورد مسمى بعبد الله هكذا واتفق على بن المدينى والبخارى والحسين بن واقد وابن أبى حاتم وابن حبان وابن إسحاق فى رواتة سلمة بن الفضل عنه على تسميته بعبد الله اقتضى ذلك ترجيح ما رجحه المصنف قلنا حديث جابر هذا لا يصح فان فى إسناده عمر بن قيس وهو الملقب سندل أو سندول وهو أحد المتروكين والأكثرون قالوا أنه عمرو والله أعلم
433 النوع الموفى ستين معرفة تواريخ الرواة
قوله وقبض صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ضحى لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة انتهى وفيه أمران أحدهما أنه لا يصح أن يكون يوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول سنة احدى عشرة يوم الاثنين بوجه من الوجوه وذلك لاتفاقهم على أن حجة الوداع كان يوم عرفة فيها يوم الجمعة لحديث عمر المتفق عليه وإذا كان كذلك فإن كانت الأشهر الثلاثة وهى ذى الحجة والمحرم وصفر كوامل فيكون ثانى عشر شهر ربيع الأول يوم الأحد وإن كانت أو بعضها ناقصة فيكون الثاني عشر من شهر ربيع الأول إما الخميس أو الجمعة أو السبت وهذا الإستشكال ذكره السهيلى فى كتاب الروض الأنف وقال لم أر أحدا تفطن له انتهى وهو استشكل
434 لا محيص عنه وقد رأيت لبعض العلماء جوابا عنه فأخبرنى قاضى القضاة عز الدين بن جماعة رحمه الله أن والده كان يحمل قول الجمهور لاثنتى عشرة ليلة خلت منه أى بأيامها كاملة فتكون وفاته بعد استكمال ذلك والدخول فى اليوم الثالث عشر وتفرض على هذا الشهور الثلاثة كوامل وفى هذا الجواب نظر من حيث أن كلام أهل السير يدل على وقوع الأشهر الثلاثة نواقص أو على نقص اثنين منها فأما ما يدل على نقص الثلاثة فروى البيهقى فى دلائل النبوة بإسناد صحيح إلى سليمان التيمى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر وكان أول مرضه فيه يوم السبت وكانت وفاته يوم العاشر يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول وقوله كانت وفاته اليوم العاشر أى من مرضه ويدل على ذلك أيضا ما روى الواقدى عن أبى معشر عن محمد بن قيس قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر إلى أن قال اشتكى ثلاثة عشر يوما وتوفى يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول ويجمع بين قولى سليمان التيمى ومحمد بن قيس فى مدة المرض أن المراد بالأول اشتداده وبالثانى ابتداؤه وكذلك ما رواه الخطيب فى كتاب أسماء الرواة عن مالك من رواية سعيد بن سلمة بن قتيبة عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ثمانية أيام فتوفى لليلتين خلتا من ربيع الأول الحديث فجعل مدة مرضه ثمانية أيام فلو ثبت حملناه على قوة المرض إلا أنه لا يصح ففى إسناده أبو بشر المصعبى واسمه أحمد بن مصعب بن بشر المروزى وقد اتهمه الدارقطنى وابن حبان بوضع الحديث والعمدة على قول سليمان التيمى أنه كانت وفاته فى ثانى الشهر وحكاه الطبرى عن ابن الكلبى وأبى مخنف وهو راجح من حيث التاريخ وكذلك القائلون بأنه يوم الاثنين مستهل شهر ربيع الأول وهو قول موسى بن عقبة والليث ابن سعد وبه جزم ابن زبر وفى الوفيات وحكاه السهيلى عن الخورازمى قال السهيلى وهذا أقرب فى القياس مما ذكره الطبرى عن الكلبى وابن مخنف قلت لكن سليمان التيمى ثقة والإسناد إليه صحيح فقوله أولى ولا يمتنع نقص ثلاثة أشهر متوالية ومن المشكل أيضا قول ابن حبان وبن عبد البر أنه بدأ به مرضه الذى مات منه يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر فهذا مما لا يمكن وسببه أنهما قالا توفى يوم الاثنين ثانى عشرة وجعلا
435 مدة مرضه ثلاثة عشر يوما فانتج لهما هذا التاريخ الفاسد وهما فى ذلك موافقان للجمهور فهو قول ابن إسحق ومحمد بن سعد وسعيد بن عفير وصححه ابن الجوزى وتبعهم المصنف والنووى فى شرح مسلم والمزى فى التهذيب والذهبى فى العبر وفيه ما تقدم الأمر الثانى أن قول المصنف أنه مات ضحى يشكل عليه ما فى صحيح مسلم من حديث أنس قال آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فألقى السجف وتوفى من آخر ذلك اليوم فهذا الحديث دال على أنه تأخر بعد الضحى وقد يجمع بين الحديث وبين من قال توفى ضحى أن المراد أول النصف الثانى من النهار فهو آخر وقت الضحى وهو من آخر النهار باعتبار أنه من النصف الثانى ويدل عليه ما رواه ابن عبد البر بإسناده إلى عائشة رضى الله عنها قالت مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لله وإنا إليه راجعون ارتفاع الضحى وانتصاف النهار يوم الاثنين وذكر موسى بن عقبة فى مغازية عن ابن شهاب توفى يوم الاثنين حين زاغت الشمس فهذا جمع حسن بين ما اختلف من ذلك فى الظاهر والله أعلم قوله وتوفى أبو بكر رضى الله عنه فى جمادى الأولى سنة ثلاث عشر انتهى وتقييده بجمادى الاولى مخالف لقول الأكثرين فإنهم قالوا فى جمادى آخر وبه جزم ابن إسحق وابن زبر وابن قانع وابن حبان وابن عبد البر وابن الجوزى والذهبى في العبر وحكى ابن عبد البر عن أكثر أهل السير أنه توفى فى جمادى الآخرة لثمان بقين منه وما جزم به المصنف هو قول الواقدى وعمرو بن الفلاس وبه جزم عبد الغنى فى الكمال وتبعه المزى فى التهذيب والذهبى فى مختصراته منه والله أعلم قوله وطلحة والزبير جميعا فى جمادى الأولى سنة ست وثلاثين انتهى
436 وتقييده بجمادى الأولى مخالف أيضا لقول الجمهور فإنهما قتلا فى وقعة الجمل وكانت وقعة الجمل لعشر خلون من جمادى الآخرة هكذا جزم به الواقدى وكاتبه محمد بن سعد وخليفة ابن خياط وابن زبر وابن عبد البر وابن الجوزى وبه جزم المزى فى التهذيب فى ترجمة طلحة وخالف ذلك فى ترجمة الزبير فقال كان قتله يوم الجمل فى جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وسبب وقوعه فى ذلك تقليد ابن عبد البر فإنه اختلف كلامه فى الترجمتين فقال فى كل منهما أنه قتل يوم الجمل فقال فى طلحة فى جمادى الآخرة وقال فى الزبير فى جمادى الأولى وهو وهم لا يمشى إلا على قول من جعل وقعة الجمل فى جمادى الأولى وهو قول الليث بن سعد وأبى حاتم بن حبان وعبد الغنى فى الكمال قوله وسعد بن أبى وقاص سنة خمس وخمسين على الأصح وهو ابن ثلاث وسبعين سنة انتهى وما قاله ابن الصلاح صدر به عبد الغنى فى الكمال كلامه والمشهور الذى عليه الجمهور أنه كان ابن اربع وسبعين سنة وهو الذى جزم به عمرو بن على الفلاس وابن زبر وابن قانع وابن حبان والله أعلم قوله الثانى شخصان من الصحابة عاشا فى الجاهلية ستين سنة وفى الإسلام ستين سنة وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين أحدهما حكيم بن حزام وكان مولده فى جوف الكعبة قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة والثانى حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصارى انتهى
437 قلت اقتصر المصنف على من عاش من الصحابة مائة وعشرين ستين فى الجاهلية وستين فى الإسلام على هذين وفى الصحابة اربعة آخرون اشتركوا معهما فى هذا الوصف أحدهم حويطب بن عبد العزى القرشى العامرى من مسلمة الفتح قال ابن حبان سنه سن حكيم بن حزام عاش فى الإسلام ستين سنة وفى الجاهلية ستين سنة وقال ابن عبد البر أدركه الإسلام وهو ابن ستين سنة أو نحوها قال ومات بالمدينة فى آخر إمارة معاوية وقيل بل مات سنة اربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة قلت وهذا قول الجمهور خليفة بن خياط والهيثم بن عدى وأبى القاسم بن سلام ويحيى بن بكير وأبى موسى الزمن وابن قانع وابن حبان وغيرهم أنه مات سنة اربع وخمسين والثانى سعيد بن يربوع القرشى من مسلمة الفتح أيضا مات بالمدينة سنة اربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة قاله خليفة بن خياط وابن حبان وكذا قال أبو عبيد وابن عبد البر أنه مات سنة أربع وخمسين والثالث مخرمة بن نوفل القرشى الزهرى والد المسور ابن مخرمة من مسلمة الفتح أيضا عاش أيضا مائه وعشرين سنة فيما حكاه الواقدى وبه جزم أبو زكريا بن منده وقيل عاش مائة وخمس عشرة سنة وبه جزم ابن حبان وابن زبر وابن عبد البر وتوفى سنة اربع وخمسين قاله الهيثم بن عدى وابن نمير والمدائنى وابن قانع وابن حبان والرابع حمنن بن عوف القرشى الزهرى أخو عبد الرحمن بن عوف وهو بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وفتح النون الأولى عاش أيضا فى الجاهلية ستين سنة وفى الإسلام ستين سنة قاله الدارقطنى فى كتاب الإخوة والأخوات وابن عبد البر فى الاستيعاب وفى الصحابة جماعة آخرون عاشوا مائة وعشرين سنة ذكرهم أبو زكريا بن منده فى جزء له جمعه فى ذلك لكن لم يطلع على كون نصفها فى الجاهلية ونصفها فى الإسلام فاقتصرنا على هؤلاء الأربعة لمشاركتهم لحكيم وحسان فى ذلك والله أعلم
438 قوله ومسلم بن حجاج النيسابورى مات بها لخمس بقين من رجب سنة احدى وستين ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة انتهى وما ذكره المصنف من أن مسلما عاش خمسا وخمسين سنة تبع فيه الحاكم فإنه كذلك قال فى كتاب المزكين لرواة الأخبار بعد نقل كلام ابن الاخرم فى تاريخ وفاته وكأنه بقية كلام ابن الأخرم ولم يذكر فى تاريخ نيسابور مقدار عمره وإنما اقتصر على نقل تاريخ وفاته عن ابن الاخرم واقتصر المزى فى التهذيب على أن مولده سنة أربع ومائتين فعلى هذا يكون عمره سبعا وخمسين سنة وجزم الذهبى فى العبر بأنه عاش ستين سنة والله أعلم
442 النوع الثانى والستون
معرفة من خلط من آخر عمره من الثقات
ذكر المصنف رحمه الله فى هذا النوع ستة عشر ترجمة ممن ذكر اختلاطهم وذكر فى بعضهم بعض من سمع منه فى صحته وفى بعضهم بعض من سمع منه فى اختلاطه وذكر فى آخر النوع أن ما كان من هذا النوع محتجا بروايته فى الصحيحين أو أحدهما فإنا نعرف على الجملة أن ذلك مما تميز وكان مأخوذا عنه قبل الاختلاط فرأيت أن أذكر ما عرف فى تلك التراجم ممن سمع منهم قبل الاختلاط أو بعده وأذكر من روايته عن المذكورين فى الصحيح حتى يعرف أن ذلك مأخوذ عنه قبل الاختلاط كما ذكره المصنف وذلك من تحسين الظن بهما لتلقى الأمة لهما بالقبول كما قبل فيما وقع فى كتابيهما أو أحدهما من حديث المدلسين بالعنعنة والله أعلم قوله فمنهم عطاء بن السائب اختلط فى آخر عمره فاحتج أهل العلم برواية الأكابر عنه مثل سفيان وشعبة إلى آخر كلامه وقد يفهم من كلامه فى تمثيله بسفيان وشعبة من
443 الأكابر أن غيرهما من الأكابر سمع منه فى الصحة وقد قال يحيى بن معين جميع من روى عن عطاء روى عنه فى الاختلاط إلا شعبة وسفيان وقال أحمد بن حنبل سمع منه قديما شعبة وسفيان وقال أبو حاتم الرازى قديم السماع من عطاء سفيان وشعبة وقد استثنى غير واحد من الأئمة مع شعبة وسفيان حماد بن زيد قال يحيى بن سعيد القطان سمع حماد بن زيد من عطاء بن السائب قبل أن يتغير وقال النسائى رواية حماد بن زيد وشعبة وسفيان عنه جيدة انتهى وقال فى موضع آخر حديثه عنه صحيح وصحح أيضا حديثه عنه أبو داود والطحاوى كما سيأتى ونقل الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبى بكر بن خلف بن المواق فى كتاب بغية النقاد الاتفاق على أن حماد بن زيد إنما سمع منه قديما واستثنى الجمهور أيضا رواية حماد بن سلمة عنه أيضا فممن قاله يحيى بن معين وأبو داود والطحاوى وحمزة الكتانى فروى ابن عدى فى الكامل عن عبد الله ابن الدورقى عن يحيى بن معين قال حديث سفيان وشعبة وحماد بن سلمة عن عطاء ابن السائب مستقيم وهكذا روى عباس الدورى عن يحيى بن معين وكذلك ذكر أبو بكر بن أبى خيثمة عن ابن معين فصحح رواية حماد بن سلمة عن عطاء وسيأتى نقل كلام أبى داود فى ذلك وقال الطحاوى وإنما حديث عطاء الذى كان منه قبل تغيره يؤخذ من أربعة لا من سواهم وهم شعبة وسفيان الثورى وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وقال حمزة بن محمد الكتانى فى اماليه حماد بن سلمة قديم السماع من عطاء بن السائب نعم قال عبد الحق فى الاحكام أن حماد بن سلمة من سمع منه بعد الاختلاط حسبما قاله العقيلى فى قوله إنما ينبغى أن يقبل من حديثه ما روى عنه مثل شعبة وسفيان فأما جرير وخالد بن عبد الله وابن علية وعلى بن عاصم وحماد بن سلمة وبالجملة أهل البصرة فأحاديثهم عنه مما سمع منه بعد الاختلاط لانه إنما قدم عليهم فى آخر عمره انتهى وقد تعقب الحافظ
444 أبو عبد الله محمد بن أبى بكر بن المواق كلام عبد الحق هذا بأن قال لا يعلم من قاله غير العقيلى والمعروف عن غيره خلاف ذلك قال وقوله لأنه إنما قدم عليهم فى آخر عمره غلط بل قدم عليهم مرتين فمن سمع منه فى القدمة الاولى صح حديثه عنه قال وقد نص على ذلك أبو داود فذكر كلامه الآتى نقله أنفا واستثنى أبو داود أيضا هشاما الدستوائى فقال وقال أحمد قدم عطاء البصرة قدمتين فالقدمة الأولى سماعهم صحيح سمع منه فى المقدمة الأولى حماد بن سلمة وحماد بن زيد وهشام الدستوائى والقدمة الثانية كان تغير فيها سمع منه وهيب وإسماعيل يعنى بن علية وعبد الوارث سماعهم منه فيه ضعف قلت وينبغى استثناء سفيان بن عيينة أيضا فقد روى الحميدى عنه قال كنت سمعت من عطاء بن السائب قديما ثم قدم علينا قدمته فسمعته يحدث ببعض ما كنت سمعت فخلط فيه فاتقيته واعتزلته انتهى فأخبر ابن عيينة أنه اتقاه بعد اختلاطه واعتزله فينبغى أن تكون روايته عنه صحيحة والله أعلم وأما من سمع منه فى الحالين فقال يحيى بن معين فيما رواه عباس الدورى عنه سمع أبو عوانة من عطاء فى الصحة وفى الاختلاط جميعا ولا يحتج بحديثه وأما من صرحوا بأن سماعه منه بعد الاختلاط فجرير بن عبد الحميد وإسماعيل بن علية وخالد بن عبد الله الواسطى وعلى بن عاصم قاله أحمد بن حنبل والعقيلى كما تقدم وكذلك وهيب بن خالد كما تقدم نقله عن أبى داود وكذلك ما روى عنه محمد بن فضيل بن غزوان قال أبو حاتم فيه غلط واضطراب وقال العجلى ممن سمع منه بآخرة هشيم وخالد بن عبد الله الواسطى قلت وقد روى البخارى حديثا من رواية هشيم عن عطاء بن السائب وليس له عند البخارى غيره إلا أنه قرنه فيه بأبى بشر جعفر بن إياس رواه عن عمرو الناقد عن هشيم عن أبى بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذى أعطاه الله إياه وممن ذكر أنه سمع منه بآخرة البصريون كجعفر بن سليمان الضبعى وروح بن القاسم وعبد العزيز بن عبد الصمد العمى وعبد الوارث بن سعيد قال أبو حاتم الرازى وفى
445 حديث البصريين الذين يحدثون عنه تخاليط كثيرة لانه قدم عليهم فى آخر عمره وهذا يوافق ما قاله العقيلى إلا أن أبا حاتم لم يقل أن أحاديث أهل البصرة عنه مما سمع بعد الاختلاط كما قال العقيلى بل ذكر أن فى حديثهم عنه تخليطا وهو كذلك وقد صرح أبو داود بأنه قدمها مرتين والتخليط إنما كان فى الثانية والله أعلم قوله إبو إسحاق السبيعى اختلط أيضا ويقال أن سماع سفيان بن عيينة منه بعد ما اختلط ذكر ذلك أبو يعلى الخليلى انتهى وفيه أمور أحدها أن صاحب الميزان أنكر اختلاطه فقال شاخ ونسى ولم يختلط قال وقد سمع منه سفيان بن عيينة وقد تغير قليلا الأمر الثانى أن المصنف ذكر كون سماع بن عيينة منه بعد ما اختلط بصيغة التمريض وهو حسن فإن بعض أهل العلم أخذ ذلك من كلام لابن عيينة ليس صريحا فى ذلك قال يعقوب الفسوى قال ابن عيينة ثنا أبو إسحاق فى المسجد ليس معنا ثالث قال الفسوى فقال بعض أهل العلم كان قد اختلط وإنما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه انتهى الأمر الثالث أن المصنف لم يذكر أحدا قيل عنه أن سماعه منه بعد الاختلاط إلا ابن عيينة وقد ذكر ذلك عن إسرائيل بن يونس وزكريا بن أبى زائدة وزهير بن معاوية وكذلك تكلم فى رواية زائدة بن قدامة عنه أما إسرائيل فقال صالح بن أحمد ابن حنبل عن أبيه إسرائيل عن أبى إسحاق فيه لين سمع منه بآخرة وقال محمد بن موسى بن مشيش سئل أحمد بن حنبل أيما أحب إليك شريك أو إسرائيل فقال إسرائيل هو أصح حديثا من شريك إلا فى أبى إسحاق فإن شريكا اضبط عن أبى إسحق قال وما روى يحيى عن إسرائيل شيئا فقيل لم فقال لا أدري أخبرك إلا أنهم يقولون من قبل أبى إسحق لأنه خلط وروى عياش الدورى عن يحيى بن معين قال زكريا وزهير وإسرائيل حديثهم فى أبى إسحق قريب من السواء إنما أصحاب أبى إسحق سفيان وشعبة قلت قد خالفهما فى ذلك عبد الرحمن بن مهدى وأبو حاتم فقال ابن مهدى إسرائيل فى أبى إسحق أثبت من شعبة والثورى وروى عبد الرحمن بن مهدى عن عيسى بن
446 يونس قال قال لى إسرائيل كنت أحفظ حديث أبى إسحاق كما أحفظ السورة من القرآن وقال أبو حاتم الرازى إسرائيل من أتقن أصحاب أبى إسحق وروايته عن جده فى الصحيحين وأما زكريا بن أبى زائدة فقال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه إذا اختلف زكريا وإسرائيل فإن زكريا أحب إلى فى أبى إسحق من إسرائيل ثم قال ما أقربهما وحديثهما عن أبى إسحق لين سمعا منه بآخرة وقال أحمد بن عبد الله العجلى كان ثقة إلا أن سماعه عن أبى إسحق بآخرة بعد ما كبر أبو إسحق قال وروايته ورواية زهير بن معاوية وإسرائيل بن يونس قريب من السواء وتقدم قول يحيى بن معين أيضا أن حديث الثلاثة عن أبى إسحق قريب من السواء وروايته عنه فى الصحيحين وأما زهير بن معاوية فقال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه فى حديثه عن أبى إسحق لين سمع منه بآخرة وقال أبو زرعة ثقة إلا أنه سمع من أبى إسحق بعد الاختلاط وقال أبو حاتم زهير أحب إلينا من إسرائيل فى كل شئ إلا فى حديث أبى إسحق وقال أيضا زهير ثقة متقن صاحب سنة تأخر سماعه من أبى إسحق وتقدم أيضا قول يحيى بن معين زكريا وزهير وإسرائيل حديثهم فى أبى إسحق قريب من السواء وقال الترمذى زهير فى إسحق ليس بذاك لأن سماعه منه بآخرة وروايته عنه فى الصحيحين وأما زائدة بن قدامة فروى أحمد بن حنبل بن الحسن الترمذى عن أحمد بن حنبل قال إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير فلا تبال أن لا تسمعه من غيرهما إلا حديث أبى إسحق وروايته عنه فى سنن أبى داود فقط الأمر الرابع أنه قد أخرج الشيخان فى الصحيحين لجماعة من روايتهم عن إبى إسحق وهم إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق وزكريا ابن أبي زائدة وزهير بن معاوية وسفيان الثورى وأبو الأحوص سلام بن سليم وشعبة وعمر بن أبى زائدة ويوسف بن إبى إسحاق وأخرج البخارى من رواية جرير بن حازم عنه وأخرج مسلم من رواية إسماعيل بن أبى خالد ورقبة بن مصقلة وسليمان بن مهران الأعمش وسليمان بن معاذ وعمار ابن رزيق ومالك بن مغول ومسعر بن كدام عنه وقد تقدم أن إسرائيل وزكريا وزهير سمعوا منه بآخرة والله أعلم
447 قوله سعيد بن إياس الجريرى اختلط وتغير حفظه قبل موته قال أبو الوليد الباجى المالكى قال النسائى أنكر أيام الطاعون وهو أثبت عندنا من خالد الحذاء ما سمع منه قبل أيام الطاعون انتهى وفيه أمور أحدها أن نقل المصنف لكلام النسائى بواسطة أبى الوليد الباجى لأن الظاهر أنه إنما رآه فى كلام الباجى عنه وهو تحرز حسن ولكن هذا موجود فى كلام النسائى ذكره فى كتاب التعديل والجرح رواية أبى بكر محمد بن معاوية بن الأحمر عنه قال فيه ثقة أنكر أيام الطاعون وكذا ذكره غير النسائى قال يحيى بن سعيد عن كهمس أنكرنا الجريرى أيام الطاعون وقال أبو حاتم الرازى تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديما فهو صالح وقال ابن حبان كان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين مات سنة أربع وأربعين ومائة الأمر الثانى أن الذين عرف أنهم سمعوا منه قبل الاختلاط إسماعيل بن علية هو أرواهم عنه والحمادان والسفيانان وشعبة وعبد الوارث بن سعيد وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى ومعمر ووهيب بن خالد ويزيد بن زريع وذلك لأن هؤلاء الأحد عشر سمعوا من أيوب السختيانى وقد قال أبو داود فيما رواه عنه أبو عبيد الآجرى كل من أدرك أيوب فسماعه من الجريرى جيد الأمر الثالث فى بيان من ذكر أن سماعه منه بعد التغير وهم إسحق الأزرق وعيسى بن يونس ومحمد بن عدى ويحيى بن سعيد القطان ويزيد بن هارون أما إسحق الأزرق فقال يزيد بن هارون سمع منه إسحق الأزرق بعدنا وسيأتى أن يزيد إذا سمع منه فى سنة اثنتين وأربعين ومائة وليست روايته عنه فى شئ من الكتب الستة وأما عيسى بن يونس فقال يحيى بن معين قال يحيى بن سعيد لعيسى بن يونس أسمعت من الجريرى قال نعم قال لا ترو عنه قال المزى فى التهذيب قال غيره لعله سمع منه بعد اختلاطه وروايته عنه فى سنن أبى داود وفى اليوم والليلة والنسائى وأما محمد بن عدى
448 فقال يحيى بن معين عن محمد بن عدى لا نكذب الله سمعنا من الجريرى وهو مختلط وليست روايته عنه فى شئ من الكتب الستة وأما يحيى بن سعيد فقال ابن حبان قد رآه يحيى القطان وهو مختلط ولم يكن اختلاطه فاحشا وقال عباس الدورى عن ابن معين قال سمع يحيى بن سعيد بن الجريرى وكان لا يروى عنه قال صاحب الميزان لأنه أدركه فى آخر عمره وأما يزيد بن هارون فقال محمد بن سعيد عن يزيد بن هارون سمعت من الجريرى سنة اثنين وأربعين ومائة وهى أول سنة دخلت البصرة ولم ينكر منه شيئا وكان قيل لنا أنه قد اختلط وقال أحمد بن حنبل عن يزيد بن هارون ربما ابتذ الجريرى وكان قد أنكر وروايته عنه عند مسلم وقد يجاب عنه بأن يزيد بن هارون أنكر اختلاطه حين سمع منه الأمر الرابع فى بيان من أخرج له الشيخان أو أحدهما من روايته عن الجريرى فروى الشيخان من رواية بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله الطحان وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وعبد الوارث بن سعيد عنه وروى مسلم له من رواية إسماعيل بن علية وجعفر بن سليمان الضبعى وحماد بن أسامة وحماد بن سلمة وسالم بن نوح وسفيان الثورى وسليمان بن المغيرة وشعبة وعبد الله بن المبارك وعبد الواحد بن زياد وعبد الوهاب الثقفى ووهيب بن خالد ويزيد بن زربع ويزيد بن هارون قوله سعيد بن أبى عروبة قال يحيى بن معين خلط سعيد بن أبى عروبة بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن سنة اثنتين وأربعين يعنى ومائة ومن سمع منه بعد ذلك فليس بشئ إلى آخلا كلامه وفيه أمور أحدها أن ما اقتصر عليه المصنف حكاية عن يحيى بن معين من أن هزيمة إبراهيم سنة اثنتين وأربعين ليس بجيد فإن المعروف فى التواريخ إن خروجه وهزيمته معا كانا فى سنة خمس وأربعين ومائة وأنه احتز رأسه فى يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ذى القعدة منها وكذا ذكر دحيم اختلاط ابن أبى عروبة
449 وخروج إبراهيم على الصواب فقال اختلط ابن أبى عروبة مخرج إبراهيم سنة خمس وأربعين ومائة وكذا قال ابن حبان اختلط سنة خمس وأربعين ومائة وبقى خمس سنين فى اختلاطه مات سنة خمسين وماية هكذا قال ابن حبان أنه توفى سنة خمسين وماية والمشهور أن وفاته سنة ست وخمسين هكذا قال عمرو بن الفلاس وأبو موسى الزمن وعليه اقتصر البخارى فى التاريخ حكاية عن عبد الصمد قال المزى وقال غيره سنة سبع وخمسين فعلى المشهور تكون مدة اختلاطه عشر سنين وبه جزم الذهبى فى العبر وخالف ذلك فى الميزان فقال عاش بعد ثلاث عشرة سنة مع جزمه فى العبر وفى الميزان أيضا أن وفاته سنة ست وخمسين فلعل ما قاله فى الميزان من مدة اختلاطه بناء على قول يحيى بن معين أن هزيمة إبراهيم فى سنة اثنين وأربعين وهو مخالف لقول الجمهور والله أعلم الأمر الثانى اقتصر المصنف على ذكر اثنين ممن سماعه منه صحيح يزيد بن هارون وعبدة بن سليمان وهو كما ذكر قاله يحيى بن معين إلا أن عبدة بن سليمان أخبر عن نفسه أنه سمع منه فى الاختلاط اللهم إلا أن يريد بذلك بيان اختلاطه وأنه لم يحدث عنه بما سمعه منه فى الاختلاط والله أعلم وقد ذكر أئمة الحديث جماعة آخرين سماعهم منه صحيح وهم أسباط بن محمد وخالد بن الحارث وسرار بن مجشر وسفيان بن حبيب وشعيب بن إسحق على اختلاف
450 فيه كما سنذكره وعبد الله بن بكر السهمى وعبد الله بن المبارك وعبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامى وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف ومحمد بن بشر ويحيى بن سعيد القطان ويزيد بن زريع فذكر ابن حبان فى الثقات أنه سمع منه قبل اختلاطه عبد الله بن المبارك ويزيد بن زريع وقال ابن عدى أرواهم عنه عبد الأعلى الشامى ثم شعيب بن إسحق وعبدة بن سليمان وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف وأثبتهم فيه يزيد بن زريع وخالد ابن الحرث ويحيى بن سعيد القطان وقال أحمد بن حنبل كان عبد الوهاب بن عطاء من أعلم الناس بحديث سعيد بن أبى عروبة وقال أبو عبيد الآجرى سئل أبو داود عن السهمى والخفاف فى حديث ابن أبى عروبة فقال عبد الوهاب أقدم فقيل له عبد الوهاب سمع فى الاختلاط فقال من قال هذا سمعت أحمد بن حنبل سئل عن عبد الوهاب فى سعيد ابن أبى عروبة فقال عبد الوهاب أقدم وقال ابن حبان كان سماع شعيب بن إسحق منه سنة أربع وأربعين قبل أن يختلط بسنة وقيل إنما سمع منه فى الاختلاط كما سيأتى وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبى أسباط بن محمد أحب إليك فى سعيد أو الخفاف فقال أسباط أحب إلى لأنه سمع بالكوفة وقال أبو عبيد الآجرى سألت أبا داود عن أثبتهم فى سعيد فقال كان عبد الرحمن يقدم سرارا وكان يحيى يقدم يزيد ابن زريع وقال فى موضع آخر سمعت أبا داود يقول سرار بن مجشر ثقة كان عبد الرحمن يقدمه على يزيد بن زريع وهو من قدماء أصحاب سعيد بن أبى عروبة ومات قديما وقال أبو حاتم الرازى كان سفيان بن حبيب أعلم الناس بحديث سعيد بن أبى عروبة وقال أحمد بن حنبل قال عبد الله بن بكر السهمى سمعت من سعيد سنة إحدى أو سنة اثنين وأربعين يعنى وماية وقال أبو عبيد الآجرى سألت أبا داود عن سماع محمد بن بشر من سعيد بن أبى عروبة فقال هو أحفظ من كان بالكوفة الأمر الثالث أن المصنف ذكر ممن عرف أنه سمع منه بعد اختلاطه اثنين وهما وكيع والمعافى بن عمران وقد سمع منه فى الاختلاط أبو نعيم الفضل بن دكين وكذلك غندر محمد بن جعفر وعبدة بن سليمان وشعيب بن إسحق على خلاف فى هؤلاء الثلاثة
451 أما أبو نعيم فإنه قال كتبت عنه بعدما اختلط حديثين وقد يقال لعله ما حدث بهما عنه ولذلك لم يعده المزى فى التهذيب فى الرواة عنه وأما محمد بن جعفر غندر فقال عبد الرحمن بن مهدى سمع منه غندر فى الاختلاط وروايته عنه عند مسلم كما سيأتى وأما عبدة بن سليمان فقد تقدم إخباره عن نفسه أنه سمع منه فى الاختلاط وقد ذكر المصنف أن سماعه منه صحيح وروايته عنه عند مسلم وأما شعيب بن إسحق فروى أبو عبيد الآجرى عن أبى داود عن أحمد بن حنبل قال سمع شعيب بن إسحق من سعيد بن أبى عروبة بآخر رمق وقال هشام بن عمار عن شعيب بن إسحق سمعت من سعيد بن أبى عروبة سنة أربع وأربعين وماية وتقدم قول ابن حبان إنه سمع منه قبل أن يختلط بسنة وهذا الخلاف فيه مخرج على الخلاف فى مدة اختلاطه فإن ابن معن قال إنه اختلط بعد سنة اثنتين وأربعين وقال دحيم وغيره سنة خمس وأربعين ويمكن أن يجمع بين قول أحمد إنه سمع منه بآخر رمق وبين قول من قال سمع منه قبل أن يختلط أنه كان ابتداء سماعه منه سنة أربع وأربعين كما أخبر هو عن نفسه ثم أنه سمع منه بعد ذلك بآخر رمق فإنه بقى إلى سنة ست وخمسين على قول الجمهور وعلى هذا فحديثه كله مردد لأنه سمع منه فى الحالين على هذا التقدير ويحتمل أن يراد بآخر رمق آخر زمن الصحة فعلى هذا يكون حديثه عنه كله مقبولا إلا على قول ابن معين والله أعلم الأمر الرابع فى بيان من أخرج لهم الشيخان أو أحدهما من روايتهم عن سعيد بن أبى عروبة فاتفق الشيخان على الإخراج لخالد بن الحرث وروح بن عبادة وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وعبد الرحمن بن عثمان البكراوى ومحمد بن سواء السدوسى ومحمد بن أبى عدى ويحيى بن سعيد القطان ويزيد بن زريع من روايتهم عنه وأخرج البخارى فقط من رواية بشر بن المفضل وسهل بن يوسف وعبد الله بن المبارك وعبد الوارث بن سعيد وكهمس بن المنهال ومحمد بن عبد الله الأنصارى عنه أخرج مسلم فقط من رواية إسماعيل بن علية وأبى أسامة حماد بن أسامة وسالم بن نوح وسعيد ابن عامر الضبعى وأبى خالد الأحمر واسمه سليمان بن حبان وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف وعبدة بن سليمان وعلى بن مسهر وعيسى بن يونس ومحمد بن بشر العبدى ومحمد بن بكر البرسانى ومحمد بن جعفر غندر عنه
452 قوله المسعودى ممن اختلط وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عقبة بن عبد الله بن مسعود الهزلى وهو أخو أبى العميس عتبة المسعودى ذكر الحاكم أبو عبد الله فى كتاب المزكين للرواة عن يحيى بن معين أنه قال من سمع من المسعودى في زمان أبى جعفر فهو صحيح السماع ومن سمع منه فى أيام المهدى فليس سماعه بشئ وذكر حنبل بن إسحق عن أحمد بن حنبل أنه قال سماع عاصم وهو ابن على وأبى النضر وهؤلاء من المسعودى بعد ما اختلط انتهى وفيه أمور أحدها أن المصنف اقتصر على ذكر اثنين ممن سمع منه بعد الاختلاط وهما عاصم بن على وأبو النضر هاشم بن القاسم وممن سمع منه أيضا بعد الاختلاط عبد الرحمن ابن مهدى ويزيد بن هارون وحجاج بن محمد الأعور وأبو داود الطيالسى وعلى بن الجعد قال محمد بن عبد الله بن نمير كان المسعودى ثقة فلما كان بآخرة اختلط سمع منه عبد الرحمن بن مهدى ويزيد بن هارون أحاديث مختلطة وما روى عنه الشيوخ فهو مستقيم وقال عمرو بن على الفلاس سمعت يحيى بن سعيد يقول رأيت المسعودى سنة رآه عبد الرحمن بن مهدى فلم أكلمه وسأل محمد بن يحيى الذهلى أبا الوليد الطيالسى عن سماع عبد الرحمن بن مهدى من المسعودى فقال سمع منه بمكة شيئا يسيرا وذكر ابن عساكر فى تاريخ دمشق عن أحمد بن حنبل قال كل من سمع من المسعودى بالكوفة مثل وكيع وأبى نعيم وأما يزيد بن هرون وحجاج ومن سمع منه ببغداد فى الاختلاط إلا من سمع بالكوفة انتهى وأما أبو داود الطيالسى فقال الخطيب فى تاريخه أنه سمع من المسعودى ببغداد وقد تقدم قول أحمد وقال ابن عمار من سمع منه ببغداد فسماعه ضعيف
453 وقال عمرو بن على الفلاس سمعت أبا قتيبة هو مسلم بن قتيبة يقول رأيت المسعودى سنة ثلاث وخمسين وكتبت عنه وهو صحيح ثم رأيته سنة سبع وخمسين أى وماية والذر يدخل فى أذنه وأبو داود يكتب عنه فقلت له أتطمع أن تحدث عنه وأنا حى وقال عثمان بن عمر بن فارس كتبنا عن المسعودى وأبو داود جرو يلعب بالتراب وأما على ابن الجعد فإن سماعه منه أيضا ببغداد فإن على بن الجعد إنما قدم البصرة سنة ست وخمسين وماية والمسعودى يومئذ ببغداد الأمر الثانى فى بيان ابتداء اختلاطه وقد اقتصر المصنف على حكاية كلام ابن معين أن من سمع منه فى زمان أبى جعفر فهو صحيح السماع وعلى هذا فكانت مدة اختلاطه سنة أو سنتين فإن أبا جعفر المنصور مات بظاهر مكة في سادس ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وماية وكانت وفاة المسعودى على المشهور فى سنة ستين وماية قاله سليمان بن حرب وأبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد بن حنبل وبه حزم البخارى فى تاريخه نقلا عن أحمد وابن حبان فى الضعفاء وابن زبر وابن قانع وابن عساكر فى التاريخ والمزى فى التهذيب والذهبى فى العبر والميزان وما اقتضاه كلام يحيى بن معين من قدر مدة اختلاطه صرح به أبو حاتم الرازى فقال تغير بآخره قبل موته بسنة أو سنتين وفى كلام غير واحد أنه اختلط قبل ذلك وتقدم قول أبى قتيبة سلم بن قتيبة أنه رآه سنة سبع وخمسين والذر يدخل فى أذنيه وقال عمرو بن على الفلاس سمعت معاذ بن معاذ يقول رأيت المسعودى سنة أربع وخمسين يطالع الكتاب يعنى أنه قد تغير حفظه وهذا موافق لما حكاه عبد الله بن أحمد ابن حنبل عن أبيه أنه قال انما اختلط المسعودى ببغداد ومن سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد وكان قدوم المسعودى بغداد سنة أربع وخمسين ولكن لم يختلط فى أول قدومه بغداد فقد سمع منه شعبة ببغداد كما ذكره ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وعلى هذا فقد طالت مدة اختلاطه لا سيما على قول من قال أنه مات سنة خمس وستين وهو قول يعقوب بن شيبة رواه الخطيب فى التاريخ عنه وان كان المشهور أنه توفى سنة ستين وماية كما تقدم لكن قد روينا بالإسناد الصحيح إلى على بن المدينى سمعت معاذ بن معاذ يقول قدم علينا المسعودى البصرة قدمتين يملى علينا إملاء ثم لقيت المسعودى ببغداد سنة أربع
454 وخمسين وما أنكر منه قليلا ولا كثيرا فجعل يملى على ثم أذن لى فى بينه ومعى عبد الله ابن عثمان ما أنكر منه قليلا ولا كثيرا قال ثم قدمت عليه مرة أخرى مع عبد الله بن حسن قال فقلت لمعاذ سنة كم قال سنة إحدى وستين فقالوا دخل عليه فذهب ببعض سماعه فأنكروه لذلك قال معاذ فتلقانا يوما فسألته عن حديث القاسم فأنكره وقال ليس من حديثى قال ثم رأيت رجلا جاءه بكتاب عمرو بن مرة عن إبراهيم فقال كيف هو فى كتابك قال عن علقمة وجعل يلاحظ كتابه فقال معاذ فقلت له انك انما حدثتناه عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن عبد الله قال هو عن علقمة ففى هذا أنه تأخر إلى سنة إحدى وستين وقد رواه هكذا ابن عساكر فى التاريخ وغيره وذكره المزى فى التهذيب وضبب على قوله إحدى وذلك أنه اقتصر فى التهذيب على أنه توفى سنة ستين فرأى هذا مخالفا لما ذكر من وفاته فضبب عليه والله أعلم الأمر الثالث فى بيان من سمع منه قبل اختلاطه قال أحمد بن حنبل سماع وكيع من المسعودى بالكوفة قديم وأبو نعيم أيضا قال وانما اختلط المسعودى ببغداد قال ومن سمع منه بالبصرة والكوفة فسماعه جيد انتهى وعلى هذا فتقبل رواية كل من سمع منه بالكوفة والبصرة قبل أن يقدم بغداد وهم أمية بن خالد وبشر بن المفضل وجعفر بن عون وخالد بن الحرث وسفيان بن حبيب وسفيان الثورى وأبو قتيبة سلم بن قتيبة وطلق بن غنام وعبد الله بن رجاء الغدانى وعثمان بن عمر بن فارس وعمرو بن مرزوق وعمرو بن الهيثم والقاسم بن معن بن عبد الرحمن ومعاذ بن معاذ العنبرى والنضر ابن شميل ويزيد بن زريع الأمر الرابع أنه قد شدد بعضهم فى أمر المسعودى ورد حديثه كله لأنه لا يتميز حديثه القديم من حديثه الأخير قال ابن حبان فى تاريخ الضعفاء كان المسعودى صدوقا الا أنه اختلط فى آخر عمره اختلاطا شديدا حتى ذهب عقله وكان يحدث بما يحب فحمل عنه فاختلط حديثه القديم بحديثه الأخير ولم يتميز فاستحق الترك وقال أبو الحسن القطان فى كتاب بيان الوهم والايهام كان لا يتميز فى الأغلب ما رواه قبل اختلاطه مما رواه بعد انتهى والصحيح ما قدمناه من أن من سمع منه بالكوفة والبصرة قبل أن يقدم بغداد فسماعه صحيح كما قال أحمد وابن عمار وقد ميز بعض ذلك والله أعلم
455 قوله ربيعة الرأى بن أبى عبد الرحمن أستاذ مالك قيل أنه تغير فى آخر عمره وترك الأعتماد عليه لذلك انتهى وما حكاه المصنف من تغير ربيعة فى آخر عمره لم أره لغيره وقد احتج به الشيخان ووثقه أحمد بن حنبل وأبو حاتم الرازى ويحيى بن سعيد والنسائى وابن حبان وابن عبد البر وغيرهم ولا أعلم أحدا تكلم فيه باختلاط ولا ضعف إلا أن النباتى أورده فى ذيل الكامل وقال ان البستى وهو ابن حبان ذكره فى الزيادات مقتصرا على قول ربيعة لابن شهاب أن حالى ليست تشبه حالك أنا أقول برأى من شاء أخذه وذكر البخارى قول ربيعة هذا فى التاريخ الكبير وقال ابن سعد فى الطبقات بعد توثيقه كانوا يتقونه لموضع الرأى قال ابن عبد البر فى التمهيد وقد ذمه جماعة من أهل الحديث لاعترافه فى الرأى ورووا فى ذلك أخبارا قد ذكرتها فى غير هذا الموضع قال وكان سفيان بن عيينة والشافعى وأحمد بن حنبل لا يرضون عن رأيه لأن كثيرا منه يوجد له بخلاف المسند الصحيح لأنه لم يتسع فيه وروى ابن عبد البر فى كتاب جامع بيان العلم بإسناده إلى مالك قال قال لى ابن هرمز لا تمسك على شئ مما سمعت منى من هذا الرأى فإنما افتجرته أنا وربيعة فلا تتمسك به وروى ابن عبد البر أيضا فيه عن موسى بن هارون قال الذين ابتدعوا الرأى ثلاثة وكلهم من أبناء سبايا الأمم وهم ربيعة بالمدينة وعثمان البتى بالبصرة وفلان بالكوفة قال ابن عبد البر وذكر العقيلى في التاريخ الكبير بإسناده إلى الليث قال رأيت ربيعة فى المنام فقلت له ما حالك فقال صرت إلى خير إلا أنى لم أحمد على كثير مما خرج منى من الرأى انتهى فهذا كما تراه إنما تكلم فيه من قبل الرأى لا من اختلاطه فإنى لم أر أحدا ذكره غير ابن الصلاح على أن غير واحد قد برأوه من الرأى فروينا عن عبد العزيز ابن أبى سلمة أنه قال يا أهل العراق تقولون ربيعة الرأى والله ما رأيت أحدا أحفظ لسنة منه وذكر ابن عبد البر فى التمهيد قال كان عبد العزيز بن أبى سلمة يجلس إلى ربيعة فلما حضرت ربيعة الوفاة قال له عبد العزيز يا أبا عثمان إنا قد تعلمنا منك وربما جاءنا من يستفتينا فى الشئ لم نسمع فيه شيئا فترى أن رأينا له خبر من رأيه لنفسه فنفتيه فقال
456 ربيعة اجلسونى فجلس ثم قال ويحك يا عبد العزيز لأن تموت جاهلا خير لك من أن تقول فى شئ بغير عليم لا لا لا ثلاث مرات قوله صالح بن نبهان مولى التوأمة بنت أمية بن خلف روى عنه ابن أبى ذئب والناس قال أبو حاتم بن حبان تغير فى سنة خمس وعشرين ومائة واختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميز فاستحق الترك انتهى وقد اقتصر المصنف من أقوال من تكلم فى صالح بالاختلاط على حكاية كلام ابن حبان فاقتضى ذلك ترك جميع حديثه وليس كذلك فقد ميز غير واحد من الأئمة بعض من سمع منه فى صحته ممن سمع منه بعد اختلاطه فممن سمع منه قديما محمد بن عبد الرحمن بن أبى ذئب قاله على بن المدينى ويحيى ابن معين والجوزجانى وأبو أحمد بن عدى وممن سمع منه أيضا قديما عبد الملك بن جريج وزياد بن سعد قاله ابن عدى قلت وكذلك سمع منه قديما أسيد بن أبى سيد وسعيد بن أبى أيوب وعبد الله بن على الأفريقى وعمارة بن غزية وموسى بن عقبة وممن سمع منه بعد الاختلاط مالك بن أنس وسفيان الثورى وسفيان بن عيينة والله أعلم قوله حصين بن عبد الرحمن الكوفى ممن اختلط وتغير ذكره النسائى وغيره والله أعلم انتهى وفيه أمران أحدهما أن حصين بن عبد الرحمن الكوفي أربعة ذكرهم الخطيب فى المتفق والمفترق والمزى فى التهذيب والذهبى فى الميزان فكان ينبغى للمصنف أن يميز هذا المذكور منهم بالاختلاط فى آخر عمره بذكر نسبه أو كنيته ونسبه سلمى وكنيته
457 أبو الهذيل وهذا هو المعروف المشهور ممن يسمى هكذا وروايته فى الكتب الستة وليس لغيره من بقية الأربعة المذكورين رواية فى شئ من الكتب الستة وإنما ذكرهم المزى فى التهذيب للتمييز وحصين بن عبد الرحمن الكوفى هذا ثقة حافظ وثقة أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو زرعة العجلى والنسائى فى الكنى وابن حبان وغيرهم وقال أبو حاتم الرازى ثقة ساء حفظه فى الآخر وقال النسائى تغير وقال يزيد بن هارون طلبت الحديث وحصين حى كان يقرأ عليه وكان قد نسى وعن يزيد بن هارون أيضا أنه قال اختلط وذكره البخارى فى الضعفاء وكذلك العقيلى وابن عدى ولم يذكروا فيه تضعيفا غير أنه كبر ونسى وقد أنكر على بن عاصم اختلاطه فقال لم يختلط والثانى حصين ابن عبد الرحمن الحارثى الكوفى حدث عن الشعبي وروى عنه إسماعيل بن أبى خالد والحجاج بن أرطاه ذكره البخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وحكى عن أحمد أنه قال فيه ليس يعرف ما روى عنه غير الحجاج وإسماعيل بن أبى خالد وذكره ابن حبان فى الثقات وقال ليس هذا بالأول مات سنة تسع وثلاثين وماية والثالث حصين بن عبد الرحمن النخعى الكوفى أخو مسلم بن عبد الرحمن النخعى روى عن الشعبى أيضا قوله روى عنه حفص بن غياث ذكره البخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والخطيب وروى عن أحمد بن حنبل قال هذا رجل آخر لا يعرف وقال الخطيب لم يرو عنه غير حفص بن غياث وذكره ابن حبان فى الثقات قال وليس هذا بالأولين قال هؤلاء الثلاثة من أهل الكوفة وقد رووا ثلاثتهم عن الشعبى روى عنهم أهل الكوفة قال وربما يتوهم المتوهم أنهم واحد وليس كذلك أحدهم سلمى والآخر حارثى والثالث نخعى والرابع حصين بن عبد الرحمن الجعفى أخو إسماعيل بن عبد الرحمن كوفى أيضا روى عن عبد الله بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب روى عنه طعمة بن عيلان الكوفى ذكره الخطيب فى المتفق والمفترق وتبعه المزى فى التهذيب والذهبى فى الميزان وقال مجهول الأمر الثانى لم يذكر المصنف فى ترجمة حصين هذا من عرف أنه سمع منه فى الصحة أو من عرف أنه سمع منه فى الاختلاط كما فعل فى أكثر من ذكره ممن اختلط
458 وقد سمع منه قديما قبل أن يتغير سليمان التيمى وسليمان الأعمش وشعبة وسفيان والله تعالى أعلم وقد اختلف كلامهم فى سنة وفاته فالمشهور أنه توفى سنة ست وثلاثين وماية قاله محمد بن عبد الله الحضرمى الملقب بمطين وعليه اقتصر الخطيب فى المتفق والمفترق والمزى فى التهذيب واختلف فيه كلام ابن حبان فى الثقات فإنه ذكره فى طبقة التابعين وفى طبقة أتباع التابعين أيضا وقال فى طبقة التابعين أنه مات سنة ثلاث وستين ومائة وقال فى طبقة أتباع التابعين أنه مات سنة ست وستين وماية وهكذا نقلته من خط الصدر البكرى فى الموضعين فإن لم يكن من خطأ النساخ فهو وهم من ابن حبان والمعروف سنة ست وثلاثين وبه جزم الذهبى أيضا فى العبر والله أعلم قوله عبد الوهاب الثقفى ذكر ابن أبى حاتم الرازى عن يحيى بن معين أنه قال اختلط بآخرة انتهى لم يبين المصنف مقدار مدة اختلاطه ولا من ذكر أنه سمع منه فى الصحة أو فى الاختلاط فأما مقدار مدة اختلاطه فقال عقبة بن مكرم العمى اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع سنين انتهى وكانت وفاته سنة أربع وتسعين وماية بتقديم التاء على السين وهو قول عمرو بن على الفلاس وأبو موسى الزمن وبه جزم ابن زبر وابن قانع والذهبى فى العبر والمزى فى التهذيب وقيل سنة أربع وثمانين وبه صدر ابن حبان كلامه وأما الذين سمعوا منه فى الصحة فجميع من سمع منه إنما سمع منه فى الصحة قبل اختلاطه قال الذهبى فى الميزان ما ضرر تغيره حديثه فإنه ما حدث بحديث فى زمن التغير ثم استدل على ذلك بقول أبى داود تغير جرير بن حازم وعبد الوهاب الثقفى فحجب الناس عنهما قوله سفيان بن عيينة وجدت عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلى أنه سمع يحيى
459 ابن سعيد القطان يقول أشهد أن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين فمن سمع منه فى هذه السنة وبعدها فسماعه لا شئ قلت توفى بعد ذلك بنحو سنتين سنة تسع وتسعين ومائة انتهى وفيه أمور أحدها أن المصنف لم يبين من سمع منه فى سنة سبع وتسعين وما بعدها وقد سمع منه فى هذه السنة محمد بن عاصم صاحب ذاك الجزء العالى كما هو مؤرخ فى الجزء المذكور وهكذا ذكره أيضا صاحب الميزان قال فأما سنة ثمان وتسعين ففيها مات ولم يلقه فيها أحد فإنه توفى قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر قال ويغلب على ظنى أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع الأمر الثانى أن هذا الذى ذكره المصنف عن محمد بن عبد الله بن عمار عن القطان قد استبعده صاحب الميزان فقال وأنا أستبعده وأعده غلطا من ابن عمار فإن القطان مات فى صفر من سنة ثمان وتسعين وقت قدوم الحاج ووقت تحدثهم عن أخبار الحجاج فمتى تمكن يحيى بن سعيد من أن يسمع اختلاط سفيان ثم يشهد عليه بذلك والموت قد نزل به ثم قال فلعله بلغه ذلك فى أثناء سنة سبع الأمر الثالث أن ما ذكره المصنف من عند نفسه كونه بقى بعد الاختلاط نحو سنتين وهم منه وسبب ذلك وهمه فى وفاته فإن المعروف أنه توفى بمكه يوم السبت أول شهر رجب سنة ثمان وتسعين قاله محمد بن سعد وابن زبر وابن قانع وقال ابن حبان يوم السبت آخر يوم من جمادى الآخره قوله عبد الرزاق بن همام ذكر أحمد بن حنبل أنه عمى فى آخر عمره فكان يلقن فيتلقن فسماع من سمع منه بعد ما عمى لا شئ إلى آخر كلامه لم يذكر المصنف أحدا ممن سمع من عبد الرزاق بعد تغيره إلا إسحق بن إبراهيم
460 الدبرى فقط وممن سمع منه بعد ما عمى أحمد بن محمد بن شبوية قاله أحمد بن حنبل وسمع منه أيضا بعد التغير محمد بن حماد الطهرانى والظاهر أن الذين سمع منهم الطبرانى فى رحلته إلى صنعاء من أصحاب عبد الرزاق كلهم سمع منه بعد التغير وهم أربعة أحدهم الدبرى الذى ذكره المصنف وكان سماعه من عبد الرزاق سنة عشر ومائتين وكانت وفاة الدبرى سنة أربع وثمانين ومائتين والثانى من شيوخ الطبرانى إبراهيم بن محمد بن برة الصنعانى والثالث إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن سويد الشنابى والرابع الحسن بن عبد الأعلى البوسى الصنعانى فهؤلاء الأربعة سمع منهم الطبرانى فى رحلته إلى اليمن سنة اثنين وثمانين وسماعهم من عبد الرزاق بآخرة وممن سمع من عبد الرزاق قبل الاختلاط أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه وعلى ابن المدينى ويحيى بن معين ووكيع بن الجراح فى آخرين أخرج لهم الشيخان من رواياتهم عن عبد الرزاق فممن اتفق الشيخان على الإخراج له عن عبد الرزاق مع إسحق بن راهويه إسحق بن منصور الكوسج ومحمود بن غيلان وممن أخرج له البخارى فقط عن عبد الرزاق مع على بن المدينى إسحق بن إبراهيم السعدى وعبد الله بن محمد المسندى ومحمد بن يحيى الذهلى ومحمد بن يحيى بن أبى عمر العدنى ويحيى بن جعفر البيكندى ويحيى بن موسى البلخى الملقب خب وممن أخرج له مسلم عن عبد الرزاق مع أحمد بن حنبل أحمد بن يوسف السلمى وحجاج بن يوسف الشاعر والحسين بن على الخلال وسلمة بن شبيب وعبد الرحمن بن
461 بثمر بن الحكم وعبد بن حميد وعمرو بن محمد الناقد ومحمد بن رافع ومحمد بن مهران الحمال والله أعلم قوله عارم محمد بن الفضل أبو النعمان اختلط بآخرة فيما رواه عنه البخارى ومحمد بن يحيى الذهلى وغيرهما من الحفاظ ينبغى أن يكون مأخوذا عنه قبل اختلاطه انتهى ولم يبين المصنف ابتداء اختلاطه ولا كم قام فى الاختلاط ولا من سمع منه قبل الاختلاط وبعده إلا ما ذكر عن البخارى ومحمد بن يحيى الذهلى وغيرهما من الحفاظ وأتى به بصيغة ينبغى ولم ينقله عن أحد يرجع إليه مع أن بعض الحفاظ سماعه منه بعد الاختلاط وهو أبو زرعة الرازى كما سيأتى وأنا أبين ذلك إن شاء الله تعالى فأما ابتداء اختلاطه فقد اختلفوا فى ذلك فقال أبو حاتم كتبت عنه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة يعنى ومائتين قال ولم أسمع منه بعدما اختلط فمن سمع منه قبل سنة وعشرين ومائتين فسماعه جيد قال وأبو زرعة لقيه سنة اثنتين وعشرين وقال أبو داود بلغنا أن عارما أنكر سنة ثلاث عشرة ومائتين ثم راجعه عقله واستحكم به الاختلاف سنة ست عشرة ومات عارم سنة أربع وعشرين ومائتين فإذا كان اختلاطه ثمانى سنين على قول ابى داود وأربع سنين على قول أبى حاتم وقال الدارقطنى ما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر وأما ابن حبان فإنه قال فى تاريخ الضعفاء اختلط فى آخر عمره وتغير حتى كان لا يدرى ما يحدث به فوقع المناكير الكثيرة فى روايته فما روى عنه القدماء إذا علم أن سماعهم منه كان قبل تغيره إن احتج به محتج بعد العلم بما ذكرت أرجو أن لا نخرج فى فعل ذلك وأما رواية المتأخرين عنه فلا يجب إلا التنكب عنها على الأحوال وإذا لم يعلم التمييز بين سماع المتأخرين والمتقدمين منه يترك الكل فلا يحتج بشئ منه وقد أنكر صاحب الميزان قول ابن حبان هذا ونسبه إلى التخسيف والتهوير وقال لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثا منكرا فأين ما زعم انتهى
462 وأما من سمع منه قبل الاختلاط فأحمد بن حنبل وعبد الله بن محمد المسندى وأبو حاتم الرازى وأبو على محمد بن أحمد بن خالد الزريقى وكذلك ينبغى أن يكون من حدث عنه من شيوخ البخارى أو مسلم وروى عنه فى الصحيح شيئا من حديثه ومع كون البخارى روى عنه فى الصحيح فقد روى فى الصحيح أيضا عن عبد الله ابن محمد المسندى عنه وروى مسلم فى الصحيح عن جماعة عنه وهم أحمد بن سعيد الدارمى وحجاج بن الشاعر وأبو داود سليمان بن سعيد السنجى وعبد بن حميد وهارون بن عبد الله الحمال وأما من سمع منه بعد الاختلاط فأبو زرعة الرازى كما قال أبو حاتم وعلى ابن عبد العزيز البغوى على قول أبى داود أنه استحكم به الاختلاط سنة ست عشرة وذلك أن سماع على بن عبد العزيز كان فى سنة سبع عشرة كما قاله العقيلى فأما على قول أبى حاتم المتقدم فسماع على بن عبد العزيز البغوى منه كان قبل اختلاطه والله أعلم وجاء إليه أبو داود فلم يسمع منه لما رأى من اختلاطه وكذلك إبراهيم الحربى قوله أبو قلابة عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشى روينا عن الإمام ابن خزيمة أنه قال حدثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد انتهى وظاهر كلام ابن خزيمة أن من سمع منه بالبصرة قبل أن يخرج إلى بغداد فسماعه صحيح وإن من سمع منه ببغداد فهو بعد الاختلاط أو مشكوك فيه فمن سمع منه بالبصرة أبو داود السجستانى وابن ماجه وأبو مسلم الكجى وأبو بكر بن أبى داود ومحمد بن إسحاق الصاغانى وأحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى وأبو عروبة الحسين بن محمد الحرانى وممن سمع منه ببغداد أحمد بن سلمان النجاد وأحمد بن كامل بن سحرة القاضى وأحمد بن عثمان بن يحيى الآدمى وأبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان وإسماعيل بن محمد الصفار وحبشون بن موسى الخلال وعبد الله بن إسحق بن إبراهيم ابن الخراسانى البغوى وأبو عمرو عثمان بن أحمد السماك وأبو بكر محمد بن أحمد ابن يعقوب بن شيبة السدوسى وأبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعى وأبو عيسى
463 محمد بن على بن الحسين التحاري بالتاء المثناة من فوق المضمومة وأبو جعفر محمد بن عمرو ابن البحترى ومحمد بن مخلد الدورى وأبو العباس محمد بن يعقوب الأصم وما أخذناه من عبارة ابن خزيمة من أن من سمع منه بالبصرة فهو قبل الاختلاط ومن سمع منه ببغداد فهو بعد الاختلاط وليس صريحا فى عبارته بل هو ظاهر منها وبعض من ذكرنا أنه سمع منه ببغداد فهو بعد الاختلاط كأبى بكر الشافعى وكذلك محمد بن يعقوب الأصم فقد ذكر الحاكم فى تاريخ نيسابور أن الأصم لم يسمع بالبصرة حديثا واحدا وأن أباه رحل به سنة خمس وستين على طريق أصبهان وذكر بقية رحلته للبلدان ثم دخل بغداد سنة تسع وستين إلى آخر كلامه قوله وممن بلغنا عنه ذلك من المتأخرين أبو أحمد الغطريفى الجرجانى وأبو طاهر حفيد الإمام ابن خزيمة ذكر الحافظ أبو على البردعى ثم السمرقندى فى معجمه أنه بلغه أنهما اختلطا فى آخر عمرهما انتهى وأما النطريفى فلم أر من ذكره فيمن اختلط غير ما حكاه المصنف عن الحافظ أبى على البردعى وقد ترجمه الحافظ حمزة السهمى فى تاريخ جرجان فلم يذكر عنه شيئا من ذلك وهو أعرف به فإنه أحد شيوخ حمزة وقد حدث عنه الحافظ أبو بكر الاسماعيلى فى صحيحه إلا أنه دلس اسمه فقال مرة حدثنا محمد بن أبى حامد النيسابورى وقال مرة حدثنا محمد بن أحمد العبقسى وقال مرة حدثنا محمد بن أحمد الوردى وقال مرة حدثنا محمد بن أحمد البغوى وقال مرة حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين ولم ينسبه ونسبته الغطريفى إلى أحد أجداده فإنه محمد بن أحمد بن الحسين القاسم بن السرى ابن الغطريف الغطريفى الجرجانى الرباطى ولم يدلسه الاسماعيلى لضعفه ولكن لكونه ليس فى مرتبة شيوخه وإنما هو من أقرانه وكان نازلا فى منزل الإسماعيلى وتوفى الاسماعيلى قبله فى سنة إحدى وسبعين وثلاث مايه فى غرة شهر رجب وتأخر الغطريفى ست سنين فتوفى فى سنة سبع وسبعين فى شهر رجب أيضا فلذلك أبهم نسبه فإن كان قد حصل للغطريفى تغير فهو بعد موت الاسماعيلى وآخر من بقى من أصحاب الغطريفى القاضى أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبرى
464 وهو أيضا سمع منه قبل التغير إن كان حصل له تغير فإن القاضى أبا الطيب رحل إلى جرجان سنة إحدى وسبعين فى حياة الاسماعيلى فقدمها يوم خميس فاشتغل بدخول الحمام ثم أصبح فاراد الاجتماع بالاسماعيلى والسماع عليه فقال له ابنه أبو سعد إنه شرب دواء لمرض حصل له فتعال غدا للسماع عليه فجاء من الغد يوم السبت فوجده قد مات فلم يحصل للقاضى أبى الطيب لقى الاسماعيلى وسمع فى تلك السنة من الغطريفى فإنه كان نازلا فى منزل الاسماعيلى ولم يذكر الذهبى فى الميزان الغطريفى فيمن تغير ولكن ذكر السمعانى فى الأنساب أنهم أنكروا على الغطريفى حديثا رواه من طريق مالك عن الزهرى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أهدى جملا لأبى جهل قال السمعانى وكان يذكر أن ابن صاعد وابن مظفر أفاداه عن الصوفى هذا الحديث قال ولا يبعد أن يكون قد سمع إلا أنه لم يخرج أصله قال وقد حدث غير واحد من المتقدمين والمتأخرين بهذا الحديث عن الصوفى قال السمعانى وأنكروا عليه أيضا أنه حدث بمسند إسحق بن إبراهيم الحنظلى عن ابن شيرويه من غير الأصل الذى سمع فيه وقال حمزة السهمى سمعت أبا عمرو الرزجاهى يقول رأيت سماع الغطريفى فى جميع كتاب ابن شيرويه والله أعلم قلت وثم آخر يوافق الغطريفى فى الاسم واسم أبيه وبلده وتقاربا أيضا فى اسم الجد وهما متعاسران وقد اختلط فى آخر عمره فيحتمل أن يكون اشتبه الغطريفى به واسم الغطريفى محمد بن أحمد بن الحسين الجرجانى كما تقدم واسم الآخر محمد بن أحمد ابن الحسن وقد بين الحاكم فى تاريخ نيسابور اختلاط هذا فقال ولقد سافر معى وسبرته فى الحضر والسفر نيفا وأربعين سنة فما اتهمته فى الحديث قط ثم تغير بآخرة وخلط والله تعالى يغفر لنا وله وينتقم ممن أفسد علمه وتوفى عشية يوم الاثنين الرابع من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وثلاث ماية وأما محمد بن الفضل بن محمد بن إسحق ابن خزيمة فقد بين الحاكم فى تاريخ نيسابور مدة اختلاطه فقال إنه مرض وتغير بزوال العقل فى ذى الحجة من سنة أربع وثمانين وثلاث ماية فإنى قصدته بعد ذلك غير مرة فوجدته لا يعقل وكل من أخذ عنه بعد ذلك فلقلة مبالاته بالدين وتوفى ليلة الجمعة الثامن عشر من جمادى الأولى من سنة سبع وسبعين وثلاث ماية انتهى فعلى هذا تكون مدة اختلاطه سنتين وخمسة أشهر أو مع زيادة بعض شهر آخر
465 وأما نقل صاحب الميزان عن الحاكم أنه عاش بعد تغيره ثلاث سنين فنقل غير محرر وهكذا قال فى العبر اختلط قبل موته بثلاثة أعوام فتجنبوه قال فى الميزان ما عرفت أحدا سمع منه أيام عدم عقله والله أعلم قوله وأبو بكر بن مالك القطيعى راوى مسند أحمد وغيره اختل فى آخر عمره وخرف حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه انتهى وفى ثبوت هذا عن القطيعى نظر وهذا القول تبع فيه المصنف مقالة حكيت عن أبى الحسن بن الفرات لم يثبت إسنادها إليه ذكرها الخطيب فى التاريخ فقال حدثت عن أبى الحسن بن الفرات قال كان ابن مالك القطيعى مستورا صاحب سنة كثير السماع من عبد الله بن أحمد وغيره إلا أنه خلط فى آخر عمره وكف بصره وخرق حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه انتهى وقد أنكر صاحب الميزان هذا على ابن الفرات وقال غلو وإسراف وقال أبو عبد الرحمن السلمى أنه سأل الدارقطنى عنه فقال ثقة زاهد سمعت أنه مجاب الدعوة وقال الحاكم ثقة مأمون وسئل عنه البرقانى فقال كان شيخا صالحا غرقت قطعة من كتبه فنسخها من كتاب ذكروا أنه لم تكن سماعه فغمزوه لأجل ذلك وإلا فهو ثقة قال البرقانى وكنت شديد التنقير عن حاله حتى ثبت عندى أنه صدوق لا شك فى سماعه وإنما كان فيه بله فلما غرقت القطيعة بالماء الأسود غرق شئ من كتبه فنسخ بدل ما غرق من كتاب لم يكن فيه سماعه قال ولما اجتمعت مع الحاكم أبى عبد الله بن البيع بنيسابور ذكرت بن مالك ولينته فأنكر على وقال الخطيب لم أر أحدا امتنع من الرواية عنه ولا ترك الاحتجاج به وقال أبو بكر بن نقطة كان ثقة وتوفى القطيعى لسبع بقين من ذى الحجة سنة ثمان وستين وثلاث ماية وعلى تقدير ثبوت ما ذكره أبو الحسن بن الفرات من التغير وتبعه المصنف فممن سمع منه فى الصحة أبو الحسن الدارقطنى وأبو حفص بن شاهين وأبو عبد الله الحاكم وأبو بكر البرقانى وأبو نعيم الأصبهانى وأبو على بن المذهب راوى المسند عنه فإنه سمعه عليه فى سنة ست وستين والله أعلم
467 النوع الرابع والستون معرفة الموالى من الرواة والعلماء
قوله وهذه أمثلة للمنسوبين إلى القبائل من مواليهم فذكر جماعة ذكر فيهم عبد الله بن وهب المصرى القرشى مولاهم ثم قال وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها كأبى الحباب سعيد بن يسار الهاشمى إلى آخر كلامه فذكر المصنف لعبد الله بن وهب فيمن ينسب إلى القبائل من مواليهم ليس بجيد فإن ظاهره يقتضى أنه مولى قريش وإنما
468 هو مولى مولاها فكان ينبغى أن يذكر مع سعيد بن يسار لما ذكر أنه مولى بنى هاشم وذلك أن عبد الله بن وهب القرشى الفهرى مولى يزيد بن رمانة ويزيد بن رمانة مولى أبى عبد الرحمن يزيد بن أنيس الفهرى ذكر ذلك جماعة منهم ابن يونس فى تاريخ مصر وبه جزم المزى فى تهذيب الكمال وقال ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والسمعانى
469 فى الأنساب مولى رمانة وقال البخارى فى التاريخ الكبير مولى بنى رمانة وهذا موافق لما تقدم عن ابن يونس وهو الصواب وإلى فهر تنسب قريش ومحارب والحارث بن فهر قال الشاعر به جمع الله القبائل من فهر
470 والحمد لله أولا وآخرا و صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين قال مؤلفه أعزه الله وهذا آخر ما تيسر جمعه على كتاب علوم الحديث والله تعالى ينفع به جامعه وقارءه ومن نظر فيه ويبلغنا من رحمته ما نؤمله ونرتجيه إنه على كل شئ قدير وبالإجابة جدير
471 قال مؤلفه أمد الله تعالى مدته وكان الفراغ من تبييض هذه النسخة فى يوم الأحد الحادى والعشرين من ذى القعدة الحرام سنة اثنتين وثمانين وسبعماية وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين
472 كتبه بيده لنفسه ولمن شاء الله تعالى من بعده أقل عبيد الله تعالى وأفقرهم وأحقرهم وأصغرهم وأحوجهم إلى مغفرة ربه ورحمته يعقوب بن أحمد بن عبد المنعم الأزهرى للأطفيحى غفر الله ولجميع المسلمين اللهم ارحمهم رحمة واسعة واغفر لهم مغفرة جامعة لمحمد وآله يا رب العالمين وكان الفراغ من كتابته يوم الاثنين المبارك لثمان وعشرين ليلة خلت من شهر شعبان المكرم عام 793 أحسن الله عاقبتها فى خير وعافية بلا محنة بمنه وكرمه والحمد لله رب العالمين
473 الحمد لله حدثنا شيخنا الإمام العلامة
حافظ العصر فريد الدهر أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسن بن عبد الرحمن
العراقى إملاء من حفظه ولفظه فى يوم الثلاثاء ثانى ذى الحجة سنة ست وتسعين
وسبعمائة أخبرنا الشيخ أبو عبد الله
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم الدمشقى رحمه الله قال أنبأنا المقداد بن هبة
الله القيسى قال أنبأنا ثابت بن مسرف قال أنبأنا أبو بكر محمد بن عبيد الله
الزاغونى قال أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن أبى الصقر قال أنبأنا أبو النعمان
تراب بن عمر الكاتب قال أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن المفسر
الفقيه الشافعى قال حدثنا القاضى أبو بكر أحمد بن على بن سعيد المروزى قال حدثنا
بن شاهين قال حدثنا خالد عن يزيد عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل
فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتسبيح
والتكبير هذا حديث رجاله مخرج لهم فى
الصحيح فابن شاهين واسمه إسحق احتج به البخارى وخالد هو عبد الله الواسطى اتفقا
عليه ويزيد وهو ابن أبى زياد روى له مسلم فى المتابعات وعلق له البخارى والحديث
أوله مشهور من حديث ابن عباس وآخره غريب من حديثه وإنما يعرف آخره من حديث ابن عمر
كما سيأتى وقد أخرج البخارى وأبو داود والترمذى وابن ماجه أوله من رواية مسلم
البطين زاد أبو داود ومجاهد وأبو صالح كلهم عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس دون قوله
فأكثروا إلخ زادوا فيه قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه
وماله فلم يرجع بشئ فقال الترمذى هذا حديث حسن صحيح غريب تم الكتاب بحمد الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق